مآلات التحرر الوطني الفلسطيني
فلسطين بين الدولة و الثورة (1)

عمر أبو رصاع في السبت ٣٠ - يونيو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 

توطئة

تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على تاريخ القضية الفلسطينية كمدخل لدراسة حركة التحرر الوطني الفلسطيني و نضال الشعب الفلسطيني من أجل نيل حقوقه و حريته ، إنها اطار عام يؤسس لفهم الصراع ، و محاولة استشراف آفاقه المستقبلية و أنجع السبل للتعامل مع مستقبل الصراع.

 

هناك ظاهرة خطيرة واكبت الثورة الفلسطينية المعاصرة و تنظيماتها في العقدين الأخيرين بالتحديد و هي ما اسميته من زمن بالاستنزاف. الاستنزاف ظاهرة ضربت كل الفصائل الفلسطينية و بشكل خاص جداً حركة فتح ، و الاستنزاف يؤدي لنتائج فعالة و ليس عبثاً ولا تجدي معه الشعارات إن مات البطل فكلكم البطل.

استخدمت اسرائيل هذه الاستراتيجية الخطيرة و وظفت فيها كل العناصر الممكنة من الاغتيال و حتى الافساد و خلق الجماعات و الانشقاقات و الأخطر العملاء .

لا اريد ان ادخل منحنى التفصيل لهذه الحرب الشرسة و المؤثرة فهي عميقة و شديدة التعقيد وسنعرج على الكثير من تفصيلاته هنا لما لها من اهمية في اعادة تشكيل التنظيمات الفلسطينية و صياغتها تحت ضغط وإلحاح و تناقضات الأمر الواقع ، فهناك سؤال ملح دائماً و مطروح كيف يمكن ان نفسر هذا التناقض داخل جسم تنظيمي كحركة فتح ؟ كثيرين لا يعرفون أن عراب الاتفاقيات الفلسطينية للسلام الرئيس محمود عباس كتب كتاباً كاملاً في السبعينيات يعتبر فيه ان الدخول في أي تسوية مع العدو الصهيوني هو بمثابة خيانة!


من المهم ان اشير في هذا المقام لنقاط تحول تاريخي في منتهى الاهمية

ثلاث لحظات تحول زمنية محورية في تاريخ النضال المعاصر للشعب الفلسطيني


الأولى : انطلاق العمل الفدائي و تداعياته من الأردن و مأساة أيلول الاسود المؤلمة مروراً بانقلاب الاسد على النهج الثوري المزامن لاحداث ايلول ثم لبنان وما جرى في لبنلان انتهاء بطرد و تصفية العمل الفدائي عام 82 في دول الطوق


الثانية: اعظم و اروع ملحمة نضالية من الابداع الشعبي الخالص اسطورة ملحمية هي انتفاضة الحجر واحدة من انصع و اجدى صفحات النضال الفلسطيني .

انتفاضة الحجر كانت انتصار حقيقي استثنائي على همجية العدو الصهيوني و انموذج للنضال الوطني التحرري.


الثالثة : اتفاقية أوسلو و ما رشح عنها من سلطة و طنية فلسطينية .


و يمكن ان يضاف لها جزئياً اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي إسحاق رابين او بعموم نظري نجاح التطرف اليميني بتحويل مسار الأحداث والعلاقات و مسيرة التسوية.


منذ السبعينات بدأت اسرائيل حرب استنزاف للفصائل الفلسطينية وصلت الاغتيالات فيها مدى متقدم في الثمانينات بأغتيال الشهيد المناضل أبو جهاد مخطط رئيسي لعمليات حركة فتح العسكرية و رجل الانتفاضة المركزي في الحركة و الرجل الثاني آن ذاك في حركة فتح (اغتيل في عملية كوماندوز في تونس عام 88) و من قبله مهندس العمليات العسكرية في الجبهة الشعبية و الرجل الثاني فيها الشهيد المناضل وديع حداد (اغتيل في المانيا الشرقية عام 78) جيل كامل من القيادات الفذة حتى الفنانين و الكتاب لم يسلموا كالشهيد غسان كنفاني و الشهيد ناجي العلي ، لقد ركزت اسرائيل منذ بداية حربها اللوجستية على المنظمة على اغتيال العناصر الأكثر تشدداً من ناحية و الأكثر فعالية في المجال العسكري و التنظيمي من ناحية أخرى و على تجنيد العملاء و تشجيع البلبلة و الانقسامات و اضعاف سلطة الرئيس عرفات و احياناً اخرى دعمها حسبما تتطلب المصلحة في كل مرحلة!


