مآلات النضال الفلسطيني
فلسطين بين الدولة و الثورة (2)

عمر أبو رصاع في الخميس ٠٥ - يوليو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

فلسطين بين الدولة و الثورة (2)

الحقيقة اعتبر الجزء الأول من هذه الدراسة بمثابة توطئة لها ، ليست على نسج ما هو مألوف من التوطئات المعتادة لأني من خلالها و ضعت المشكل الذي أنا بصدد دراسته مباشرة مآلات الحركة الثورية النضالية الفلسطينية انها محاولة لتوصيف ما هو قائم و نحن اليوم نعيش أزمة بين الفصيلين الرئيسين فتح و حماس ، ليست هذه الدراسة مراجعة تاريخية تحليلية فحسب بل هي محاولة لفهم انفسنا بشكل أفضل و فهم قضيتنا المركزية بشكل أفضل و الأهم في ضوء هذا الفهم وصولاً &aacucute;لحظة الآنية أن نحاول التحديد ما الذي يمكن عمله الآن؟*


جذور المسألة : انطلاق الحركة الصهيونية و وعد السير بلفور

بدأت قضية فلسطين في مؤتمر بال!
نعم في بال بالذات وليس في اي مكان آخر من العالم صار هناك قضية فلسطينية!
تأثر يهود اوربا بالنزعة القومية التي نشأت في اوربا القرنين السادس والسابع عشر ، فموجة تأسيس الدول القومية اجتاحة اوربا فظهر الوطن الايطالي و الألماني والبولندي و الهنجاري وقبل هؤلاء جميعاً الانجليزي ، لم يكن اليهود جاهزين أصلاً للاندماج كيانياً بالظاهرة القومية الأوربية ، و هذا حديث يطول ، تحت طبيعة الحي اليهودي بالذات تشكلت هوية دينية منغلقة خاصة باليهود .
عام 1516 نشأ أول حي يهودي في البندقية.
في الواقع هناك ازمة مصطلح ازاء تعريف من هو اليهودي؟
و المنطق النابع من كون اليهودية ديانة يقتضي أن اليهودي هو الذي يؤمن بالديانة اليهودية كدين صحيح فقط ، بهذا المعنى اليهودية ليست شيء إلا ديانة ، فكرة الشعب اليهودي تجد لها سند توراتي يتكلم عن الشعب اليهودي ، انها مقاربة لليهودي كبيولوجيا ما!
اليهودي هو الذي ولد بتسلسل عرقي من ام يهودية ، إذن اليهود شعب متناسل جينياً و محصور ، انهم عرق إذن بهذا المعنى الذي تريد ان تكرسه الصهيونية من أن اليهود جماعة عرقية و دينية ، لا نجد هنا كبير عناء في استجلاء مدى وضوح الطابع الفاشي لفكرة الأمة اليهودية!
رغم ان اليهود جماعات متميزة قومياً و عرقياً و حتى ثقافياً بشكل لا يمكن ضحده على الاطلاق إلا انه لا سبيل إلى الحركة الصهيونية إلا عبر هذا المدخل الفاشي لتعرف ما تصفه بأنه امة على أنه كذلك.

مأساة الأحياء اليهودية و صلت ذروتها في الحرب العالمية الثانية ، نفست النازية عن احقادها العنصرية ضد اليهود و ضد كل الاقليات الأخرى كالغجر مثلاً ، و تركزت ضد اليهود من خلال ظاهرة الأحياء اليهودية المغلقة بهدف حماية المحور من اليهود!

