اللهو الخفي يدير مدينة الانتاج الاعلامي!

سليم عزوز في السبت ١٢ - يناير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

اندهشت يا قراء ـ علي الرغم من أنني فقدت القدرة علي الاندهاش منذ زمن ـ وأنا اقرأ ان جهات عليا تحركت علي وجه السرعة، وأصدرت تعليماتها لقناة الاوربيت بعدم التعامل مع الكاتب بلال فضل، وقد اعذر من انذر!
بلال واحد من الكتاب الذين دأبو علي نقد أهل الحكم، بأسلوب ساخر، عُرف عنه، واشتهر به، ومن الطبيعي ان ينظر القوم له باعتباره عدوا، فهو يتمضمض باللبن الحليب، وبالتالي فمن الطبيعي ان يحاصروه، ولا يسمحوا له بالعمل في اعلامهم، حتي وان كان هو اعلام الدولة المصرية، الذي يتم الإنفاق عليه من ميزانية الدولة، الممولة من قبل دافعي الضرائب، وليس من (فضلة خير) زعيم لجنة السياسات احمد عز، او من (مصروف جيب) الأنجال!
لكن أن يجري المنع من العمل، في قناة الاوربيت، وهي قناة سعودية، وليست مصرية، فان المرء هنا لا يلام ان اندهش، علي الرغم من فقدانه لخاصية الاندهاش منذ ردح من الزمن، ومنذ ان تحركت قوات الأمن الباسلة، والتي تكفي عددا وعدة لتحرير الفلوجة، لتمنعني من دخول صحيفتي، علما بأنها صحيفة يصدرها حزب معارض، ولا تصدر من وزارة الداخلية، ولا يملكها الحزب الحاكم. وفي صباح اليوم التالي رأيت أحدهم عبر شاشة التلفزيون المصري، وهو يردد الاكليشيه الشهير عن العهد الذي لم يغلق صحيفة، ولم يسجن صحافيا، ولم يقصف قلما.. ونعم العهود!
لقد اندهشت ساعاتها، لكني توقفت عن الاندهاش، فالمعارضة في مصر خرجت بقرار رئاسي، وبالتالي فلا ضير ان كانت عقدة النكاح هنا وهناك بيد الأجهزة الأمنية. لكني عدت من جديد للاندهاش، لهذا التدخل السافر في شؤون قناة تلفزيونية، هي سعودية شحما ولحما، ولكن اذا عُرف السبب بطل العجب، كما يقولون!
خيري رمضان مدير تحرير جريدة (الأهرام) كان يقدم فقرة الصحافة، ضمن برنامج (من القاهرة) علي قناة اوربيت، والتي تبث ارسالها من مدينة الانتاج الاعلامي في مصر، وهذا هو مربط الفرس، ولان (الفقي) عندما يسعد يدعي لجنازتين في وقت واحد، فقد اتفقت قناة (الساعة) الليبية، مع خيري علي تقديم برنامج يومي، ينافس (البيت بيتك) علي التلفزيون المصري، و(العاشرة مساء) علي قناة دريم، و( 90 دقيقة) علي المحور، وقد اصطحب معه مذيعة البرنامج الأخير، التي تركته، وتركت مقدمه معتز الدمرداش بمفرده، الي حين اشعار آخر. ومن يومها وخيري يتعرض لهجوم عنيف من البعض، يبدو ان عينا وأصابته، وهذا ليس موضوعنا.
وازاء هذا الفراغ الذي تركه خيري رمضان، فان ادارة البرنامج قررت ان تستعين بمن يشغله، وكان القرار هو الاستعانة ببلال فضل، وهو يتميز ببسطة في الجسم، تجعله كفيلا بشغل كل أنواع الفراغ في المنطقة، بما في ذلك الفراغ الدستوري، الذي تعاني منه الدول الشقيقة والصديقة. مصر لا يوجد بها فراغ دستوري، وما كان ليكون.
ربما قبل بلال القيام بهذه المهمة الشاقة، والذهاب يوميا، الي مدينة السادس من أكتوبر، حيث مدينة الانتاج الاعلامي واستوديوهات قناة الاوربيت بالقاهرة، وهو مكان لمن لا يعلم بعيد، ليصلح ما أفسده الدهر، وربما يفلح فيما فشل فيه الرجيم!
لقد توكل بلال علي الله وقام بتفصيل ثلاث بدل، فالمصانع المصرية، وربما العالمية، لا تنتج بدلا تتناسب مع هذه الأحجام الضخمة، وبلال لم يرتد في حياته سوي بدلة الزواج، ليصبح الأمر بعد ذلك موتا وخراب ديار.
لقد قدم المذكور فقرته لمدة ثلاثة أيام، ولم يخطئ فيهما في حق الآلهة، ولم يخلط بين كتاباته في جريدة (الدستور)، والعمل في قناة هي في النهاية، مملوكة لسعوديين، ولن يسمح السعوديون لمن يهاجم النظام المصري في اعلامهم، والعكس غير مسموح به في الاعلام المملوك للحكومة المصرية، فما يجمع النظامين هو المحبة الخالصة في الله، وما كان لله دام واتصل، ولا يمكن لبشر وان كان في ضخامة بلال فضل ان يبدده.

