الدرس الذى لانستطيع استيعابه

فوزى فراج في الإثنين ١٧ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

فى عام 1948 وبعد الهزيمه التى لحقت بالجيوش العربيه من قبل القوات الاسرائيليه, وبعد اعلان قيام الدوله اليهوديه, واعتراف منظمه الامم المتحده بها كدوله مستقله, كانت الصدمه للأمم الاسلاميه كبيره ,وخاصه دول الجوار العربيه والقريبة منها , ولم تعترف تلك الدول بالدوله الجديده واصيبت الشعوب العربيه والاسلاميه بخيبه امل كبيره. وكالعاده بعد ان تحدث كارثه, سارع الزعماء( وانا أستعمل كلمة زعماء لعدم توافر كلمات اخرى مناسبه) والمسؤولون ورجال الحكومات المختلفه بما يجيدونه من تبريرات بإلقاء اللوم على كل من هب ودب فى جميع اركان العالم, ولكن لم يملك واحدا منهم الشجاعه الكافيه أوالشرف او الرجولة كى يعترف بأن اللوم يحق عليهم وانهم لم يعدوا العده لا لمواجهة الخطه الصهيونيه العالميه, والتى لم تكن سرا من الاسرار لإقامه دوله يهوديه فى فلسطين, فوعد بلفور كما يعلم الجميع لم يكن سرا حرص الجميع على كتمانه, كما انهم لم يعدوا العده عسكريا لمواجهة قوات "العصابات الصهيونيه" كما كانوا يسمونها فى ذلك الوقت وانتهى الامر كما يعرف الجميع بالهزيمه المطلقة و المريره وقيام الدوله اليهوديه.

ظلت وسائل الإعلام العريبه وابواقها منذ ذلك الوقت تتفنن فى تأليف الأسماء الوضيعه لتلك الدوله, فمن اسرائيل المزعومه الى العصابات الصهيونيه الى "دويله" اللصوص وقطاع الطرق الى الدوله اللقيطه وما الى ذلك , ولم ترد اسرائيل وتضيع وقتها على تلك الاهانات والسباب ولم تشترك معهم فى حرب الكلام والشتائم والقاذورات الملقاه, لقد كرس القاده فى اسرائيل "اللقيطه" اوقاتهم فى دراسه المستقبل لدولتهم الحديثه والتى احيطت من جميع الجوانب بدول تناصبها العداء وتتوعد بتدميرها والقضاء عليها ليلا ونهارا .

كان تعداد الاسرائيليون فى ذلك الوقت – ان لم تخنى الذاكره - لايزيد على اثنين مليون أو اقل مقابل مائه مليون عربى يناصبونهم العداء ويتوعدونهم بالموت والتدمير والقائهم فى البحر ليلا ونهارا, استطاعت القياده الاسرائيليه ان تخطط لأن يكون لها قوه لا تستطيع اى من الدول المحيطه بها ان تهزمها ولو اجتمعت على ذلك عسكريا بأجمعها. استطاعت تلك الدوله اللقيطه المزعومه فى خلال اقل من اربعه عشر سنه من انشائها ان تمتلك سلاحا نوويا, سلاحا صنعته على ارضها وبأيديها, وبصرف النظر عمن تعاون معها او تعاونت معه من الدول الاخرى او عن تحالفها مع فرنسا خلال السنوات الاولى ثم مع الولايات المتحده خلفا لفرنسا, لقد استطاعت ان تمتلك عددا من القنابل النوويه التى كانت فى اول الامر اداه للردع حتى لايفكر ايا من الزعماء العرب الاكابر ان يخاطر بالهجوم عليها, بل استطاعت فى خلال اقل من عشرين سنه ان تتفوق على كافه الدول المحيطه بها حتى فى الاسلحه التقليديه, وبينما انتجت الدوله اللقيطه ما تحتاجه من سلاح للدفاع عن نفسها واستوردت مالم تستطع انتاجه فى ذلك الوقت, لم تستطع اى من الدول العربيه ان تنتج "بندقيه". اما البقيه الباقيه من خيبه الأمل فهى معروفه للجميع ولا داعى لرفع ضغط الدم بالتحدث عنها.

