الندابون والنواحون

آية محمد في الثلاثاء ١٧ - يوليو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

     أصبح للفساد دولة وله كيان على خريطة العالم. ستجد موقعه جنوب البحر الأبيض المتوسط غرب شبه جزيرة سيناء، شرقا لليبيا وشمالا للسودان. إنها الدولة المصرية العظيمة التي أصبحت مرتعا للفساد. السجون المصرية مليئة بالمظلومين من سجناء التهم الملفقة وسجناء الكلمة وسجناء السياسة، والبيوت المصرية مليئة بالعجزة ومرضى السرطان والإلتهاب الكبدي الوبائي، والفتيات المصريات وقعن فريسة للعنوسة والختان والإكتئاب النفسي والإعتداء والإغتصاب، والشباب المصري وقع فريسة للبطالة والفراغ الإجتماعي واللجوء إلى التطرف الديني أو الإنحلال الأخلاقي، والرشاوي هي وسيلة تخليص المعاملات، وضاعت المستويات الإجتماعية وأصبح البواب فى مستوى الدكتور واصبح الفران مليونير يستطيع أن يضع المستشار فى الحبس ببضع آلاف "هدية" لمسئول كبير. الفساد تفشى ولكن.... الحمد لله تم القبض على المسئول، وخرجت المقالات تشيد بدور الأمن فى القبض على الرأس المسئولة عن هذا الخراب العظيم، وخرجت المقالات تتهم هؤلاء  بمسئولية هدم المجتمع والحمد لله أن الله خلصنا منهم وسيعود الأمن والآمان لبلادنا كما كانت وكما عهدنها قبل ظهور هؤلاء . نتوقع الآن أن تتزوج الفتيات وتتاح فرص العمل للشباب بدلا من السعي للتأشيرة الخليجية التي تذل أنفاسهم وأعراضهم، وستعم الصحة أرجاء القاهرة، وتختفي السحابة السوداء من سماء مصرنا الجميلة. ولم تتوقف المقالات للتمثيل والتشهير بهؤلاء الأفاعي وسبهم وسب أهلهم ولهذا حكمة؛ فغرض كتاب مقالات التسفيه أن تنتشر الموعظة بين الناس فلا تعود مصر كسابق عهدها مرتعا للنجاسة أبدا...... إنهم القرآنيون...... أس الفساد كله!!!

القرآنيون أصبحوا حديث العصر والشغل الشاغل لكل عاطل يبحث عن شغل أو شهرة أو تأييد جماعي. إننا مجتمعات التطبيل فى الزفة واللطم فى الجنازة. إن أسلوب تعاملنا مع الأمور وظواهر الحياة يعبر عن ثقافتنا المريضة البالية العاجزة عن تلبية إحتياجات المجتمع المشلول عن الحركة والفكر. فإذا ظهر معارض وجب سجنه وسلخ آدميته حتي يقر ويعترف أن المعارضة جناية إرهابية وإجرامية لا تتماشى مع ثقافة سد الحنك التي بنينا بها الأهرامات العظيمة. المعارضة الدينية والسياسية والفكرية والإجتماعية لا تتماشى مع ثقافة الكرباج الذي يهدر كرامة من حاول أن يبدي رأيه. المعارضة الإنسانية الشريفة لا تتماشى مع ثقافة التكفير التي يخسر الإنسان بموجبها آدميتة وإنسانيته وأحيانا حياته كلها. ولهذا فعلى كل مواطن يريد أن يتنفس ويُأكل أولاده "عيش" أن يمشي بجانب الحائط أو حتى داخله، وإن أراد أن يحيى بكرامة ويمارس فكره ودينه بحرية وأن يأكل أولاده الجاتوه فعليه أن يهاجر إلى العالم "الكافر" ليمارس آدميته وحقوقه بعيدا عن جوقة الندابين والنواحيين الذين يدقون طبول الحرب على كل معارض بحجة الدفاع عن الله ورسوله أو التخلص من الفساد المستشري. ويا ليت من نتيجة؛ فحتى الآن لا نرى إلا الإنحدار لقيمة المسلميين عالميا وإنحدارا عاما لمستوي المصري داخليا. أعتقد أن عليكم تغيير طريقة دفاعكم عن الإسلام ووسيلة محاربتكم للفساد، فأنتم تحاربون فى الجهة الخطأ لأنكم عمي صم بكم لا تفقهون. مؤكد أنتم يا كتبة المقالات الناعقة المتردية التكفيرية لا تفقهون شيئا وما كتاباتكم إلا نهيق الظلاميين، أفلا تدركون أن الفساد متفشي فى كل محافظة بسببكم أنتم وأن الإسلام متردي بسببكم أنتم يا من تريدونها غفوة جماعية لا يصحى المجتمع منها أبدا. تحاولون بمقالاتكم العنجهية إلهاء الشعب عن حقيقة الفساد وإيهامه أن الشر إسمه القرآنيين وأن ما دون ذلك هو خير والحمد لله حتى أن المجرم المقبور صدام حسين أصبح شهيدا فى نظركم. كفاكم ضحك على الذقون، إنكم تلبسون الحق بالباطل وأنتم تعلمون. ألا تتقون الله!!

