تصفية القضية الفلسطينية في صراع الأشقاء

محمد عبد المجيد في الأحد ٢٩ - يوليو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

أوسلو في 5 يوليو 2007

لماذا تكون معاركُنا العربية بين السلطة وأفراد خارجين عن عصا الطاعة أو بين جماعات متناحرة أو بين قوى حزبية وسياسية ودينية هي في أكبر قدر ممكن من استغباء واستحمار المواطن؟
تقع الجريمةُ فينقسم الناس إلى مؤيد ومعارض وفقا لعدد مرات مشاهدته التلفزيون وبرامج الحوارات والخبر الأول المفبرك استوديويا والموجه أصلا لدغدغة مشاعر الجماهير.
الجماهير هي التي وصفها عبقري عصر النهضة قاسم أمين بأنها ( مُعينة الظلظلم وداعمة الطغيان ).
لذلك تبدأ المعركة من الشاشة الصغيرة فالانسان حيوان تلفزيوني، يتابع الأخبار، وقد يقرأ، ويسمع آلاف الحكايات ثم يأتي عباقرة التزييف ليعيدوا تشكيل هذا العقل الذي يضع نفسه بين أيديهم فيفعلون به مثلما تفعل القروية في عجين الخبز قبل أن تلقي به فوق النار.
المفترض أن الشعب الفلسطيني بحكم خبرته وتجاربه ومرارة صداماته وقوة وعّيه السياسي قادر على التصدي لأي عملية استغباء تقوم بها جهة وطنية أو حزبية أو قيادة تحت أي مسمى أو أيديولوجيا.
لكن الذي يحدث للأسف الشديد هو العكس تماما، وكلما مرت سنوات التجارب التي تجعل من أكثر الفلسطينيين جهلا وأمية وتخلفا خبراءَ في التحليل السياسي واستشراف الخطر ومعرفة الفارق بين الحق والباطل، فإن الذي يحدث هو مخالف للتوقعات، فأهلنا في فلسطين يسقطون في أي فخ يتم نصبه لهم، وينحازون بنفس سرعة سماع الخبر إلى أحد الأطراف قبل أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.
تختلط لديهم المفردات والكلمات والمعاني فلا يدري المرءُ الفروقات بين العميل والوطني والمجاهد والمناضل والمتعاون والسلبي.
تخرج الجماهير لتأييد حماس في الانتخابات ويظن المتابع أنه قرار وطني وعقلاني، فإذا بجماهير غزة بعد الانقلاب تتحمس لحماس، وجماهير الضفة تؤيد فتح. ولكن ماذا لو أن أبا مازن هو الذي قام بالانقلاب في غزة وتسللت حماس لتضرب ضربتها في الضفة الغربية؟
أغلب الظن أن نفس الحمساويين في غزة سيصفقون لحِكْمَة فتح وشرعية الرئيس محمود عباس، أما الفتحاويون الذي يَرَوّن المشهدَ العسكري والمهيمن على الضفة من حماس فسيرقصون طربا في الشوارع لانتصار رئيس الوزراء المنتخب جماهيريا.
إن الخوف هو الذي يحرك الجماهير، والمواطن المسكين لا يستطيع أن ينبس ببنت شفة أمام حامل سلاح يطلق رصاصات عمياء في الهواء لكنه يبخل على القوات الاسرائيلية بها إن توغلت واختطفت من تشاء في أي بيت تشير إليه مخابراتهم العسكرية.
إسرائيل تقدم رشوة لحكومة محمود عباس، وتتسابق واشنطون وتل أبيب لاحتضانها، أما حماس فتظن أنها تستطيع أن توفر لشعب غزة الطعام والشراب من الشعارات والمفردات النضالية ورفض الحوار.
الحمساويون صنعوا معسكرا ليتم ضربهم ضربة واحدة بعدما تتحول غزة إلى ثكنة عسكرية، وشعب لا يجد قوت يومه، وشعارات دينية لا تفهمها بطون خاوية لأطفال في كل مكان.