و لأن حركة حماس انطلقت في بدايتها تحت شعارات الخدمة الاجتماعية و العامة فقد تركتها اسرائيل و لم تقترب منها نهائياً كانت ترى فيها فرصة لإضعاف توحد الشعب الفلسطيني خلف منظمة تحريره العلمانية و فرصة لتحويل الشعب بعيداً عن النضال ، من الطريف أن نذكر أن الشهيد المؤسس للحركة حماس فيما بعد الشيخ ياسين قال للضباط الاسرائيلين في تحقيق معه في الستينيات حيث كانت لا تزال مجموعة غزة - الشيخ ياسين تابعة تنظيمياً بشكل مباشر للمرشد في مصر ان الاسلحة التي ضبطوها لديه في غزة هي لمواجهة نظام ناصر باعتباره عدو لتنظيم الاخوان الذي هو منه !


و من الطريف ايضاً ان التنظيمات اليسارية بالذات كانت تعتبر حركة حماس تيار انهزامي داخل فلسطين يدعو للانكفاء للدين و البعد عن منهج المقاومة ولا يقدم اي خدمة للمسيرة النضالية .

ركزت الانتفاضة الفلسطينية التي تبنتها بقوة فصائل منظمة التحرير العلمانية خط الثورة الشعبية و بكثير من الحنكة و الفعالية و اللامركزية اديرت لجان المقاومة الشعبية الفلسطينية التي رعتها الفصائل و نجحت في إلغاء الشكل الاداري الكمبرادوري الاسرائيلي الذي كان مفروضاً في مدن وقرى الضفة الغربية.

واجهت اسرائيل مأزق سياسي و عسكري خطير تمثل بالتكوينات التالية:


1- ظهرت اسرائيل كدولة محتلة امام العالم تقمع الثورة الشعبية و النضال الوطني التحرير و تقتل الأطفال و النساء والشيوخ والمدنين العزل و تمارس التميز العنصري ضد ابناء الشعب الفلسطيني الأعزل.

2- تكلفة عالية جداً لاستمرار الاحتلال في الضفة بشكل خاص و وضع اسرائيل كلها في وضع عسكرة و قلق دائم حوالي 200 ألف جندي وتنامي رفض الخدمة في غزة والضفة.


انتج هذا ضغط دولي متنامي على القيادة الاسرائيلية لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة 242 الصادر عام 67 ( ينص صراحة في المادة أ من البند الأول على : انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلت في الصراع الأخير) و 338 الصادر عام 73 (الذي ينص البند الثاني منه على : دعوة الأطراف المعنية أن تبدأ على الفور بعد وقف اطلاق النار تطبيق قرار مجلس الأمن 242(1967) بجميع بنوده) .


الأهم انتج هذا تيار موازي قوي داخل اسرائيل مثلته حركة ميريتس (السلام الآن) و اجنحة داخل حزب العمل الاسرائيلي تضغط من أجل الوصول إلى تسوية على أساس الانسحاب من أراضي الضفة وغزة و الاعتراف بدولة فلسطينية حتى ان هذه الرؤية اصبحت متواجدة داخل الليكود نفسه .

بل أن شمعون بيريز القيادي و الدبلوماسي الاسرائيلي البارز وضع تصوره لمستقبل اسرائيل في اطار ما اسماه شرق اوسط جديد ، يعمه السلام بين اسرائيل و جيرانها و يتيح لاسرائيل أن تستغل تفوقها الاقتصادي و المعرفي لتكون مركزاً لهذا الشرق الاوسط (لمزيد من التفصيل حول مشروع رؤية بيريز ومشروع رؤية نتنياهو راجع دراستنا بعنوان "نحن و إسرائيل").

