صراع الأصوليات

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١١ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

 2007 / 11 / 3


بسم الله الرحمن الرحيم
اولا :

1 ـ كلمة " الأصولية " أصبحت من الكلمات الشائعة بعد انتشار التطرف الديني ودعوته للعودة للأصول أي الخليفة الذي يملك الأرض ومن عليها ويجلس وحوله الوزير رهن إشارته وبين يديه " مسرور" السياف والسيف والنطع ، فإذا غضب الخليفة طارت الرقاب وسقطت على النطع الذي يتلطخ بالدم ، وانبرى بالغناء سريح وابن عائشة والموصلي ، وشرب الخليفة من الراح " فإذا " استراح " نثر الدراهم والدنانير وكتب الرقاع بالإقطاعيات وأنواع المتاع ..
تلك هي الملامح الأصولية التي عاشها أجدادنا وهم يعيشون تلهب السياط ظهورهم في حقول يملكها السلطان ، ويعملون في إنتاج الخير للغير ....

2 ـ وبعيدا عن الشعارات البراقة وبغض النظر عن عدم وجود منهج سياسي اقتصادي يتقدم به أصحاب التيار الديني يوائم العصر ، فإن الواقع الأصولي هو أن تعود مصر خلافة كالعباسية أو الفاطمية أو حتى العثمانية وبذلك تتحول الأصولية إلى استبداد واستعباد واحتكار للسلطة والثروة وذلك تحت اسم الإسلام العظيم الذي يبرأ من كل أنواع الظلم ..

3 ـ وهذه الأصولية الدينية التي تطرح نفسها علينا لتتقدم بنا على الخلف وعصور السلف تواجهها أصولية أخرى تتربع على كرس الحكم منذ ثورة 1952 وهي أصولية العسكر ، فالدولة المصرية منذ الثورة وهي دولة أصولية بكل ما تحمل الكلمة من دلالة ..
فالثورة بدأت في تنظيمات داخل الجيش وخارجه واعتمدت على تحركها وسط الجماهير على جماهيرية أصولية أخرى وهي حركة الإخوان المسلمين ، وتنظيم الضباط الأحرار انخرط بعض أفراده في حركات ومحاولات للاغتيال وأسهموا في حريق القاهرة حسبما تكشف من أسرار، وبعد نجاح الثورة وطرد الملك وسط صيحات الإخوان " بسم الله والله أكبر" بدأ الصراع بين الحركة الأصولية العسكرية والحركة الأصولية الشعبية ، وانتصرت أصولية العسكر وتحولت الثورة من ثورة بيضاء إلى ثورة حمراء قانية ، وتحولت معها مصر إلى جبهة داخلية كان يتم تصفية أعداء الثورة من الأصوليات الدينية وتحالفت مع الأصولية الماركسية حينا وتحاربت معها أحيانا .
وهاجرت الأصولية الدينية إلى دول البترول وعادت تحمل الأموال في يد والفكر السلفي في يد أخرى ، وفتح لهم السادات أبواب التأثير ليحارب بهم أصولية اليسار ، وبدأت الأصولية الدينية في الثأر لنفسها من الأصولية العسكرية بقتل السادات حين اختلفوا معه وتمردوا عليه ، ودخلوا في مواجهة مع الأصولية العسكرية من وقتها و حتى الآن .
4 ـ وقد أصبحت الأصولية الدينية في موقف الند والمتكافىء مع الأصولية العسكرية الحاكمة ، صحيح أن الأصولية العسكرية تملك المؤسسات ولكن الأصولية الدينية هي التي تحكم تلك المؤسسات ، إذ أنهم تسللوا إلى قلوب الناس وعقولهم وسيطروا على أجهزة الدولة العسكرية التي أصبحت مثل ملكة انجلترا تملك ولا تحكم ، تملك الأجهزة ولا تحكمها ، تملك التليفزيون ولكن الذي يحكم التليفزيون هو فكر التطرف ، تملك الأزهر ولكن شيوخ الأزهر هم منبع التطرف ، تملك الأوقاف ولكن مساجد الأوقاف هي منابر التطرف ..
5 ـ اضطرت الأصولية العسكرية إلى المزايدة على الأصولية الدينية فوضعت عمامة فوق الزى العسكري ، ولم تعرف أنها اتاحت المزيد لفكر التطرف لكي يستشري وينتشر ، وأنها تحرث الأرض وتسمدها لبذور التطرف لكي تنموا وتزدهر .. وفي النهاية تنتقل مصر من الأصولية العسكرية إلى أصولية اشد واخطر وأفظع ..
في الأصولية العسكرية أوامر القائد العسكري واجبة وعصيانه خيانة عسكرية ، وفي الأصولية الدينية أوامر الأمير واجبة التنفيذ وطاعته من طاعة الله وعصيانه كفر مثواه جهنم وبئس المصير . وفي الأصولية العسكرية الاختلاف مع الحاكم العسكري اختلاف مع مصر وخيانة لمصر وجزاؤه الحرمان من الوطنية المصرية ، وفي الأصولية الدينية الاختلاف مع الحكام بأمر الله خليفة رب العالمين هو خروج على الملة وكفر بواح يعني إقامة حد الردة ...
وبين هذا وذاك تقف مصر .. كالمستجير من النار بالرمضاء ..
يا حبيبتي يا مصر !!

