الوطـــــــــن .....بين العقل والعاطفة

فوزى فراج في الأحد ٠٢ - ديسمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الوطـــــــــن .....بين العقل والعاطفة

الوطن والوطنية, ماذا تعنى كلمة الوطن, وهل المشاعر التى توصف بالوطنية, هى نتاج من العقل ام العاطفة, وما هى الشروط الواجب توافرها كى يطلق انسان ما اسم الوطن على مكان ما.

- وطنى حبيبى يا وطنى (الأكبر !!), يوم ورا يوم أمجاده بتكتر, وانتصاراته ماليه حياته وطنى بيكبر وبيتحرر. ((لازلت حتى اليوم وبعد أكثر من أربعون عاما على سماعى لتلك الأغنية احاول ان ارى تلك الأمجاد التى تكثر يوما بعد يوم, وللأسف رغم كل محاولاتى, لم اجد منها مجدا واحدا, ولذلك, فربما لنوع ما من التخلف العقلى الذى أصابنى ولا زال, لا أستطيع ان اميز تلك الأمجاد, وبذلك يقع اللوم على وحدى فى عدم التعرف على تلك الأمجاد,وليس اللوم على ذلك الوطن الأكبر))

- وطنى وصبايا وأحلامى , وطنى وهوايا وأيامى , ورضا امى , وحنان أبى , وخطا ولدى عند اللعب يخطو برجاء بسام.

- قلبى يمينــــى لســــــــــــــــــــــــانى , روحى فدا أوطـــــــــــــــــــــــــــــانى

- حب الوطـــــــــــــــــــن فرض علية... افديه بروحى وعنيه

هذه عينة بسيطه من الأغانى التى تعودنا على سماعها واهتز لها وجداننا منذ الطفوله. والكلمة المشتركة بين كل تلك الأغنيات وعشرات من مثلها هى كلمة الوطــــــــــــــــن.

ما هو الوطـــــــــــــن على وجه التحديد؟

هل هو مساحة أرضية محددة بحدود جغرافية , يعيش عليها عدد من الناس , تجمعهم لغة واحدة وعادات وتقاليد واحدة وفى أغلب الأحيان لأكثريتهم عقيدة واحدة, ولهم تاريخ مشترك وأصول مشتركه, وطموحات مشتركه ومشاكل مشتركه .

ماذا تعنى تلك الكلمة , الوطــــــن, ذلك الشيئ الذى يوحد الكثيرين على حبه والدفاع عنه والتضحية من أجله حتى يؤمن الكثيرون عن إقتناع كامل بتقديم أغلى ما لديهم فى سبيله, سواء اموالهم او ابناءهم فلذات أكبادهم بل وحياتهم ان اقتضى الأمر.

فلنبدأ من البداية, الفرد هو البنية الأساسية فى المجتمع, ويتكون المجتمع من افراد, وهم , اى الأفراد, فى تجمعاتهم الصغيرة يكونون الأسرة الصغيرة, والأسرة الكبيرة ثم القبيلة فى بعض المجتمعات, وتجمعات الأسر تكون المجتمع الذى يعيش فى منطقة محددة تسمى الوطـــــــــــن.

والغالبية العظمى من الأوطان تتخذ اسماءا ربما لا يعرف سكانها اصلها او متى اتخذت او من الذى اطلق ذلك الأسم عليها, ومتى, غير انهم منذ ان يدركوا ما حولهم فى مراحل الطفولة الأولى , يرثون حب الوطن او ما يسمى بالوطنية, ومن النادر بل ربما من المستحيل ان يفكر الفرد فى السبب الذى يدعوه أن يلقى بنفسه للتهلكه دفاعا عن ذلك الأسم او عن تلك الرقعة من الأرض الذى يحددها الأسم او بمعنى اخر, الوطـــــــــن.