واليوم فنحن فى الدول العربية والأسلاميه نحارب او نعتقد اننا نحارب الولايات المتحده, بنفس الأسلحه التى حاربنا بها اسرائيل, ألا وهى نفس الأسماء من امريكا اللقيطه وامريكا الهابطه وامريكا المتخبطه وامريكا المنحطة وامريكا اللى مش عارف ايه ....الخ . ان كان هذا هو كل ما عندنا من الات وادوات الحرب على الامريكيين , من صراخ وهتاف و"خطب" يوميه نهاجم بها هؤلاء "الشواذ والكلاب وابناء القرده والخنازير...الخ" كما نسميهم عادة, فنحن لم نتعلم من التاريخ ولم نفهم دروس الهزيمه التى ادمناها درسا بعد الاخر ونستحق بجداره مانحن فيه من تخلف حضارى وعلمى واخلاقى , ونستحق مايفعله بنا حكامنا من طغيان واستبداد واستخفاف بالعقول ,بل ان امريكا واسرائيل وكل من نظنه من الأعداء يجب ان يطمأنوا فلن نستطيع ان نمس شعرة من رؤوسهم الفاسده.

ان اللذين يكتبون مقالاتا اوخطبا يوميه او شبه يوميه من مكاتبهم المكيفه واجهزه كمبيوتراتهم كى يرددون نفس الهتافات ويحثون الامه والعرب والمسلمين على المقاومه او على الجهاد وما الى ذلك من الفاظ يتشدقون بها , الفاظا وهتافات وشعارات مثل "الإسلام هو الحل", وإن سألت الحل لأى شيئ, لجاءك الجواب لكل شيئ, وإن سألت إذن كيف يكون ذلك الحل تفصيليا, لما سمعت شيئا منهم من إجابة مفيدة او مقنعة . تلك الشعارات التى لم تأتى من قبل بأى نتيجه, هى كمن يحارب بسلاح فاسد لم يعمل من قبل ولن يعمل الأن ولن يعمل فى المستقبل, ان هؤلاء انما يضللون الاخرين سواء كان ذلك عن قصد او غير قصد. اولى بهم ان يضربوا مثلا لمن يلقون اليهم بالخطب, بدلا من ان تخطب من خلال مفاتيح الكمبيوتر وتحث الاخرين على القتال, لم لا ترتدى ثياب القتال بنفسك وتحمل سلاحك وتقود المعركه التى تنادى بها, لم لا تتقدم وعندئذ سيعلم الاخرون انك تعنى ما تقول وان المسأله ليست مجرد كلام فى كلام وحينئذ سيتبعك الى النهايه من يؤمن مثلك بما تقول, اما ان تقضى عده ساعات يوميا فى كتابه مهاترات واتهامات لمن لايتفق معك فهذا هو النفاق بعينه لا اكثر ولا اقل. خير لك عند ربك ان كنت لاتريد ان تقاتل العدو الذى لاتظن ان لاعمل لديه الا المؤامرات والتخطيط ضدك ليلا ونهارا, خير لك ان تتبرع بالوقت التى تكتب فيه تلك الخطب لمن هم فى حاجه الى ماتتخصص فيه, طبيبا كنت او مهندسا او حتى لو كنت نجارا او سباكا ...الخ, او ان تواصل العمل فى مهنتك بدلا من الجلوس خلف الكمبيوتر وان تتبرع بأجرك عن الساعات الزياده لمن هم فى حاجه اليه. اما الخطب والعنتريات التى لاتجدى فمآلها الى صندوق قمامه التاريخ وهو مملوء بالكثير منها. أما هؤلاء المجرمين الذين يضللون بالشباب, ويرسلونهم فى مهمات انتحاريه, فيا حبذا لو أرسل كل منهم إبنا او بنتا له او أخا او فردا من عائلته اولا, ثم بعد ذلك يكون من حقه ان يجند الأخرين, غير ان ذلك لم يحدث ولن يحدث.