أكبر احياء اليهود المحاطة بالأسوار و الأسلاك الشائكة كان في بولندا و هو حي اليهود "بفارصوفيا" حيث ازدحم نحو 450,000 من اليهود في مساحة 1.3 ميل مربع. وكانت الأحياء اليهودية الرئيسية الأخرى هي "لودش وكراكو وبياليستوك ولفوف ولبلين وفيلنا وكوفنو وتشينستكوفا ومينسك". ورُحل أيضاً عشرات الآلاف من يهود أوربا الغربية إلى أحياء في الشرق ، امر الألمان اليهود بلبس شارات او علامات مميزة لهم على الذراع و اجبروا على العمل بالسخرة لدى الرايخ الالماني (طريقة احتقار تمارس ضد الأقليات منذ القرون الوسطى) ثم بدأ التدمير المنظم لهذه الأحياء ضمن احداث الهولوكوست و كان لودش آخر حي يهودي تم تدميره من قبل الألمان في آب/اغسطس 1944 ، وتختلف الروايات حول مجازر اليهود و الهولوكوست من حيث حجم المأساة إلا أن ما لا شك فيه ان اليهود تعرضوا لاضطهاد كبير على يد الفاشيات الأوربية قتلاً و تشريداً و تحقيراً و ممارسة مختلف انواع الإضطهاد ضدهم وضد كل الأقليات الأخرى.

في عام 1894 اشتعلت احداث معادية للسامية في فرنسا نفسها ، بعد عامين نشر صحفي نمساوي يهودي هو تيودور هيرتسل ورقة بعنوان " الدولة اليهودية" رأى فيها ان حل المشكلة اليهودية في أوربا هو من خلال انشاء وطن قومي لليهود.

في عام 1897 انعقد مؤتمر بال في سويسرا بتنظيم من هيرتسل و رفاقه ، وتمخض المؤتمر عن انشاء "المنظمة الصهيونية الدولية" و انتخب هيرتسل رئيساً لها ، و وضعت المنظمة نصب عينيها هدف محدد هو : انشاء وطن قومي لليهود و فق الوعد التوراتي للشعب اليهودي.

عام 1901 انشأت الصهيونية الصندوق القومي اليهودي ثم البنك الانجلو – فلسطيني عام 1903 لتمويل الهجرة باعداد صغيرة لفلسطين بعد ان رفضت السلطنة العثمانية بأي سبيل الموافقة على هجرة يهودية منتظمة إلى فلسطين.

كان هيرتسل يحاول بكل جهد ممكن ان يصل إلى هذا الوطن القومي منطلق من انه من حق اليهود ان يكون لهم وطن قومي كسائر الشعوب ، و لم يكن هيرتسل متمسكاً بالمكان عينه و من المفارقات التي تذكر انه امام احباطاته بسبب موقف و رفض الدولة العثمانية و تصديات العرب اقترح هيرتسل عام 1903 ان تكون كينيا هي الوطن القومي لليهود! لكن الاقتراح جوبه بحجة ضاحدة قوية مفادها انه من الصعب اغفال البعد الديني و أن ما يمكن اقناع اليهود بالهجرة إليه هو فلسطين و لا مكان غير فلسطين على أساس الوعد التوراتي بأرض المعاد.

من الطريف ذكره ايضاً ان الحركة الصهيونية صاغة تصورها لدولة الشعب اليهودي بخلط واضح و اشكالية داخلية مدمرة من حيث النشأة ، فاعلنت كما هو الحال بكل الدول الحديثة ان هذه الدولة او هذا الوطن القومي سيكون
1- لليهود
2- علماني

مسلمتان طريفتان متناقضتان ، كيف يكون وطن قومي و الانتماء له على أساس ديني ؟!
كيف يكون وطن الانتماء له على أساس ديني و لكنه علماني؟!

اعتمدت الصهيونية على بريق النموذج الامريكي بالذات و رفعت شعار "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" و صورت وضع الفلسطينيين العرب كالهنود الحمر في امريكا الشمالية .

انحسر الجدل حول اين يكون هذا الوطن القومي مبكراً في اول القرن العشرين (فلسطين - كينيا - اوغندا - استراليا)، لكن بقيت الاحتمالات مفتوحة حتى كان وعد السير بلفور .

