المنهج
القرآن والمنهج

زهير قوطرش في السبت ٢٩ - ديسمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


القرآن والمنهج

هذا الموضوع الهام ،وهو رد على بعض المتقولين الذين لايعتبرون القرآن منهجا ، بل هو بحاجة الى منهج وضعي لدراسته و للوقوف على صحة آياته وبيناته. مع العلم أنني لست ضد استخدام المناهج الوضعية لدراسته ،لكني أصر على أنه هو بحد ذاته منهجا صادقا وصالحا على مر العصور والازمان . لهذا وقبل الدخول في عموميات الموضوع ،لابد لنا من الوقوف على بعض التعاريف الاساسية كمدخل لهذا البحث.
تعريف القرآن: (فورب السماء والأرض إنه الحق مثل ما تنطقون)
القرآن & العظيم هو كلام الله سبحانه وتعالى المنزل الحق مطلق المعرفة. المجرد عن إفهام البشر بغض النظرعن تقويم هذه الافهام وما يمكن أن يؤخذ منها وما يمكن أن يترك،والتي غالباً ما تكون انعكاسات لظروف محيطة بهؤلاء البشر،والذين لايستطيعون منها فكاكا حين يصدرون رواهم المعرفية او التفسيرية للقرآن العظيم. وكونه مطلق المعرفة، فإن تفسيره يغلب عليه طابع النسبية وذلك حسب الارضية المعرفية للبشر. ويبقى القرآن عطاء بجود زخار بجيوش من المعاني والعطاءات، يستقبل فيها كل عصر بمزيد من الدلائل والبراهين .إنه كتاب الله الخالد المعجز. الذي يتحدى الاعجاز العلمي والتأملي بنفس الوقت. والذي يتحدى المناهج جميعا بل هو الذي ينهج وينشيء هذه المناهج السديدة الى يوم الدين.

المنهج:

كلمة منهج من الكلمات العربية الاصيلة. قال عز وجل " لكل منكم جعلنا شرعة ومنهاجا" أي لكل منكم جعلنا طريقاً واضحا للسير عليه. وفي التعاريف الحالية السياسية المنهج هو البرنامج الخطة النهج العملي. ويمكن أن يقال بأن المنهج هو الطريقة أو القواعد التي توصل الباحث الى نتيجة. إن كانت على المستوى العلمي أو الانساني . هنالك من اعتقد أن الناس لايتفاوتون في قدراتهم العقلية والذهنية، وإنما يتفاوتون في استخدام المنهج . والمناهج تعكس روح الحضارة. مثلاً المنهج القياسي هو روح الحضارة اليونانية والمنهج الاستقرائي هو منهج الحضارةالاسلامية وهكذا..... اليوم نرى أن روح الحضارة الغربية هو المنهج التجريبي الذي يخضع للملاحظة والتجريب.





تقسيم المناهج الوضعية:

اصبح في العالم اليوم عدة مناهج ، حتى أننا نجد أن هنالك وفي مجال واحد عدة مناهج تقوم على دراسته. ولكن في الحقيقة يمكن تقسيم المناهج الى أربعة مناهج رئيسية.
المنهج الاول: الاستدلالي ،ويسمى الاستنباطي في علم الرياضيات، أو القياسي.
المنهج الثاني : الاستقرائي .وهو المنهج التجريبي التعميمي ،وهو منهج العلوم في هذا العصر .
المنهج الثالث: الاستردادي ،ويسمى المنهج التكويني ،وهومنهج دراسة العلوم التاريخية، وما يدخل تحت هذاالباب كالتاريخ الطبيعي.أي يدرس وقائع غير موجودة ،يستردها حتى يدرسها.
المنهج الرابع : هو المنهج الجدلي وهو منهج اقرب مايكون الى تنظيم وجوه المناظرة والمجادلة بين الطرفين.