والفتحاويون يعيشون الغرور بكل مقاييسه، فهم الشرعية الحاكمة، وهم قيادة النضال، ولكنهم أيضا رؤوس الفساد، وأكثر المتعاونين مع عدوهم خرجوا من هذا الفصيل، ولصوص الشعب وأثرياء النضال المزيف ليسوا بعيدين عن الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
كل المتصارعين في فلسطين مجرمون بصورة أو بأخرى، وكما قلت سابقا بأن على الفلسطينيين أن يتعلموا ألف باء السياسة بعد ستين عاما من إنشاء الكيان الصهيوني العنصري فوق أرضهم الطاهرة.
الشعوب المستعبَدة تحت أنظمة ديكتاتورية تستجيب لأوامر السلطة كما تستجيب الماشية لعصا راعيها، أما الفسطينيون الذين يعيش أكثر من ثلثيهم أحرار في المهجر وفي المنافي ومعسكرات اللجوء أو يعملون في دول عربية وأوروبية بعيدا عن قبضة قيادات ميليشياتهم يقعون في نفس فخ السلطات المستبدة للشعوب المَسَيّرة من رقابها.
هكذا اصطدم الفلسطينيون في لبنان، وأقاموا المتاريس، وانحازوا لجانب دون آخر وهم ضيوف، فدفعوا ثمنا غاليا، وارتكبت قوى الشر مذابح في مخيماتهم راح ضحيتها الأبرياء.
والفلسطينيون في الكويت إبان الغزو العراقي الآثم انحاز أكثرهم إلى قوى البغي والاحتلال ضد مضيفيهم، وخرجت المظاهرات في كل الأراضي الفلسطينية واللبنانية ترفع صور صدام حسين، وتمنح للكيان الصهيوني صَكّاً بالبراءة، فالاحتلال العربي لبلد عربي مسموح به في أدبيات النضال الجماهيري الأحمق.
لقد توقفت الانتفاضة، ودفعت فلسطينُ ثمنَ كل الصراعات العربية والمحلية والدولية، وحَرَمَتْ اسرائيل عشرة آلاف أسرة من أبنائهم وهم يقبعون في سجون الاحتلال وقد يمتد الحرمان من الأهل والحرية عشرين عاما أو يزيد.
الشرق الأوسط الجديد الذي خطط له البيت الأبيض يمزق العالم العربي قطعة .. قطعة، ويحافظ على الحكام المستبدين من أي انقلاب على الشرعية ولو كانت فاسدة حتى النخاع، والاستقرار مرهون بموافقة تل أبيب وواشنطون.
التعاطف مع أي طرف فلسطيني ضد الآخر هو الفخ الذي نصبه أعداء الشعب، والانحياز لفصيل حماقة.
كل من يشترك في الصراعات الداخلية قاتل وعدو لشعبه ولو كان يحمل تفويضا سماويا بأن الله تعالي منحاز إلى فئة دون أخرى في فلسطين المحتلة.
ما يحيرني هذا الكم الهائل من الكتابات والخطب والتحليلات والتفسيرات والنصائح الفلسطينية كأن كل فلسطيني تحول إلى مدرسة مستقلة لتعليم الآخرين مباديء الحق والنضال ووحدة فصائل المقاومة!
عندما كانوا جميعا يؤدون مناسك العمرة، ويطوفون حول الكعبة المشرفة، ويُقْسِمون أمام العلي القدير أنهم سيلتحمون مع شعبهم، وسيتقون الله في وطنهم، كانت الطبخة قد تم تجهيزها، فكل القيادات قتلة حتى لو طافوا حول الكعبة الشريفة سبعين مرة.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
[url]http://taeralshmal.jeeran.com[/url]
[url]http://www.taeralshmal.com[/url]
[email]Taeralshmal@hotmail.com[/email]
[url]http://Againstmoubarak.jeeran.com[/url]
[url]http://blogs.albawaba.com/taeralshmal[/url]

اجمالي القراءات 11071