المساواة بين الذكر والأنثى

هاني الدمشقي في السبت ٠٣ - نوفمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

يثار في كثير من المجتمعات إن لم يكن جميعها موضوع المساواة بين الذكر والأنثى , وتعاظم هذا الأمر إلى حد إنشاء مؤسسات للمطالبة بتلك المساواة في جميع الحقوق الدينية والدنيوية على حد سواء . فهل الذكر والأنثى متساوون في جميع الأمور بشكل مطلق ؟

فللجواب على هذا السؤال علينا أن نبدأ بالسؤال التالي : هل الله جل وعلا الذي خلقهم وخلق جميع الكائنات ساوى بين الذكر والأنثى ؟

نقرأ ذلك في قوله تعالى : ( فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَ&Cute;اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ : آل عمران 36 ) فما معنى ( وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى ) ؟ وهل الله تعالى ميز بين خلقه ؟

الجواب : نعم . الله تعالى ميز بين الجنسين اللذين خلقهما بنص الآية الكريمة ( وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى ) ولكن ليس تمييز تكبر وعلو وتفرقة , تعالى الله عن ذلك علو كبير .

ولكن مشيئته سبحانه وتعالى أن خلق من كل شيء زوجين إثنين ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ : الذاريات 49 ) , حتى يبين لنا عظمة وحدانيته جل وعلا ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) ( وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا : الإسراء 111)

ولهذا فقد بدأ الخلق جل وعلا بآدم عليه السلام ومنه خلق زوجه ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا .... : الأعراف 189 ) وتتابع الخلق باشتراك الزوجين الذكر والأنثى ( وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ .... : فاطر 11 ) .
وخصص لكل واحد منهما مهمة في عملية الخلق هذه , فالذكر يضع النطاف من المني , والمرأة تضع البيضة ويتم التلقيح برحمها وحمل الجنين ( أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى . أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى . ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى . فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى : القيامة 36-39 ) ( اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ : الرعد 8 )
ومن هذا الإختلاف نجد بداية عدم المساواة المطلقة , ولكن كما ذكرت ليس اختلاف تكبر وعلو , فلا الذكر يستطيع أن ينجب بدون الأنثى والعكس صحيح .
فالعملية مشتركة وبها مساواة من حيث مبدأ الخلق والتكاثر ولكن الإختلاف في الوظائف لكل جنس منهما .
لذلك قال جل شأنه ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ : الحجرات 13 ) فخاطبنا بيا أيها الناس لأن جعل الشعوب والقبائل لا يتم إلا بالجنسين معا .

ومن الأمور التي نجد فيها اختلاف وعدم المساواة هي اللباس , فالله سبحانه وتعالى أمر الذكر والأنثى بغض البصر وحفظ الفرج , ولكنه أضاف للأنثى بعدم إبداء زينتها إلا ما ظهر منها , وهذه الزينة التي لا بد من إخفائها يمكن إظهارها لعدد من المحارم خصصها الله في سورة النور ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ..... وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ : النور 30 , 31 )

وبالعودة إلى اللباس , فطبيعة التكوين الجسدي للمرأة أن وضع الله به مكامن الجمال والحسن , وهو ما يجعل المرأة تهتم لمظهرها أكثر من الرجل , والله يقول في آية الأحزاب ( لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا : الأحزاب 52 ) لاحظ ولو أعجبك حسنهن . فالجمال من أولويات اهتمام النساء . وكما يقال ( الرجل يعشق بعينيه والمرأة بأذنيها ) , فتجد أكثر الشعراء عندما يتغزل بحبيبته يصف شعرها وثغرها وعيناها وقوامها و..و.. بينما تجد الشعر لدى النساء تصف فارسها بالشجاعة والشهامة والكرم والبسالة و..و.. و .
ومن هنا أمر الله تعالى النساء بتغطية الجيوب التي هي موضع الإغراء والفتنة , وهي الصدر والإبطين وبين الفخذين والخلف . لذلك أمر بإسدال الجلابيب ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا : الأحزاب 59 ) للمناطق السفلية من الجسم , والخمار لمنطقة الصدر ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) فإن وجدت المرأة – وهي أدرى بنفسها - أن الشعر من الإغراء فعليها تغطيته , أما إذا كانت تجدله أو ترفعه أثناء خروجها أو عملها فهو ليس من الجيوب .
وهنا تجد حرية الحركة بالنسبة للباس المرأة وهو ما يتناسب ليكون صالح لجميع المجتمعات وفي مختلف الأزمان .
ومنها نجد أن الآية الكريمة في موضوع الزنى بدأت بالزانية والزاني كون أن الإغراء يبدأ بالمرأة .

