حديث الاسبوع
ماأشبه اليوم بالأمس

زهير قوطرش في الأربعاء ١١ - يوليو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


ما أشبه اليوم بالأمس.
بالأمس حيث لم يكن التراث موجوداً ،أي لم يكن التراث الحالي الاسلامي قد أصبح تراثاً، بل كان حاضرا عصره،...كان الناس أنذاك يختصمون وكان التراث يختصم معهم، يثير فيهم المشكلات ويثيرون هم له المشكلات.هذا التراث الذي تحول في زمنه من الاشكال اللاهوتية الاسلامية الصرفة الى اللاشكال اللاهوتية العقلانية(علم الكلام المعتزلي) ،كان هذا التراث يستثير وييستثار،يخاصم ويتلقى انواع الخصومات. كان حزبياً دائماً وتتحداه الحزبية دائماً. وفي كل زمن من هذه ال&;ازمان كان موضوع جدل واختلاف، وكان الجدل والاختلاف فيه شكلاً من اشكال الصراع الفكري والايديولوجي الذي ينعكس فيه ، بحدود متفاوته. نوع الصراع الاجتماعي والسياسي في هذه و تلك من تاريخ المجتمع العربي -الاسلامي ،.
كانت مسألة القدر أول مسألة خاض فيها الفكر العربي -الاسلامي . باتجاه عقلي وعلى أساس حزبي .أي على قاعدة فكرية ومن منطلق سياسي (معارضة الحكم الاموي) واصبحت هذه المسألة تحتل المركز بين المسائل الفكرية الكبرى المثارة مابين القرنين الآول والثاني الهجريين،منتصف القرن السابع ميلادي. حيث أخذت المواقف بين مؤيد ومعارض ،واستخدم معارضوا الفكر القائل بنفي القدر سلطة الدين في ارهاب هذا الفكر( اليوم يتم استخدام سلطة المؤسسة الدينية النقلية في محاربة أهل القرآن) .كما فعل المصعب الزبيري إذ نقل عن مالك بن انس أنه قال ( الكلام في الدين أكرهه، ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه،نحو الكلام في راي جهم والقدر وما أشبه ذلك...) ثم بالغوا في استخدام الدين ذريعة لتشويه فكرة القدر حتى أطلقوا على دعاتها أسم القدرية، رغم أن هذا الاسم جدير أن يطلق على من يقول بنقيض فكرتهم،أي على الجبرية.كان ذلك بقصد تطبيق حديث منسوب الى النبي (ص) وهو الحديث القائل(القدرية مجوس هذه الامة). وقد رفض المعتزلة هذه التسمية قائلين ( لفظ القدرية يطلق على من يقول بالقدر خيره وشره ،( ويجدر بنا ملاحظة كيف أنهم طوعوا حديثاً نبوياً أخترعوه لتحقيق مصالحهم السياسية والفئوية).
إن الفكر المعتزلي كان انعطافاً في الفكر العربي الاسلامي : جهة تتعلق بمسألة المعرفة ،وجهة تتعلق بترسيخ حرية الانسان أي مسؤوليته عن أفعاله. من الجهة الاولى كان اتجاه المعتزلة خرقاً لحصر مصدر المعرفة في واحد،هو المصدر الآلهي، إذ أضافوا العقل كمصدر اخر للمعرفة حتى في مسائل العقيدة. ومن الجهة الثانية اقاموا مفهوم العدالة الآلهية على اساس حرية الانسان، أي على نفي الجبرية المطلقة التي تتحكم في افعاله. وهنا ظهرت مواقف الخصومة لهذا الاتجاه من كلتا جهتيه،واستخدم الدين كذلك وسيلة لكبح التطلعات العقلانية المعتزلية وعرقلة تطورها نحو الفكر الفلسفي المستقل عن اساسه اللاهوتي. وقد توزعت مواقف الخصومة هذه بين تيارات ثلاث في عصر النهوض المعتزلي،هي التيار السلفي، والتيار الحنبلي ،والتيار الاشعري. وكلها كانت تشترك في العداء للجوانب العقلية من افكار المعتزلة. تضافرت هذه التيارات الثلاث على إقصاء الفكر المعتزلي نهائياً وذلك في منتصف القرت التاسع الميلادي. ومن اعجب ما حدث ،بعد ذلك أن غياب المعتزلة عن مسرح النشاط هذا قد اقترن بغياب المصادر الاصلية لافكارهم غياباً كلياً عن المكتبة العربية-الاسلامية. حتى لم يبقى لنا من هذه الافكار إلا ما صاغه خصومهم صياغة شبه مجتزأة ،وحرمت الاجيال اللاحقة قراءة الفكر المعتزلي بصورته الحقيقية الكاملة التي صاغها أهله أنفسهم في مؤلفاتهم، ولم يصل إلينا من هذه المؤلفات سوى كتاب الانتصار لابي الحسن الخياط ،وبعض مخطوطات وجدت في اليمن وبضعة اجزاء من كتاب المغنى للقاضي عبد الجبار. إن موجة العداء للفكر المعتزلي امتدت الى عصور لاحقة وتشكلت باشكال العداء لكل فكر يعتمد النظر العقلي حتى في علوم الطبيعة والفلسفة والرياضيات.
