مصير لبنان في ظل هذا الصراع
لبنان إلى أين؟ -1-

عمر أبو رصاع في الجمعة ١٥ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

امام تصاعد الاحتقان اللبناني و وصوله إلى درجة ما قبل الغليان تتضاءل فرص الوصول إلى أي صيغة تفاهم على الأرض فإلى اين يمضي لبنان بالضبط؟


بادئ ذي بَدء تمثل ظاهرة إلغاء الآخر في خطاب الاطراف المتنازعة على السلطة مكمن الخطورة في هذا الصراع المتصاعد و الذي يوشك ان ينفجر آخذاً صيغة دموية ربما تغرق لبنان في بحر الدم مرة أخرى بل و بصيغ و اشكال اعنف و اشد تدميراً من اي وقت مضى ساحبة معها المنطقة كلها إلى الحرب.


حتى نتمكن من فهم الخلاف و مكوناته علينا أن نعرج أولاً إلى منطلقات و تاريخ الخطاب المكون لاطراف الصراع ، و سنحاول ان نعرض ذلك مع خلفية تاريخية بسيطة قبل ان نعود ادراجنا بشيء من التفصيل للمكونات الصراع .

من ناحية جماعة تحالف 14 آذار- مارس (السلطة) مكونة من عدة تيارات اهمها تيار المستقبل ذي الأغلبية السنية و على رأسه سعد الحريري نجل الرئيس الراحل رفيق الحريري حاملاً ارث والده الذي تم اغتياله في مثل هذا اليوم منذ ثلاث سنوات و الذي كان له اسهام بارز في التوصل لاتفاق الطائف بصيغته السعودية السورية آن ذاك لما له من احترام لبناني لتقديمه آلاف المنح الدراسية للشباب اللبناني في فترة الحرب و ما بعدها و ثقله الكبير نسبياً لدى العربية السعودية هذا الاتفاق الذي تم بقبول اطراف الصراع المتواجدة حالياً عدا ميشيل عون و من ثم دوره في اعادة اعمار لبنان بعد عودته و استلامه لرئاسة الوزارة في لبنان لأول مرة عام 92 ، و الحريري معروف بثرائه الفاحش اذ تقدر ثروته بعدة مليارات اضافة إلى ارتباطاته القوية بالعربية السعودية التي يحمل جنسيتها و بالعائلة المالكة فيها ، و يتهم سعد الحريري سوريا باغتيال والده و ذلك على خلفية النزاع الذي نشب مؤخراً بينه و بين النظام السوري منذ ان بدأ الحريري يقاوم سيطرة سوريا في لبنان و يرفض التجديد لاميل لحود الذي ارغمه على قبوله النظام السوري ، و تصاعد شكل هذا الرفض للهيمنة السورية ابان القرار الدولي 1559 ، يحظى الحريري بتأيد و احترام واسع لبنانياً و عالمياً بصفته رجل البناء و الاعمار خصوصاً لدى ابناء الطائفة السنية في لبنان الذين يعتبر كثير منهم انه اعاد لاكبر الطوائف اللبنانية وزنها السياسي بعد ان عملت سوريا طوال تواجدها على اضعافه و حرصت على تجريد الطائفة السنية بالذات من عناصر القوة و خصوصاً السلاح .

