أثناء الزواج : القوامة بين الاسلام والدين السنى الذكورى

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٢ - يونيو - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً




أثناء الزواج : القوامة بين الاسلام والدين السنى الذكورى

القوامة

فى رؤية إسلامية قرآنية

1 ـ عرضنا للمساواة بين الزوجين في الحقوق "الجنسية" وغيرها ، وهى مساواة ترتبط بالعدالة ومراعاة الفوارق بين الجنسين .

2 ـ ونود التنبيه على أن الله جل وعلا يخاطب الذين آمنوا (الرجال) يحضّ على تعاملهم مع الزوجات بالمعروف حتى لو كرهوهن : (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء :19 . الأمر هنا جاء للرجال بحسن معاشرة النساء ، ولم يأت العكس .

3 ـ هذا هو الأساس المبنى عليه تشريع القوامة .

4 ـ قال سبحانه وتعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ......) النساء:34 )

4 / 1 : أي أن لأن الرجال هم أصحاب القوامة على النساء لذلك امرهم الله تعالى بحسن معاشرتهن وبالمعروف ، وقال عن النساء الزوجات الصالحات انهن قانتات عابدات لله تحفظن حق الله تعالى وحق الزوج بالغيب ، أي عندما لا يكون عليهن رقيب ، إلا الله جل وعلا الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور . وهو منهج القرآن الكريم في تربية الإنسان على الضمير النقي الذي يخشى الله تعالى قبل أن يخشى الناس . ولذلك فإن الأمر بمعاشرة النساء بالمعروف حتى لو كان الزوج كارها لزوجته جاء مقترنا بوعد من الله تعالى بتعويض مناسب للرجل الذي يتغلب على مشاعر الكراهية ويحسن العِشْرة مع زوجته ابتغاء مرضاة ربه ..

4 / 2 : وهكذا جاء الأمر مباشرة للرجال بحُسن معاملة الزوجات ، ابتغاء مرضاة الله ، لأنهم أصحاب القوامة عليهن ، وجاء الأمر للنساء بطريقة غير مباشرة بمراعاة حق الله تعالى وحق الزوج أثناء الحضور وأثناء الغيبة ، وتلك الأوامر الإلهية للرجال والنساء مسئولية سيسألهم الله سبحانه وتعالى عنها يوم القيامة . وإذا كانت الأوامر مقترنة بالقوامة فإن مسئولية الرجال أكبر وأعظم ، لذلك كان الأمر الإلهي للرجال مباشراً.  

5 ـ قوامة الرجل الزوج ليست ميزة للتحكم والسيطرة ، ولكنها مسئولية . ثم ان هذه القوامة لها شرطان:  أحدهما يدخل في تكوين الرجل الطبيعي والآخر بما ينبغي أن يكون عليه من النفقة من ماله ، يقول سبحانه وتعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ... ) فالله تعالى فضّل الرجل على المرأة بمقدرة جسدية وعقليه تدفعه لاقتحام الحياة بمخاطرها ، ولذلك فهو الذي يدفع المهر ويلتزم بنفقة الزوجة وإعالتها وحمايتها ، وهكذا فالشرط الثاني للقوامة هو ان يقوم بالإنفاق على الزوجة ، فإذا كانت هي التي تنفق عليها فلن يستطيع ــ بطبيعة الحال ــ ان يرفع صوته عليه ، وإلا حرمته  " من المصروف ".

6 ـ إذن فالقوامة ليست مطلقة بل مقيدة بمسئولية أمام الله سبحانه وتعالى ونحو الزوجة في إعالتها وإعاشتها وحمايتها ورعايتها .   ومن الطبيعي أن الرجل الذي يقوم بمسئوليته كاملة فإن زوجته سترى فيه رجلها الذي يملأ عينيها وتشعر بالسعادة في الخضوع إليه واللجوء إلى احضانه لتشعر بالأمن والحنان والدفء . أما إذا كان مجرد ذكر لا يتصف بالرجولة ، فليس أمامها ـ بعد أن تدعو عليه في الصباح والمساء ــ إلا أن تتمرد عليه وتندب حظها فيه .

7 ـ ولذلك فإن من اعجاز اختيار اللفظ في القرآن أن يقول جل وعلا عن علاقة الرجال بالنساء (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ .. ) البقرة :228 ، أي ان عليهن من الواجبات مثل الذي لهن من الحقوق ، ولكن ( للرجال ) عليهن درجة القوامة . وهنا يصف رب العزة جل وعلا الأزواج بأنهم ( رجال ) . لأن الرجولة من مصطلحات القرآن التي تعني الشهامة والشجاعة والموقف الحق وقول كلمة حق ، كقوله تعالى (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ... ) النور :37 ..

