مهلا يا أستاذ نهرو طنطاوى

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٤ - يناير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً


كنت قد عزمت ألا أرد على المقال الأول للاستاذ نهرو طنطاوى ولكن إلحاحه بمقال ثان أوجب علىّ أن أترك ما فى يدى لأرد عليه ، وأنشر الرد هنا فقط .
وأقول له :
1 ـ كما ترى فموقع (أهل القرآن ) مفتوح أمامك لتكتب فيه كما تشاء ، وليرد عليك من يشاء ، وهو نفس الحال معى سواء بسواء ، أكتب وأتعرض للنقد وأرد ، ويردون ، حتى الفتاوى التى تأتى لى أنشر ردى عليها وأعرضه للنقاش ـ ولا يفعل ذلك من شيوخ الأزهريين غيرى .

2 ـ إسمح لى بالقول بأن أساس المشكلة يتلخص فى أنك لا تقرأ ما أكتبه وما يكتبه أهل القرآن فى هذا الموقع ، بل لا تقرأ الردود عليك ، أو ربما تقرؤها بعين واحدة ساخطة ، لذا تعيد طرح نفس الأسئلة بنفس ما يفعله كامل النجار . وعلى سبيل المثال فهنا فى الموقع زميل لك مدرس بالأزهر أصغر منك عمرا ، ولكنه حريص على التعلم ، وقد قرأ بعض ما أكتب ، ومن خلال ما قرأ قام بالرد عليك ، إنه الاستاذ رضا عبد الرحمن . وكان أولى بك أن ترد على ما قال بدلا من أن تكرر نفس الكلام .

وبالمناسبة .. فلو كنت أنت مهتما بأن أرد أنا على وفاء سلطان وكامل النجار ووجدتنى عاجزا على الرد فلماذا لم تبادر أنت بالرد عليهما ؟ ألست كاتبا مسلما مثلى ؟. اليس ردك عليهما أفضل كثيرا من الهجوم علينا ؟  أليسوا هم الأحق بأن تسلط عليهم قلمك لتدافع عن الاسلام طالما لم يعجبك ردى عليهما ؟ أم أن ردى على كامل النجار أغضبك فاندفعت تتهمنى و أهلى من أهل القرآن بأننا لم نقدم شيئا الى الاسلام ؟ هذا مع التاكيد على أن هذا التساؤل والاجابة عنه ستاتى يوم القيامة حيث يحكم الله تعالى بيننا وحيث سيعرف الجميع ماذا قدم فلان وفلان من جهاد لصالح الاسلام أو ضد الاسلام.


3 ـ ليس عيبا أن تقرأ لى ، فأنا أقرأ لك ، وبعين الخبرة أقوم بتقييم عقلك و هل لك منهج علمى فى الكتابة ام لا ، وما لديك من امكانات التقدم و عكسها .
واعتقد ـ وقد أكون مخطئا ـ أن تقدمك فى المجال البحثى مرهون بمدى قدرتك على ان تقرأ بتمعن كل ما لا يروق لك قراءته، وأن تقرأه بموضوعية دون أن تبدأ برأى مسبق تبحث فيه عن المساوىء أو المزايا ، وأن تقرأ بتمعن حتى لا تبادر بالنقد او الهجوم دون علم فتفقد احترام العقول المستنيرة .
لو فعلت هذا ما كتبت وما تساءلت .
لا أطلب منك سوى ما أفعله أنا طيلة عمر بحثى بدأ من عام 1973 . فقد تخصصت فيما لا أحب ، ولكن بحثته بانصاف وحرص على المعرفة والتعلم لأنها شهادة سأكون مسئولا عنها ـ ليس فقط أمام الأجيال القادمة ـ ولكن قبل ذلك وبعده أمام الواحد القهار يوم الحساب . لذا فحين استقر لدى العلم بالصورة الصحيحة كتبت حريصا على الاتيان بالدليل من كتبهم هم . فعلت هذا فى أبحاثى عن التصوف وعن السنة و عن التشيع وفى الكتابة النقدية لتاريخ المسلمين بهدف الاصلاح .

4 ـ هناك  أسباب أخرى 

 أعتقد ـ وقد أكون أيضا مخطئا ـ أنك تتسرع بالانفعال وتكتب تحت تاثير هذا الانفعال ، وهذا أخطر ما يقع فيه الباحث والكاتب العادى.
فالانفعال يدمر الموضوعية التى هى شرط أساس فى اى كاتب أو باحث ، و فقدان الموضوعية يوقع الباحث أو الكاتب فى التناقض فيما يقول فيصبح صيدا سهلا لأى خبير ناقد . ثم إن الانفعال شعور وقتى لا يلبث أن يزول ، ولكن ما ينتج عنه من كتابة يظل أبد الدهر وصمة فى جبين كاتبه يفضحه ويسىء اليه أمام جيله والأجيال القادمة. هذا إن لم يبادر الكاتب باصلاح ما كتب.