في الناحية الثانية ابلت منظمة التحرير بلاء ممتاز على صعيد الانتفاضة و اجبرت القيادات الاسرائيلية المتعاقبة بما في ذلك شامير الذي خسر مركزه كرئيس وزراء لحساب دعاة التسوية على اللهث من أجل حل ينهي انتفاضة أهلنا في الضفة وغزة التي جعلت اسرائيل امام العالم و بدون نقاش كيان عنصري قمعي لا يسهل تميزه عن جنوب افريقيا ونظام "الابرتايز" .


إلا أن الانتفاضة سرعان ما دخلت نفق الهدوء الحذر ترقباً لأحداث كانت تجري شرقاً تحديداً في الكويت و وضع عرفات البيض كله في سلة صدام ليتحطم على رأس الشعب الفلسطيني و ليخسر الفلسطينيون أهم داعم لوجستي لصمودهم الأموال الخليجية العربية (للأسف تسرع عرفات وانقلب على منهجه نفسه فدخول المحاور ترف لا يستطيعه أي سياسي فلسطيني لازال الخطأ يكرر الآن بشكل ابشع داخل فلسطين من قبل الفصائل)، لقد صارت المنظمة التي كانت في الصدارة بعد أزمة الكويت معزولة سياسياً و منبوذة من قبل النظام العربي الرسمي فيما الولايات المتحدة و اسرائيل تعزلانها على المستوى الدولي أيضاً ، اعتبر هذا لحظة تاريخية استثنائية من قبل اسرائيل لفرض التسوية على العرب و على الفلسطينيين خاصة.



رؤية حركة فتح لمرحلة الدولة



التيار الواقعي (إن جاز التعبير) داخل المنظمة و الذي كان ممثله الأبرز الرئيس محود عباس ، كان يعتبر أن المنظمة و قضية الشعب الفلسطيني تمر بمنعطف خطير ، القيادة موجودة و محصورة في تونس ، الخليج تخلى تماماً عن الدعم و دخلت المنظمة مرحلة الافلاس العراق سقط ، الولايات المتحدة تعتبر أن منظمة التحرير و كل فصائلها منظمات ارهابية ، الاتحاد السوفيتي انهار ، دول عربية برمتها ليست مستعدة و لا متحمسة لدعم المنظمة و بدأت تتحمس علناً لقبول منطق التسوية وتحجم عن لقاء عرفات أو قيادات المنظمة ، و لا تفلح تدخلات عباس لدى الاشقاء في الخليج في استعطافهم لتغيير الموقف من المنظمة ، حالة الانتفاضة في الضفة بشكل خاص تفرز نوع من التفريغ الديموغرافي للشعب الفلسطيني وضع سيء يدفع للهجرة و بشكل خاص الوجود المسيحي في الضفة في انكماش مستمر ومخطط تفريغ واضح و فعال تجمعات مسيحية بالكامل تصبح خاوية او شبه مهجورة .


دخول حماس على الخط و البدء بعسكرة الانتفاضة و ضعف المنظمة وعجزها عن تأمين الدعم اللوجستي للصمود الفلسطيني في الداخل ، بدأ يضعف اداء الانتفاضة و يجعله ينحرف عن المسار الأصلي له كثورة شعبية من أجل التحرر الوطني ادخلت حماس مفاهيم جديدة للصراع :


1- الصراع اسلامي يهودي على الملكية التاريخية لأرض فلسطين و ليس معركة تحرر وطني لشعب تحت الاحتلال.

2- منطق عسكرة الانتفاضة والعمليات التي تقوم على تفجير الاجساد في حافلات و مطاعم صهيونية.


أضر هذا كثيراً بنوعية و فعالية الثورة اضافة للوضع المتردي أساساً و منح اسرائيل قدرة أكبر على القمع و صورة أفضل بكثير امام العالم .


يضاف لمجمل هذه الظروف قناعة بدأت تتكرس لدى الخط العملي (ان جاز لنا التعبير) في المنظمة و فتح ترتكز على نقطتين

1- الوجود الفلسطيني و السياسي خصوصاً في الدول العربية لم يعد محل ترحيب و محاصر بشدة و في ظل ظروف دولية لا تساعد اطلاقاً على اي عمل من الخارج له فعالية في عالم القطب الواحد الذي تزداد يمينيته وتأيده للصهيونية و المنظمة معزولة عن الداخل و يزداد عزلها أكثر فأكثر وتفقد قدراتها التمويلية و السياسية.