كانت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) بمثابة كارثة على اليهود استفادت منها تماماً الحركة الصهيونية ، كان الصهاينة بدؤوا يشعرون باليأس من النجاح في اقامة وطن قومي لليهود فطوال الاعوام منذ مؤتمر بال و حتى قيام الحرب لم تنجز الحركة شيء ذو أهمية على صعيد المشروع ، كتب فازيا برلين بروفيسور النظرية الاجتماعية والسياسية في جامعة اكسفورد كتب في كتاب حاييم وايزمن ما يلي:

اقتباس:
ستبقى السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى فصلاً جافاً في تاريخ الصهيونية. كثيرون يئسوا، وضايقت الحركة الصهيونية من الجانب الواحد سخرية اليهود الأرثوذكس التي كانت الصهيونية بالنسبة إليهم محاولة كافرة لاستباق المسيح ومن الجانب الثاني معاداة اليهود الأحرار المثقفين والناضجين في الغرب الذين رأوا في الصهيونية محاولة خطرة لإشغال اليهود بشوفينية تسعر اصطناعياً ويمكن أن تسؤ علاقاتهم مع زملائهم المواطنين من العقائد (الدينية) الأخرى
(حاييم وايزمن- حياته بأقلام عديدة- حرره ماير ويزجال وجون كارميخائيل- لندن 1962 ص 29).

النجاح الكبير الذي حققه هيرتزل طوال تلك السنوات لم يكن في مستوى الهجرة ولا في مستوى تحقيق الوطن القومي الذي يحلم به بل كان يتلخص في أنه :

اقتباس:
جعل الصهيونية عاملاً سياسياً تقر به دول العالم (الكبرى)
(كتاب ماكس نوردو إلى شعبه- مقدمة بقلم ب. نتنياهو 1941 ص 52)

خطب هيرتسل امام المؤتمر الصهيوني السادس في بال 24 آب/اغسطس 1903 فقال:


اقتباس:
أربع دول هي أعظمها وتسيطر على الكرة الأرضية أعربت عن عطفها إن لم يكن على الشعب اليهودي فعلى الأقل على الحركة الصهيونية، الإمراطورية الألمانية أعربت عن عطفها.. بريطانيا قرنت عطفها بالاستعداد العملي لتساعد الصهيونية.. الحكومة الروسية (القيصرية) أعلنت خططها لمساعدتنا... والولايات المتحدة اتخذت خطوات دبلوماسية توحي بالأمل بأنها ستكون عطوفة حين يحين الوقت

بل ان التناقضات القومية الحقيقية بدأت تظهر في الصراع على صياغة بيانات الحركة الصهيونية فاليهود الألمان كانوا يريدون أن يؤكدوا ولاءهم لألمانيا في بيانات الحركة! و بدا لوايزمن ان اليهود الانجليز لا ينظرون إلى حلم اسرائيل إلا على انه : "التصاق وهمي بقطر خيالي لم يراه احد ولم يعرفه أحد".

مع الحرب العالية الأولى اندمج اليهود حسب قومياتهم بالصراعات القومية للعالم كسائر المواطنين .
الحقيقة كان من اسخف التبريرات لوعد بلفور تلك التي ساقها بلفور نفسه امام مجلس اللوردات في 21 حزيران /يونيو 1922 :

اقتباس:
إن اليهود تعرضوا في أوروبا للطغيان والتعذيب ولذلك كان الوعد تكفيراً عن الجرائم التي ارتكبتها أوروبا بحقهم.
(أورده كريستوفر سايكس في كتابه مفترق الطرق إلى إسرائيل ص 18-19).

إلا اني اميل بقوة لتفسير ابرام ليون الذي وضع تماماً اصبعه على الجرح ، ذلك ان بريطانيا لم يكن اسهل عليها من ان تتراجع عن الوعد او تعتبره مجرد كلمات كتبها لورد بريطاني لمهوس يهودي ، إلا ان المسألة ترتبط بقوة بالطموحات القومية الوحدوية للعرب و التي تشكل خطراً على المصالح البريطانيا الاستعمارية و مستقبل العالم فيما لو قامت هذه الدولة العربية الكبيرة ، كتب يقول :


اقتباس:
كانت بريطانيا ستشطب الوعد بسرعة لو استدعت مصالحها إعادة النظر في سياستها .... أن المناداة بفيصل ملكاً على سوريا عام 1920 (وهذا أعرب عن نهوض كبير في حركة التحرر القومي العربية في سوريا الطبيعية) جعلت وعد بلفور حقيقة
(كتابه تاريخ اليهود ص 369).