القطب الثاني في تيار السلطة هو الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد بك جنبلاط و معظم منتسبيه من الدروز (وهي طائفة يعتبر جنبلاط انها من الطوائف الاسلامية) و ينتمي لهذا التيار اكثر من 90% من الدروز الذين يسكنون جبل لبنان و يسيطرون عليه بعد ان انتصروا على المسيحيين الموارنة و اقصوهم من الجبل خلال الحرب الأهلية ، و تغيير هذا جزئياً بالمصالحة التي اتاحة عودة جزئية للكثير من الموارنة إليه ، و يرث جنبلاط ميراث والده كمال الزعيم الدرزي الكبير و الذي كان يمثل التيارات المسحوقة في لبنان و التيار القومي العروبي فيه إذ انه كان زعيماً للحركة الوطنية اللبنانية و زعيما للحزب التقدمي الاشتراكي في السبعينيات و كان حليفا ايضاً للفلسطينيين في لبنان و معروفاً بدعمه الكامل لقضية فلسطين بل ان اغتياله كما يعتقد جاء نتيجة وقوفه ضد سوريا و دفاعه عن السلاح الفلسطيني و قد تم اغتياله في 16 آذار- مارس 1977 و خلفه ولده وليد و يعتبر النظام السوري المتهم الأول في اغتيال كمال جنبلاط ، و رغم ان ابنه وليد كان على علم بهذا إلا انه آثر ان يقبل صيغة مهادنة سوريا طوال فترة تواجدها العسكري في لبنان حفاظاً على مصلحة لبنان حسب رأيه و ربما إيثاراً لسلامة الطائفة الدرزية وزعامته لها و منع الدخول في مواجهة غير متكافئة مع النظام السوري ، و ربما انتظر وليد جنبلاط قرابة 30 عاماً إلى ان تغيرت الظروف لتسمح له بالانتقام لوالده و التعبير عن رفضه للهيمنة السورية على لبنان ، على اي حال فوليد جنبلاط كان طوال فترة التواجد السوري مهادناً لسوريا بل و شريكاً في السلطة في لبنان من خلال المقاعد الوزارية محتفظاً بعرشه الطائفي في المختارة في الجبل و سيطرته شبه التامة على الطائفة و تمثيلها.


اما الحليف الثالث فهو تيار القوات اللبنانية بقيادة الدكتور سمير جعجع الملقب بالحكيم اي الطبيب باللهجات الشامية ، ذي الاغلبية المارونية و يصعب بدقة تقدير حصة القوات اللبنانية من كتلة الموارنة السكانية في لبنان الاكثر انقساماً بين كل الطوائف اللبنانية قاتل ضد الفلسطينيين ثم ضد الحركة الوطنية ثم ضد الوجود السوري و صار من قيادات الكتائب اللبنانية التي كانت بزعامة بشير الجميل و كان له دور في اغتيال طوني فرنجية زعيم تيار المردة ممثل لمسيحيي الشمال ضمن خطة بشير الجميل لتوحيد السلاح اللمسيحي في لبنان ، و كذلك اشترك في القتال ضد الحزب التقدمي في الجبل ، ثم شارك إيلي حبيقة بالانشقاق على الكتائب بعد ان انتقد بشدة قيادات مسيحية و تم على اثر ذلك فصله فقاد انشقاق مع حبيقة ليشكلا القوات اللبنانية ثم عاد الأخير فانشق عليه و وقع اتفاقاً برعاية سوريا مع وليد جنبلاط و نبيه بري لتصبح القوات منذ 1986 تحت قيادة سمير جعجع وحده ، ثم دخل في حرب إلغاء ضد الجيش اللبناني بقيادة ميشيل عون ، الوحيد بين امراء الحرب اللبنانية الذي نال عقوبة السجن ، اذ اودع السجن عام 1994 بتهمة تفجير كنيسة سيدة النجاة و اتهم كذلك بعدة اغتيالات لآل فرنجية و كذلك الرئيس السني رشيد كرامي ، يعد جعجع من اكثر امراء حرب لبنان دموية و من اكثر اجنحة المسيحيين الموارنة تشدداً ، افرج عنه بعفو خاص من المجلس النيابي الذي تبع خروج الجيش السوري في عام 2005 و هو حالياً مع الحريري و جنبلاط في تحالف 14 آذار .


