مقدمة
التاريخ القبطى ...

محمد حسين في الثلاثاء ٠٦ - نوفمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

تاريخ مصر هو تاريخ لامع لا يمكن لعاقل او مجنون ، عالم او غير عالم ان يتجاهله ، لانه اشبه بفرض من الطبيعة على جنبات هذا الكون ذلك الفرض الذى جعله آية من آيات الله فى كونه وثابت من الثوابت التى لا تتغير كالشمس والقمر والنجوم والجبال ، كلما التفت فى كل جنب من جنبات الارض ستجد اشارة ما هنا او هناك الى تلك الارض ، وستجد جذورها ممتدة بجمالها فى كل ارض ليست بعنوة ولا بضيم ، ولكن بحب هذا اليها وانتساب ذلك اليها وتغنى ذاك بأن يراها يوما من الايام وكأنها حلم يداعب كل ذى لب على وجه البسي&Oطة ، سواء ان كان محبا الى تلك الارض جهرا او كارها جهرا فهو محب لها داخل طيات صمته ... ستجد العلم يقف امام ما قدمته تلك الارض منذ الاف السنين رافعا قبعته فى خشوع لحضارة تكاد تكون هى الفريدة من نوعها ، ستجد الثقافة لا تستطيع الابحار فى يم الافكار الا بشراعها ، ستجد الكتب المقدسة قد حملتها على اعلى مراتب الاحترام والتبجيل بين طياتها ، ستجد ديار العلوم والمعارف لا تخلو من الحكى عنها ، يبغيها كل قاص ودان حتى فى احلك ظلمات الحياة حولها ، مما جعلنى اصب بقارورة الحب فى بحرها ، دون توقف ، دون تردد ، دون ادنى شك منى فى وضعها ... فى وضعها فى اعلى مراتب الحب داخل فؤادى وتبجيل كل من خط وخطى على ارضها جنوبها وشرقها ، شمالها وغربها وقال انه مصرى...
تاريخ ملئ بكل ما يتخيله عقل من ملوك وفراعنة واسر حاكمة وانبياء واولياء ومقدسين ومحبين ومغتصبين وطامعين ، لا يكاد يخلو من اى جنس ولون ودين ، حضارة عاتية لم تتسع لها الارض ولا الكتب بعد ، ولا زالت تعطى من اسرارها واسرار اسرارها ولم تعطى الا قليلا ... انها مصر كما قال عنها هيرودوت " هى الشمعة القابعة فى قاع النهر ، التى كلما اظلم العالم طفت على سطحه كى تنيره" ...

انه تاريخ اشبه بقصر جميل يتوسط حديقة التاريخ ، وفى هذا القصر المتعالى الاركان المتعدد الابواب والنوافذ توجد اعمدة عالية شامخة يقوم عليها هذا القصر الجميل المتحدى لكل هواجس الزمن ورياحه العاتية ، ويقف بين هذه الاعمدة عمود طويل فارع اطلق على نفسه "العمود القبطى" ... وكلمة قبطى كما ورد فى كتب التاريخ والمعارف تعنى "مصرى" فى تلك الحقبة الزمنية ، ففى اللغة اليونانية مصر تأتى بمعنى ايكبتوس Αίγυπτος وتنطق بالحروف الرومانية Ecoptos والتى اشتقت منها كلمة "كوبتياس" والتى تعنى كلمة قبط فى اللغة المصرية القديمة ، ولهذا الاشتقاق مصادر مفروضة عديدة كان اقربها هو انها مشتقة من كلمة "كا بتاح" والتى كانت ضمن "حوط كا بتاح" وتعنى كلمة محط كا بتاح فى الاصول الفرعونية ... وتوجد مقولة اخرى انها مشتقة من كلمة كمت التى اعتاد المصريون ان يعرفوا بلادهم بها ، والتى تعنى "الارض السوداء" فى اشارة الى التربة السوداء المترامية على جانبى نهر النيل والتى اصبحت بعد ذلك "كمت" فى الحقبة القبطية من التاريخ المصرى .... 

