هل المصريون سعداء بالذل أم تعساء بالخوف؟

محمد عبد المجيد في الخميس ١٨ - سبتمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

أوسلو في 17 مارس 2007

لو اجتمعتَ مع قطب معارضة مصري فستجد أمامك وطنياً ذكيا ومحلِلا عبقريا!
وإذا اجتمع اثنان منهم فهما أقل ذكاء!
وإذا زادوا عن ذلك ، سقط اختبار الذكاء كما يرسب تلميذ بليد للمرة السادسة في امتحان نهاية العام!
ماذا حدث في عقول صفوة الوطن، ونخبة المثقفين، وتجمعات صانعي القرار الفكري والاعلامي والمعارض لقوىَ الشرّ التي يمثلها الطاغية حسني مبارك؟
أما المعلومات فحدّثْ ولا حرَج، ولا يجهل أي منهم مشهدا باهتا جانبيا لأي من فصول كارثة مصر في ربع القرن المنصرم!
تحدّثَ مع أحدهم، فسيُسمعَك تفاصيل التفاصيل عن التعذيب والأسماء والأشخاص والأماكن، وعن أعداد المعتقلين، وعن الذين تم اغتصابهم في أقسام الشرطة، وعن عمليات النهب، والأموال التي قام بتهريبها حيتان عهد مبارك.
استزد منه ما يعرف، فسيصُمّ اذنيك بعد ارهاقهما بكم هائل من المعلومات عن المشروعات الفاشلة، وقوى الفساد، والتزوير والتزييف والكذب والاحتيال والخداع والاعتداء على الدستور وشبكة العفن السلطوي لمبارك في كل شبر من أرض مصر التي كانت طاهرة.
حدّثه عن الآمال والأحلام واشراقات غَدٍ جميل لوطننا العزيز، فستندفع من بين شفتيه عواصف وأنواء وأعاصير من الغضب على هذا الديكتاتور الذي حمل معه البوم والنعيق والخراب والأمراض والفقر ونهب خيرات مصر واللصوص والقسوة واحتقار الشعب وازدراء ممثلي العدالة.
استعلم منه عن جهازه العصبي وكيف يتحمل مشهد مِصْرِه الطيبة يجثم فوقها أشد الطغاة قسوة ووحشية وذئبية ينهشها قطعة .. قطعة، فيجيبك أنه لا ينام الليل إلا قليلا، نصفه أو ثلثه وطائفةٌ من الذين معه، فهو يحب مصر حبا مَلَكَ عليه حواسَه، ويخترق هذا الولَهُ بأم الدنيا كلَّ مسامات جسده، وهو يعرف أن الله لا يقف مع المترددين، وأن حب الوطن إن لم ينعكس سلوكا يخيف الطغاة فهو كراهية مخبئة خلف قلب يرتعش ، واسنان تصطك، وركب تنفصل لدى رؤيتها كلاب القصر.
سَلْهُ ماذا يقول لرب العزة في صلاته وتهجده وركوعه وسجوده، فسيقول على استحياء: إنني أطلب من الله أن يذهب وحده ويقاتل مع الشجعان، أما أنا فسأراقب الوضع عن كثب.
هل تتعمد المعارضة المصرية بكل أطيافها وأجنحتها وألوانها وأطروحاتها وأيديولوجياتها الدعوة للتمرد والمناهضة لأسباب تعلم مسبقا أنها لن تؤثر قيد شعرة في تلك الملايين التي أنهكها حكم مبارك، وأصفر لونها، وهشّتْ عظامُها، واحتفلت الفيروسات في أجسادها بانتصارها النهائي بعد سنوات حُكم رجل لم يتنازل لحظة واحدة عن تحطيم الشخصية المصرية، جسدا وروحا وفكرا وأملا وحبا في الحياة ورغبة في الثورة وعشقا للحرية؟
