مات .. يموت .. سيموت الرئيس! قراءة في حلم لم يتحقق

محمد عبد المجيد في الثلاثاء ٠٤ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


أوسلو في 4 سبتمبر 2007

سيبكيه القليلون، وسيفرح لرحيله الكثيرون.
أما أنا فلن أستطيع حبسَ دموع دافئة ستنزلق رغماً عني فوق وجهي، ليس لأنَّ عزرائيل قام أخيراً بزيارته دون أنْ يصطحب في طريقه سيدةَ مصر الأولى أو ابنَه الوريث أو الابن البكر الذي يملك أربعين مليار دولار من أموال شعب يذهب بعض تلاميذه إلى المدارس بدون طعام إفطار.
ولن أبكي لأن مصر أصبحت يتيمة بعد أقل قليلا من ثلاثة عقود كانت كأنها ثلاثة قرون سوداء تشبه ظلمات في بحر لُجيٍّ يغشاه موج.
لكنني سأبكي لأن أمنيتي لم تتحقق في أنْ أتابع وقائع محاكمة الطاغية وهو يطرق خجلا، ويتجنب عيون الحاضرين في قاعة المحكمة، ثم يجيب على أسئلة القاضي التي ربما تستغرق عدة شهور فجرائم مبارك منذ تولّيه السلطة تعجز عنها شياطين كل طغاة منطقتنا العربية.
تمنيت أن أسمعه يجيب على أسئلة عدالة المحكمة، والقاضي يسأله بصوت جهوري غاضب وحزين وغير مُصَدّق لِما يسمع:
ماذا فعلتَ في تقارير التعذيب التي كانت تصلك بالآلاف، وتتكدس على مكتبك، وتقرأ عن الذين قام رجالك باغتصابهم، وانتهاك حرماتهم، وادخال الورق المقوى أو العصا في مواضع العفة منهم؟
كيف كان شعورك عندما قرأت عن مواطنك المصري الذي آمنك الله على كرامته، فقرر ضباط أمنك لادخال البهجة إلى نفسك الحقيرة أن يجبروه على ارتداء ملابس نوم حريمي، ويخرج إلى الشارع أمام الجيران ورجال الحي وكل الذين كانوا يبجلونه ويوقرونه ويحترمونه، حتى أصيبت والدته بالشلل بعد هذا الحادث؟
كنت تعلم أن ابنك البكر يحصل على نسبة مئوية تصل أحيانا إلى خمسين بالمئة من مشروعات تبدو ناجحة قبل أن تتم الموافقة عليها، وإلا فلن يحصل أصحابها على موافقة الدولة. فكيف قمت باسكات ضميرك كل تلك السنوات على أم الجرائم؟
تعرف أن نفايات الحديد تحت الأرض الزراعية في محافظة البحيرة أدت إلى كوارث صحية في عهدك المشؤوم، فلماذا وافقت عليها؟
كنت تحمي يوسف والي بعدما قرأت مئات الوثائق الحيّة وغير القابلة للانكار عما قام به من تخريب للزراعة، واستيراد مواد مسرطنة، فقمت بنفسك بالتجديد له، والاحتفاظ به حتى تنتقم من أكبر عدد من مواطنيك، وكانت النتيجة الآن أن ثلث سكان بلدك أصيبوا بأمراض من مزروعات أرض السموم. ألم تفكر في التخفيف عن آلام شعبك؟
أكثر من ربع مليون مصري مروا على معتقلاتك، ومن شهرتها وقسوتها وسادية القائمين عليها ليُسعدوك، كنت تتسلم من أمريكا متهمين في قضايا تتعلق بالارهاب لانتزاع الاعترافات منهم، فرجالك أصبحوا أكثر شهرة من كل زبانية التعذيب في العالم. ألم تخجل مرة واحدة وأنت تقف أمام الله؟
قمت بتزييف كل الانتخابات والاستفتاءات، وكانت الصناديق الجديدة مُعَدّة سلفا بمعرفتك، ألم تخجل من مرآتك وأنت تنظر إلى وجهك كمزيف ومخادع وكاذب، حتى عندما وعدت شعبك بأن لا تجدد لولاية ثالثة، ففرضت عليهم الخامسة؟
ما هو دورك في اسقاط طائرة مصرية في سماء أمريكية بها 33 من خيرة خبراء مصر العسكريين؟
بعدما أرسل إليك صدام حسين جثث 4800 من مواطنيك المقيمين في العراق ، وكنت تعلم أنه تَمّتْ تصفيتهم بأوامر من طاغية بغداد، ثم طلبت تقريرا بعدما فاحت رائحة عفنة عن صمتك، فهل لك دور في تصفية المصريين، ودور فيما يحدث لهم في ليبيا بين الحين والآخر؟
كان لي صديق وهو قاض مثلي، ومستشار يحترمه ويقدّره كل جهاز العدالة. خرج مع زملائنا ممثلي السماء على الأرض للاحتجاج على ظلمك، فأوحيت لكلاب أمنك أن يُعَلّموه أن القضاء تحت حذاء السلطة التنفيذية، فركله الضابط بحذائه القذر على وجهه قائلا: أنت مستشار وابن كلب. طبعا الرسالة وصلتك، والحادث تم عرضه عليك من وزير الداخلية والصحافة ووكالات الأنباء، فماذا كان شعورك وقتها بعدما قام زبانيتك بتنفيذ أوامرك؟
كنت تكره المصريين كراهية شديدة، وتزدريهم، وتحتقرهم، وتتلذذ بسماع أخبار تعذيبهم، وقمت بمنح ثلاثة من ضباط التعذيب أوسمة ليفهم الجميع كمية البغضاء التي تحملها لشعبك. فمن أين أتيت بكل تلك القسوة والمرارة والحقد على شعب منحك رقابه، وأطاعك طاعة عمياء، وتمنى عليك أن تنصفه، فزادت كراهيتك له. ألم تكن لك روح من نفخة الله، ونفس قد تمر عليها أوقات تصبح سوية ووديعة، أم أن كل حياتك كانت طاعة للشياطين ، بل تحديا لابليس لعلك تكون أكثر منه عصيانا لله عز وجل؟
قمت بتخريب مصر سياسيا واجتماعيا ورياضيا واقتصاديا ، وقزّمت دورها، وعبثت في نفوس المصريين الطيبين فقفزتْ في عهدك على السطح سلوكيات مُشينة وفهلوة وبلطجة واستغلال، ولم تكن أنت بحجم أقل المصريين شأنا، فقمت بالانتقام منهم في أنظمة التعليم والثقافة واللغة، ورفضت القضاء على الأمية أو وضع مشروع قومي للقضاء على البلهارسيا، فهل كراهيتك للثقافة والفنون والآداب والكِتاب هي التي جعلتك تحاول ما وسعك الجهد جعل مصر تتراجع في كل تلك المجالات؟