ثانيا :
1 ـ نشرت هذا المقال فى جريدة ( الأحرار ) بتاريخ الاثنين 13 / 9 / 1993 .
اى بعد مرور 12 عاما على حكم الرئيس مبارك ..
والان مضى على حكم مبارك رئيسا 26 عاما بالتمام و الكمال ، فهل تغير شىء ؟؟
نعم تغير كل شىء و لكن الى الأسوأ. بينما ظل الصمت ..صمت القبور .!

2 ـ العادة أنه عندما يحل الصمت فان هذا لا يعنى القبول والاستسلام ، ولكن زفير الغضب يتجمع فى الصدور بتوالى السنين وتراكم الظلم و قسوة القهر وأنين الحرمان ، ثم حين تأتى اللحظة المواتية ينطلق الغضب بركانا ياكل الأخضر قبل اليابس..
وقد قلتها من قبل فى المقال السابق منذ 14 عاما خوفا على مصر : (يا حبيبتي يا مصر !! ) وأقولها الان فى المنفى هلعا على مستقبل مصر : (كان الله جل وعلا فى عون مصر ).
3 ـ هل يجوز ـ يا ايها الناس ـ أن يعانى 70 مليونا من المصريين كل هذه المعاناة لمدة 26 عاما من أجل أن ينفرد شخص واحد بالحكم والثروة ؟
وهل يجوز ان يحكم هذا الشخص الواحد على ملايين المصريين باستمرار تلك المعاناة فى ظل وريث له فى ريعان الشباب لكى يحطم أجيال الابناء والذرية ؟
ألا نستحق اللعنة من الأجيال القادمة لأننا لم نغير ما بأنفسنا من خضوع وخنوع وسكوت على الظلم و موالاة للظالم فى قهر من يتجرأ على قول كلمة حق ؟

4 ـ ان الأفظع من الظلم هو السكوت عليه ..الصمت على الظلم أفظع من الظلم .!
لو وقف شعب العراق ضد استبداد صدام حسين عام 1979 وثار فى مظاهرات عارمة ، وقدم عدة الوف من الضحايا لأنقذ العراقيون حياة عدة من ملايين القتلى ، وملايين أخرى من التشرد والبؤس ، ولأنقذوا العراق مما يحدث له الان .
ولكن الأغلبية آثرت الصمت خوفا لتحمى نفسها فما أغنى عنها الصمت شيئا ، وتعاون آخرون مع الظالم فدفعوا الثمن فى حياة المستبد وبعد مقتله ..
وأدى الصمت فى النهاية الى الانفجار الذى مزق العراق ارضا وثروة و شعبا و كرامة و سمعة .!
ولو وقف شعب مصر ضد طغيان مبارك منذ الثمانينيات وطالب بالاصلاح الدستورى والتشريعى و السياسى مصمما على انهاء حكم العسكر وعودة مصر للحكم المدنى الديمقراطى ، ولو تمسك المصريون بمطلب الاصلاح و قاموا من اجله بمظاهرات واعتصامات سلمية واضرابات وعصيان مدنى ومؤازرة لكل صاحب قلم حرّ .. لو كسروا جدار الصمت ما كان هذا حال مصر الان .
انحدرت مصر الى مستوى ـ لم يكن يتوقعه أحد ـ من الفقر و القمع والفساد والمهانة بين الأمم .. لا تجد لها مكانا بجانب موريتانيا فى الديمقراطية ، ولا مجال لمقارنتها بقطر فى النفوذ السياسى و الحضورالعالمى والاعلامى ، ولا تستطيع التطلع الى ما وصلت اليه الامارات فى الانفتاح الاقتصادى ..
خاف المصريون من شخص واحد فصمتوا وتركوه يتلاعب بهم ويزج بهم الى السجن افواجا ليشغل الاخرين ويرهبهم .. فيزدادوا صمتا ..

5 ـ واذا كان الصمت على الظلم أسوأ من الظلم نفسه فان الانفجار الناجم عن الصمت سيكون أسوأ من حكم مبارك نفسه ..

6 ـ وانتظروا.. إنا معكم منتظرون ..

ملاحظة

هذا المقال نسينا نشره هنا ..

اجمالي القراءات 12211