يصف المسعودي موقف المحافظين من أهل السنة ،في خلافة المتوكل العباسي، حيال الفكر المعتزلي بقوله أنه بالرغم من كون المتوكل من أظلم الخلفاء فقد مدحه اهل السنة واغتفروا له فعاله لرفعه المحنة .يقصد محنة سيطرة الفكر المعتزلي وراى له كثير من المجدّثين رؤى في المنام تذكر أن الله غفر له. ومثل ذلك مايرويه السيوطي عن موقف الفقهاء والمحدثين من أن أحدهم أبا بكر أبن ابي شيبة جلس ،أيام المتوكل،في جامع الرصافة وجلس أخوه في جامع المنصور وحملاالناس على الدعاء للمتوكل والثناء عليه.لكن المسالة تجاوزت هذا الموقف الى مختلف اشكال الطعن بفكر المعتزلة. بل الى تشويهه وتحريفه.، كما فعل الاسفراييني مثلاً، في تأويل نصوص المعتزلة بشأن مفهوم العدل عندهم.فإن شروحهم لهذا المفهوم تضمنت القول بأن قدرة الانسان مقيدة لقدرة الله،وجاء الاسفراييني (وهو احد كبار الاشعريين) يفسر هذا القول تفسيراً عجيباً، قال ان كون العباد يخلقون افعالهم،كما يرى المعتزلة،إنما يؤدي الى أن كل واحد منهم ،كالبقة والبعوض والنحلة والنملة والدودة خالق: خلق افعاله،وليس الله خالقاً لافعاله ولا قدراً على شيء من اعمالهم، وأنه قط لا يقدر على شيء مما تفعله الحيوانات كلها، فاثبتوا (أي المعتزلة) خالقين لا يُحصون ولا يحصرون) ...أنهم مهدوا بذلك طريق القول بالتثنية. ان تفسيراً كهذا لمفهوم المعتزلة يتجاهل أن كلمة العباد في نصوصهم تعني البشر وحدهم،ويتجاهل كون المعتزلة، لا يمكن نسبة (التثنية) اليهم وهم الذين بلغ من تشددهم في المحافظة على نقاء مفهوم التوحيد حد خوض المعارك العنيفة في مناهضة اهل التثنية، فضلاً عن اهل التشبيه والتجسيم..
ما اشبه اليوم بالأمس ، وما أشبه المؤسسة الدينية اليوم التي تعتمد النقل بدون العقل، بالتيارات السلفية والاشعرية ،والحنابلة أنذاك ، يريدون اسكات صوت اهل القرآن ، وذلك من خلال اختلاق مقولات وتشغيبات ،أهل القرآن منها براء.
أهل القرآن أرادوا أن ينبهوا كل مسلم ،بأنه علينا ان لانتعاطى مع التاريخ والتراث بهالة من العصمة التي نسجت حوله،وتمضي هذه العصمة كلما أوغلت في القدم الى فجر التاريخ الاسلامي. هذا الطرح ما عاد يقنع الجيل الجديد. الجيل الجديد يريد منا أن نواجهه بالحقيقة. هل سنبقى نبرر أخطاء السلف ونعتبرها صواباً. علينا أذا أردنا انقاذ الجيل القادم أن نشترشد بما يفعله اهل القرآن في مناقشة التراث ،وذلك بهدم الحواجز، حواجز التعصب والتزمت.أهل القرآن لا ينبذون التراث والتاريخ ولا حتى اقتطاعه كأن لم يكن ، هو جزء منا من حضارتنا، ولكن كونه يحوي الكثير من المتناقضات والتي لا تلائم روح العصر ،فهذا ليس عيباً.ولكن يجب نقده وتطهيره .
الأخوة محسن راضي ،وعمر هاشم ... تستطيعون أن تتقولوا على أهل القرآن كما تشائون ، لكنكم لا تستطيعون إسكات صوت الحق، الذي ينادون به في العودة الى القرآن... ولكم فيما تقدم عبرة... هل استطاع السلفيون والاشاعرة وغيرهم رغم ما فعلوه في المعتزلة من قتل وتشريد ،وحرق كتبهم والحجر عليها، من إسكاتهم... لم يستطيعوا أبداً حجر افكارهم التي وصلت إلينا بالتواتر ووصلت الينا من كتب خصومهم لأن فكرهم ليس بالزبد الذي تجرفه السيول ... أهل القرآن لا يريدون أبداً الطعن بأحد ،هم يريدون مقارعة الفكرة بالفكرة ،والحجة بالحجة، دون استخدام السلطة السياسية والامنية التي تخدم مصالحكم لإسكات الأخر ... خوفا على الدين كما تتقولون.... صدقاً نحن نخاف على الدين منكم ومن امثالكم ... آن لكم أن تتنحوا قليلاً ، وتعطوا الأخر فرصة ليثبت لكم انه قادر بعون الله على إعادة الصفاء والحب والرحمة بين المسلمين التي هي اساس الدين ... وإن أهل القرآن يشعون حباً للأخر وتفهمها لعقائد الأخرين .... ليس أمام عدسات التلفزيون وحسب بل في السر والعلن. .والله الموفق.
ملاحظة
لست من الذين يعتبرون فكر المعتزلة صحيحا بالمطلق لدي بعض الاعتراضات، لكني اوافق معهم في موضوع ،العقل،والقدر ،والعدالة الآلهية

اجمالي القراءات 13266