هناك ايضاً حزب الكتائب اللبناني بزعامته التاريخية لآل الجميل و على رأسهم الآن رئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميل ، من اعرق الاحزاب المسيحية انطلق عام 1936 على يد بيار الجميل تحول إلى حزب سياسي عام 1952 كان اهم الفصائل في الحرب الأهلية اللبنانية و متهم بتلقيه سلاحاً من اسرائيل رغم انكاره لذلك ، و باغتيال بيار الجميل عام 1984 تراجع دوره لحساب القوات اللبنانية كان ولده بشير انتخب رئيس للجمهورية عام 1982 لكنه اغتيل قبل استلامه لمنصبه و تتجه التهم للفلسطينيين و التيارات الوطنية المعادية لاسرائيل ، ليخلفه اخوه الاكبر امين الذي شغل منصب رئيس الجمهورية طوال الفترة 1982-1988 و الذي تم اغتيال ابنه بيار عام 2006 وفشل امين الجميل في الفوز بمقعد ابنه الشاغر في المتن الشمالي عام 2007 امام مرشح التيار الوطني الحر بدعم الطشناق كميل خوري بفارق ضئيل جداً و رغم كون زعامته المارونية زعامة تاريخية إلا ان حصته من الطائفة المارونية تراجعت كثيراً خاصة لحساب القوات اللبنانية بزعامة جعجع.


يهتم تحالف 14 آذار – مارس بمحاسبة النظام السوري على جرائمه في لبنان و بخاصة جريمة اغتيال الحريري و هو مصر على عقد المحكمة الدولية التي يرى الكثيرين انها جوهر الصراع الآن في لبنان ، و يرى ان لبنان قد انهى تحرير ارضه و انه مستعد بعد ان توقع الدول العربية على توقيع معاهدة سلام مع دولة اسرائيل ، و يعتبر ان المقاومة اللبنانية تتعارض مع صيغة الدولة اللبنانية في استمرارها بحمل السلاح فهي من جهة دولة داخل الدولة تحمل السلاح و من الأخرى تدين علناً بالولاء لغير لبنان باعلانها تبعيتها لمرجعيات الدولة الايرانية ، و يرى تحالف 14 آذار - مارس ايضاً ان له الحق بالحكم باعتبار انه يملك الاغلبية النيابية و ان عرقلة هذا الامر انما ترتبط بعمل المعارضة في خدمة النظام السوري لعرقلة المحكمة الدولية و منع استقرار لبنان و خروجه من الوصاية السورية ، كما يركز التحالف على صيغة التعايش السلمي الديموقراطي و على أن لبنان كبلد علماني ديموقراطي مسالم يتميز بقدرات شعبه على البناء و التنمية و لا ينقصه إلا الاستقرار و السلام ، و استقلال القرار اللبناني و انه ليس تابع لأي جهة او مرجع.


اما تيار المعارضة 8 آذار - مارس
فأهم مكوناته هو ممثلي الطائفة الشيعية بطيفيها حزب الله و حركة امل
انطلقت حركة امل عام 75 باسم افواج المقاومة اللبنانية (امل) بقيادة موسى الصدر احد المراجع الدينية الشيعية في لبنان بعد حركة المحرومين و كان لمنظمة التحرير و حركة فتح بالذات الدور الابرز في التسليح و التدريب وبتمويل ليبي في معظمه آن ذاك ، لكن هذه الحركة ذاتها انقلبت على الوجود الفلسطيني بعد الثورة الاسلامية في ايران و تحولت لتأيدها فيما كانت المقاومة الفلسطينية تؤيد العراق و تحولت حركة امل إلى عصا في يد حليف ايران العربي الوحيد سوريا لضرب و انهاء الوجود القوى للفلسطينيين داخل لبنان فيما يعرف بحرب المخيمات حيث استخدم النظام السوري حركة امل لتقاتل ضد الفلسطينيين بشراسة تم فيها تصفية ممنهجة للوجود المستقل لحركة فتح في لبنان استخدم الجيش السوري نفسه مدافعه ضد الفلسطينيين في مخيم تل الزعتر كفصل من فصول هذه الحرب، و رغم ان حركة أمل دخلت في حرب ايضا مع حزب الله المنشق عنها ابتداء و المدعوم من الجناح الراديكالي في ايران إلا ان الساحة في الطائفة الشيعية لم تلبث ان استتبت للقيادة السورية و بمباركة ايرانية و ظل نبيه بري خليفة السيد موسى الصدر الذي اختفى في ظروف غامضة في ليبيا - ربما انتقاماً ليبيا من تنكره لها - رئيسا للحركة و ممثلاً سياسياً للطائفة فشغل دوما منصب رئيس مجلس النواب و بقي تحت التوجيه السوري فيما كان حزب الله لفترة طويلة بعيدا عن المسار السياسي مكتفياً بالقتال ، و كان يفوض دوماً نبيه بري في تمثيله إلى ان بدأ بالمشاركة السياسية مباشرة من خلال الانتخابات بعد الانسحاب السوري.