الجهات العليا

لم أشاهد بلال مذيعا، لكن من شاهدوه قالوا ان حلقاته الثلاث كانت معتدلة ومتزنة، فلم يسئ فيها لرئيس او خفير، او وزير، لكن جهات عليا، تطارد المعارضين من صحيفة لاخري، ومن تلفزيون، لتلفزيون، تدخلت في اللحظة الحاسمة، وطلبت من ادارة القناة الاستغناء عن خدمات بلال حتي لا يعكر صفوهم، ومزاجهم، في كل ليلة بظهوره.
لم يقل أحد الي أي قبيلة تنتمي هذه الجهات العليا، لاسيما وأننا في بلادنا العربية كل هيئاتنا عليا، وكل منظماتنا أعلي، فهناك المجلس الأعلي للصحافة، والمجلس الأعلي للشباب والرياضة، والمجلس الأعلي لحقوق الانسان، والمجلس الأعلي لنظافة القاهرة، ولا أظن ان هناك جهة لا تحوز هذا اللقب، وبالتالي فان الجهات العليا تتشابه علينا.
في حالتي كان كل شي واضحا، فالحشود الأمنية كانت مرابطة في عز الظهر، وكبيرهم قال لي ان هناك قرارا من وزير الداخلية بمنعي من الدخول، ومن القراءة ومن الكتابة، وعندما سألته وأين القرار؟.. قال ان وجودي هنا قرار.
كلام منطقي حقا، وبدون الدخول في حوار بيزنطي كالذي دخلته، فان النجوم والنسور المزينة للأكتاف، والأسلحة المشهرة، كانت تمثل اجابة علي كل الأسئلة التي أرهقت نفسي في القائها، مع من حسم النقاش في النهاية معي بانه عبد المأمور، ونعم العبد الصالح!
أما في حالة بلال، فان الجهات العليا بدت كما لو كانت اللهو الخفي، والانكي أنها تتدخل في شأن من شؤون قناة تلفزيونية، المفروض انها ذات سيادة!
اللهو الخفي تدخل من قبل، ومنع برنامج حمدي قنديل، من علي قناة دريم، كما تدخل ومنع برنامج (الأستاذ) للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، الذي كان يبث من ذات القناة، ووقتها لم نندهش، علي الرغم من ان هذا التدخل تم مع قناة خاصة، وليست مملوكة للحكومة المصرية، ذلك لان السلطة الحاكمة تملك الخاص والعام، فهي مانحة للرخص القانونية، وهي صاحبة القول الفصل، واليها يرد الأمر كله!
لكن اوربيت لها وضع خاص، بحكم الملكية، وهذا ولا بد وان يقودنا لمناقشة حدود الحرية داخل المناطق الاعلامية الحرة في الوطن العربي.