ان اللذين يتغنون بالماضى سواء كان ذلك الماضى من حضاره المصريين القدماء او من حضاره الاسلام فى سنواته الاولى انما يعيشون حلما من احلام اليقظه فلا نحن نقارن بهم ولاظروفنا فى هذا العصر تقارن بهم ولا طبيعه الحياه والتنافس بين الشعوب يقارن بهم ولا قياداتنا تقارن بهم , فبدلا من التغنى بالأمجاد القديمه والعيش على ماكان عليه اباؤنا وما حققوه فلنضع نصب اعيننا ان ( المرء من يقول هاانذا وليس المرء من يقول كان ابى) , يجب ان نصحو من احلام اليقظه وان نواجه الواقع بأمانه, ان نبدأ من باب ان الاعتراف بالحق فضيله, واننا لازلنا فى محلك سر بينما تقدمت شعوب كثيره عنا فى جميع المجالات , فلنحدد ساحة المنافسه ومع من نتنافس ثم ماهو موضوع المنافسه, هل نحن فى مجال تنافس اقتصادى, عسكرى , تكنيلوجى , تجارى .....الخ . فلنتعلم من الأخرين اللذين سلكوا نفس الطريق, فلنقرأ سيرتهم وكيف حققوا ما حققوه فبهذا قد نستطيع ان نتلافى اخطاءهم ولانعيد اختراع العجله من جديد.


ليس هناك فى العالم مجتمع مثالى او حكومه مثاليه او حتى شخص واحد مثالى, ولكل من هؤلاء عيوبه واخطاؤه, ولكن تتفاوت درجات تلك الاخطاء, كما يختلف من لديه صداعا عمن يحتضر, والولايات المتحده حكومة لاتخرج من تلك الدائره ففيها الكثيرمن الاخطاء والعيوب ولكن ذلك لايقترب من الحكومات العربيه فكما قلت ان كانت عيوب الحكومه الامريكيه كالصداع فعيوب حكوماتنا العربية تقترب من الاحتضار. ان تقييم عمل الحكومات لايجب ان يتم من منطلق خاطئ , المسؤليه الاولى لأى حكومه هى مصلحة الشعب اولا وأخيرا, مع التعامل فى نفس الوقت مع الشعوب الأخرى والحكومات الأخرى. ومن هذا المنطلق يجب ان نقيم اعمال تلك الحكومات وهؤلاء الزعماء, ولكن للأسف فى مجتمعنا العربى نقيم الأخرين بمقاييسنا نحن ومن وجه نظر مصالحنا نحن. لكى اعطى مثالا لذلك , ان احتياجات مصر من مياه النيل معروفه, فإن قلت نسبه المياه لأسباب ايكولوجيه وحاولت احدى دول حوض النيل ان تأخذ من المياه ما يكفى احتياجاتها الحيويه مما قد يؤثر على احتياجات مصر فماذا تظن ان مصر سوف تفعل, سوف تعلن الحرب على تلك الدوله لامحاله فى ذلك, ولأن مصر هى الأقوى عسكريا ولأن هناك معاهدات دوليه لضمان حقها فى المياه فمن المتوقع ان يؤيد العالم مصر فى ذلك, ولكن من وجهة نظر تلك الدوله الافريقيه تصبح مصر هى المعتديه وربما يطلق عليها من الاسماء ما يطلق على امريكا الان واكثر. والامثله على ذلك لا تعد.