اما حزب الله اكبر قوى المعارضة اليوم في تحالف 8 آذار - مارس و المدعوم بتأيد الجزء الاكبر من الطائفة الشيعية فقد انطلق اثر انشقاق عن حركة امل ، اسسه عباس موسوي ، وعباس موسوي كان وكيلا للامام العراقي الشيعي محمد باقر الصدر الذي يتزعم ابنه اليوم التيار الصدري في العراق و الذي كان معروفاً بولائه و تبعيته للخميني و الذي يشتهر ان صدام امر بتصفيته لذلك معتبراً ان تأيده للخميني خيانة لوطنه في ظل الحرب العراقية الايرانية .

ما ان قامت الثورة في ايران حتى انتقل لها الموسوي مباركاً و متلقياً ما سماه التكليف الشرعي من الامام طبعاً مشفوعاً بالدعم السخي مادياً و بتدريبات الحرس الثوري الايراني بدأت اول خطوات حزب الله في لبنان عام 82 عقب الاجتياح و بقي يعمل لفترة طويلة كمنظمة سرية تحت الأرض و لم يعلن حتى عن اي من عملياته إلا مطلع 1984 ، يعتبر الحزب نفسه و منذ انطلاقته امتداداً للثورة الاسلامية في ايران و يعلن تبعيته التامة للامام في الدولة الايرانية الخميني ثم لخامنئي من بعده و يرفع صورهم في كل المربعات الامنية التي يسيطر عليها داخل لبنان ، وتنامت اهمية الحزب لسببين رئيسيين الأول هو حمله لواء مقاومة العدو الصهيوني شبه منفرداً خصوصاً بعد ان اغلقت منافذ المقاومة في الجنوب بحكم الحرب الأهلية و الوجود السوري و تصفية الجيوب على غير الشيعة اغلبية سكان الجنوب و الأمر الثاني حزمة الخدمات العامة التي يقدمها الحزب للسكان و التي تمكن منها بفض التمويل الإيراني الكثيف و الملحوظ و توسع هذا الدور بعد اغتيال عباس موسوي بصاروخ هو وعائلته و تولي السيد حسن نصر الله الامانة العامة للحزب عام 1992.

يتمتع نصر الله باحترام واسع في الوسط الشيعي و بل على المستوى العربي و الاسلامي باعتبار انه سيد من آل البيت إضافة لشخصيته النضالية الثرية و مقدراته القيادية و الخطابية الواسعة و حنكته السياسية في ادارة الحزب ، و يعتبر الحزب ان انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان عام 2000 هو انجاز خالص للمقاومة و على رأسها بطبيعة الحال حزب الله و لهذا عندما انخرط في العملية الانتخابية سمى كتلته كتلة الوفاء للمقاومة ، إذ واجه وضعاً سياسياً صعباً بعد الانسحاب بداية حيث بدأت اصوات لبنانية تعلو داعية إلى تحول الخلايا العسكرية للحزب إلى صفوف الجيش اللبناني و انه لم يعد من مبرر لاستمرار تسلح الحزب ، راح هذا الوضع يصبح اصعب مع اعتبار حزب الله عالمياً منظمة ارهابية من ناحية و اخيرا من ناحية اخرى اضطرار الحاضنة السورية إلى الانسحاب من اللبنان بعد اغتيال الحريري.

