الخمر حلال في كثير من الشرائع إلا في كتاب الله

محمد مهند مراد ايهم في الأربعاء ٢٨ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً


آمنت بالله ربا إلها خالقا له الأمر وله الحكم وإليه مصيري آمنت برسوله مبلغا لرسالته
آمنت بكتابه الذي لا يأتيه الباطل من بيد يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد
ولما كان ذلك كان لزاما علي الإيمان بكل ما ورد فيه من إيمان بمخلوقاته التي أخبرني عنها من ملائكة وجن ونبيين ورسل, التزاما مني بأوامر كتابه, الله أمرني بكتابه أن آمن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا ) ومن هنا فأي أمر من الكتاب الكريم القرآن العظيم ينبغي تنفيذه دون تردد
أخذت أوامر الله ونواهيه على بساطتها دون تعقيد فهمت أنه ينبغي علي إن قال الله افعل فهو أمر مفروض منه عز وجل ينبغي تنفيذه دون تردد على النحو الذي أمرني الله به وضمن الظروف التي أمرني الله بها ولن أسأل كما فعل بنو إسرائيل حين أمرهم الله أن يذبحوا بقرة (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ* قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ* قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ* قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ* قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ) كان الموضوع بغاية البساطة كانت أي بقرة تصلح كون الأمر جاء بصيغة النكرة والنكرة لغة تفيد عدم التحديد بيد أن تعقيدات بني إسرائيل (والتي انتقلت إلينا) كلفتهم كثيرا ,كان ينبغي أخذ أمر الله على بساطته
وسأضرب صورا من التعقيدات التي ورثناها عن بني إسرائيل
قال الله في كتابه العزيز (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) كان أمر الله واضحا اغسلوا والغسل يكون بأي شيء ,الله يقول فلم تجدوا ماءً بصيغة النكرة أي ماء المهم أن يكون معروفا بأنه ماء بنوا إسرائيل حين كثر سؤالهم عن أمر بفعل شيء جاء بصيغة النكرة الله سبحانه وتعالى حملهم أغلالا عقابا لهم بيد أن الأغلال فينا كانت من صنع أيدينا بدأ التساؤل ما هو الماء الذي قصده الله في كتابه (ولو استعمل أحدنا أي ماء المهم أن يكون ماء لصح الأمر) ومن هنا بدأ القياس زيادة في الإصر ووضعا للأغلال قالوا بأن الماء ثلاثة أقسام طاهر مطهر وطاهر غير مطهر ونجس وهناك نوع رابع يكره استعماله والماء الطاهر المطهر هو
1- أن يكون مصدره أحد المنابع الطبيعية كالبحر والنهر والنبع والمطر (هذا يعني إن كان مكررا لا يصلح )
2- ألا يكون استعمل قبلا لإزالة أحد الحدثين (الغسل والوضوء) أو خالط ماء استعمل لإزالة أحد الحدثين إلا أن يكون الماء كثيرا
3- ألا يخالط نجاسة كالبول والبراز إلا أن يكون كثيرا
4- الماء الكثير حسب رأي بعض الأئمة قلة أو قلتين أو خمس أو عشر قلل وعند البعض العبرة ليس في الكمية وإنما في السطح وهو أن يكون الماء المخالط للنجاسة يزيد قطر سطحه عن عشرة أذرع
5- بالتالي إن خالط الماء ليس بالكثير نجاسة أضحى نجسا وإن خالطه ماء مستعمل أضحى مستعملا
6- ألا يكون الماء قد تغير فيه أحدى صفاته الحسية (اللون الطعم الرائحة) فإن تغير واقترب بصفاته من النجاسة كان نجسا وإلا صار طاهرا غير مطهر
7- الماء المكروه استعماله هو الماء المشمس وهو الماء الذي تعرض للشمس وكان في أحد الآنية المعدنية القابلة للسحب والطرق
من هنا نرى مدى التعقيد في الفقه الإسلامي لتنفيذ أوامر الله التي كان ينبغي أن تؤخذ ببساطة ولو قلنا للإنسان البسيط أن توضأ بالماء فسيفهمها على بساطتها ( هذا إن لم يكن قد قرأ في أحد كتب الفقه
لم يقتصر تعقيد بني إسرائيل على أخذ الأوامر والفرائض بل انسحب إلى النواهي وذلك أيضا تهربا من أوامر الله (واسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ )
الأوامر والفرائض تؤخذ بأن افعل أو وصفا للمؤمنين بالذين يفعلون(آمنوا أطيعوا قوموا أقيموا )يكفي هذا الأمر لنفهم أن الله فرض علينا(حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ )( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) وقد يأتي الأمر بصيغة قل للمؤمنين (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)
والنواهي والمحرمات تؤخذ بأن لا تفعلوا واجتنبوا (لا تقربوا ,لا تقتلوا ,لا تجادلوا, لا يغتب ,اجتنبوا )وقد تأتي وصفا للمؤمنين الذين يجتنبون أو تأتي بصيغة حرم الله أو حرم ربي
ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ
إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا

وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ

الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى
وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
وهنا نأتي إلى الآية الأخير التي أثيرت حول حرمة الخمر وأظن أن الموضوع قد استوفي بحثا وأنصح بمراجعة مقالات الأستاذ شريف هادي حول هذا الموضوع والتعليقات عليه ولكن (معذرة إلى ربي ولعلهم يتقون )
ما ورد في هذين الموضوعين آيتان واضحتان لا أعتقد أن اثنين يختلفان عليها وعلى أي حال سأستعرض الآيتين وأحاول تدبرهما
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) الله عز وجل يقول بأن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس ولم يقل فيهما رجس بل كل هذه الأمور رجس فاجتنبوه الخمر رجس فاجتنبوه والميسر رجس فاجتنبوه
لم أفهم ولم أستوعب إلى الآن كيف نجتنب الرجس الذي فيها إن كانت هي بحد ذاتها رجس
الوصف أتى بصيغة الحصر إنما وهي حصر وقصر حين يقول الله تعالى وصفا للشيطان الرجيم (إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) أي انه لا يأمركم إلا بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون
كذلك أتى وصف الخمر والميسر والأنصاب والأزلام كأنه يقول لنا ما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام إلا رجس فاجتنبوه
الآية الثانية (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ )
الخمر والميسر فيهما إثم
هل يستطيع أيا من الناس أن يحدد متى يكون إثما ومتى يكون ليس بذلك وعلى أي أساس استند في أنه في هذه الحالة إثم وفي تلك ليس بإثم هل عنده سلطان من الله ,الله عز وجل قال فيهما إثم وقال في موضع آخر (وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ ) الإثم في الخمر والميسر سواء ظهر لك أخي الكريم أم لم تستوعبه وتشابه عليك فالخمر فيه إثم وعليك أن تذر ظاهر الإثم وباطنه فستجزى بما كنت تقترف والله قال اجتنبوه وهو رجس
(تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ) صدق الله العظيم

اجمالي القراءات 32017