فى البداية, وقبل ان تتطور البشرية ويزداد عدد سكان هذا الكوكب الى ما هم عليه الأن وقبل ان ترسم الحدود وتطلق الأسماء على تلك البقع من الأرض لكى يمكن تفريق كل منها عن الأخرى, فى البدايه اقول , وبصرف النظر عن العقيده وعن كيفية الخلق وعن أدم وعن حواء ...الخ ...الخ.....الخ. عندما (ظهر) الأنسان على وجه الأرض , ولم يكن بتلك الأعداد التى نراها, ربما كان هناك اثنين, وربما كانوا اكثر من ذلك قليلا او كثيرا, فعاشوا فى بقعة ما على هذا الكوكب الشاسع, وعندما تزايد عددهم او عدد الأسر الصغيرة بدرجة لم تسمح بالإستمرار فى معيشتهم بنفس الطريقة فى نفس المكان, كان لابد ان يتحركوا فى اتجاهات مختلفه للمحافظة على حياتهم وعلى مصادر طعامهم, ومن الممكن ان نتصور تلك الحركه التى ادت الى إعمار أماكنا كثيرة من الأرض لم تكن معمورة من قبل, وكان لا بد من تعريف تلك "الأماكن" حيث التجمعات, فى عمليات التنقل او الحركه من مكان الى مكان, ربما كانت الأسماء الأولى التى اطلقت عليها اشياء مثل قرب النهر أو قرب الجبل او جانب البحر..الخ, وعندما ازدادت التجمعات الصغيره لتصبح اكثر من مكان واحد قرب النهر مثلا, فكان لابد ان تخترع اسماء اخرى لتعريفها, وربما استعملوا اسم كبير القبيله, او اسم نوع خاص من منتجاتهم او شيئا من هذا القبيل, حتى وصلنا بشكل او بآخر الى الأسماء المعروفة الآن لسائر الأوطان, والذى لم اجد قاموسا عالميا موحدا لتفسير معناها او من ا طلق تلك الأسماء ومتى.

 
اننا لا نعرف على وجه التحديد وبصفة لا تقبل المناقشة مثلا, من اعطى اسم مصر لمصر, ومتى , او من اعطى لها الاسم الذى كان قبل ذلك "ايجبت " او " كيميت " قبل تحويره الى " ايجبت" , وهناك الكثير مما يقال عن ذلك غير ان ذلك لا يعنى انها حقيقة غير قابلة للمناقشه. ويسرى نفس الشيئ على الغالبية العظمى من اسماء الأوطان الأخرى, بالطبع هناك بعض الإستثناءات, فمثلا نعرف ان روديسيا قد تغير اسمها الآن الى زمبابوى لأسباب سياسية كما حدث عندما تغير اسم مصر أيضا الى الجمهورية العربية المتحده , ولم يعيش هذا الأسم سوى عامين او ثلاثه ثم انفصلت سوريا وتركوا نفس الأسم لعدة أعوام حتى تدارك البعض ان الأسم الذى يحتوى كلمة ( متحدة) اصبح اضحوكة, فتم تغييره الى جمهورية مصر العربيه, ولم التقى حتى يومنا هذا بمواطن منها يقول انه من جمهورية مصر العربيه, ولكن يقول ببساطة وبدون تفكيرانه مصرى من مصر.

نرجع الى موضوع الوطـــن, واحساس الفرد به الذى يولد معه وينمو معه, وليس ذلك بالطبع قاصرا على مصر او على الشعوب العربية او الإسلاميه فحسب, فذلك من الأشياء العالميه, وكل فرد لأسباب قد يكون من الصعب شرحها يحس بنوع من الفخر لوطنه, بصرف النظر عن مكانته العالميه او عن مدى تقدمه او تأخره او مدى فقره او ثرائه. ولتحليل ذلك, نضرب بعض الأمثال, فمثلا , نرى الشخص, اى شخص فخور بعائلته, وبإسم عائلته, خاصة فى المجتمعات الشرقيه العربية او الإسلاميه, وربما أيضا فى بعض المجتمعات الأوربيه والأسيويه, ولكن ذلك الفخر ان كان مجرد فخرا وليس تفاخرا, فهو مقبول, اما وإن بدأ فى التفاخر, فيعاب على الشخص ذلك ويتهم بأنه يمارس نوعا من ( العرقيه), ثم ان كان الشخص يتباهى بمدينته, كما يحدث فى مصر مثلا, بين ابناء الإسكندريه والقاهرة وبور سعيد ...الخ, فلا يلام الا ان انتهى ذلك التفاخر والتباهى بمشادة قد لا يحمد عقباها, ونرى من امثال ذلك كثيرا ونراها بصفة خاصة فى ما يحدث فى مباريات الكره.