8 ـ والرجولة لا تعني التسلط على الضعيف وظلم المرأة ، ولكن تعني نُصرة المظلوم وحماية المرأة ، فكيف إذا كانت زوجة ؟ الرجولة تعنى الشهامة والتمسك بالحق بشجاعة والخوف من الله تعالى وحده ، والذكر الذي يتحلى بالرجولة هو الذي يفهم القوامة ويعطيها حقها من المسئولية ، ويعيش حياة زوجية سعيدة ، يكون مع زوجته رجلاً حقيقاً لتكون هي معه انثى حقيقية تستمتع بضعفها بين يديه . أما إذا لم يكن فقد أضاء لها الضوء الأخضر للتسلط والسيطرة ، وبالتالي يجعل منها إنسانا مشوها في الداخل ، ليس بالمرأة ،  ولا بالرجل ، ومهما أنفق عليها فلن يملأ عينيها ، ومهما صرخ بحقوق القوامة فستظل القوامة بيدها ، لأن أساس الرجولة وأساس التعامل أن يخشى الإنسان من الله تعالى وحده ، وألا يخشى من مخلوق ، وعندها يستطيع المؤمن الرجل أن يكون إنسانا صالحا في تعامله مع زوجه ومع الناس جميعاً.

9 ـ والخلاصة فى إختيار لفظ ( الرجال ) فى قوله جل وعلا : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ). وهو مفهوم الرجولة المستفاد من  قوله جل وعلا :

9 / 1 :( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)(الأحزاب ).

9 / 2 :  ( وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ (20)  القصص  ) .

9 / 3 :( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) يس) .

9 / 4 : ( وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) غافر )9 / 5 : ( أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)  هود ).

أما فى الدين السنى فتعنى مجرد الذكورة .

 ـ 10ـ والموضوع يطول ، ولكن الأساس كما قلنا يبدأ بالتقوى والخوف من الله سبحانه وتعالى وحده ، وهذا هو منهج التشريع في القرآن الكريم الذى تتحلّى آياته التشريعية بالوعظ أمرا بالتقوى.


فى الدين السنّى

  ليس للتقوى فيه أى إعتبار ، ولم ترد لفظا فى تفاصيلهم التشريعية فى آلاف المجلدات الفقهية ، فهو دين يركز على الشكل دون المضمون . فقهاء الدين السُنّى أغفلوا ما تؤكده آيات التشريع على ضرورة التقوى والخشية من الله تعالى وحده ، واهتموا  بعكس ذلك تبعا لرؤيتهم الذكورية ، وهو التأكيد على طاعة الزوجة لزوجها طاعة عمياء ، واخترعوا احاديث تجعل تلك الطاعة فريضة دينية غير مشروطة تصل الى تأليه الزوج واسترقاق الزوجة . ونعطى أمثلة :

1 ـ ابن سعد فى الطبقات الكبرى روى حديثا يزعم فيه ان النبي أوصى زوجة بأن تفعل كل ما في وسعها في طاعة زوجها لأنه "جنتها ونارها " : (انظري أين انت منه فإنّه جنتك ونارك ) أي إذا طاعته دخلت الجنة برضاه عنها ، وإذا عصته دخلت النار بغضبه عليها ، وهذا المعنى يجعل الزوج إلاها مُطاعا ومعصوما من الخطأ مهما قال ومهما فعل . ولا يمكن ان يستقيم ذلك مع الإسلام .

2 ـ  أبو حامد الغزالى فى كتابه ( إحياء علوم الدين ) :

2 / 1 : كرر هذا الحديث في صيغ مختلفة في كتابه ( إحياء علوم الدين ) فى معرض حديثه عن حقوق الزوج على زوجته ،  يقول الغزالي ان النكاح نوع من الرق أي العبودية ، فهي ــ أي الزوجة ــ رقيقة له ، فعليها طاعة الزوج مطلقا في كل ما طلب منها في نفسها ، مما لا معصية فيه . وهو لا يجعل إسترقاق الزوجة وإستعبادها معصية ، و لا يجعل تأليهها للزوج معصية .

2 / 2 : ويقول الغزالي معبراً عن تأليه الزوج ، انه قد ورد في تعظيم حق الزوج عليها أخبار كثيرة ، وذكر منها حديث (أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة ) وساق الغزالي احاديث أخرى في الانتقاص من المرأة إلى أن وصل للحديث المشهور (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ...) . ويضيف حق الزوج فى تأديب زوجته والمفارقة فى الطلاق .

2 / 3 : وفي مقابل هذا التأليه للزوج فإن الغزالي يجعل حق الزوجة على زوجها محصوراً في (مراعاة الاعتدال والأدب) في الوليمة والمعاشرة والرعاية والسياسة والغيرة والنفقة والتعليم والقسمة   والوقاع (الجماع) والولادة  . وحشا الغزالي ذلك بأحاديث مصنوعة بعضها من اختراعه ، ولكنه نسى ان يصنع حديثا لفتواه التي تحتم على المرأة الاستجابة جنسياً لزوجها وإن كانت على ظهر بعير .!..