أصبح القرآنيون هم أُس الفساد وسبب المصائب وعنصر الفتن فى عالمنا العربي والإسلامي. أصبح القرآنيون عملاء الصهيونية ويد الخراب التي تتغلل داخل بلادنا النظيفة الجميلة الغنية فى محاولة لهدم مظاهر الجمال التي ننعم بها. فبكلماتهم تسببوا فى غرق ألف روح مصرية فى البحر الأحمر! بكلاماتهم أصيب الملايين من المصريين والمصريات بالسرطانات! بكلماتهم لوثوا مياه النيل وأصابوا الطيور بالأنفلونزا وأنهوا على الثروة الداجنة فى المحافظات المصرية! كلماتهم سبب مصائب التعليم وسبب تردي المدارس والجامعات المصرية! كلمتهم سبب تردي الطب والصحة وتردي مستوى العلاج! وبسبب تأثير كلماتهم يترك الطبيب أدوات الجراحة سهوا داخل بطون المرضى وبسبب قوة تأثير فكرهم يزيد طبيب التخدير من جرعة المخدر فيقتل المريض قتلا!!! القرآنيون أصبحت كلمة مرادفة للفساد عند بعض كتبة الفسوق، ونسوا أن إنعدام الضمير هو الكارثة الكبرى التي نعاني منها كنا مسلميين أو مسيحيين أو سنة أو شيعة أو قرآنيين أو علمانيين أو ليبراليين.

إنعدام الضمير هو ما يجب علينا أن نحاربه جميعا ونتكاتف ضد عبدته وسدنته. إنعدام الضمير والذي بكتابتكم وسبكم لكل معارض تؤكدون وجوده وتساعدون على إستمراره وإنتشاره بإعطاء أذياله الفرصة للتخريب فى غضون غفوة البعض مع المشاكل الواهية التي يعظمها البعض. أنه الفراغ العقلي والتعب العصبي والكبت الفكري الذي يقودكم إلى التعدي على المواطنين بمقالاتكم ورسائلكم وتعليقاتكم. القرآنيون هم حبة المخدر التي تتناولوها لتنسوا مشاكل الحياة وإفتقاركم لأبسط حقوقكم الإنسانية السيكولوجية فى بلادكم، فتذهبوا بعد تناولها فى غيبوبة طويلة لا تصحوا منها إلا عند ظهور حدث آخر تلهون أنفسكم به بعيدا عن الكد والجهد والعرق والعمل فيما ينفع مصرنا. فمن قبل تعاطيتم حبة عبدة الشيطان ثم حبة قضية الشواذ ثم حبة البهائيين ثم حبة الشيعة ثم حبة الكرة المجنونة، ولكن حبة الكرة المستديرة أفاقتكم غضبا على لعبتكم المجنونة بعد الصفر الكبير الذي حظينا به فى مواجهة المغرب وجنوب إفريقيا، ثم حبة هالة سرحان ثم حبة الفتنة الطائفية وأخيرا حبة المخدر الجديدة القرآنية وكبش الفداء الذي ينهش لحمه الشعب الغافل بدلا من البحث عن رؤوس الظلم الحقيقية. أفيقوا بالله عليكم ولا تلقوا بالتهم جزافا على خلق الله لمجرد إنهم قالوا قولا لم يعجبكم. لا تلقوا بالرجس وبكبتكم العصبي على القوم الآمنيين لمجرد إنهم لا يقدسون آل سفيان السفاحين أو الرواي أبو هريرة الدوسي أو لا يمجدون كتابا إلا كتاب الله وصحفه المطهرة. لا تلقوا عليهم بكل مآسيكم وخرابكم، وأبحثوا عن أسباب تدهور حالكم بدلا من إضاعة العقول الهائمة فى الكثير من اللغط والكذب.