ونفرض ان مصر مثلا اتحدت مع ليبيا ومع تونس ومع الجزائر والمغرب فى دولة كبرى ولتكن دولة "شمال افريقيا الكبرى", وكان اتحادها ليس اتحادا سياسيا فقط قد ينهار ان انهارت الأسباب التى ادت اليه كما حدث مع سوريا, بل اتحادا شاملا عن اقتناع كامل من الشعوب, وكان ذلك الإتحاد ناحجا وقويا, فهل يكون شعور المواطنين نحو الوطن الجديد كشعورهم نحو الوطن القديم , وهل سيسارع المواطن ليقول انه من شمال افريقيا الكبرى بدلا من مصر, ربما فى السنوات الأولى لن يحدث ذلك, ولكن بعد ان يولد جيل جديد او اثنين فى هذا الإتحاد الجديد, استطيع ان اؤكد ان شعور الجيل الجديد بذلك الوطن لن يقل عن شعور الأجيال السابقه بأوطانهم المنفرده كمصر او الجزائر او تونس مثلا.

ونعكس المثل السابق , ماذا لو ان مصر بوضعها الحالى, قد انقسمت الى دولتين, ولنقل مثلا الجنوب والشمال كما كانت فى بعض العصور الفرعونيهة القديمة, دولتين مستقلتين كل عن الأخرى استقلالا تاما, فلا شك ان بعد جيل او اثنين سوف لن يشعر الجيل الجديد بإنتمائه سوى الى الوطن الذى نشأ فيه فى الشمال او الجنوب, ولن يكون له اى مشاعر خاصة لمصر القديمة قبل الإنفصال, بل ليس من المستبعد مطلقا ان تحدث حرب بينهما.

ونرى ذلك واضحا فى مثالين , الولايات المتحده , والهند, ففى الولايات المتحده لايشعر اى مواطن سوى انه ينتمى الى وطن واحد بصرف النظر عن ولايته وعن تاريح الولايات المتحدة والحرب الأهلية بين الشمال والجنوب , بينما فى الهند, وقد كانت قبل ان تقسم تشمل كل من باكستان وبنغالديش والهند, ثم قسمت الى دولتين , ثم انفصلت بنجلاديش عن باكستان, ليكون هناك ثلاث دول, وعندما اتحدث مع بعض الأصدقاء من مواطنى تلك الدول الثلاث, لا أرى على الإطلاق اى سبب يدعو ان اعتقد فى ان اى منهم يشعر بأى مشاعر وطنية نحو الهند الأولى قبل التقسيم, بل ان انتماءهم ووطنيتهم هى للبلد الذى اتوا منه, ومشاعر الصداقة والعداء للدول الأخرى تؤيد ذلك تماما, بل اننى رأيت من الهند من المسلمين من يعادون باكستان عداء شديدا ويفضلون من ابناء جلدتهم الهندوس على مسلمى باكستان او بنجلاديش.

وأخيرا,ان كان الوطــن كما قلت سابقا, يتغير على مر الزمن, سواء فى الإسم او فى الموقع الجغرافى والحدود الجغرافيه, وان كان سكان ذلك الوطـــن طبقا لما يحدث الآن من هجرات جماعية الى اوطان أخرى, يعيشون بها وينتمون اليها سواء بإرادتهم او بدونها, ويكونون العائلات بها, ويرون ابناءهم يكبرون ويتعلمون بها بل ويتزوجون بها أيضا, فأى وطن بعد ذلك تعتقد انهم ينتمون اليه. المصريون وغيرهم ينزحون ويهاجرون الى دول أخرى لينطبق عليهم ذلك السيناريو كما انطبق من قبل على اللبنانيون والسوريون, وكما انطبق على اليونانيون والإيطاليون والفرنسيون.......الخ بل ربما ليس هناك شعب واحد لم ينطبق عليه ذلك السيناريو. اذن يبقى السؤال, ما هو الوطـــــن, أهو المكان الذى يولد به الإنسان بصرف النظر عن اى شيئ, ام هو المكان الذى يعيش فيه الإنسان بصفة دائمة او شبه دائمه ومعه اسرته القريبه, وكيف يكون او كيف يجب ان يشعر ذلك الإنسان عندما يكون الحديث عن الوطــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن!!!!!!!!!!!

تحياتى وتمنياتى الطيبة.

اجمالي القراءات 25734