إن جذور وعد بلفور عميقة في السياسة البريطانية و واضحة منذ رئيس الوزراء بالمرستون الذي واكب حملة ابراهيم باشا و مشروعه لتأسيس امبراطورية للناطقين بالعربية و ليس أدل على ذلك من دعوة بالمرستون نفسه عام 1939 إلى زرع كيان يهودي استيطاني في فلسطين ليكون حاجزاً بين مصر والمشرق العربي ، في خطاب القاه امام مجلس العموم البريطاني.

انها مقابلة مشروع حركة التحرر القومي العربي بمشروع صهيوني في قلبه ، مشروع يمنع اي عمل في المنطقة موحد و لمصلحتها و بالتالي معارض للمصالح الامبريالية ، كتبت "ايفننغ ستاندرد" البريطانية :


اقتباس:
لقد أوضحت المصالح البريطانية منذ وقت طويل ضرورة قيام دولة حاجزة بين مصر وحكومة تركية معادية، والصهيونية تزودنا بالحل.

بعد صدور الوعد في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917 كتبت جلاسكو هيرالد


اقتباس:
من وجهة النظر البريطانية فالدفاع عن قناة السويس يتم على أفضل وجه بإقامة شعب في فلسطين ملتصق بنا، وإعادة اليهود إلى فلسطين تحت الرعاية البريطانية يضمن ذلك.

يدعم هذا الفكر ما قاله الصهيوني ماكس نوردو في خطاب ألقاه في احتفال جرى في البرت هول عام 1919 لرموز الإمبريالية البريطانية لويد جورج واللورد بلفور قال:


اقتباس:
نعرف أيها السادة ما تتوقعونه منا. تريدون أن نكون حرس قناة السويس. علينا أن نكون حراس طريقكم إلى الهند عبر الشرق الأدنى. نحن على استعداد لأن نقوم بهذه الخدمة العسكرية ولكن من الضروري تمكيننا من أن نصبح قوة حتى نقدر على القيام بهذه المهمة.
(ماكس نوردو إلى شعبه" ص 57).

لهذه الأهداف و لهذه الأسباب كان وعد السير بلفور وعد من لا يملك لمن لا يستحق ، ونصه :


عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:
"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".
وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح.

تصدت بريطانيا بكل قوتها لأي مشروع من شأنه ان يعيق طموحاتها الاستعمارية في المنطقة ، و كانت تنظر للمنطقة العربية بعين القلق و تعرف جيداً ان هذه المنطقة لها وحدة لغة و تراث و دين تصلح عوامل مشتركة في بعث قومي لهذه الأمة يشكل خطراً و تهديداً للمصالح البريطانية و خطراً على طريقها للهند.
لذا لم تتردد في التآمر مع تركيا و فرنسا ضد حملة ابراهيم باشا على المشرق العربي لضمه إلى مصر و محاولة محمد علي بناء امبراطورية للناطقين بالعربية مركزها مصر على انقاض الدولة العثمانية ، ورغم النجاح العسكري الذي تحقق بسقوط عكا و اجبار السلطان على توقيع معاهدة كوتاهية سنة 1838 ، وظفت بريطانيا ضابط تجسسها يونغ ضد مشروع محمد علي و اقنعت فرنسا بالتراجع عن دعم محمد علي باشا ، في تلك الفترة كانت محاولة صهيونية مبكرة للاستيطان في القدس قادها ضابط بريطاني اسمه جولر بدعم الممول اليهودي منتيفيوري لخلق قاعدة استيطانية في القدس و رفض المشروع و صادق محمد علي على هذا الرفض و مع ذلك تم تنفيذه بوجود الادارة المصرية.

ظهر إلى عالم السياسة ما عرف بالمسألة السورية ، مصطلح اريد به توصيف مشكلة تمدد دولة محمد علي إلى بلاد الشام و الاحتمالات الخطيرة التي ممكن ان تنجم عن ذلك ، فوجه الأوروبيون سنة 1840 إنذاراً إلى محمد علي بأن يقبل صفقة تعيده إلى مصر .فرفض الإنذار .لكن تحت وطأة الثورات المحلية التي اندلعت ، و هجوم متكاتف عثماني انجليزي نمساوي احتلت الأساطيل العثمانية والإنكليزية والنمسوية مدنا عديدة على الساحل ، واحتلت وحدة إنكليزية القدس .
فأصبحت مقاومة المصريين دون جدوى ليبدأوا انسحابا تحت وطأة الاضطرابات التي كلفتهم ضحايا كثيرة ، وأسدل الستار على مشروع امبراطوري كبير .