ومن الأمور التي ساوى الله جل وعلا بين الجنسين والتي علينا المطالبة بها هي العمل في هذه الدنيا ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ .... : آل عمران 195 ) ( وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا : النساء 124 ) فهل هناك تمييز بين الجنسين من حيث العمل ؟ الجواب نعم .
ولكن أيضا ليس تمييز تكبر وعلو . فطبيعة البنية الجسدية لكل جنس منهما يحدد نوعية العمل الذي يستطيع كل منهما القيام به . ولو أنه تجد أحيانا من يستطيع من كلا الجنسين من يقوم بمهام الآخر .
فطبيعة الرجل الجسدية والعضلية جعلته يقوم بالأعمال القاسية والتي تتطلب قوة عضلية لا تستطيع المرأة القيام بها , ولذلك تجد مثلا أن تعداد الذكور بالجيوش أكبر بكثير من الإناث حتى مع تقدم العلوم واستخدام الوسائل العلمية بتحريك الصواريخ والآليات باستخدام الحاسبات , ومع ذلك تجد النساء في القوات المسلحة تعمل بالأماكن الإدارية والمكتبية . وهذه من كون أن الله تعالى خلق الذكر بهذه البنية العضلية . وكثير من الأعمال لا داعي لذكرها هنا فالكل يعرفها والتي تتطلب البنية الجسدية .
فالمطالبة بعدم حرمان المرأة من العمل هي من أمور المساواة بين الجنسين .

وكذلك المطالبة بعد حرمانها بالتصرف بمالها , فالله تعالى يقول ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ . وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ : المنافقون 9 ,10 ) فالله تعالى يخاطبنا هنا بيا أيها الذين آمنو أي المؤمنين والمؤمنات ( لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ ) فهذا يعني أن له ماله ولها مالها فهي حرة في مالها كما هو حر في ماله , ويتابع جل وعلا فيقول ( وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم ) فالمرأة حرة في الإنفاق من مالها كما الرجل .

وهنا يجب المطالبة بالمساواة وعدم ترك الرجال يتحكمون بأموال زوجاتهم اللاتي ورثنها أو من مرتب وظيفتها التي عملت وتعبت في تحصيله .
وكذلك أن تعتلي المرأة المناصب الكبيرة , فالله تعالى لم يستنكر أن تكون المرأة ملكة ( إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ : النمل 23 ) ولكن استنكر عبادتهم للشمس من دون الله ( وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ : النمل 24 )

ومن الأمور التي ساوى الله بها بين الجنسين والتي علينا المطالبة بها هي حق الإنتخاب وإبداء الرأي , فقد بايعن النساء النبي عليه السلام ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ : الممتحنة 12 ) فلا يجب حرمان النساء من التصويت والإنتخابات .

نأتي هنا إلى موضوع الإرث ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ... : النساء 11 ) وهو ليس من تقليل بقيمة النساء , ولكن كون أن الرجل هو الذي يقوم بالصرف على أسرته وأعباء العمل , والمرأة ولو عملت فلها أن تشارك بمصروف الأسرة أو لا تشارك حسب الوضع المادي للأسرة وكونها تقوم بأعباء المنزل وهو وقت ليس بقليل ويحتاج إلى جهد كبير , وتجد في كثير من المجتمعات حتى الغربية منها أن المرأة تتقاضى دخلا أقل من الرجل , وتحتاج إلى إجازات خلال العمل أثناء الوضع والرضاعة والرعاية . لذلك ترك الله سبحانه وتعالى موضوع الوصية لمن رأى أن في أولاده من يحتاج إلى تعديل في توزيع الإرث .

مما سبق نجد أن المساواة المطلقة والتي يطالب بها الكثيرون ليست موجودة بمعناها المطلق , ولكن المطالبة بالحقوق لكل جنس حسب ما خلقه الله عليه وبما أمره به لكي يتساووا أمامه جل وعلا في المغفرة والأجر العظيم ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا : الأحزاب 35 )

والله تعالى أعلم

اجمالي القراءات 42907