الآية 73 من سورة المائدة

زهير الجوهر في الأحد ٢٨ - سبتمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

تحية طيبة

هذا المقال جاء في سياق التعليق على تعليقات كل من الاستاذين الفاضلين شريف صادق و سنان السمان حول مقال  أهل الكتاب ومجموعاتهم للأستاذ الفاضل عمر الشفيع.


سورة المائدة - سورة 5 - آية 73

لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من اله الا اله واحد وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب اليم


الشرح: لنقطع هذه الآية الى أربعة مقاطع للتسهيل:

لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة

الآن السؤال من هم الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة التي تعنيهم الآية؟

الجواب: نقول بما أنه لايوجد دليل على التخصيص بمجموعة معينه, لذا فسوف نأخذ بعموم اللفظ, أي ان المعنى هو

كل من قال أن الله ثالث ثلاثة أذن فهو قد كفر

السؤال هو لماذا؟

هذا ما يجيبنا علية المقطع الثاني من الآية:

وما من اله الا اله واحد

أي أن هذا المقطع يقول لنا بأنه يوجد اله واحد فقط وهو الله, ولذلك فأن القول بثلاثة الهه هو أنكار لوحدانية الألوهية لله وبالتالي فهو كفر, لأن الكفر مشتق من الأنكار.

نستمر مع الآية فنصل الى المقطع الثالث:

وان لم ينتهوا عما يقولون

الواو للأستئناف, أن هنا شرطية بمعنى أذا أي أن المعنى من هذا المقطع

وأذا لم ينتهي الذين يقولون بأن الله ثالث ثلاثة عن هذا القول (أي القول بأن الله ثالث ثلاثة).

هنا نحن سوف ننتظر جواب أن الشرطية, حيث كلنا يريد أن يعلم ماذا سوف يحصل لهؤلاء الذين يقولون بأن الله ثالث ثلاثة والذين في نفس الوقت لم ينتهوا عن هذا القول, أي أنهم مصرين على أن الله ثالث ثلاثة, ياترى ماذا سيحصل لهم ؟

الجواب هو:

ليمسن الذين كفروا منهم عذاب اليم


اللام تفيد التوكيد, أي بالتأكيد سوف يمس "الذين كفروا" من الذين يقولون بأن الله ثالث ثلاثة ولم ينتهوا عن هذا القول , سيمسهم عذاب اليم.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا؟ والذي على الأستاذ شريف صادق والأستاذ السمان ان يجيبوه هو:

طالما نحن عرفنا من مقدمة الآية بأن كل الذين يقولون بأن الله ثالث ثلاثة ولم ينتهوا عن هذا القول هم قد أرتكبوا كفرا, فماذا يعني "الذين كفروا منهم".

لو أصرينا على أن معنى الكفر في بداية الآية هو نفسه المذكور في نهاية الآية, لوصلنا الى متناقضة صريحة, وهي متناقضة أن الجزء المضبوط* يساوي** الكل, وهذا محال منطقيا, (ملاحظة "من" في اللغة تفيد التجزئة المضبوطة* في المنطق, وليس التجزئة فقط)

ولو أفترضنا بأن "من" المذكورة في "منهم" في الآية تفيد التجزئة الغير المضبوطة منطقيا***, عندها تكون جملة الذين كفروا منهم زائدة (هذا أذا قلنا بأن الكفر في بداية الآية وفي نهايتها له نفس المعنى بالضبط).

لذلك السؤال لماذا قال الله " الذين كفروا منهم"

لماذا لم يقل التالي:

لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من اله الا اله واحد وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسنهم عذاب اليم

هذا هو الأبلغ اذا أصرينا على أن الكفر في بداية الآية هو نفسه المذكور في نهايتها, حيث أن "الذين كفروا منهم" ستكون زائدة.

بالنهاية نرى أننا أذا أصرينا على ان الكفر في بداية الآية هو نفسه الذي في نهايتها, فسوف نصل أما الى متناقضة منطقية صريحة أو الى كلام زائد, وكلاهما مرفوض.

أذن نصل الى النتيجة التالية:

أن الكفر المذكور في بداية الآية هو ليس نفسه المذكور في نهايتها.

الكفر المذكور في بداية الآية معناه الأنكار الأعتقادي لحقيقة التوحيد.