بعد عملية اختطاف جنود قام بها و ما اسفر عن ذلك من هجمة اسرائيلية شرسة ضد الحزب في حرب تموز اعتبر الحزب نفسه منتصراً و يدعم ذلك تقارير اسرائيلية بحكم فشل اسرائيل في تحقيق اهدافها المعلنة من الحملة ، فيما اعتبر فريق السلطة و الاكثرية ان نصر الله جر لبنان معه للحرب بقراراته المنفردة و حمله نتائج قرار يرونه خاطئ و لحساب جهات غير لبنانية اشارة لايران و سوريا ، رغم ان الحكومة عملت كطرف مفاوض لصالح وقف العدوان الاسرئيلي اثناء الحرب و توصلت لقرار دولي وافق عليه نصر الله يقضي بوقف القتال و انسحاب اسرائيل للحدود الدولية مقابل وضع قوات يونيفيل على الحدود من ناحية ونزع سلاح الحزب من ناحية ثانية و هو الأمر الذي لازال نصر الله يرفض تطبيقه للآن معتبراً ان هذا السلاح هو الضمانة الوحيدة.


يرتبط كل من حزب الله و حركة أمل برباط قوي بسورية و ايران لتشكيل محور واحد و يعتقد ان التحرك السياسي المعارض لكل من الحزب و الحركة مبني على محاولة إلغاء المحكمة الدولية أو تعطيلها لانها تتجه لادانة رموز سياسية سورية مهمة و ربما رأس النظام السوري نفسه ، و لا يخفي الطرفان رفض هذه المحكمة و التشكيك في نزاهتها و اهدافها لكنهما يضيفان اسباباً اخرى منها ما اصطلح على تسميته بالثلث المعطل و هو الذي سيتيح لثلث المعارضة ان تعطل اي قرار اذا اجمعت على معارضته في المجلس النيابي و الحكومة الامر الذي تعتبره جماعة 14 آذار – مارس نسفاً للاسس الديموقراطية التي تقتضي تمكين الأغلبية من تولي السلطة ، كما يرى حزب الله في دوره في لبنان امتداداً للثورة الاسلامية في ايران و يعلن رغبته ان يقيم ما يسميه بالدولة المقاومة الشريفة الوطنية لكن صيغته الطائفية على اي حال يصعب ان تلاقي اي قبول لدى ابناء الطوائف الاخرى إلا في اطار التحالفات السياسية على مصالح معينة كما هو الحال مع عون الآن لكن حتى عون نفسه معروف انه ضد سلاح المقاومة و ضد التحالف مع سوريا و ضد الصبغة الدينية لاي حزب لبناني و على رأسها حزب الله فهو نفسه من عرابي القرار 1559.