5 ـ هناك مشكلة أخرى خاصة بى ، لا شأن لك فيها ، وهى أن ما ينشر هنا هو أقل كثيرا مما كتبته من قبل و لم يتم نشره بعد ، وفيه الاجابة على تساؤلات كثيرة ، وتاتى لى بعض هذه التساؤلات فاقول فى هذا الموقع أننى كتبت فى هذا الموضوع بحثا وسيأتى أوان نشره . ( أرجو أن تقرأ لترى الدليل فى تعليقاتى و فى الفتاوى )
معظم ما كتبته منذ عام 1979 لم ينشر بعد ، هذا عدا البحوث التى أنشغل الان بكتابتها ولا أجد الوقت الكافى لها . ومن العبث أن أشغل نفسى بالاجابة عن أسئلة قد وجهها ملحدون لا يقتنعون لأنهم يرفضون القرآن أساسا ، و لو أراد أحدهم الحق بانصاف وموضوعية لقرأ الاجابة فى كثير من المؤلفات المنشورة . ولقد كتبت هذا منذ قليل ، وبالطبع لم تقرأه أنت ، ولو قرأته ما كررت نفس الأسئلة.
ومن المؤلم والمضحك معا أن الاجابة على بعض تلك الأسئلة سبقت بها فى الكتب الخمسة التى ألفتها عام 1985 والتى بسببها تم احالتى للتحقيق ومنعى عن العمل لمدة عامين ثم ما ترتب على ذلك من تقديم استقالتى من الجامعة ، ثم ترك جامعة الأزهر ثم محنة القرآنيين الأولى بالسجن عام 1987.
ولقد أعددت مشروع النشر لمؤلفاتى القديمة التى تجيب على اسئلة الملحدين والسلفيين وغيرهم ، وتكون فريق لاعادة نسخ مؤلفاتى وارسالها لى ، وكان على راس هذا الفريق أخى عبد اللطيف سعيد ، ونشرت مقالا ـ أرجو أن تقرأه ـ بعنوان ( رحيق العمر مجانا )
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=1706

فقام النظام المصرى باعتقال عبد اللطيف ومصادرة ما لديه ، وذلك فى 28 مايو ، وظل عبد اللطيف وصحبه رهن التعذيب الى أن أفرجوا عنهم فى ظل قضية وهمية فى اكتوبر الماضى. ومحنة القرآنيين تكلم عنها العالم ، ويومياتها منشورة هنا فى الموقع ( هل قرأتها؟)

6 ـ وقد دافع عن القرآنيين المسجونين ظلما وعدوانا كثيرون فى الشرق و الغرب ، بعضهم لا يعرفنا ، وبعضهم يخالفنا فى الفكر ، ولكن الشهامة دفعتهم للوقوف الى جانب المظلوم . ممن كتب عنا دون سابق معرفة شخصية الاستاذ نضال نعيسة من سوريا والدكتور عبد الخالق حسين من العراق ..
لم نسمع لك صوتا يا أستاذ نهرو طيلة هذه المحنة .. فاين شهامة الصعايدة ؟
ربما تكون قد نشرت مدافعا عنا . وهنا نسحب هذه الملاحظة و نشكرك على وقوفك معنا ، ولكن أين ما كتبت دفاعا عن البؤساء المظاليم المسالمين الذين لا يزالون حتى الان رهن المتابعة الأمنية و التهديد باعادة الاعتقال ، لا لشىء سوى أنهم قاموا بنسخ مؤلفات شخص آخر؟ ولو فعلت ودافعت عنا فلماذا لم ترسل بمقالك لنا للنشر كما فعل الآخرون ؟
كل ما نعرفه أن أول مقال لك بعد محنة اهل القرآن هو ذلك الهجوم المباغت على أهل القرآن ، والذى يتضح منه ـ حسب علمى ـ أنه لمناصرة كامل النجار و ووفاء سلطان و وزكريا بطرس ..