***** 

انه من الاجحاف ان نطلق لفظ "الحقبة القبطية" ، ذلك بعد ان تبين لنا ما تعنيه كلمة قبطى او اقباط فى اللغات القديمة والتى مؤداها "مصرى" او "مصريون" فى عصر لغوى معين ، ففى العربية على سبيل المثال نطلق كلمة مصر التى لها اصولها سواء فى العبرانية او فى التوراة او الانجيل او القرآن نعنى بذلك مصر منذ النشأة الى الآن ، فهو تاريخ مصرى ، اذا عندما نطلق كلمة "التاريخ القبطى" فاننا نعنى بذلك التاريخ المصرى كله منذ ان بدأت علومنا تقودنا الى اول مصرى حط على تلك الدولة واقام مرعى ومأكلا وبيتا حتى اول نفس لاخر مصرى تمت ولادته ونحن نكتب هذا المقال .... ومن هنا ان اردنا الابحار فى التاريخ القبطى سنبدأ بتاريخ مصر الاقدم تحت حكم الاسر حتى اخر اسرة حاكمة "الاسرة الحادية والثلاثون" منتقلين الى الحكم الفرعونى وبعده الفارسى ثم البطالمة ثم الى الحكم الرومانى فالبيزنطى فالعربى .. الخ ، وحتى يومنا هذا وغدا ....
اذا فنحن هنا لا نتحدث عن ما يفهمه البعض بكلمة قبطى الدالة على المسيحى نظرا لقصور فى المعرفة بتاريخنا المصرى الحافل ، وانما نحن نحاول الاتصال بكل ما دون وروى وأرخ على ايدى المدونين والمؤرخين عن فترة زمنية ابتدأت منذ اطلق على مصر كلمة "قبط" اى اننا سنحاول قدر الامكان ان نتتبع اللغة القبطية منذ ذلك الحين حتى تستقر اخر فلول الكلمات عند موطئ ما تغيرت فيه المفاهيم والكلمات والتصورات ، بمعنى اصح عندما تغيرت كلمة قبطى الى كلمة مصرى ... 

اذا فكل اشارة وصفية لمجال ما بكلمة قبطى او قبطية لن تعنى اننا نتحدث عن حقبة قبطية فى مصر ، وذلك سبق وان شرح ، وانما ستدل على اننا سنحاول ان نطلق الوصف ابان البدء بالتدوين باللغة القبطية وحتى تم انتشالها من اعماق المصريين كلغة ام رسمية للبلاد واحلال اللغة والثقافة العربية مكانها ، والتى تمت على ايدى عبد الملك ابن مروان والذى صب كل اهتمامه فى تغيير اللغة الرسمية للبلاد والدواوين ولسان الشعب الى اللغة العربية ...

ان تاريخنا المصرى العظيم لا يصح لنا ان ندعه يبدأ ابدا عندما تلتقى اهواء البعض بما يحلو لهم ان يبدأوا به هذا التاريخ ، وانما يبدأ بدايته الاصلية ، بجماله وعظمته كما هى دون الاسفاف ودون الخضوع للاهواء ، دون النزعات الايديولوجية التى حطت فى مصر بفعل فاعل او باطماع طامع ايا كان ، فكل فرد منا كان او يكن او سيكون سوف يذهب لا محالة ، ويبقى التاريخ القبطى او المصرى يتحدث عن نفسه ويكذب كل من يحاول طمسه او تحريفه ، بغزارته وآياته والمكتشف منه كل يوم ، وسيدافع عن نفسه لانها مصر، مصر لا تحتاج من يدافع عن تاريخها ، فهى قادرة ان تدافع عنه وحدها بكل ما يخرج من رحمها كل يوم مذهلا للعالم اجمع ومخرصا لالسنة المعتبرين انفسهم مصريون وماهم بمصريين طالما يحاولون طمس هويتنا المصرية القبطية الخالصة ....

اجمالي القراءات 32501