القرآنيون لا يشكلون اي خطر مثلما يزعم البعض، وليس لديهم الأموال والإعلام مثل قطبي الشر فى العالم: الصهيونية والوهابية. أين كتابتكم عن الخلية الإرهابية الوهابية التي تم القبض عليها فى مصر وعلى إتصال بسفاحي ومجرمي القاعدة بالسعودية والكويت. أين أنتم من هؤلاء المجرمين الذين ظهر القرآنيون لمحاربتهم. هاأنتم تحاربون بحجة الإصلاح من يحاربون أعداء الله المتخفين فى عباءة الإسلام. إنها الفتنة الكبري تكرر نفسها مرة أخري؛ عندما أعدت السيدة عائشة والزبير وطلحة جيشا لمحاربة الإمام علي بغرض الإصلاح فى حين إنه كان يستعد لمحاربة الداعي إلى الفرقة والفتنة معاوية بن أبي سفيان. سيوف جيش طلحة والزبير أصبحت فى زمننا هذا كلمات ناعقة تخرج من أفواه غافلة تريد نهش من يحاول التصدي للفتنة السفيانية تماما كما حدث فى موقعة الجمل ومن بعدها صفين. نحن لا نتعلم شيئا من التاريخ وإنما نكرره مرارا وتكرارا ثم نرمي بالأسباب على أمريكا وأتباعها. كفانا تشدق بإسم الدين، كفانا قتالا ونحرا للمسلميين وغير المسلميين بإسم الدين، كفانا سفالة على إناس مسالمين بإسم الدين. إن بلادنا العربية كلها ليست بلاد مؤمنين. فالإيمان وضع الله جل وعلا له شروط لا تتوافر فى بلادنا منها على أقل مثال الوفاء بالعهود والقسط بالميزان. لا تتحدثوا بإسم الله، ولا تتحججوا بالقرآنيين والملحدين والعلمانيين، لا يوجد عدل فى بلاد المتأسلميين ولن يوجد العدل أبدا طالما غلب الباطل على الحق وأصبح الباطل وحي من عند الله ودينا وصراطا ومن خرج عليه مارق زنديق. لن يسود العدل ولن تقوم لنا قائمة طالما المنكر أصبح معروف فى نظر الغالبية وأصبح الإجرام دين والسب والإهانة خلق والظلم جهاد. إنقلبت الموازين وبالتالي إنقلب حالنا ولن يغير الله حالنا حتى نغير ما بأنفسنا. إننا أمم كافرة، كفرت بالحق وفضلت الباطل، ولن تشفع لكم صلاتكم ولا صيامكم يوم الحساب لأن كفة شروركم طغت على العبادة والمناسك. إذا غفر الله تعالى فى حقه فلن يغفر فى حق عبد مظلوم رفع يده إلى السماء وطلب نصرة الله وعدله. إنكم فى غفلة عظيمة وتعتبرون من قال الشهادة وحبل المشنقة على رقبته شهيد ونسيتم أن الله قاضى عادل لا يتلقى الرشاوي مثل قضاة الدنيا، إنه لا يغفر فى حق العباد أبدا أبدا أبدا.

