مفاتيح فهم القرآن
من البدهي أن مفاتيح فهم القرآن لا يمكن أن نجدها إلا في القرآن. ومن البداهة أيضا أن لا نجد معاني كلمات القرآن إلا في القرآن وواهم من يظن أنه سيجدها في قواميس اللغة العربية الجامعة لكل ألسنة العرب متناسين سنة الله تعالى: أن تأتي رسالة الله بلسان الرسول الحامل لتك الرسالة، وبالتالي كانت مشيئته سبحانه أن يتنزل القرآن بلهجة وقراءة قوم الرسول الكريم: قريش. ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ...*) 4-14. لذا قال الله تعالى لرسوله في القرآن: ( فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا*) 97-19. إدراكنا أن القرآن مكتوب اليوم بلسان قوم قريش وحدهم يخلصنا من وهم وجود كلمات مترادفة تحمل نفس المعنى في القرآن مثل كلمتي قاتل وجاهد الآتيتين من مصدري فعلين مختلفين هما: قتل، و جهد. بعد هذا علينا استنباط معنى الترتيل من أمر الله تعالى الذي في القرآن: ( ورتل القرآن ترتيلا*) 4- 73. من أجل أن ندرك بعدها أن الترتيل الحالي لسور القرآن وآياته على الترتيب الذي نراه اليوم كانت من الله تعالى بأمر من الملاك الرسول جبريل عليه السلام بدليل قوله سبحانه: ( كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا*) 32-25. الشكل الذي نجده في المصحف لترتيب السور والآيات هو ترتيل الله، لكن الترتيل المطلوب منا لفهم أيات القرآن هو ترتيب مختلف يحتاج فيه العالم الدارس إلى فهرس كلمات القرآن لوضع كل الآيات المحتوية لنفس الكلمة في رتل واحد تحت بعضها لإدراك معنى الكلمة التي تأتي في أحيان كثيرة بمعان مختلفة مثل كلمة كفر التي تعني غطى أو ستر واسم الفاعل منه هو: كافر ويأتي في القرآن بمعنى الذي يغطي الحقيقة محاولا إنكارها، أو بمعنى الفلاح الذي وظيفته أن يغطي الحب ويستره بالتراب كي ينبت*. *أول من نبه من المفكرين المسلمين إلى أهمية مفتاح الترتيل لفهم آيات القرآن كان هو الدكتور محمد شحرور في كتابه قراءة معاصرة للقرآن، طبع دار الأهالي بدمشق. نجد مثلا بالمعنى الأول أي بعكس الإيمان قوله تعالى: ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردوكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم...*) 109-2. ونجد بالمعنى الثاني قوله تعالى: ( كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا...*) 20-57. هذا وقد ضربت على هذا أمثلة أخرى لكلمات أتت بمعان مختلفة في كتبي السابقة لمن أراد التوسع في الإطلاع مثل كلمتي( النساء و نسائهن) التي أتت في سورة النور والأحزاب وآل عمران بمعنى الأحفاد الذكور(وما عدا ذلك فأتت بمعنى النساء أي جمع نسوة) حيث أن كلمة النسيئ هو الحفيد الذكر وجمعه نساء بفتح النون وليس بكسرها.* *يطلق النسيء في بعض الألسنة العربية ومنها قريش على كل مايأتي متأخرا فيطلق على الحفيد الذكر باعتباره يأتي متأخرا بعد الإبن، كما يطلق النسيء على الشهر المضاف الذي يأتي متأخرا ليضاف عادة على الأشهر القمرية كشهر كبيس كل 32 شهر من أجل تقويم الإنحراف الذي يحصل عن الفصول بحيث لو أن تفتح الأزهار حصل في ربيع ثاني يكون ذلك دليلا على وجوب إضافة الشهر النسيء كشهر كبيس حتى يعود موسم تفتح الزهور في ربيع أول من العام الثاني، هذه العملية أطلق عليها أجدادنا إسم التقويم. لكنا مع الأسف نسينا بعد تجهيلنا الشهر النسيء كما نسينا أيضا لماذا نطلق إسم التقويم الهجري الذي أصبح بلا تقويم أصلا. أما إن فهمنا مثلا قول الله تعالى في القرآن الكريم: ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين...*) 14-3. على أن النساء أتت بمعنى النسوة عندها لا يستقيم المعنى لأن الله سبحانه يعلن أنه قد زين للناس جميعا بمن فيهم من الذكور والإناث(رجال وحريم) حب شهوة كثرة النساء والبنين، بينما إن فهمنا كما تفهم القبائل البدوية إلى اليوم أن كلمة النساء بفتح النون تعني الأحفاد الذكور فلا شذوذ عندها في المعنى القرآني. بعد اكتشافنا لمعنى الترتيل في القرآن الكريم علينا أن نبحث عن المفتاح الثاني وهو طريقة التمييز بين المحكم والمتشابه في القرآن بغض النظر عما قاله السلف عن الموضوع، هم قالوا أن المحكم هو المفهوم من الآيات والمتشابه هو ما استعصى فهمه منها على القارئ، علما أن القرآن يشير بذاته إلى معنى مختلف تمام الإختلاف. القرآن يشير أن الله تعالى قد أنزل في كل القرآن سورة محكمة واحدة، بحيث تكون كل آياتها محكمات. هنا علينا إن كنا من الذين يعقلون من المسلمين أن نتساءل: هل أنزل الله تعالى هذا القرآن لنفهمه ونسير على هديه بعقولنا وإرادتنا الحرة بدليل أنه قد خيرنا سلفا عندما قال: ( لا إكره في الدين قد تبين الرشد من الغي...*) 256-2. ( وقل الحق مر ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر...*) 29-18. إذا إذا بإمكاننا عن طريق إستخدام أساليب العقل بالإستدلال أن نستنتج معنى المحكم من ذات القرآن الكريم.