ما هو المنهج القرآني :

القرآن العظيم منذ نزول الكلمة الاولى لإخر رسالة ،كان واضحا من خلالها ومن سياق الآية الاولى أن رب العالمين انزل للإنسان كتاباً وضع فيه مفاتيح المنهج الرباني ،وترك للإنسان حرية الأخذ به .الكلمة الاولى في هذا المنهج كانت كما نعلم "أقرأ" إذن بالقراءة وحدها يمكن أن نحقق المشروع والمنهج الرباني في الانسان، حيث قال الله عز وجل للملائكة في حق هذا المخلوق:" أني أعلم ما لا تعلمون" والقراءة هي بسم الرب" أقرأ باسم ربك" ،ولم يقل باسم الله ،أو باسم الرحمن ،لإن المنهج هو للإنسان، بغض النظر عن إيمانه أو كفره ."اقرأ وربك الأكرم" . كيف يتجلى هذا الكرم الرباني بحق الانسان الذي اتبع منهج الحق في القراءة. أنه يتجلى بكرم ما بعده كرم ،كون الرب اشار الى حقيقة قد غفل عنها الانسان ،ذلك أنه مع كثرة القراءة والتدبر يزداد الانسان علما ،ويتجوهر في أنسانيته . ويرتاد عالم التسخير لمصلحته. وبالنتيجة الفائدة تعود على الانسان ،بدون مقابل لهذا العطاء وهذا الكرم الآلهي "لاأريد رزقا ًوما أريد أن يطعمون". ثم ينتقل بنا القرآن الكريم الى استخدام المنهج بقوله عز من قائل" إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الالباب . الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلاً" إذن لابد للأنسان أن يستدل ويستقرئ في خلق السموات والارض ،وأيضا في اختلاف الليل والنهار التي هي آيات واضحة موضوعية لها قوة الاعجاز ، دالة دلالة قطعية على وجود الحق، حيث انتهى زمن المعجزات وبدأ زمن التأمل والعلم والمعرفة . وما على الانسان إلا إعمال العقل و الفكر ليرى أن هذا الخلق هو في الحقيقة الذي يجب البحث فيه وعنه ودراسته ... وأن بابا من السماء قد أغلق/باب الوحي/ لكن باب القرآن فتح للإنسان أبوباً لاتعد ولاتحصى. واهمها باب الافاق والانفس " سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" هذا المنهج لم تعرفه الاديان قبل الاسلام ، انه القراءة الجدلية من النص الى الواقع، ثم عودة الى النص ومن ثم الى الواقع بعلاقة جدلية مستمرةالى يوم الدين. مما يبقي هذا الكتاب العظيم حيا " بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأوليه " معنى لم ياتهم تأويله أي لم ياتهم تحققه في عالم الواقع. وحتى يأتي لابد من الجهد الانساني لكشف ما في الافاق والانفس. ما أروع هذه الدائرة المنهجية المتكاملة./أين نحن أمة الاسلام من هذا؟؟؟؟؟). ولم يقف المنهج القرآني عند هذا الحد ،لكنه دعانا الى استخدام المنهج الاستردادي يقول الباري "سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق" لماذا يطلب منا الخالق اعتماد هذا المنهج القرآني الفريد ،اراد أن يخبرنا أن الذي يعرف كيف بدأالخلق يحصل لديه تصور لمصير الخلق والمستقبل ولو بشكل غامض .وأنه يمكن أن يتغير كما تغير الماضي
" ويزيد في الخلق ما يشاء" "وكل يوم هو في شأن". وقصص علينا قصص الاولين لتكون عبرة ومدرسة تعليمية منهجية في نهج استرداد الماضي والتعلم منه. وحتى لا أطيل الحديث  لم يغفل القرآن العظيم ، المنهج الجدلي . وما قصة الخلق التي حدثنا بها الأخ محمود دويكات  إلا برهانا واضحا على استخدام القرآن هذا المنهج الرائع في حوار الخالق مع الملائكة ،وابليس اللعين ،وليس في قصة الخلق ولكن في الكثير من الامثلة القرآنية المتعددة.
هذا هو كتابنا ، هذا هو المنهج الرباني الذي أستطيع أن أختم هذه المقالة بأن قوة المنهج الرباني في كونه في النهاية يعتمد مبدأ العاقبة وهي شيء فوق التجربة ،انها تجربة مضاف إليها الخير والابقى وهو منهج تاريخي سنني بقوله عز وجل " أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". أللهم زدنا علما ،وزدنا معرفة وتدبرا بكتابك العظيم .

اجمالي القراءات 52801