خاتمة بحث ( إنكار السنة فى مقدمة صحيح مسلم )

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٢ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

وفى النهاية :
شأن كل دين أرضى ؛ كلهم فى شقاق وتفرق واختلاف (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ. الأنعام 159) (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ .الروم 31 ـ )، ولكل منهم طريق وسبيل ، سواء فى طرق وسلاسل الاسناد أو فى تقييم الرواة . وكلها أمور ظنية . وهنا يتأكد الاختلاف بين الدين السماوى القائم على الحق و الدين الأرضى القائم على الظن . وقد جاء فى الوصية العاشرة من الوصايا العشر ـ التى لا يعرفها معظم المسلمين فى القرآن الكريم ـ قوله تعالى :( وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( الأنعام ـ 153 ) فالقرآن الكريم هو الصراط و السبيل المستقيم ، وأذا ضل الناس عنه فليس أمامهم سوى طرق مختلفة يظلون فيها تائهين الى أن يدخلوا بها النار . وفى نفس السورة يقول تعالى عن الحق القرآنى والدين الأرضى القائم على الظن والتخيلات والأكاذيب : (أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) ( الأنعام 114 ـ )
وبعد .. فماذا يقول رب العزة عمّن يفترى عليه كذبا ويكذب بآياته؟
أظلم الناس لرب الناس
فى سورة الأنعام ـ وهى مكية ـ مشاهد مختلفة لقضية الافتراء كذبا على الله تعالى والتكذيب بآياته ، ومنها نعلم أن الكذب على الله تعالى و التكذيب بآياته مقترنان .
فى البداية يؤكد رب العزة شهادته للوحى القرآنى ، وهى أكبر شهادة:( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) ثم بعدها يلتفت الى أصحاب الوحى الشيطانى ليجعلهم أظلم الناس لأنهم يفترون على الله جل وعلا كذبا و يكذبون بآياته ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) (الانعام 19 ، 21 )
ثم يؤكد هذه الحقيقة فىنفس السورة، يقول تعالى (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ( الأنعام 144 )
وفى نفس السورة يتحدث جل وعلا عن مصير ذلك الأفاك الكاذب مدعى الوحى وهو يحتضر (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ) ( الانعام 93 ).
وفى سورة الأعراف يؤكد رب العزة نفس الموقف لهم عند الموت، يقول تعالى عنهم ( وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ) ( الاعراف 36 ـ 37 ) وهى آيات مكية تؤكد موقف قريش الرافض للقرآن الكريم ، وافتراءها على تعالى كذبا.
وحين رفضت قريش القرآن الكريم وطالبت النبى محمدا عليه الاتيان بقرآن غيره أو تبديله ( بمعنى النسخ التراثى ) أمر الله تعالى رسوله أن يعلن لهم أنه لا يستطيع ذلك وأنه يخاف من عذاب عظيم ، وأكد جل وعلا نفس الحقيقة فى أن أظلم الناس هو من يفترى على الله كذبا أو يكذب بآياته : (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ )( يونس 15 ـ 17)
ولأنها قصة عريقة فى قريش فى حربها للقرآن الكريم فان الله تعالى يقول عن قريش وتكذيبها للقرآن وأفترائها وحيا تنسبه كذبا للوحى الالهى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ) فقريش آمنت بالباطل وكفرت بالحق ، لذا استحقت الوصف التالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ) وفى المقابل فللصالحين الهداية ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) (العنكبوت 67: 69 ).
ولأن القصة ستستمر الى قيام الساعة من بعد موت النبى محمد فان الله تعالى يحكى من مشاهد القيامة موقفا سيشهد فيه الأشهاد ـ أتباع الحق المناضلون فى سبيله طيلة حياتهم الدنيا ـ ضد محترفى الدين الأرضى، يقول تعالى عن موقف الفريقين يوم القيامة : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ ) ( هود 18 ــ)
والأشهاد هم الذين يسيرون فى الدنيا على سنة الأنبياء الحقيقية فى الدعوة للحق ، ويواجهون دعاة الدين الأرضى والمتاجرين به ، ويوم القيامة سيكون كل نبى شاهدا شهادة خصومة على قومه الذين عاصرهم وشاهدهم (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا . النساء 41) (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ. النحل 89 ) (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ .. المائدة 117). وفى حالة عدم وجود النبى سيكون هناك شهداء ممن يتبعون الكتاب الحق الذى جاء به النبى ، ويسيرون على نهجه متبعين النور الذى جاء به النبى: ( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . يوسف 108).
ويوم القيامة يؤتى أولا بالأنبياء والشهداء ليشهدوا على اقوامهم شهادة خصومة.: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ . الزمر 69 ) وبعد الشهادة يدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا ) (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ).
وأساس الحكم على الفريقين هو التقوى ، فالبشر سيكونون نوعين : نوع اتقى الله تعالى وهم الأنبياء الذين جاءوا بالحق ، وأتباع الحق الذين صدقوا به ، أما النوع الآخر فهم الظالمون الذين إفتروا على الله كذبا وكذبوا بآياته ، وهذا يشمل القادة و الأتباع معا ، يقول تعالى فى نفس سورة الزمر المكية : ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ) هؤلاء هم الظالمون الكافرون بكتاب الله تعالى . (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) وهؤلاء هم النبياء و من يصدق بالحق و يكتفى به ، ومصيرهم : ( لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( الزمر 32 ـ ).
فأين أنت بين هؤلاء؟


اجمالي القراءات 51003