القرآنيون ليسوا عنصر الفساد والتخلص منهم ليست الصحوة الأمنية المعتبرة التي تتغنون بالأمن بسببها. أين الأمن من سارقي حقوق الشعب؟ أين الأمن من 46 ألف حالة إغتصاب فى العام الماضي؟ أين الأمن من رجال مظلومين فى الحبس بالشهور والسنوات رهن التحقيق؟ أين الأمن من مظلومين منسيين فى غياهب السجون والمعتقلات؟ أين الأمن من صرخة طالب فى ليلة الإمتحان لا يستطيع المذاكرة بسبب فرح أو عزاء يستخدم ميكروفون عالي وكأن الكون ملكهم؟ أين الأمن فى مرور دولة تتداخل فيها السيارات مع النقل مع الكارو مع الأتوبيسات مع الحمير مع الموتسكلات؟ أين الأمن مع مواطن يلقي مخلفات بناءه فى الشارع بالرغم من أن إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان؟ لماذا لا تطبق أبسط قواعد "السنة" فى بلادنا فى حين نتمسك بذكوريات تافهة مثل الحجاب والنقاب وبتر البظر وإطلاق اللحية وننسى مكارم أخلاق سنة محمد (ص). هل فجأة أصبح الأمن مثالي ورائع وليس كمثله شيئا؟ هل أمنتم حياتكم؟ هل أمنت أنت يا من تكتب مقالاتك الإرهابية التكفيرية أن لا تجد نفسك غدا وبالخطأ محكوم عليك بعام سجن وتظل تركض فى المحاكم محاولا التخلص من هذا الحكم الظالم ولا يوجد من يسمع نداءك من رجال الأمن والقضاء! وإذا بدأت جلسة لسماع تظلمك وجدت أن دورك رقم 450 ووصلت إلى منصة القاضي الساعة السابعة والنصف مساءا بعد إنتظار من الساعة الثامنة صباحا والقاضي متعب متهالك وأنت تتمنى لو لم تولد أصلا ثم يقوم القاضي بتأجيل النطق أو يحيل القضية إلى مختص لتركض عاما آخر بين محاكم مصر رافعا يدك إلى الله نصير المظلومين الوحيد فى هذا العالم الجشع الظالم! هل أمنت أن تنام غدا فى وسط أولادك أم فى وسط المجرمين لأن أحدهم لفق لك تهمة ودفع الرشاوي وضبط الأمور وأحكم التهمة عليك وشرد أولادك ونامت بناتك يبكون الليل والنهار ولا يجدون لهم لا ولي ولا نصير إلا الله تعالى! هل أمنت كل بلاوي بلادنا حتي تكتب فرحا شامتا فى إخوة لك فى الإسلام يقيمون الصلاة ويأتون الزكاة ويشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

أنا أختلف مع القرآنيين فى كثير من مبادئهم مثل رفضهم لكل السنة القولية ولكني لا أعطي لنفسي حق تكفيرهم أو التعدي عليهم ووصفهم بالخونة والعملاء. فكل منا يحب الله بطريقته وكل منا يسعى فى الخير بطريقته وكل منا هدفه نصرة الإسلام بطريقته. ولقد تعلمت ألا افرض على الناس ما أؤمن به أو أن أحاسبهم بناءا على نظرتي أنا فى الحياة. أنا أؤمن بالسنة القولية لرسول الله وأؤمن بكل ما هو طيب ومتوافق مع الفطرة الإنسانية فى كتب الأحاديث. ولكن أرفض كل ما شذ أو زاد أو عدل ما فى قرآن الله. أرفض تقديس الشخصيات أو منع الناس من الخوض فى تاريخهم بحجة أن الله رضي عنهم. أرفض تقديس كتب بحجة إنها أصح كتاب بعد كتاب الله. أرفض فرض وصاية على فكر الإنسان والحجر عليه لأن الوصاية والحجر طريق الجهل والظلام، والإبداع والحرية طريق النور والتقدم . محمد بن عبد الله (ص) كان أول معلم فى الإسلام ووضع أول نواة فى الإجتهاد من النص الإلهي. إنه المعلم الأول الذي أخذ بيد تلاميذه ودخل بهم إلى معمل الحياة يعلمهم كيفية تطبيق النظرية القرآنية. وفى التطبيق دون تلاميذه ملاحظاته وتعاليمه. ولكن الكون لا يقف عند تعاليم أو ملاحظات بعينها، وعلى التلاميذ تطوير التعاليم والملاحظات على حسب زمنهم وعصرهم بالإجتهاد إيضا من داخل النص القرآني كما فعل معلمهم ونبيهم رسول الله.

