عقوبة الإعدام بين القرآن والتراث والقانون:
عقوبة الإعدام بين القرآن والتراث والقانون .

عثمان محمد علي في الأحد ٢١ - سبتمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

عقوبة الإعدام بين القرآن والتراث والقانون .

بسم الله الرحمن الرحيم

عقوبة الإعدام بين القرآن والتراث والقانون المدنى المصرى .

مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيe;َحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ [المائدة : 32]

الحق فى الحياة حق أصيل .تمحورت حوله حقوق العباد  فى  مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء ، ومن أجل الإنسان خليفة الله لإعمار الأرض الذى  سخر الله جل جلاله له ما بين السموات والأرض من عوالم .وجعل له القدرة على فهم سننها ومعرفة نواميسها يوما بعديوم .بل إنى أستطيع أن أقول انه ثانى إثنين فى الخلق خلق الله جل جلاله لهما الجنة والنار .هذا المخلوق المكرم العظيم كان جديرا بأن تتحدث عن حقه فى الحياة ،وحفظ نفسه من عبث العابثين بها كل الشرائع السماوية السمحاء .وعلى العكس من هذا تماما توسع الفقه التراثى بل وتبارى أئمته فى إصدار فتاوبمسوغات عديدة  لأهدار دمه(اى الإنسان)  وإراقته لأسباب شتى ما أنزل الله بها من سلطان .ولأهمية هذا الحق العظيم للإنسان ،وتبرئة لدينى الإسلام ،وكتابى القرآن .أعددت هذه الورقة لأقدم من خلالها  لمحة سريعة عن حق الحياة بين القرآن ،والتراث ،والقانون المدنى المصرى ،لعلنا نساهم بها فى تجلية حقيقة ومقصدا عظيما من مقاصد قرآننا العظيم ،وشريعة الإسلام الغراء. .وقد عنونتها تحت إسم  (عقوبة الإعدام بين القرآن والتراث والقانون ) .

وبداية أقول أنى بحثت عن كلمة الإعدام كمصطلح يعبر عن القتل أو القصاص فى القتل  بين ثنايا كلمات  القرآن فلم أجده .إذن فهو ليس بمصطلح قرآنى .ومع هذا سنتعامل معه كم عرفه الناس وتعارفوا على فهم تعريفه و معناه ،وهو إحدى وسائل إزهاق النفس البشرية تنفيذا لحكم قضائى .

ولنعد لمفردات الورقة .

عقوبة القتل فى القرآن الكريم .

بداية لا بد أن نذّكر بأن الحقوق فى القرآن، نوعان .حقوق الله وحقوق العباد .وحقوق الله ليست عليها عقوبة جسدية دنيوية .بمعنى أنه لا عقوبة جسدية مثلا  على ترك الصلاة أو الإفطار عمدا بدون عذر قهرى فى نهار رمضان ،ويؤجل الحساب عليها إلى يوم الدين.

 اما حقوق العباد فمن عدل الله بنا و لإستقرار الحياة البشرية وإستمراريتها بسلام وآمان بين عباده ، أن جعل لها عقوبات جسدية على كبريات جرائم البشر تجاه بعضهم البعض.وقد وزعت هذه العقوبات بين ثنايا سور وأيات القرآن الكريم المئة وأربع عشرة سورة قرآنية ،ولم تسطر فى آية واحدة أو سورة واحدة ،وهذه العقوبات تتمثل فى القصاص فى القتل العمد  والجروح ،أو الدية بديلة عنهما .والجلد فى حالتى فاحشة الزنا وقضف المحصنات المؤمنات الغافلات . وقطع يد السارق (وليس بترها) .وتشمل كل هذه العقوبات عقوبات  جريمة الحرابة والإفساد فى الأرض ،وهى ما نسميها عرفيا بجرائم قطع الطريق والبلطجة والتعرض للأمنين المسالمين بقصد ترويعهم والتعدى عليهم وعلى أملاكهم وأعراضهم واموالهم ، وما ينتج عنها من جرائم قتل وسرقة ونحوها . أى بإختصار فإن العقوبات الجسدية فى القرآن ،أو فى الشريعة الإسلامية لا تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة .

ولو عدنا لأغلظهم  عقوبة وهو القتل .فنقول .أن الأصل فى الحياة هو السلام والآمان ،ولكن مع وجود الشيطان وأذنابه مؤثرا على النفس الأمارة بالسوء، فلم تخل المعاملات بين أبناء آدم منذ بدء الخليقة  من الشحناء والبغضاء والشجار والعراك.وفى بعض حالات تلك المشاجرات والتقاتل  تصل إلى درجة القتل.وللوقاية من هذه الحالة أمرنا ربنا سبحانه أن نطيع أوامره سبحانه فى أوامره التى قال فى بعضها (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران : 134]

وقوله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً) . وقوله سبحانه وتعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة : 179].    أى أن المؤمنين الآمنين يتحلون بكظمهم للغيظ ،وعفوهم عن المخطئين ،وأنهم لا يقعون فى جريمة القتل إلا خطئا. ولكن لو وصل إتباعهم للشيطان إلى العزم وعقد النية   على إزهاق روح الآخرين ،مرتكبين   لجريمة القتل .فهذا ما يعتبره الشرع ،قتلا متعمَداً ،مما يستوجب ضرورة تنفيذ إحراءات العقوبة المقررة شرعاً على مرتكب الجريمة  ،وهى القصاص فى القتل .

 ولو أيقن القاتل حين يقتل ،والمحرض والمساعد على القتل العمد حين يحرض وحين يساعد أنه سيٌقتل  حداً ،ما أقدما على إرتكابها.ولو أيقن القاتل والمحرض والمساعد على جريمة القتل أن عذاب الله فى إنتظاره يوم القيامة كما يقول ربنا سبحانه وتعالى (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء : 93] . ما أقدم على فعلته النكراء وجريمته البشعة الممقوتة عند الناس ورب الناس .ومع هذا فإن  هناك رجاءات قرآنية لأهل القتيل أو لوليه   (كما عبر عنه القرآن ) بالصفح والغفران  قبل تنفيذ العقوبة على مرتكبها ،جاء فيها .( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) أى طلب الصفح والعفو من اهل القتيل ،وقبول الدية بديلا عن القصاص فى القتل ،فإن قبلوا بذلك فلتؤدى إليهم الدية بالإحسان فى الأداء ،وأن ذلك كله تخفيف و نزول بالعقوبة من أقصى درجاتها  حفاظا على حياة الأنفس ،ورحمة من الله بالناس القائل سبحانه  (وما جعل عليكم فى الدين من حرج ) ....ولكن  .إذا  تَمسَكَ أهل القتيل وولى دمه بالقصاص ،فليكن القصاص ، وليكن كما أمر الله به فى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة : 178]   ..

ثم نأتى للجزء الآخر الذى يحكم فيه بالقصاص أيضا وهو ما يعرف بحد الحرابة :الذى قال عن فاعليه ربنا سبحانه (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة : 33] .فأولئك الذين يحاربون الله ورسوله ،أى الذين يحاربون شرع الله ورسالته للناس التى تنص على الحفاظ على حياتهم وأنفسهم ،وعلى سلامتهم وأمنهم بالليل والنهار والسروالعلن والنجوى والعلانية .يحاكمون كلا حسب جريمته ،فإن صاحب فعلته فى قطع الطريق والبلطجة والتهجم على الآمنين قتلا وإزهاقا للأنفس البريئة التى حرم ربنا قتلها إلا بالحق (اى إلا بالقصاص) ،فليحكم عليه بالقتل حدا وقصاصا. وإن صاحب فعلته سرقة ،فلتكن عقوبة السرقة وهى القطع .وإن كانت غير ذلك من ترويع وتخويف للآمنين فلتكن الصلب ،أى تقييدهم وربط أيديهم وأرجلهم وإسنادهم إلى ما يشبه الصليب (دون قتل أو تقطيع ) لينظر إليهم الجميع وليكونوا عبرة لمن تسول له نفسه بفعل مثل تلك الجرائم ،وليعلم ألمجتمع أن له سلطة قادرة على حمايته ،والتمثيل بمن يقدم على تهديده وتخويفه وترويعه . وإن كانت فعلته دون ذلك ،فليكن نفيه من الآرض ،أى الحكم عليه بمغادرة هذه الأرض التى يعيش عليها ،وتحريمها عليه إلى أن يتوب ويعمل عملا صالحا ،أو أن ينفى من الأرض داخل االسجون التى أنشأها المجتمع لمثل هذه العقوبات إلى حين .ولبشروا بعذاب عظيم من الله على فعلتهم إذا لم يتوبوا إلى الله توبة خالصة مقرونة بعمل صالح ،ينقذهم من عذاب الله ويقربهم من رحمته ورضوانه جل جلاله . ولا يفوتنا هنا أن ننوه أيضا بأن هناك مراحل قبل تنفيذ العقوبة من طلب للعفو ،وعرض الدية ،وهكذا كما فى جريمة القتل العمد الآخرى .