الحليف المهم الثالث في صفوف المعارضة هو التيار الوطني الحر بقيادة الجنرال ميشيل عون و الذي يحظى بتأيد حصة مهمة من الطائفة المارونية المسيحية يقدر البعض ان حصته منها تتجاوز النصف و معه الآن 21 مقعد نيابي في المجلس النيابي اللبناني اي ثاني اكبر كتلة نيابية بعد المستقبل ، يشار إلى أن العماد عون كان قائدا للجيش اللبناني عندما فشل البرلمان اللبناني في انتخاب رئيساً يخلف أمين الجميل فكلفه الجميل بتشكيل حكومة عسكرية يسلمها السلطة عام 88 في المقابل كانت هناك حكومة سنية يرأسها سليم الحص و عارض عون اتفاق الطائف 1989 لانه لا يحدد آلية لانسحاب الجيش السوري من لبنان ، و يذكر انه كان يتلقى دعماً عراقياً آن ذاك و دخل في حرب مع الجيش السوري في بيروت انتهى إلى هزيمته و فراره من قصر بعبدا إلى السفارة الفرنسية في 13 أكتوبر 1990 حيث لبث فترة قبل ان يغادرها إلى منفاه الباريسي ، و هناك استمر معارضاً للوجود السوري في لبنان ، و له دور مهم و بارز في طبخ القرار 1559 كما هو معلوم ليعود عام 2005 إلى بيروت حيث طالب برئاسة الجمهورية و بتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية الامر الذي عارضته جماعة 14 آذار – مارس ، فوقع وثيقة تفاهم مع حزب الله في كنيسة مارميخايل في فبراير 2006 ، و يذكر ايضاً انه يحظى بدعم الزعيم الارثوذكسي ميشيل المر و دعم اكبر احزاب الأرمن الطاشناق و الذي كان له الفضل في فوز مرشح عون على زعيم الكتائب اللبنانية أمين الجميل في انتخابات التعويض بعد اغتيال ابن هذا الاخير ، و يسعى عون إلى نسف اتفاق الطائف الذي يعتبره تكريساً للطائفية في لبنان و يطالب بالدائرة الواحدة و الانتخاب على اسس حزبية لا طائفية و و قد اعلن مرة ان الحل يكمن في اعتلائه منصب الرئيس ، و رغم انه كان من اشد معارضي سوريا و حزب الله و سلاح حزب الله و صيغته الطائفية إلا انه اليوم في تحالف معه على مايراه شيء مهم بالنسبة له و هو دخول الحكومة بثلث معطل ، يعلق البعض على ذلك ان عون يريد هذا الثلث المعطل ليعيد الوزن للوجود المسيحي فإن القوى المسيحية لو اجيز الثلث المعطل ممكن ان يكون خيار هذا الثلث متاحاً لها في اي حين في الصيغة اللبنانية ، كما انه لا يخفياعتراضه دائماً على تهميش دور رئيس الجمهورية المسيحي الماروني لحساب رئيس الحكومة المسلم السني في اتفاق الطائف و يطالب بعودة صلاحيات رئيس الجمهورية بل ايضاً بتعديل النظام الانتخابي الحالي الذي يرى انه غير عادل و يحرم شرائح واسعة من التمثيل.


كذلك يضم تحالف 8 آذار – مارس الزعيم السني الطرابلسي عمر كرامي الذي شغل رئاسة الوزراء مرتين في العهد السوري و هو نجل رئيس الوزراء الاسبق عبد الحميد كرامي و شقيق رئيس الوزراء الاسبق رشيد كرامي الذي شغل هذا المنصب عشر مرات كانت آخرها عندما تم اغتياله بتفجير طائرة عام 1987 و اتهم سمير جعجع بتدبير عملية الاغتيال ، و يحظى عمر كرامي بزعامة سنية محدودة و جزئية حالياً على نطاق مدينة طرابلس و لم يشارك بكتلة في المجلس النيابي الأخير.


كذلك هناك تيار المردة بقيادة سليمان افنرنجية تيار يحظى بتأيد مسيحي ماروني في الشمال اللبناني خصوصاً قضاء زغرتا – الزاوية معروف بولائه التاريخي للنظام السوري كان جده سليمان افرنجية رئيساً للجمهورية عام 1968 خاض الحزب عدة معارك ضد الحركة الوطنية اللبنانية و الفلسطينيين ، اغتيل والده طوني على يد القوات اللبنانية بقيادة ايلي حبيقة و سمير جعجع ، و كان جده قد استجار بالجيش اللبناني لحمايته في مرحلة من المراحل اثناء رئاسته للجمهورية في اول دخول رسمي للجيش السوري بقوة لهذا السبب بناء على طلبه كرئيس للجمهورية ، ارتبط سليمان افرنجية بالوجود السوري وشغل عدة مناصب وزارية طوال عهده كان آخرها منصب وزير الداخلية الذي كان يشغله عندما اغتيل الرئيس رفيق الحريري في بيروت.