إن توقف كينونتنا عند القرن الثامن الميلادي هو سبب تخلفنا. لا يصح أن نقول أن تعاليم الرسول مقدسة وشرع ووحي من الله لأنه لن يحق لنا تخطيها والخروج بغيرها. فإذا قلنا أن أحاديث مسح المؤخرة بالحجارة وفرك الأصابع فى رمل الصحراء للتخلص من الروائح سُنة مقدسة ووحي إلهي، لن يجوز لنا تخطيه والخروج بوسيلة جديدة تتماشى مع عصرنا وسنترك لمن سميناهم بالقردة والخنازير فرصة التفكر وخدمة الإنسانية بصناعة مراحيض فى مقابل الحجارة والرمل المسجلين داخل كتب فقهنا وشريعتنا على إنها وحي مقدس. إذا إعتبرنا أن أقوايل نبي الله التي تتماشى فقط مع عصره سُنة مقدسة ووحي إلهي فلن تقدر عقولنا المؤمنة على التعدي على وحي الله، نفسيا سيتوقف عقلنا عن العمل ونقبل فقط بما كتب فى كتب فقة السنة والشريعة. فكيف يتعدي العقل مثلا على "الوحي الإلهي" القائل بأن حبة البركة شفاء لكل داء وأن بول الإبل علاج كافي وأن جناح الذبابة فيه الداء والدواء؟ العقل المسلم لن يكون مستعدا لإختراق هذا الطب النبوي الموحى من السماء في محاولة إيجاد بدائل له تواكب العصر، وبالتالي سنترك هذه المهمة للمن وصفناهم بالكفار أصحاب النار ليأتوا لنا بالبنسلين والأنسولين والبارسيتامول والبروفين لنداوي به أمراضنا وتظل عقولنا فى ثلاجة الفقه السني متخلفة متردية بحجة أن السلف كانوا خير الخلف وأن النقل يجب أن يكون بلا عقل. وأكبر مثال على محاولة إيجاد الحلول من كتب "الوحي" السني هو ما فعله الدكتور عطية الذي حاول إيجاد حلول لعصرنا من كتب "وحي" القرن الثامن الميلادي فطلع علينا بإرضاع الكبير وغضب الشارع المسلم وفصل الرجل من عمله! ولا أعرف لماذا غضبوا وفصلوه وما جاء به ما هو إلا "وحي يوحى" كما تدعون! 