ومن كل ما سبق نستخلص أن عقوبة القصاص فى القتل لا تكون سوى فى حالتين مرتبطتين بالقتل العمد ،وهما القتل العمد بكل صوره ،سواء بعقد النية والعزم على ذلك ،او نتيجة لشجار وعراك أدى إلى إزهاق نفس حرم الله قتلها .  وعقوبة للحرابة والإفساد فى الأرض المصحوبة بقتل نفس حرم الله قتلها ، فقط لا غير.

عقوبة الإعدام فى التراث ،

فى الحقيقة الأمر مختلف عند الفقهاء حول العقوبة بالقتل سواء كان قصاص أو غير قصاص. فلقد توسع الفقهاء واسرفوا فى تحليلهم لإستخدام القنل كعقوبة فى صور شتى وبمررات عدة .فهم قد أقروا بالقصاص كما جاء فى القرآن الكريم للقتل العمد وللقتل فى الحرابة والإفساد فى الآرض (مع إختلافهم للحرابة والإفساد فى الآرض عما نفهمه نحن  فقد جعلوا منهما مفهومين يصعب حصرهما ،) .واضافوا إليه جرائم أخرى منها وأهمها – حد الردة –رجم الزانية والزانى المحصنة والمحصن حتى الموت – وقتل من يخالف أمر الجماعة شاقا لطاعتهم --- فتواهم بأن للحاكم أن يقتل ثلث الرعية لإصلاح الثلثين الباقيين – فتواهم بأن للحاكم أن يرى رأيه فى أسرى الحرب بين أن يقتلهم أو يمن عليه بإطلاق سراحهم ،أو أن يسترقهم ويبيعهم عبيدا وإماءا ،أو يوزعهم عبيدا وإماء وغلمانا وفتيات على رجال ونساء المسلمين . وسنعود إلى كل قسم بشىء من التفصيل .

حد الردة – لقد تصور وتخيل فقهاء التراث وحكامهم أنهم يملكون الأرض ومن عليها ،وأنهم مسئولون عن دخول الناس الجنة بدلا من النار،فتدخلوا بإكراه الناس وقهرهم وحملهم على عدم إستخدام  فى إرادتهم وحريتهم ومشيئتهم فى إختيار دينهم ،أو مذهبهم .وسنوا لذلك السنن وشرعوا التشريعات ،واسندوها لله جل جلاله تارة (فى أحاديث سموها قدسية) أو إلى نبيه ومصطفاه محمد بن عبد الله (عليه الصلاة والسلام )(سموها نبوية) .متعدين على شرعة الله ومنهاجه وسننه فى قرآنه العظيم ،فى سبيل إرضاء خلفائهم وأمرائهم وسلاطينهم ،غير عابئين بغضب  من الله عليهم ولعنته وتوعده لمن يكتبون الكتاب بأيديهم ويقولون هذا من عند الله.متناسين مئات ومئات من الأيات القرآنية الكريمة التى حثت على حرية العقيدة والدين والتدين .ومنها على سبيل المثال لا الحصر قول الله تعالى (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم إزدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) ...وكذلك قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه ) .وقوله تعالى (لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى ) ..وقوله سبحانه ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)..وكل هذه الآيات الكريمات البينات يشرن بإيضاح تام أن الإسلام كفل حرية العقيدة والتدين ،وأن الآمر متروك لله رب العالمين يفصل فيه يوم الدين . ومع ذلك أبى فقهاء المسلمين ألا أن يأتوا بوحى آخر يقلبون به الأمر راسا على عقب ،ليذهقوا به ارواح الأبرياء ويهرقوا دمائهم أينما شاءوا واينما كانوا . فأخترعوا لذلك  سلسلة من الأحاديث منها على سبيل المثال لا الحصر (عن على ، سيخرج فى آخر الزمان قوم أحداث الأسنان،سفهاء الأحلام،يقولون من قول خير البرية ،يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ،يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية،فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن فى قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة) . أى انهم جعلوا قتل خصومهم مباحا للجميع ،يتنافسون فيه إبتغاء مرضاة الله ،يتساوى فى ذلك الحاكم والمحكوم .