3 ـ ثم جاء ابن الجوزي الحنبلى ــ وهو الآخر ضليع في صنع الأحاديث ــ فاستدرك ما فات الغزالي .

3 / 1 : تحت عنوان " وجوب طاعة الزوج وحقه على المرأة " كتب حديثا يقول ( لا تمنع المرأة زوجها حاجته وان كان على ظهر قتب او كانت على ظهر قتب ) وأضاف حديثا آخر يقول (ليس لها أن تمنعه لو كانت على رأس تنور ) .

3 / 2 : ثم استطرد في إيراد الأحاديث الأخرى في الحض على الطاعة المطلقة للزوج باعتباره إلاها يملك الجنة والنار ، وجاء بروايات مختلفة لحديث لو كنت آمراً واحداً أن يسجد لحد لأمرت المرأة ان تسجد لزوجها ، وجاء بأحاديث أخرى تلعن فيها الملائكة المرأة إن خرجت من دارها بغير إذن زوجها ، وأحاديث أخرى تمدح المرأة التي لا تذوق النوم حتى يرضى عنها الزوج ، او التي تمسح الغبار عن قدم زوجها بوجهها ، أى تسجد له تأيها له ،  ثم ينبغي ان تعرف أنها كالمملوكة للزوج فلا تتصرف في نفسها ولا في مالها إلا بإذنه وتقدم حقه على حقها وحق أقاربها ، وأن تصبر على أذاه كما يصبر المملوك على أذى سيده ، وإذا فرض لها مقداراً معينا من النفقة فيحرم عليها أن تأخذ من ماله زيادة على المفروض إلا بإذنه ، ولا يحق لها أن تسخط عليه إذا قلَّت نفقته لأن ذلك كفران للعشير ، وهو من مسوغات الدخول للنار ، وأن طاعتها لزوجها يجعل لها ثوابا عند الله يعدل ثواب الجهاد للمجاهدين ، وإذا خالفت زوجها جعلوا الملائكة تعلنها ، أى كالعادة تم توظيف الملائكة لخدمة الزوج وإضطهاد الزوجة . وبالتالى فلو فرّطت فى طاعته وعبادته وتأليهه فمأواها النار وبئس المصير .! 

3 / 3 : وكالغزالى قال ابن الجوزي بتقييد طاعة الزوج فيما لا معصية فيه . أى هو مثل الغزالى لا يجعل إسترقاق الزوجة وإستعبادها معصية ، و لا يجعل تأليهها للزوج معصية .

3 / 4 : ولقد هاجم ابن الجوزى الحنبلى ت 597 أبا حامد الغزالى ( الصوفى السنى ) كثيرا ، ومع ذلك يتفق معه فى الفقه الذكورى السنى .

4 ـ وفى عصرنا :

4 / 1 : تأثر بهذا الشيخ سيد سابق ( الأزهرى الاخوانى الوهابى ) ــ نوعاً ما ــ في حديثه عن حقوق الزوج على زوجته في كتابه (فقه السنة) .

4 / 2 : وتأثر بها الشيخ أبو بكر الجزائري( الوهابى الحنبلى ) تماما في كتابيه (منهاج المسلم ) و (المرأة المسلمة) . وفي الكتاب الأخير وصل بالزوجة إلى درجة الرق والمملوكة للزوج ، وربط ذلك بالإسلام .

5 ـ وليس مثل الإسلام دين ظلمه أولئك المنتسبون إليه .

أخيرا :

1 ـ ويبقى أن نقول ان الواقع التاريخي كان بعيداً عن ذلك الغلو الفقهي في اخضاع الزوجة لزوجها بالفتاوى والأحاديث . فعلى الصعيد الرسمي كانت الجواري تتحكم في الخلفاء والسلاطين ، وكان الخلفاء والسلاطين يتحكمون في الفقهاء، الذين أفرغوا سخطهم فى كتاباتهم الفقهية ، نوعا من الاحتجاج .

2 ـ ولم تصل كتابات الفقهاء الذكورية الى مسامع الزوجات المتسلطات على أزواجهن .  وابن الجوزي الذي أفتى بأن الزوجة كالمملوك لزوجها هو نفسه الي يقول متحسراً على رجال ونساء عصره ( وقد تسيئ الزوجة عِشْرة زوجها وربما كلمته بالمكروه .... وتخرج بغير اذنه وتقول ما خرجت في معصية ...) ...

3 ـ والحل بسيط وهو تقوى الله جل وعلا ، والخشية منه ، فالذي يخاف الله جل وعلا وحده لا يخاف من الناس ، والذي يعصى الله جل وعلا دون توبة يتسلط عليه الشيطان فيخيفه من الناس.

قال جل وعلا : (إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) آل عمران:175.

4 ـ ودائما : صدق الله العظيم . 
 
 
اجمالي القراءات 1776