     وفى النهاية، لقد بحثت فى خطب الصحابة الأجلاء عن ذكر لجملة "كتاب الله وسنة الرسول" التي نتشدق بها فى أيامنا هذه، فلم أجد لها وجود فيما نقل عنهم. إن مفهوم الفصل بين كتاب الله من جهة وسنة الرسول من جهة أخرى لم يكن مستخدم أو متعارف عليه وقتهم. كان كتاب الله هو أساس حديثهم وسنة الرسول كانت تعني وتشير إلى كتاب الله ومنهاجه. فهل كان الخلفاء الراشدين أيضا منكري سنة أو قرآنيين؟ أم إنهم كانوا المسلميين الحق الذين إعتبروا كتاب الله إمامهم وحكمهم العدل؟ العالم الجليل إبن جرير الطبري نقل عن عمر بن الخطاب إنه كان أول من حذر من تفرق وتشرذم الأمة نتيجة القيل والقال وإتباع الأهواء وأهل النقل بحجة أصالة السند. فيقول الطبري فى المجلد الثاني من كتابه تاريخ الأمم والملوك: "أن عمر قال لناس من قريش: بلغني أنكم تتخذون مجالس، لا يجلس إثنان معا حتى يقال: من صحابة فلان؟ ومن جلساء فلان؟ حتى تحوميت المجالس، وايم الله إن هذا لسريع في دينكم، سريع فى شرفكم، سريع فى ذات بينكم؛ ولكأني بمن بعدكم يقول: هذا رأي فلان، قد قسموا الإسلام أقساما". حذر أيضا عمر بن الخطاب المسلميين فى موضع آخر من تدوين ما أطلقوا عليه بالسنة وخلطهم بين سنة الله ورسوله القرآنية وسنة أهل الهوى الذين كانوا يتجالسون ويتسامرون بكلام نسبوه لرسول الله ظلما وبهتانا. وفى خطبة له أخرجها كل من الطبري وإبن كثير قال الفاروق: "كنتم على عهد رسول الله (ص) تأخذون بالوحي" ولم يتبع كلامه بمصطلح "سنة الرسول"! وإذا إنتقلنا إلى عصر عثمان بن عفان والذي أخرجه كل من الجليلين الطبري وإبن كثير نقلا عن كتاب عثمان بن عفان إلى أهل الأمصار: "فإن الله عز وجل بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا، فبلغ عن الله ما أمره به، ثم مضى وقد قضي الذي عليه؛ وخلف فينا كتابه فيه حلاله وحرامه". هذا هو عثمان الصحابي والخليفة الثالث يتكلم عن كتاب الله ولم يلحقه بمصطلحنا "سنة الرسول" كما نفعل فى يوما هذا. فأين كانت السنة المحمدية وقتها؟ ونقلا كل من الطبري وإبن كثير خطبة الإمام علي فى أهل المدينة قبل قتاله لأهل الفرقة فقال: "إن الله عز وجل بعث رسولا هاديا معديا بكتاب ناطق وأمر قائم وواضح". مرة أخرى يتكلم الصحابي إبن عم رسول الله ويذكر الكتاب ولا يلحقه بمصطلح "سنة الرسول". أين كانت السنة المقدسة فى عصرهم ذاك؟ وفى خطبته فى الربذة – كرم الله وجهه - عندما كان يتهيأ لقتال جيش أم المؤمنين عائشة خطب قائلا: "الإسلام دينهم والحق فيهم والكتاب إمامهم". أين السنة المحمدية؟ لماذا لم يذكرها الإمام علي وهو أولى الناس بذكرها بصفته من آل البيت وبصفته مبشر بالجنة؟ سيخرج واحد من أهل الجدال ومحبي الشقاق ويقول أن الكتاب المقصود فى خطبته هو القرآن والسنة المحمدية، سأقول له ولكن الإمام علي أنهى خطبته هذه بقوله: "وأعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن، فما عرفه القرآن فألزموه وما أنكره فردوه، وأرضوا بالله جل وعز ربا وبالإسلام ديننا وبمحمدا (ص) نبيا، وبالقرآن حكما وإماما"، فهل السنة المحمدية قرآنا أيضا؟ هل كان علي بن أبي طالب قرآني منكرا للسنة يأخذ بالقرآن حكما وإماما؟ أم أن الله لم ينعم عليهم بنعمة البخاري كما أنعم على الذين من بعدهم؟ لقد كانت آخر جملة فى خطبته كرم الله وجهه "وبالقرآن حكما وإماما"، أليس هذا ما يقوله المسلمون الذين تعبوا من كثرة الفتاوي والتحريم والظلم والإرهاب بإسم الله؟ لماذا يقولها علي بن أبي طالب ولم يحاسبه أحد أو يدعي إنه منكر سنة؟ لماذا تحاسبون اليوم الضعفاء وتتكاتفون عليهم وهم الذين تعبوا من الذل والهوان وأرادوا القرآن أن يكون حكما بينهم وبين القوم الظالمين!

     أتمنى أن يقوم العامة من غفوتهم وليعلموا أن الله من عليهم بالعقل كما من على الشيوخ والفقهاء. وليعلموا أن الشيوخ والفقهاء ليسوا أفضل منهم فى شىء ولم ينزل عليهم وحي من السماء ولم يقرأوا كتب سرية لا يستطيع العامة الإطلاع عليها. ومع إحترامي لطلاب الأزهر ولكن الجميع يعلم أن من دخل جامعة الأزهر دخل كارها بعد أن أغلقت جامعة القاهرة وجامعة عين شمس الباب فى وجوههم ولو كانت تقديراتهم عالية ما دخولوا تلك الجامعة أبدا ولو كان لديهم المال لدخلوا جامعة يشترون شهادتها بدلا من التعليم الأزهري. إذن الأزهريون ليسوا علماء كما يظن البعض وليس جهابذة العصر وممثلي الله فى الأرض. لقد أعطانا الله جميعا العقل وأعطانا جميعا القرآن وكلنا سنحاسب على أعمالنا وإيماننا وسمعنا وأبصارنا ولن يحاسب الأزهري أو البخاري أو الطبري بدل منا. لن تقف أمام الله وتقول "هم من قالوا لي هذا الكلام، فحاسبهم بدلا مني".لن يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. توقفوا عن تقديس السلف وتوقفوا عن تقديس الزعماء والرؤساء الأحياء منهم والأموات. الفساد أمام أعينكم فلا تديروا له ظهوركم وتركلون فى أبرياء لم يفعلوا بكم شيئا... إفيقوا قبل فوات الآوان! 

علم أن من إغتابك فقد أهدى لك حسناته، وحط من سيائتك، وجعلك مشهورا، وهذه نعمة"

اجمالي القراءات 13314