اننا فى احكامنا على الاخرين نترك عواطفنا فى مقعد القياده , نظن ان العداله هى الهدف الذى تنطلق منه قرارات الحكومات الأخرى خاصه الولايات المتحده, غير ان الواقع المرير غير ذلك والعداله لامكان لها فى هذه المعادله وانما تتخذ القرارات للعديد من الاسباب ولكن ليس منها العداله , والجدير بالذكر اننا لو التزمنا الحياد مع انفسنا وقيمنا بعض قرارات حكوماتنا لما وجدنا للعداله من مكان فيها ( وانا لا اقصد القرارات التى تؤثر على الشعب نفسه , فمن المعروف ان العداله فى ذلك لم تتواجد فى اى وقت من الأوقات يذكره احد ). كما اننا لانرى الا من خلال عدساتنا, وليس ذلك قاصرا على العرب او المسلمين وحدهم , بل هناك ما يشبه العالميه فى ذلك . عندما تفكر فى وطنيتنا نعتقد اننا الوحيدين فى ذلك ولا نفكر ان الأخرين فى سائر الاوطان يفكرون بنفس الطريقه ويشعرون تجاه اوطانهم كما نشعر, وعندما تأخذنا حميه الدين, لانظن ان الأخرين من الاديان الاخرى يعتزون بدينهم مثلنا ......وقس على هذا. فلو توقفنا وحكمنا عقولنا ومنطقنا قبل ان نترك العنان لعواطفنا لكان حال هذا العالم غير هذا الحال.

ان العالم اليوم لن يقف احتراما لمن لايستطيع ان يدافع عن نفسه, فقد يقدم له يد المساعده ولكن لن يقدم له فروض الطاعه والاحترام. القوه والاكتفاء الذاتى لابديل لهما كى يحترمك الجميع, لكن ان نمد ايدينا للعالم طلبا لكل شيئ من التكنيلوجيا الى الطعام الى السلاح الى الدواء ....الخ ثم بعد ذلك نتطاول عليهم بالسباب كمايقول المثل الشعبى " حسنه وانا سيدك" فذلك ما لن يقبله العالم.

لقد تساءلت طويلا عما قدمناه للعالم كشعوب عربية او إسلاميه او مصريه, طوال القرن الماضى او القرون الخمسه الماضيه او العشرة الماضيه, ما الذى قدمناه للعالم كى يقول لنا شكرا على ماقدتم؟؟؟؟ لاشيئ البته, انظر حولك منذ ان تصحو من نومك, حتى تذهب الى النوم مرة أخرى, انظر الى الجرس الذى تصحو عليه, ليس للعرب او المسلمين او المصريين علاقة بإكتشافه, انظر الى صنبور الماء الذى تستعمله كى تغتسل ,الى الماء النظيف الذى تشربه, الى الصابونه او موسى الحلاقه, انظر الى الكهرباء والتى بدونها قد يوشك العالم ان يتوقف, ليس للعرب او المسلمين او المصريين علاقة بإكتشافها, ولكننا نستعملها بكل سرور, انظر الى ثلاجتك والى طعامك المحفوظ, الى وسائل تنقلك, اللهم الا اذا كنت تستعمل عربه يجرها حصان, الى الدواء الذى لا غنى لك عنه, ..........انظر الى كل شيئ من حولك بما فيها ذلك الجهاز الذى يتيح لك قراءة هذا المقال, انظر حولك, وخبرنى ما الذى يمكن ان ندعى نحن العرب او المسلمين او المصريين اننا كان لنا الشرف ان قدمناه للعالم, انظر حولك مرة اخرى لعلنى قد فاتنى شيئا ما, وخبرنى ما الذى قدمناه الى العالم اجمع حتى يشعر المواطن فى دولة أخرى بالإمتنان الى العرب او المسلمين او المصريين بما قدموه. ثم بعد ذلك لا نرى أو نسمع منهم - اى الشعوب الإسلامية والعربية والمصرية - ,  سوى كثرة الكلام والثرثرة وكأنهم هم من انقذ العالم من الهلاك. نحن شعوب مستهلكه نعيش للأسف على ما يقدمه الغير, ورغم ذلك فمن يستمع الى ما نقول, يعتقد ان العالم اجمع مدين لنا بالحضارة والعلم والمعرفه.    يقال اننا نتقن الكلام فقط, وكنت فى الماضى اؤمن بذلك, ولكنى الآن لا اؤمن حتى بذلك, فنحن لا نجيد حتى صناعة الكلام, لا نستطيع ان نتحدث او نتناقش او ان نعرض قضايانا بطريقة يفهمها العالم, ثم نلوم العالم أجمع انه لايستطيع ان يفهم ما نقول..!!!

اجمالي القراءات 15553