هناك ايضاً الزعيم الدرزي الأمير طلال ارسلان وارث زعامة آل ارسلان الدرزية عن والده الامير مجيد ارسلان و المعروف ايضاً بولائه للنظام السوري ، وكانت اسرته تعيين شيخ العقل للطائفة الدرزية حتى اواخر السبعينيات حيث انتقل الثقل الدرزي باغلبيته للجنبلاطيين و اصبحت زعامته الطائفية محدودة النطاق ، اسس الحزب الديموقراطي عام 2001 و خسر مقعده النيابي امام مرشحي جنبلاط في الانتخابات الأخيرة .
اما عن تقسيم المجلس النيابي عام 2005 فقد كان على النحو التالي :


كتلة المستقبل برئاسة سعد الحريري 36 (موالي)
كتلة اللقاء الديموقراطي برئاسة وليد جنبلاط 16 (موالي)
كتلة التيار الوطني الحر برئاسة ميشيل عون 14 (معارض)
كتلة الوفاء للمقاومة برئاسة حسن فضل الله 14 (معارض)
كتلة التحرير و التنمية برئاسة نبيه بري 14 (معارض)
كتلة القوات اللبنانية برئاسة ستريدا جعجع (زوجة سمير كان وقتها لا يزال في السجن) 6 (موالي)
كتلة قرنة شهوان برئاسة غسان تويني 6 (موالي)
الكتلة الشعبية في زحلة برئاسة كميل معلوف 5 (معارض)
الكتلة الطرابلسية برئاسة محمد كبارة 3 (موالي)
كتلة المتن ميشيل المر و اغوببقرادونيان 2 (معارض)
كتلة القومي مروان فارس و اسعد حردان 2 (معارض)
كتلة التجدد مصباح الاحداب 1 (موالي)
كتلة اليسار الديموقراطي الياس عطا الله 1 (موالة)
كتلة الكتائب نادر سكر 1 (موالي)
كتلة البعث قاسم هاشم 1 (معارض)
مستقلون 5
مجموع 128 نائب (مصدر اعداد النواب http://www.yabeyrouth.com )

70 نائب موالي او مقرب على الاقل من جماعة 14 آذار – مارس ، مقابل 52 مع جماعة 8 آذار – مارس المعارضة مع ملاحظة ان التحالفات الانتخابية لم تكن اخذت الشكل الحالي التي هي عليه الآن .
يذكر أيضاً ان مسلسلاً من الاغتيالات طال ستة من نواب الاكثرية و منهم النائب جبران التويني و النائب انطوان غالب و النائب بيار الجميل (الذي فاز بمقعده لاحقاً التيار الوطني الحر المعارض) مما ارغم معظم نواب الأكثرية على تحديد اقامتهم في فندق فينيسيا على البحر تحت اجراءات امنية مشددة جداً لحمايتهم من الأغتيال.
من ناحية أخرى فإن المعارضة لوحت في الشهر الأخير بقوة بورقة الحسم العسكري حيث قال المعارض الدرزي وئام وهاب صراحة : "ان المعارضة تملك قدرة الحسم العسكري في ايام إن لم نقل ساعات" الامر الذي رد عليه جنبلاط بنفسه مرحباً بالحرب إن كان هذا ما تريده المعارضة قائلاً " أهلاً بالحرب و سنحرق الأخضر و اليابس" في اعنف تصعيد منذ اغتيال الحريري ، و لا يبدو تخيل حصول جماعة 14 آذار – مارس على السلاح أمراً صعباً خصوصاً في ظل جو دولي داعم و بخاصة امريكي – سعودي ، و لن يكون مفاجئاً فيما لو اندلعت الحرب الأهلية ان تدخل اسرائيل لتصفية حساباتها مع حزب الله ، إن مجرد تخيل اندلاع حرب أهلية امر في منتهى البشاعة و هذه المرة في لبنان لو حصل ذلك ففعلاً سيحترق الأخضر و اليابس كما لم يحصل في أي وقت مضى ، و باعتقادي ان التلويح المتعمد و الاستفزازي بقوة المعارضة العسكرية امر ليس في مصلحتها هي فعندما نتكلم عن حرب أهلية لا توجد موازين سلاح فالكل قادر على ان يقاتل عندها و ان يأتي بالسلاح و الأطراف المستعدة للدعم أكثر مما يمكن ان نتخيل.
                                           يتبع

اجمالي القراءات 14277