العولمة
العولمة بحاجة الى الدين

زهير قوطرش في الثلاثاء ٢٠ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

العولمة بحاجة الى الدين

تناولت وسائل الاعلام ،تقارير منظمات إنسانية ، وعلماء مختصين بالقضايا الاقتصادية في العالم ،قولهم أن أزمة غذاء عالمية تجتاح الكرة الارضية ،وتسائل البعض ،هل يمكن أن تكون هذه الازمة هي في المحصلة نتيجة سياسة العولمة الاقتصادية التي ركزت الثروة في ايدي الشركات العالمية الكبيرة والتي شكلت متحدة قوة اقتصادية هدفها زيادة الغنى المادي ل 20% من البشر والذين يسيطرون على 80 % من اصول الثروات ،والذي يترافق مع زيادة الفقر لأغلبية شعوب العالم وخc;اصة شعوب الدول النامية .
قبل تسع سنوات صدر كتاب هام أعتبره البعض الكتاب المقدس للعولمة تحت عنوان تقرير لوجانو – مؤامرة الغرب الكبرى. هذا الكتاب القيِّم الذي يجب على كل من يهتم بقضايا العالم الاقتصادية قرائته ودراسته ،لأنه بغض النظر عن أنه كتاب ممتع ،لكنه في الوقت نفسه يصدم كل قارئ حر،يؤمن بالعدالة الاجتماعية ، يصدمه بالتنبؤ الحاصل والذي تنبأت به مؤلفة الكتاب السيدة سوسان جورج ،الخبيرة الامريكية في قضايا التنمية،ولوجانو هي تعبير يدل على اسم مدينة سويسرية .هذا الكتاب قدم للناس رؤية ومثل انذاك فكراً جديدا في الغرب عموما،وفي امريكا خصوصاً،حيث بدأ ينبه هذا الكتاب الى خطورة انفلات العولمة .وقيِّم الليبرالية بصورة متوحشة وشرسة لأنها ستلتهم الفقراء لصالح تركز الثروة وتمركز السلطة السياسية في ايدي قلة من الاغنياء الأقوياء مادياً ،الامر الذي يؤدي الى عكس ما تهدف إليه الليبرالية الحقيقية.
الكاتبة تعتقد أن النظام الرأسمالي الغربي هو انجح ما انتجه العقل البشري في تاريخ البشرية الحديث ،لأنه القادر دون سواه على تحقيق الرخاء والتقدم.وحيث أن نظام السوق الحرة بكل ما يحمله من ضغوط وأعباء على الطبقات الفقيرة والأقل دراية وكفاءة هوالذي يجب أن يسود بدلاً من نظريات العقد الاجتماعي والعدالة الاجتماعية البالية !!!!!!! وتتابع الكاتبة رأيها في أن الليبرالية والراسمالية مرت بمراحل تطور عديدة ،فإنها الآن تمر بتطورها نحو العولمة ،واصفة إياها بذات القيم والأساليب الأشد قسوة وبشاعة عن كل ماسبق.وتستدرك ذلك بقولها ،"لكنها قدر لا مفر منه في القرن الحادي والعشرين الذي لن تدور سياسته
حول تقاسم الكعكة /الثروة/، كما فعلت في عصور دولة الرعاية بعد الحرب العالمية الثانية ،او حول من سيحصل على موارد وكيف ومتى . بل تدور حول مسألة بالغة الاهمية وهي البقاء على قيد الحياة".
والبقاء على قيد الحياة للعولمة لن تتحقق إلا بسيطرة العشرين بالمائة من البشر أسياد العولمة على 84 بالمائة من اصول الثروات ،مقابل 70 بالمائة فقط قبل ثلاثة عقود .وعلى العشرين في المئة المهملين في القاع أن يقتنعوا بما لايزيد كثيراً عن 1% من الثروة العالمية.
ويتابع التقرير ما هو اشد بشاعة وقسوة ووحشية بما ينتظر شعوب العالم الثالث الفقيرة والمفقرة والمسكينة في ظل وحشية العولمة هذه ،وفي ظل الليبرالية الشرسة بكل ما تمارسه من اساليب لامتصاص دماء الفقراء ،لكي يحافظ الاغنياء على وجودهم ومستواهم المعيشي . وخلصت الكاتبة أن هذا لايتحقق لهم فقط بإيقاف تزايد السكان في العالم ، بل بضرورة تخفيض هذا الرقم الى أربع مليارات فحسب ،وذلك باستخدام أبشع الطرق الهمجية والوحشية من فرض التعقيم الاجباري وأطلاق حرية الاجهاض ،الى أشعال الحروب والصراعات ونشر الاوبئة والأمراض الفاتكة لكي تلتهم هذه الزيادة.