الكفر المذكور في نهاية الآية معناه الكفر السلوكي المترتب على الكفر الأعتقادي.

النتيجة المهمة هي أنه: الكفر الأعتقادي لوحده غير كافي للأستحقاق العذاب الأليم, بدليل "منهم" الموجودة في هذه الآية, لذلك يجب أن يكون هناك كفر آخر بالأضافة الى الكفر الأعتقادي كي يستحق صاحبة العذاب الأليم, وهذا الكفر الآخر هو الكفر السلوكي (أي الجريمة) التي يكون سببها أو الدافع اليها الكفر الأعتقادي.

أي أنه هناك الكثير من المسيحيين الذين يقولون بأن الله ثالث ثلاثة, لكن أغلبهم أناس صالحين غير مرتكبين للكفر السلوكي, لكن هناك في التأريخ من أرتكب جرائم قتل اليهود والمسلمين والمشركين بأسم الدين المسيحي, فهولاء هم مثال على هذه الفئة من الناس الذين دفعهم كفرهم الأعتقادي الى ارتكاب الكفر السلوكي, و مثل هكذا فئة هي التي تتوعدها الآية بالعذاب الأليم.

طبعا كل من أرتكب الكفر السلوكي أيا كانت ديانته فهو موعود بالعذاب الأليم, لكن هنا الآية تتكلم عن الكفر السلوكي المترتب على الكفر العقائدي.

أنتهى تفسيري لهذه الآية.

المشكلة هو أني لاحظت أن الأستاذين الفاضلين شريف صادق وسنان السمان وغيرهم في الحقيقة, يكثر من كلمة "البين الذي لايحتاج شرحا". وهم في تعليق لهم على مقالة  أهل الكتاب ومجموعاتهم للأستاذ عمر الشفيع, قالوا بأن هذه الآية من الآيات البينات التي لاتحتاج الى الشرح.

وفي الحقيقة أنا أريد أن أورد تعجبي من هذا الكلام, ماذا يقصدون ب" لاتحتاج شرحا".

مع أحترامي الكبير للأستاذين الفاضلين, لكني أختلف معهما في هذه النقطة, وأقول بأن كل وأكررها كل آيه في القرآن بحاجة الى الشرح والتوضيح, وبالأخص الآيات التي تتناول موضوع الكفر والشرك, فالآية أعلاه هي آية تكفيرية, أي أنها تحدد خواص معينه يعتبر من يتصف بها قد أرتكب كفرا, وتتوعد مجموعة من الكفار بالعذاب الأليم.

مثل هكذا آيات تعتبر آيات خطيرة, حيث يترتب عليها تبعات خطيره في حالة أساءة فهمنا لها. مثل هكذا آيات حتى لوكانت واضحة وضوح الشمس, لابد من شرحها الى أبسط حد ممكن وتوضيحها حتى لايقع خطأ في تفسيرها يقودنا الى مشاكل كثيرة.

مبدأ المسؤلية يحتم علينا أن نشرح ونوضح كل ما أمكننا توضيحه من القرآن, وخصوصا الآيات الخطيرة (الآيات التي يترتب على الخطأ في فهمها تبعات خطيرة منظورة على الواقع مثل الآية أعلاه).

مع التقدير للجميع

  


 

   * الجزء المضبوط يترجم للأنكليزية ب Proper  part

** يساوي هنا معناها المساواة المنطقية : أي أن س=ص أذا كانت أي خاصية ع موجودة في س أذن ستكون موجودة في ص, وأي خاصية ك موجودة في ص أذن فهي موجودة في س.

*** الجزء الغير مضبوط أو "الجزء"  يترجم للأنكليزية بمعنى  Part

للتفاصيل ممكن مراجعة نظرية الأجزاء (Mereology)

أي شيء س هو جزء من نفسه , ولكن لايوجد شيء س بحيث ان س هو جزء مضبوط من نفسه.

منطقيا:  كل س ( س جزء من س) هي عبارة صحيحة.

منطقيا: كل س ( س ليس جزء مضبوط من س) هي عبارة صحيحة.

"من" في اللغة العربية تستعمل للتبعيض (التجزئة) والتي تترجم منطقيا الى التجزئة المضبوطة, وليس الى التجزئة فقط.

 

 

اجمالي القراءات 25879