وفى رواية بخارية أخرى (عن عبدالله .لا يحل دم إمرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ,انى رسول الله،إلا بإحدى ثلاث ، الثيب الزانى ،والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة ). وهنا تتضح الرؤية أكثر بالتلويح بالقتل لمن يفكر ويجروء على ترك دينه ،مخالفاً للجماعة.

وفى رواية أخرى يقول البخاى فيها .(عن زيد بن علاقة قال سمعت عرفجة يقول ،ستكون هناك هنات وهنات ،فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهى جميع ،فإضربوه بالسيف كائنا من كان ) . وكما هو واضح أن الرواية يخرج منها رائحة الإختلاق للرواية خدمة للأمراء .ويقال أنها وضعت للتسويغ بقتل من يخرج على آل العباس من أبناء عمومتهم العلويين أو أبناء وأحفاد ابو سفيان بن حرب. ولكنها أصبحت سيفا مسلطا على رؤس الناس جميعا ألآن .فلو قفز للحكم المتأسلمين فسيقتلون رؤساء واصحاب الأحزاب الاخرى بها ،لأنهم يفرقون جمع الأمة ويعملون على تشتيتها ،كما آمن بذلك زعيمهم حسن البنا –فى رفضه التام لفكرة الأحزاب .وفى رواية أكثر صراحة ووضوحا يستندون عليها ،تقول ( من بدل دينه فأقتلوه) .يعنى من الآخر من حاول تغيير دينه ومذهبه فلا رجعة عن ذبحه أضحية فى أقرب عيد أضحى.

ولا يفوتنا أن ننوه لمن أراد الإستزادة  ،ودراسة موضوع حد الردة ،دراسة تامة تفصيلية فليعد إلى قراءة كتاب المفكر الإسلامى الكبير الأستاذ الدكتور – أحمد صبحى منصور – عن (حد الردة) فالكتاب منشور منذ سنوات وموجود بالمكتبات المصرية .

وعلى جانب آخر فقد توسع الفقهاء فى فتواهم التى  يبيحون فيها  لولى الأمر أن يقتل ثلث الرعية لإصلاح الثلثين .(فهل هناك تعد على شرع الله أكثر من هذا؟ ،وهل  هناك خبل عقلى أكثر من هذا؟)

وفى موضع فقهى آخر ،أباحوا  للحاكم وولى الأمر أن يعفو عن اسرى الحرب ويمن عليهم ،أو يقتلهم جميعا ،أو يسترقهم ويبيعهم عبيدا وإماءا فى الأسواق ،أو يسترقهم ويوزعهم عبيدا وإماءا كغنائم على المسلمين .

رجم الزانى المحصن (اى المتزوج):

عقوبة الزانى  سواء كان متزوجا او غير متزوج فى شريعة الله الواردة فى كتابه العزيز هى الجلد ،كما جاءت فى قوله تعالى (الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تاخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين )أى أن العقوبة واضحة ومحددة بمئة جلدة .سواء كان الزانى محصنا أو غير محصن ..ولزيادة التأكيد على أن هذه هى العقوبة المحددة كما وكيفا .يقول القرآن الكريم عن عقوبة الإماء الزانيات (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [النساء : 25]..فكيف ستكون نصف العقوبة إذا كانت العقوبة الرجم حتى الموت...ولكن المنطقى  أن تكون خمسين جلدة .

وعلى العكس من نصف العقوبة كانت مضاعفتها ،ولكن هذه المرة لأزواج النبى عليه الصلاة والسلام .فيقول ربنا سبحانه وتعالى (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً .وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً [الأحزاب :30 31].

فلو تصورنا جدلا تطبيق نبينا عليه الصلاة والسلام – او أحد خلفاءه لهذا الحكم على من تخطىء من أزواج النبى ،وتأتى بفاحشة مبينة ،فكيف ستكون العقوبة إذا كانت الرجم حتى الموت ؟؟ هل يرجمونها مرتين ،مرة وهى على قيد الحياة ،ومرة بعد وفاتها؟؟؟

ومع وضوح عقوبة الزنا فى القرآن الكريم ،إلا أن الفقهاء سنوا تشريعات ما أنزل الله بها من سلطان تحت مسمى الرجم ،ووضوعوا لها متون واسانيد نسبوها للنبى عليه الصلاة والسلام .مخالفين بها شريعة القرآن فى العقوبة ،وفى تحديد مفهوم مصطلح الرجم فى القرآن .وسنتعرض لذلك بالآتى .