لماذا ترفض، واقعا وليس حديث ثرثرة، كل قوى المعارضة العصيان المدني ضد مبارك مع العلم بأنه المخرج الوحيد لتحرير مصر مع افتراض أن الانقلاب العسكري تأخر بعض الوقت رغم حالة القلق والتذمر والغضب في ثكنات جيشنا البطل، لكن زعيم الثورة المقبلة لم يتحرك بعد؟
لماذا لا تتم دعوة العاطلين عن العمل لمظاهرة احتجاج في ميدان التحرير، وهم ستة ملايين لن يخسروا شيئا، ولو حضر منهم خمسون ألفا فإن مبارك سيلوذ بالفرار مع زوجته وبصحبه ابنيه وما سَهَلَ حَمْلُه من كنوز الوطن؟
لماذا لا تتم الدعوة للفقراء وغير القادرين على العلاج والدواء، وهؤلاء لو اجتمع منهم عشرة بالمئة في ميدان التحرير لما أمكن لكل رجال أمن مبارك أن يتحركوا من مواقعهم شبرا واحدا؟
كانت الفرصة أمام قوى المعارضة ذهبية في تمرد عمال كفر الدوار والمحلة الكبرى، وكان أمام عشرين ألف قاضٍ ضرب رجالُ مبارك زميلَهم بالحذاء أن تحرّكهم النخوةُ والشهامة والشجاعة والايمان بالوطن، لكنهم استكانوا، وتراجعوا، رغم أنهم الأكثر معرفة بتفاصيل الجحيم الذي صنعه هذا المستبد الغليظ والسادي؟
لكن قوى المعارضة الوطنية المصرية تختار دائما أسبابا تعرف مسبقا أنها لن تُغضب النظام، ولن تجمع عدة آلاف، فالشعب لا يعرف التعديلات الدستورية، والغضب من أجل ذبح الأسرى المصريين يمكن للنظام أن يُرْشِيه بعدة قرارات تدغدغ مشاعر البسطاء وكرامتهم.
لماذا لا تتحول حركة المعارضة إلى أشرف وأنبل وأصدق شعار لتحرير وطنهم وهو ( مظاهرة يشترك فيها كل من يطالب بمحاكمة الطاغية حسني مبارك عن جرائم ربع قرن ) ؟
هنا ترتعش المعارضة، ويبدأ تبرير الخوف، وينكشف المستور، ونعرف أن القضية كلها ليست أكثر من لعبة الكراسي المتحركة، وإلا فما معنى وجود نواب من الإخوان المسلمين في مجلس الشعب حيث يتم تمرير بيع وطن أمام الجميع؟ كيف تمنح القوى المعارِضةُ الشرعيةَ للقاتل والطاغية ومغتصِب الحُكم ومزوّر الانتخابات ومنتهِك الكرامة الذي أمر شخصيا باذلال المصريين واهانتهم ونهب أموالهم وتوريث ابنه ملكية مصر؟ لا أصدق أن قوى المعارضة الضخمة التي تملك بين اصبعين من اصابعها نقابات ورجال قانون وقضاء وعدالة وفكر واعلام وصحفا كثيرة، وتستطيع أن تحرك الجامعات والمصانع والشارع والفقراء والعاطلين والغاضبين وأهالي المعتقلين ظلما وكل من أضره حكمم الطاغية مبارك، تدعو فلا يستجيب لها إلا بضعة آلاف!
إنها تتجنب أي دعوة تسقط النظام وتحاكم المجرم وتحرر الوطن!
إنها تحفظ ماء وجهها كمعارضة، وتلعب دور الزوج المحلّلِ، وتَمُدّ في عمر النظام البلطجي لطاغية العصر وكل العصور.
أيها المصريون،
ليس أمامكم غير العصيان المدني والمطالبة بالقبض على الطاغية حسني مبارك وتحريض الجيش على التمرد والخروج من ثكناته لانقاذ شعبه.
لقد انتهت لعبة القط والفأر، ولن يمضي وقت طويل حتى يفهم الفأر أنها كانت لعبة سخيفة، يعرف مسبقا مصيره فيها.

اجمالي القراءات 10273