7 ـ أقول ـ حسب علمى ـ إنه هجوم و ليس نقدا ..
ونحن نتسامح فى الهجوم ونغفر لمن يظلمنا ، ولكن لن تكون أول من يهاجمنا ظلما وعدوانا ، فلقد انضممت الى عشرات الألوف ممن يهاجمنا من السنيين و العلمانيين الملحدين . وأنت حرّ فى المكان الذى تضع فيه نفسك ، ونحن نرضى لك ما ترتضيه لنفسك .
نحن نرحب بالنقد لأننا ننشد الحقيقة ، ونسعى لها ، لأن هذا هو ديدن الباحث ، ومن هنا نؤكد على أننا جميعا أمام القرآن الكريم تلاميذ نتعلم ، ويستفيد بعضنا من اجتهاد بعض ، ليس فينا شيخ وتلميذ أو شيخ ومريد ، بل كلنا عقول تتحاور فى فضاء الانترنت ، تعارفت و تحابت وأخذت تتحاور ..قلت هذا كثيرا .. ولكنك لم تقرأ ..
والحوار لا يستغنى عن النقد ، والنقد هو حيوية العقل وحضوره ، وهو علاقة حوار متبادلة بين عقول لا مجال لسيادة احدهما على الاخر ، بل لاستفادة أحدهما من الاخر . وهذا هو الفيصل بين النقد و الهجوم الذى يترك الرأى ويتعلق بشخص صاحب الرأى ؛ يهاجمه أو يؤازر من يهاجمه .

8 ـ من الصعب على الأزهرى العادى قبول النقد ، لأننا نشأنا ـ وأنا هنا أتحدث عن جيلى ـ على أساس أننا الذين نحتكر الحق و الحقيقة فى كل ما يخص الاسلام بحكم المهنة و الوظيفة . وربما كنت اول من ثار على هذه القاعدة فى الأزهر بعد أن اكتشفت كيف أدت الى ضمور عقلية الشيوخ و تمتعهم بالجهل ، بنفس القدر التى أدت الى ظهور حركة اجتهاد دينية خارج الأزهر.
لذا آمنت بالحوار حتى فى مجال تخصصى الذى أفنيت فيه عمرى قارئا وباحثا ومؤلفا وخطيبا ومتحدثا . ليس فقط فى الأزهر بل بعد أن تركته ، فى رواق ومركز ابن خلدون و مؤتمرات داخل وخارج مصر ، ثم فى النهاية فى فضاء الانترنت .
و لازلت أعانى من التحاور مع من لا يملك أدوات الاجتهاد ولا يعرف أن يقرأ صفحة من كتب التراث أو أن يعرف مصطلحاتها ومناهجها ، بل من لا يملك ناصية اللغة العربية ، بل من بعض الجهلة الذين يستسهلون السب و التجريح ..وقد يغلبنى قلمى فأرد بقسوة أصف خصمى بالجهل ـ وأنا صادق فيما أقول ـ ولكن سرعان ما أعتذر .
ولكن الحوار ضرورى لى مهما بلغت من علم لأننى محتاج للتعلم ، وقلت كثيرا ـ وأرجو أن تكون قد قرأت هذا ـ إننى تعلمت من كثير من أهل القرآن فى هذا الموقع ، منهم فوزى فراج و ابراهيم دادى و عمرو اسماعيل ، بل أقول أكثر من هذا أننى أحتاج فعلا الى كل هذه الأسئلة وذلك النقد لأن مجرد النهوض للاجابة عليها تعنى تفتيح الذهن ودخوله مناطق لم يرتادها من قبل ، فكل فتوى و كل سؤال أو نقد يأتى لى بفائدة لأنه يجعلنى أرجع الى البحث فى القرآن الكريم والكتب التراثية باحثا منقبا عن الاجابة فأكون أول مستفيد .
الحوار أساس فى بناء كل باحث مهما طال عمره ، ولكنه صعب لا يقدر على الصبر عليه من العلماء إلا من رحم ربى .

9 ـ ولقد دعوتك الى مائدة الحوار فى موقعنا لتجلس الى جانبنا على مائدة مستديرة يتساوى فيها الجميع لأن الجميع تلاميذ . واحتفلت بك ، ووقفت الى جانبك فى الموقع ، فقد كنت أرى أنك مشروع مفكر مسلم ينقصه الصقل والمنهج .. كنت آمل فيك الخير. !!

10 ـ وأرجو ـ مخلصا ـ أن يظل هذا الأمل ، وأن تراجع نفسك ، وأن تستفيد من عجوز مثلى يكبرك ( فى السّن ) . ذلك متوقف بالطبع عليك ، وحيث تضع نفسك فهو اختيارك ، ونحن نحترم حق كل انسان فى الاختيار .

11 ـ واسمح لى بالقول بأن هذه هى النصيحة الأخيرة لك ، فوقتى لا يتسع لأكثر من ذلك .

12 ـ هدانا الله جل وعلا الى الصراط المستقيم .

اجمالي القراءات 19310