أعمل القتل بعدها و الانتقام و مصادرة الأملاك و النفي ضد حلفاء محمد علي في ساحل فلسطين و بين تصفية محمد علي لحلفاء تركيا و تصفية تركيا لحلفاء محمد علي ضاعت الارستقراطية الفلسطينية ، و هذا حقيقة ما يفسر ان الثورة الفلسطينية ضد الاحتلال الانجليزي فيما بعد لم تجد لها من العائلات الاستقراطية من يحتضنها بل لجأت إلى الزعامة الدينية ممثلة بمفتي القدس الشيخ أمين الحسيني.


حقيقة اتفاقية فيصل - وايزمن


في مراسلات الحسين مكماهون وعدت بريطانيا الشريف حسين بن علي والي مكة انه إذا ساعد بريطانيا في الحرب العالمية فإنها تلتزم بانشاء ممكة عربية هاشمية على المشرق العربي و الاستقلال بعد انتهاء الحرب العالمية ، استفاد الشريف من مشاعر العداء العربية النامية ضد القومية الطورانية خصوصاً في بلاد الشام الأقرب للباب العالي و أعلن الثورة على الحكم التركي في عام 1916 اطلق الرصاصة الأولى و بدأ القتال ضد الجيوش التركية ، تولى ابنه فيصل قيادة الجيوش الشمالية و سمي قائداً على الجيوش العربية المقاتلة في فلسطين إلى جانب الانجليز ، و استطاع فيصل الأول بمساعدة انجليزية ان يصل إلى دمشق بدعم من احرار العرب عام 1918 و اجلت القوات العثمانية عن سوريا ، و بدأ الترويج لقيام الدولة العربية الاسلامية و التي تشمل المشرق العربي و عاصمتها مكة تحت ملك الحسين الأول بن علي .
على هامش زيارة فيصل الأول لبريطانيا التقاه وايزن مرتدياً زياً عربياً دلالة منه على قبوله الانضواء تحت الحكم العربي



وتذكر المراجع الصهيونية أن فيصل وقع مع وايزمن الاتفاقية التالية:
إن صاحب السمو الملكي الأمير فيصل ممثل المملكة العربية الحجازية والقائم بالعمل نيابة عنها والدكتور حاييم وايزمن ممثل المنطقة الصهيونية والقائم بالعمل نيابة عنها يدركان القرابة الجنسية والصلات القديمة القائمة بين العرب والشعب اليهودي ويتحققان أن اضمن الوسائل لبلوغ غاية أهدافهما الوطنية هو في اتخاذ أقصى ما يمكن من التعاون في سبيل تقدم الدولة العربية وفلسطين ولكونهما يرغبان في زيادة توطيد حسن التفاهم الذي يقوم بينهما فقد اتفقا على المواد التالية:

1- يجب أن يسود جميع علاقات والتزامات الدولة العربية وفلسطين أقصى النوايا الحسنة والتفاهم المخلص وللوصول إلى هذه الغاية تؤسس ويحتفظ بوكالات عربية ويهودية معتمدة حسب الأصول في أراضي كل منهما.

2- تحدد بعد إتمام مشاورات مؤتمر السلام مباشرة الحدود النهائية بين الدولة العربية وفلسطين من قبل لجنة يتفق على تعيينها من قبل الطرفين المتعاقدين.

3- عند إنشاء دستور إدارة فلسطين تتخذ جميع الإجراءات التي من شأنها تقديم أوفى الضمانات لتنفيذ وعد الحكومة البريطانية المؤرخ في اليوم الثاني من شهر نوفمبر سنة 1917.

4- يجب أن تتخذ جميع الإجراءات لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين على مدى واسع والحث عليها وبأقصى ما يمكن من السرعة لاستقرار المهاجرين في الأرض عن طريق الإسكان الواسع والزراعة الكثيفة. ولدى اتخاذ مثل هذه الإجراءات يجب أن تحفظ حقوق الفلاحين والمزارعين المستأجرين العرب ويجب أن يساعدوا في سيرهم نحو التقدم الإقتصادي.

