أنا وأخي
أنتِ عورة!!!

دعاء أكرم في الأربعاء ١٢ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

1) ولدت ونشأت في السعودية. لقد كان والدي يعمل مديرا في إحدى الشركات هناك، وكانت أمي شأنها شأن المئات من المغتربات أسيرة في بيتها إلى أن يأتي "محرمها" ليتولى أمور ذهابها إلى السوق وزيارة الأقارب والنزهات وغيرها.

كنت، ولا زلت، قرة عين أبي، لم يكن والدي حفظه الله يفرق بين أبنائه الذكور والإناث (وكنا أربعة في ذلك الوقت)، بل تمتعت أنا وشقيقتي بميزات إضافية من مصروف وألعاب ونزهات واهتمام أكثر بقليل من أخواي.  فنشأت واثقة من نفسي وواثقة في أني كفء لأقوم بما أريد وأنافس أخواي بل وأقاربي وأبناء الجيران من جيلي في أي من أنواع اللعب والقراءة والدراسة بل والسهر وتناول رقائق البطاطا الحارة!!

في ذلك الزمن البريء كان الإسلام بالنسبة لي صلاة أبي وأمي، وشهر رمضان، وفرحة العيد، وزيارات عائلية وتواصل مع الأصحاب في مجتمع محافظ متمسك بالقيم، لقدكانت تلك الفترة مثالية في حياتي.  

"كانت" الفترة المثالية!! كيف تحطمت؟؟ ببساطة، أخي الذي يكبرني بسنتين كان في الثالث الابتدائي في إحدى المدارس السعودية عندما عاد ذات يوم إلى البيت ووقف في غرفة الجلوس مصرحا أنني "عورة"

أذكر، وكنت أنا بدوري في الأول الابتدائي، أني بكيت وجريت إلى أمي أشكو لها أخي، الذي لحقني ودافع عن نفسه فورا قائلا أن مدرس مادة التربية الإسلامية قد أخبرهم (بناء على ما هو مذكور في كتابهم) أن المرأة كلها عورة: من وجهها وشعرها وجسمها وصوتها إلخ إلخ إلخ، كلكم يعرف الكليشيه!

بعدها بدأ أخي بسؤال أمي عن سبب خروجها من البيت دون غطاء للوجه!! وكيف تسمح لي ولأختي بالخروج دون عباءة أو غطاء رأس!!! لم يعد يقبل أن ألعب معه ومع أبناء الجيران في البناية نفسها مدة من الزمن. إلى أن عالج أبي الموضوع بطريقة ما.

ظلت هذه الكلمة عالقة في ذهني وبقيت أتساءل (أأنا عورة؟؟)

2)  في السنوات التالية، ولدى تقدمي في المدرسة كنت دائما ألاحظ أمرين أساسيين: الرؤوس المقطوعة عن أجسادها في الصور المرسومة في الكتب. وكنت ولا زلت أحب فن الرسم فكنت أكمل رسم الرقبة المقطوعة وألونها لتبادر بعض المدرسات بنهري لقيامي بذلك.

الأمر الآخر كان الاختلاف الشديد بين كتب أخي الملئى بالأنشطة والأشغال والعلم، وكتبي أنا المملة، كثيرة النصوص، وحصص التدبير المنزلي، حيث كان يتعين علي أن أتعرف إلى طريقة "تفريش الأسنان بالمعجون والفرجون"  وتلميع النحاس، وتنظيف البقع، وفقه الطهارة!

كان أخي يأخذ دروسا في السباحة والكاراتيه والرماية، في حين كان علي تعلم الخياطة وقطب التطريز، مع إهمال تام لأي شيء يمت للرسم أو الرياضة بِصِلَة!!

3) صديقتي السعودية: كان والدها زميلا لأبي في الشركة التي يعمل فيها، وتوطدت الصداقة بين العائلتين. فكنت أدعى إلى بيتهم من حين لآخر، وهناك أفاجأ بأن السيدات كن يقعد في مجلس والرجال في مجلس آخر بعيد حتى وإن كانوا من المحارم. كنت دوما أستغرب من هذا النظام، فنحن في جلساتنا العائلية كنا نجلس معا جميعا وإن كانت السيدات في النهاية يفضلن الجلوس معا للتآمر على أزواجهن في موضوع يتعلق بالتسوق أو نزهة ما.

في إحدى الزيارات أخطأ ابن عم صديقتي- وهو يصغرن بسنة أو أكثر- فضل طريقه في البيت الكبير وانتهى به المطاف إلى حيث كنت وصديقتي وجمع من قريباتها نجلس، عندها قفزت الفتيات وهن يصرخن به، فارتاع المسكين وفر هاربا يبكي! سألتها عن سبب ذلك التصرف، فقالت بأنفة، أن الرجال لا يجوز لهم دخول مجلس النساء ولو كان طفلا!

4) باستمرار حاولت وجاهدت أن أقنع نفسي أنني في نظر الإسلام عورة، وأن الاختلاط حرام حتى مع المحارم، وأنه من الطبيعي لابن خالي أو عمي الذي يصغرني بسنوات وكنت أحمله عندما كان طفلا أن لا يسلم علي عندما يراني، وأن البنات والاولاد مختلفون بطبيعتهم وأن ذلك جزء من الدين الإسلامي. وأنني وإن تفوقت في أي أمر فأنا أظل ناقصة عقل ودين، وأن أكثر أهل النار من النساء (تخيل أي يأس يصيب فتاة في الحادية عشرة من العمر عندما يقال لها ذلك، أترى أنها تود أن تكتمل لتصبح امرأة؟)

ولكني في كل مرة أقرأ فيها القرآن كنت أجد أن الخطاب هو للذكر والأنثى، وأنني سأجازى على ما أفعل، وأنه قد كان هناك ملكة عادلة اسمها بلقيس، وكان هناك امرأة صالحة اسمها مريم، وأخرى صابرة اسمها آسيا، وامرأة شجاعة إسمها خديجة... أليس هذا دليلا على عدم النقصان.... أبدها فهم  يعودون فيؤكدون لي أنهن الأربع الوحيدات اللواتي كملن من كل من خلق الله من النساء، في حين كمل من الرجال الكثير.

5) "إذن ليذهب الدين إلى الجحيم، فأنا ذاهبة هناك مهما فعلت!"! هذه فكرة المراهقة التي كان الألم يعتصرها لأنها ليست إنسانا في نظر ربها ودينها. وعليه، لن أصلي، ولن أتحجب، ولن أصادق المحجبات، ولن أحضر المناسبات، ولن ولن ولن.... إلى آخر قائمة التمرد في ذلك السن.

 والبقية تأتي.

اجمالي القراءات 16712