ففى رواية مضحكة يقول البخارى فيها (عن عمر بن ميمون ،قال،رأيت قردة إجتمع عليها قردة قد زنت فرجموها ،فرجمتها معهم ) .يعنى بسلامته عٌلٍِمَ منطق القردة ،وعلم منهم أن هنناك قردة مردة خالفت الشريعة بإرتكاب الفاحشة ،وأستحقا معها عقوبة الرجم ،ولعشقه وحرصه على الشريعة وتطبيقها لم يأل جهدا فى الإنتقام من القردة ورجمهم مع قبيلة القرود ....( أعتقد أن من إسمه جاءت التسمية الملاصقة للسارحين بالقرود فى القرى والآرياف فى الماضى (ميمون والقرد) ) ولا عزاء للعقلاء ....

ثم توالت الروايات فى رجم الزانى المحصن ،ومنها ما رووه (إبن عمر،أن اليهود جاءوا إلى النبى عليه الصلاة والسلام برجل وإمرأة زنيا ،فأمر بهما فرجما من حيث توضع الجنائز عند المسجد )..  الغريب أن اليهود كانوا  حريصين على تطبيق الشريعة التى لم يؤمنوا بها !!!! (شوفتم الهنا اللى إحنا فيه !!)

وفى رواية آخرى (أن اليهود جاءوا برجل وإمرأة زنيا للنبى عليه الصلاة والسلام ،فسئلهم (اى اليهود ) مذا تفعلون بهما ؟ فقالوا نسخم وجوههما ونخزيهما ،فقال إتوا بالتوراة فأتلوها إن كنتم صادقين ؟ فجاءوا فقالوا لرجل ممن يرضون يا أعور ،إقرأ حتى إنتهى إلى موضع منها فوضع يده على عليه ،فقال إرفع يدك فرفع يده ،فإذا فيه اية الرجم تلوح ،فقال يا محمد إن عليهما الرجم ،ولكنه نكاتمه بيننا ،فأمر بهما فرجما فرأيته يجانى عليها بالحجارة ) ...وفى هذه الرواية يحاولون الإستدلال بأن أية الرجم موجودة فى التوراة ،وأن النبى عليه الصلاة والسلام رجمهما بناءا عليها ،كما لديه من حكم فى شريعته .

وفى رواية لعبدالله بن أبى ،قال سألت هل النبى  رجم قبل أية النور أم بعدها ،فقال لا أدرى ؟؟

وفى رواية ماعز والغا مدية ،(التى لا أريد أن اقصها لما فيها من سوء خلق والفاظ تتنافى مع الأداب العامة ) ولكنى أعلم أن الجميع يعلمها . إختلفوا فى روايتها مرات ومرات.

وفى رواية قوية يروونها عن الخليفة عمر بن الخطاب (يرحمه الله ) يقولون فيها (قال عمر ،لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم فى كتاب الله فيضلوا بترك فريضة انزلها الله ،آلا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة ،أو كان الحبل (اى ظهرت علامات  الحمل على المرأة) ،أو الإعتراف ) ..(.وقد اضافوا لها أيضا ) أن لا ترغبوا عن أبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن ابائكم ..)

واضافوا أنه كانت هناك آيتين فى كتاب الله نسختا لفظا وبقيتا حكما وهما (الشيخ والشيخة إذا زنيا فأرجموهما البته ) ..طبعا المتن لا يحتاج إلى تعليق !!!!

وبنظرة سريعة على مفهوم مصطلح  الرجم فى القرآن الكريم وجدناه يختلف تماما عن مفهومه عند الفقهاء ، الذى يعنى عندهم ( الرمى بالحجارة للزانى حتى الموت )....وإليكم لمحة سريعة عن مفهوم الرجم فى القرآن.

فقد وردت كلمة الرجم ومشتقاتها فى موضع عدة فى القرآن الكريم ،جاءت أكثرها مرتبطة بالشيطان الرجيم .ففى قوله تعالى (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ [صـ : 77]....وفى قوله تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل : 98]

ويقول ربنا سبحانه –( وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ) [التكوير : 25]

ويقول جل جلاله (وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ )  [الحجر : 17]

وفى قصة مريم عليها السلام يحكى القرآن قائلا (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ )[آل عمران : 36] ..ففى كل تلك الآيات السابقات تدل كلمة رجيم على أنه الملعون والمطرود من رحمة الله الرحمن الرحيم  ،وليس المقتول رمياً بالحجارة والحصى كما يفهم الفقهاء.