هذا غيض من فيض، وقليل من كثير، ونقطة ماء من بحر واسع لو كان مدادا لنفد قبل أن يكتب القاضي جرائم الطاغية محمد حسني مبارك.
عندما يموت الرئيس، وكل زعيم ذائق الموت، فستكون دموعي غزيرة على محكمة لم تُعقد ليشهد كل الذين صمتوا، أو برروا جرائمه، أو امتدحوا في ظلمه كأنه عدل، أن مصر العظيمة كانت كلها في قبضة حكم شيطاني لا يعرف الرحمة...
ستبقى دمعتان على وجهي تشير الأولى إلى عجز كل القوى الوطنية والمعارضة والمستنيرة والعاشقة لمصر والمثقفة وأساتذة الجامعات والكُتّاب والاعلاميين والنقابيين والفنانين وغيرهم عن التوحد حول فكرة حب الوطن، وحول التعجيل في تحرير مصر من طاغيتها، فظلتْ أم الدنيا تتوجع وتصرخ وتستصرخ فلذات كبدها وأرضها الطاهرة.
والدمعة الثانية على عجز كل القوى الدينية الاسلامية والمسيحية التي تقف أمام الله، عز وجل، في مساجد وكنائس مصر، وتقرأ عن مناهضة الشر والطغيان والاستبداد وممثلي الشيطان، ثم لا تفهم أن صمتها كان انحيازا لكلمات لابليس، ومناهضة لروح الله، ومعصية لأوامر الخالق، ونقصا في العبادة، وتجميعا لسيئات ستحسب على كل رجال الدين المسلمين والأقباط يوم يقفون أمام الله فيسألهم عن صمتهم أمام جرائم الطاغية حسني مبارك.

تلك هي خلجاتي، وأنا لا أعرف إن كان عزرائيل قد قام فعلا بزيارة الرئيس حسني مبارك، أم ينتظر قريبا من فراشه، أم أن صعود روح الرئيس مؤجلة إلى أجل قريب أو بعيد!
نشرت منذ عدة سنوات مقالا تحت عنوان ( وقائع محاكمة الرئيس حسني مبارك) واكتشفت أنها لم تكن أمنيتي فقط، إنما عبّرْت في المقال المحاكمة عن تمنيات الملايين من الصامتين أو المضطرين إلى الصمت ، ولو قام انقلاب عسكري مصري خالص ووطني ليس لأي من قياداته علاقة بقوىَ خارجية فسأرقص في شوارع أوسلو ولو غطّاها جليد كثيف، وهبطت برودتها إلى ثلاثين تحت الصفر.
سأكون أول من يبعث تهنئة إلى البطل المنتظر .. قائد الانقلاب العسكري فقد أنتظرته طويلا .. طويلا .

محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
http://taeralshmal.jeeran.com
http://www.taeralshmal.com
Taeralshmal@hotmail.com
http://Againstmoubarak.jeeran.com
http://blogs.albawaba.com/taeralshmal

اجمالي القراءات 11123