5- يجب أن لا يسن نظام أو قانون يمنع أو يتدخل بأي طريقة ما في ممارسة الحرية الدينية ويجب أن يسمح على الدوام أيضا بحرية ممارسة العقيدة الدينية والقيام بالعبادات دون تمييز أو تفصيل ويجب أن لا يطالب قط بشروط دينية لممارسة الحقوق المدنية أو السياسية.

6- إن الأماكن الإسلامية المقدسة يجب أن توضع تحت رقابة المسلمين.

7- تقترح المنظمة الصهيونية أن ترسل إلى فلسطين لجنة من الخبراء لتقوم بدراسة الإمكانيات الإقتصادية في البلاد وأن تقدم تقريراً عن أحسن الوسائل للنهوض بها وستضع المنظمة الصهيونية اللجنة المذكورة تحت تصرف الدولة العربية بقصد دراسة الإمكانيات الإقتصادية في الدولة العربية وأن تقدم تقريراً عن أحسن الوسائل للنهوض بها وستستخدم المنظمة الصهيونية أقصى جهودها لمساعدة الدولة العربية بتزويدها بالوسائل لاستثمار الموارد الطبيعية والإمكانيات الإقتصادية في البلاد.

8- يوافق الفريقان المتعاقدان أن يعملا بالاتفاق والتفاهم التأمين في جميع الأمور التي شمتلتها هذه الاتفاقية لدى مؤتمر الصلح.

9- كل نزاع قد يثار بين الفريقين المتنازعين يجب أن يحال إلى الحكومة البريطانية للتحكيم.

وقع في لندن، انجلترا في اليوم الثالث من شهر يناير سنة 1919.

ترجمة تحفظات فيصل عن الإنكليزية :

تحفظات فيصل عن الانكليزية: يجب على أن أوافق على المواد المذكورة أعلاه، بشرط أن يحصل العرب
على استقلالهم كما طلبت بمذكرتي المؤرخة في الرابع من شهر يناير سنة 1919 المرسلة إلى وزارة خارجية حكومة بريطانيا العظمى.
ولكن إذا وقع أقل تعديل أو تحويل يقصد يما يتعلق بالمطالب الواردة بالمذكرة فيجب أن لا أكون
عندها مقيدا بأي كلمة وردت في هذه الاتفاقية التي يجب اعتبارها ملغاة لا شأن ولا قيمة قانونية
لها ويجب أن لا أكون مسئولا بأية طريقة مهما كانت

الحقيقة ان تحفظ فيصل المذكور و المكتوب بالعربية في ذيل المعاهدة المكتوبة اصلا باللغة الانجليزية و الواضح انها قدمت له بترجمة مضللة من قبل لورانس(هذا ان صحت نسبتها اساساً) كان التحفظ المذكور بالعربية ناسفاً للمعاهدة كلياً ذلك ان التحفظ يشترط حصول العرب على الاستقلال و السيادة كما يرى الدكتور عبد الوهاب الكيالي في الموسوعة السياسية - و إن كنت اميل للاعتقاد بأن هذا النص العربي أضيف لاعطاء انطباع ان الوثيقة حقيقية - و تضيف الموسوعة السياسية أن اول لقاء لوايزمن بفيصل كان بعد لقاء رسول بريطاني بالشريف حسين حيث وافق الشريف على هجرة عدد محدود من اليهود لا يخل بالتركيب السكاني لفلسطين شرط ان لا يؤدي ذلك إلى الإضرار بالمصالح العربية السياسية والاقتصادية واتفاقه مع مكماهون وان الشريف بهذا الاطار يرحب وفق هذه الأسس باليهود في كل البلاد العربية.

جاء وايزمن للمنطقة في محاولة لانتزاع موافقة عربية على وعد بلفور والتقى بهذا الصدد زعماء فلسطينيين منهم سليمان واصف الذي قابله بالقاهرة ، و المفتي كمال الحسيني و القاضي راغب الدجاني في يافا وكانت الحصيلة الفشل الذريع لمساعي وايزمن و لجنته.