وفى بعض الأيات المتحدثة عن قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصالحين من أهل الكهف  ،يحكى لنا القرآن الكريم فيقول عن إبراهيم ،ونوح ،وشعيب، وموسى ،ورسل سورة يس عليهم الصلاة والسلام جميعا يحكى لنا القرآن الكريم كذلك فيقول (قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ )[الشعراء : 116]

و—( قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً )[مريم : 46]

و—( قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ)  [هود : 91]

و---( وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ) [الدخان : 20]

و—( قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ [يس : 18]

و--- (ِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً ) [الكهف : 20]

وفى كل هذه الأيات جاءت كلمة الرجم أيضا بمعنى اللعن أو الطرد او الإساءة البدنية ،ولم تأت أبدا بمعنى القتل ،فقد إستخدم القرآن الكريم مصطلح القنل صريحا واضحا كتعبير عن القتل وعن الوفاة والموت ،ولم يستخدمه بديلا عن الرجم .والعكس بالعكس ...وما افهمه من القرآن الكريم أنه يستخدم المصطلحات الشديدة الوضوح فى  أيات الشرائع وخاصة العقوبات ولا يتركها للقيل والقال وإختلاف المفاهيم بين البشر . إذا لا يمكن أبدا أن يكون الرجم مصطلحاً بديلا عن القتل أبدا ،سواء كان قتلا مباشراً او رميا بالحجارة والحصى .

عقوبة الإعدام فى القانون المصرى :

فى الحقيقة لقد توسع المشرع المصرى ايضا فى إستخدامه لعقوبة الإعدام ،فعلاوة على أنه عقوبة للقتل العمد ،فقد أضاف إلى مواد قانون العقوبات المصرى ،ما أفتى به فقهاء التراث من قانون (حد الردة ) وإن كان قد جعل الإحالة والموضوع برمته بيد النيابة العامة ،إلا انه ما زال سيفا مسلطاً على رقبة كل من يخالف الدولة الدينية وسلطتها ،وسيعمل به فور تولى جماعات الإسلامى السياسى لسلطة الحكم .وسيتخلصون به من كل خصومهم السياسين والدينين ،وأولهم، (القرآنيون والليبراليون ،وقادة الآحزاب السياسية بالبلاد) .....وكذلكقد توسع المشرع المصرى أيضا فى إستخدام عقوبة الإعدام فى كثير من مواده القانونية بقانون العقوبات حتى تجاوزت الإثنتين وأربعون مادة قانونية ،بدأت من الخيانة العظمى ،ومرت بالتخابر ضد الدولة ،وإقتناء الأسلحة النارية ،وتجارة المخدرات ،والتهديد بقلب نظام الحكم ،والمساس بوحدة البلاد وأمنها وإستقرارها ،ووووو. وسأترك الحديث عن مواد قانون العقوبات المصرى فى هذا الشأن للسادة المحامين والقانونين ،فهم أكثر منى علما وقدرة فى التحدث فى هذه النقطة الحيوية ....

وفى النهاية – أقول – أن عقوبة الإعدام (أو القصاص فى القتل ) تطبق فى  الشريعة الإسلامية فى موضع واحد فقط وهو – القتل العمد ،والتحريض عليه ،والمساعدة فيه ، سواء كان هذا القتل منفردا أو من خلال الحرابة والإفساد فى الآرض .... وما عدا ذلك فالقرآن والإسلام منه براء براء براء .وأن ما توسع فيه الفقهاء والمشرع المصرى من تشريعات لإستباحة وإراقة الدماء وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق ،لهو من النصوص الخارجة  على شريعة القرآن الكريم ومقاصدها من حماية للنفس البشرية وحفظها.....وأذكّر المشرعين بقول الله تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ )[المائدة : 32]....

واشكركم على دعوتكم الكريمة وسعة صدركم وتحملكم لما قلناه .

----- كانت هذه ورقة شاركت بها فى الندوة وورشة العمل التى عقدتها جمعية (حقوق الإنسان لمساعدة السجناء المصرية ) بدعوة كريمة من رئيسها الأستاذ – محمد زارع –فى يوم 11-سبتمبر 2004.  بفندق بيراميزا بالقاهرة  ،عن (عقوبة الإعدام بين الإبقاء والإلغاء).. 

 

 

اجمالي القراءات 54844