وتقول الكاتبة أن رقم أربعة مليارات هو الرقم المثالي التي تستطيع معه العولمة أن تحقق النجاح والازدهار للعالم الغربي المعرض للتهديد الدائم.وقد وصفت الكاتبة بدقة وضع الشركات في نظام العولمة هذا بأنها "ستكون شركات حرة ،تنتمي الى جهة اسهمها وليس للبلد أو المدينة أو الدولة التي يصادف أن يكون مقرها فيها إنها الشركات العابرة للقارات والقومية والحدود".هذه هي السلطة الحاكمة في عالم اليوم وغداً،وهذه هي التي تغزو الأسواق وتشتري أصول الشركات الوطنية في ظل الخصخصة. وتصف الكاتبة الوضع المعيشي في عالم العولمة بقولها" ورغم أن الدول الغنية ستظل غنية نسبياً ،لكن ليس في وسع كل مواطنيها أن يستفيدوا من تكوين الثروات الجديدة في ظل العولمة وآليات السوق .اما سكان الدول الأفقر والأكثر تخلفاً وتضرراً فسيعانون درجات رهيبة من الجوع واسع النطاق والبطالة المتسعة،مما يخلق أوضاعاً قابلة للآنفجار في حين سيؤدي النبذ والاستعباد والتهميش الاقتصادي الى اثارة سلوك تدميري يشمل الجريمة والهجرات والواسعة والإرهاب وسيعجز نظام الدولة عن العمل والمواجهة،وهذا ما لم يعترف به قادة الغرب ،وهم يكذبون على شعوبهم كما على أنفسهم .
ملخص هذا التقرير الخطر،ذلك أنه وفق تعاليم الليبرالية الشرسة يجب أن تصاب ملاين الفقراء بالجوع والموت البطيء يأسا واحباطاً ،وذلك حتى تتحقق احلام البعض بمزيد من الازدهار.
امام هذه الصورة القاتمة والتي لامفر منها....هل للمؤمنين في هذا العالم من دور ،للاتفاق على الحد الادنى من برنامج لانقاذ البشرية من هذا السرطان القاتل.وهل سيكون للمسلمين على وضعهم القائم دوراً في التأسيس لحملة عالمية نطلق عليها عولمة الأخلاق في ظل هذه العولمة الشريرة ،أم سنبقى ندور في انتاج التراث ،والهروب الى الماضي ونحن نعلم أن الغرق سيدركنا أيضاً.حضرتني قصة صغيرة بشكل نكته قالها لي أحد خبراء الاقتصاد الاوربين.قائلاً:
حدث أنه قد عم في منطقة ما فيضان كبير،وصارت الماء ترتفع ،وفرق الانقاذ كانت تنقذ ما تستطيع انقاذه ،أحدهم كان في بيته في إحدى البنايات العالية .عندما شعر بارتفاع منسوب المياه الى الطابق الذي كان يسكنه ,هرب من الغرق الى الطابق الأعلى   في هذه الاثناء  لمحه قارب الانقاذ  فاقترب منه  لينقذه   ، لكنه كان يقول لهم لايهمكم أن الله سينقذني ،وهكذا  كلما صعد الى الطوابق العلوية .حتى وصل الى سطح البناية  ,وارتفع منسوب الماء بحيث غمرته  حتى وسط جسمه ،فاقترب القارب منه وطلبوا منه  راجين أن يقفز الى القارب من اجل أنقاذه ،لكنه ظل على عنده وأصراره وهو يردد اشكركم إن الله عز وجل سينقذني ، غمرته المياه  وغرق وفارق الحياة ، وبعد موته سأله ملك الموت ،لماذا فعلت هذا ،قال كنت أدعو الله أن ينقذني....فأجابه ملك الموت ،لكن الله ارسل لك القارب ثلاث مرات أيها الغبي وأنت كنت على عنادك وكبر رأسك ،لهذا دفعت هذا الثمن بالموت غرقاً"
فهل سنبقى على عُندِّنا ،وتخلِّفنا و/...../،رغم أن الله ارسل لنا رسولاً هو رحمة للعالمين ،وأرسل لنا كتابا حمَّلنا من خلاله رسالة التوحيد ،لنقدمها الى العالم  .ودينا يتفاعل مع الواقع ،ويوازن الروحي بالمادي ومنظومة أخلاق ربانية لو ازدانت بها عولمة اليوم لكان اسمها العولمة المخلصة للإنسانية . فهل سنحاسب على قصورنا جميعا ونموت غرقا مثل ذالك الشاب المسكين الذي لم يقدر عناية الخالق له؟؟؟؟؟؟؟؟

اجمالي القراءات 12369