قام وايزمن بعدها بزيارة مقر قيادة فيصل العسكرية في العقبة اول لقاء لوايزمن بفيصل في حزيران/يونيو 1918 بحضور ضابط انجليزي مترجم ، استمر اللقاء زهاء ساعة إلا ربع كان موقف فيصل واضحاً من ان هذه الشؤون تعود لوالده لأنه كجندي عربي لا دخل له بالسياسة ، و أنه كعربي يرفض وضع فلسطين تحت الحماية البريطانية كما يرفض فتح ابوابها للهجرة اليهودية .
اللقاء الثاني هو الذي تم على هامش مؤتمر السلام في بريطانيا في 10-12-1918 بتدبير لورانس و محاولته تضليل فيصل ورغم التضليل الاعلامي الذي اعتمد على المعاهدة قبل انكشاف التزوير الحاصل فيها ، يعتبر النص الذي كتبه فيصل عليها بالعربية ناسف لكل ما جاء فيها منت حيث اشتراط حصول العرب على الاستقلال والسيادة لدستور فلسطين ، و بعد وصول فيصل لباريس ادلى بتصريح لصحيفة لوماتان اشار فيه إلى ان العرب سيقاومون بكل قوتهم اي مشروع لاقامة دولة يهودية في فلسطين .

بعدها زور لورانس توقيع فيصل على كتاب موجه إلى فرانكفورتر يلغي فيه فيصل تصريحه في اقل من 24 ساعة ، و قد جرت محاولة صهيونية لاستخدام هذا الكتاب عام 1929 امام لجنة تحقيق بريطانية لكن الاتصالات مع الملك فيصل آن ذاك كشفت ان الكتاب مزور.

الحقيقة ايضاً ان الاتفاقية (فيصل وايزمن ) نفسها محل شك حتى بالنص العربي المكتوب اسفلها و أنا اميل للاعتقاد كلياً بأنها ملفقة تماماً وذلك للأسباب التالية :

الأول : أنه لم يتم ابراز هذه الاتفاقية امام اي لجان تحقيق و تقصي حقائق او جهات دولية رسمية في خضم الصراع القانوني على فلسطين طوال حياة الملك فيصل وحتى وفاته عام 1933 رغم ان الصهاينة استعملوا كل وثيقة ممكنة مثل تلك التي زور فيها لورانس توقيع الملك فيصل لنفي تصريحه الصحفي في باريس و انكشف التزوير مما يعزز ان هذه اتفاقية ملفقة .

الثاني : تصريحات فيصل نفسه و موقفه المعلن و موقف والده المتشدد ازاء وعد بلفور و رفضه التوقيع على معاهدة مع الانجليز بسبب ذلك ، و دفع الشريف حسين الثمن غال عندما تم نفيه إلى قبرص و فرضت عليه الإقامة الجبرية حيث بقي هناك 6 سنوات محتجزاً إلا ان انهارت صحته فتم نقله لعَمان حيث مكث ستة اشهر توفي بعدها و تم دفنه في القدس.

الثالث : المؤتمر السوري العام الذي انعقد عام 1919 رفض رفضاً قاطعاً أي اتفاقية تمس عروبة فلسطين من قريب او بعيد ، كما دلت استفتاءات لجنة كنج كراين على الرفض العربي في المشرق كله للمشروع الصهيوني.

الرابع : ان فيصل نفسه رد على المزاعم الصهيونية في الصحافة بأنه وقع اتفاق مع وايزمن عام 1929 نافياً ذلك تماماً و الحقيقة ان هذه الوثيقة لم تظهر اطلاقاً إلا بعد وفاة الملك فيصل.

من الطريف ان نعرف مدى التآمر الذي حاق بالقضية العربية ، عندما منعت باخرة الملك فيصل من الرسو في فرنسا لحضور مؤتمر السلام مدة اربعين يوماً بقي فيها يدور في البحر دون منحه تأشيرة دخول ، وذلك لمنع حضور مندوب عن العرب في المؤتمر يمثل مصالحهم ، طبعاً تخلى الانجليز عن فيصل في سوريا لتسقط مملكته بعد معركة ميسلون مع الجيش الفرنسي ، قبل ان يعيد ارضاءه الانجليز و يقبلوا بالمناداة به ملكاً على العراق.