المناطق الحرة

فقد نشأت المنطقة الاعلامية الحرة في مصر، داخل مدينة الانتاج الاعلامي، والتي نشأت بعد مدينة دبي، وقبل مدينة الأردن، والذي جعل لها وضعا متميزا عن المدينتين، هو زخم الأحداث في مصر، ووجود شركة الأقمار الصناعية (نايل سات). وحتي يتم انجاح مشروع مدينة الانتاج، فقد كان شرطا علي الفضائيات التي تريد ان تبث من القاهرة، ان تقبل تحميل عقد التعامل مع القمر المذكور بأستوديو في المدينة.. بعض الفضائيات حولته الي مخازن، متعاملة مع الشرط علي انه يدخل في دائرة عقود الاذعان، وبعضها مثل الاوربيت استغلت الأستوديو في البث الحقيقي منه، لكن من الواضح ان قبول البث من علي القمر المصري، يجعل من هذه القنوات ان تكون في حكم القنوات المصرية، وعليها ان تقبل تدخل الجهات العليا في ادق شؤونها والا فالباب يفوت جمل.
وهو امر يطعن فكرة المدينة الحرة في الصميم، لكن دلوني علي الأفكار الرائعة في أوطاننا العربية، التي لم يتم تشويهها بمرور الوقت؟!
ان استعانة قناة ما، بمقدم برامج، أمر يعد من ابسط حقوق القائمين عليها، وعندما تتدخل الجهات العليا، وتمنع بلال فضل فنحن نكون أمر تصرف ديكتاتوري سيطرت عليه الرعونة السياسية، وكفيل بأن يدخل هذه الجهات التاريخ بالظهور لا بالوجوه.
ان بلال فضل لم يستغل ميكرفون الاوربيت ويعلن بيان الثورة من خلاله، ولا شك بأن تدخل القوم لدفع أصحاب الفضائية السعودية للاستغناء عن خدماته، أمر يدل علي الخلاف السياسي عندما يتحول الي خلاف شخصي، وهو امر ليس قاصرا علي مصر وحدها، فهذه سمة من سمات أنظمة الحكم الشمولي في عالمنا العربي، عندما تتضاءل الحكومات العربية فتصبح في حجم شخص المختلف، او تنفخ في الشخص فيتحول الي نظام، وعليه تقرر ان تنازله، سهما بسهم، ورمحا برمح، ولعل القوم بعد ان نجحوا في حمل ادارة القناة المذكورة علي تشليح بلال تصايحوا: انتصرنا. وربما قد طلبوا من تلفزيون الريادة الاعلامية أن يشجي الأمة بأغنية: مصر اليوم في عيد.
الغريب انهم لا يزالون علي اصرارهم من ضرورة تحويل زميلتنا هويدا طه الي عبرة، لأنها اساءت لسمعة مصر بالخارج، من خلال برنامجها الوثائقي عن التعذيب، الذي بثته قناة الجزيرة، مع ان الجهات العليا، والجهات السفلي، هي التي تسيء لسمعة مصر في الداخل والخارج بمثل هذه التصرفات الرعناء.
ويا عزيزي بلال لا تفرط في البدل الثلاث بالبيع، وانما احتفظ بها الي حين، وقتها يصبح من السهل ارسالها للمتحف المصري، لتكون دليلا علي ان مصر عرفت في يوم من الأيام جهات لم تعرف قدرها، مع انها عليا، كما عرفت المماليك من قبل.. هذا قدرها.. وقدرنا جميعا.

أرض ـ جو

نسيت من قبل ان أضم حنجرة المذيعة المصرية صفاء حجازي الي قائمة الحناجر الذهبية، والتي تذكرتها بحوارها الرصين مع الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسي في برنامج (بيت العرب) بالتلفزيون المصري. ان صفاء حجازي صاحبة واحد من افضل الأصوات في التلفزيونات العربية، لكن مشكلتها انها تعمل في تلفزيون، حولته الأطباق اللاقطة، الي تلفزيون سري.
في برنامج (منبر الجزيرة) يفاجأ المرء بأن هناك من يستغلون بث البرنامج علي الهواء مباشرة، فينطلقون يهاجمون مذيعته ليلي الشايب ويربكونها، ويا معشر المشاركين: رفقا بالقوارير.
تفوقت قناة العربية علي الجزيرة بموقعها علي الانترنت، وتفوقت الحرة عليهما بماري زعرب.
كاتب وصحافي من مصر
azzoz66@maktoob.com

اجمالي القراءات 14576