الهجرة اليهودية قبل وعد بلفور


من المقدر ان عدد اليهود عام 1837 في فلسطين كان 1500 يهودي اغلبهم في حارة اليهود في القدس من الحجاج الذي استقروا عبر السنوات فيها ، و قد ذكرنا محاولة مونتفيوري لاقامة اول مستوطنة يهودية في فلسطين و كان ذلك زمن سيطرة محمد علي عليها ، رغم رفض محمد علي للمشروع إلا انه قام بل و حصل لاحقاً على ضمانات الحماية من الدولة العثمانية ليرتفع عدد اليهود في 3 سنوات إلى عشرة آلاف يهودي ، عام 1840 وصولاً إلى 22 ألف يهودي فقط عام 1881.
أول محاولة استيطانية لهم سنة 1859، عندما أقيم أول حي يهودي خارج سور القدس، وسمي آنذاك باسم "يمين موشي" نسبة إلى مونتفيوري الذي حصل على فرمان عثماني سنة 1855 بشراء الأرض وإقامة مستشفى عليها، وحولها سنة 1859 إلى مساكن شعبية لليهود، أصبحت نواة الحي اليهودي في القدس خارج سور البلدة القديمة.
اصدرت الحكومة العثمانية فرمان عام 1882 للحد من الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، لكنها لم تستطع تحت الضغوط الاستعمارية للدول الكبرى تنفيذه ، فبدأ انشاء المستعمرات الخيرية و الزراعية والعلمية والدينية اليهودية في فلسطين ، مع نهاية 1893 استملك اليهود 350 ألف دونم في فلسطين و هجروا زهاء 25 ألف يهودي إليها تعرف هذه بالمراجع الصهيونية بالهجرة الأولى.
اما الهجرة الثانية فهي التي سبقت وعد بلفور في الفترة (1904ـ1918)
و هذه تولتها المنظمة الصهيونية التي نجمت عن مؤتمر بال 1897 ، فيها تم تهجير نحو 40 ألف يهودي معظمهم من روسيا و رومانيا بينهم 1500 يهودي يمني وزعوا على المستعمرات داخل فلسطين .(1)

تراجع عدد اليهود في فلسطين في بداية الحرب العالمية الأولى بسبب غياب نظام الامتيازات الذي كانوا يستفيدون منه حيث قدر عدد اليهود في فلسطين عام 1918 بنحو 55 ألف فقط يملكون 418 ألف دونم و لهم 44 مستعمرة زراعية.

مع ذلك فإن الوجود اليهودي في فلسطين ما كان يذكر نسبياً لعدد السكان العرب الاجمالي ، بل وحتى عام 1930 كان الوجود اليهودي الاجمالي في فلسطين 150 ألفاً مقابل 760 ألف عربي .
الحقيقة من الملفت حصول هجرة عربية لفلسطين بدوافع اقتصادية في الفترة اللاحقة إذ ازداد عدد العرب حتى سنة 1945 إلى مليون و 137 ألفاً بينما زاد عدد اليهود إلى 608 آلاف نسمة بحلول عام 1945 وبعد ان كان اليهود اقل من 5% مطلع القرن العشرين صاروا يشكلون ثلث السكان عام 1945.

وسنتكلم لاحقاً بشكل أفضل عن الهجرة و التكوين السكاني في فترة الانتداب و ما بعد الانتداب حتى قيام دولة اسرائيل.



                                       يتبع


• يأخذ علي الكثير من الزملاء أن كتاباتي تتسم بالطول ، و أنا بدوري أحاول ما استطعت التكثيف و الاختصار إلا أن الوصول لرؤية دقيقة تحتاج لجهد بحثي مضني و لا يمكن بحال ان نتجاوز إلى نتيجة دون ان نرسم ملامح الصورة بشكل دقيق خصوصاً و نحن بصدد القضية المركزية للشعوب العربية

(1) مصدر أرقام الهجرات و تفاصيلها : الموسوعة الفلسطينية، القسم العام، المجلد الثاني، دمشق، هيئة الموسوعة الفلسطينية، 1984.


 

 

 

اجمالي القراءات 14242