2- أنه في كل مرحلة سياسية اسرائيل مستمرة في استيطان الضفة الغربية و أن ما يمكن انقاذه لاقامة الدولة عليه في تناقص مستمر.


بشكل عام صيغة الصراع بحاجة للتعديل استجابة لكل الظروف آنفة الذكر ، الصراع العربي الاسرائيلي لا يمكن بحال ان يأخذ في ظل هذه الظروف شكلاً عسكرياً على الاطلاق وأن المطلوب في المرحلة الراهنة التحول إلى صيغ الصراع السلمي إنه مشروع الدولة الفلسطينية على تراب غزة و الضفة الغربية.


اقتنع عرفات بأن الوقت مناسب لهذا وأن استمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدي للأسوء فالأسوء فكانت أوسلو .


الرؤية المركزية في فتح كانت انتقال المنظمة لداخل فلسطين تعبير عن انتصار حقيقي انجزته الانتفاضة والتحامها المباشر بالشعب في الضفة وغزة ، إن عودة المنظمة إلى فلسطين كانت بحد ذاتها انجاز في هذا الإطار يضمن و إلى الأبد تكريس شرعية الشعب الفلسطيني على أرضه حيث لا يستطيع احد ان ينازعه حقه في المقاومة و العيش وحكم نفسه بنفسه.


رغم معارضة حماس واغلب الفصائل للاتفاق إلا ان الرئيس عرفات استطاع ان يؤمن الدعم الشعبي الفلسطيني القوي للاتفاق ، وكان حضور فصائل المنظمة على الأرض و تسلمها لغزة و أريحا ثم بقية المدن و اقامتها لاجهزة الدولة بمثابة شيء لا يصدق لاغلب ابناء الشعب الفلسطيني.


بدا ان رابين مصر على السلام و على منح الدولة و انهاء الصراع وكان الاتفاق الذي رسمه بيريز و نائبه يوسي بيلين مع محمود عباس (أبو مازن) و أحمد قريع (أبو العلاء) و لعب فيه النرويجيين هولست ولارسن دوراً محورياً عام 93 يسير سيراً حسناً .


نص الاتفاق باختصار على ان تنسحب اسرائيل من الضفة الغربية على مراحل و يتم تأسيس سلطة وطنية فلسطينية ينتخب مسؤولوها في فترة انتقالية مدتها 5 سنوات يتم خلالها التفاوض على مسائل اكثر تعقيداً كالقدس واللاجئين وتم الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية و دولة اسرائيل.


دخلت فتح بقوة وراء مشروع التحول إلى دولة و كانت ترى ان هذا ممكن ، الحقيقة على الأرض ليس فقط الاحباط الاسرائيلي بل طبيعة فتح نفسها تجعل المهمة صعبة ، فريق عباس الذي كان يصر على الدولة المدنية الديموقراطية المؤسسية كان يواجه صعوبة بالغة في تحيد او اعادة تأهيل الثوار القدماء القادمين مع فتح بشكل خاص من الخارج ، ليس أمراً سهلاً على الإطلاق أن تحول مقاتل ثوري يجوب البلدان من الأردن إلى لبنان إلى تونس او العراق أو اليمن الجنوبي تحوله لضابط او مسؤول أمني نظامي يصير دوره فرض الأمن بعد أن كان زعزعته! الأخطر الخيوط المباشرة التي انشأتها اسرائيل مع قيادات في اجهزة الامن الفلسطينية و سنتحدث عن هذا بشيء من التفصيل فيما بعد.


كانت اسرائيل مهتمة جداً ان تتخلص من عبء 180 ألف جندي تنشرهم لحفظ الامن و المستوطنات ، بالنسبة لإسرائيل كان المطلوب سلطة تدير الشؤون الفلسطينية و تحمي أمن اسرائيل نيابة عنها ، كارتر رأى في كتابه "فلسطين سلام لا فصل عنصري" أن رابين في اوسلو تجنب القيود الصارمة التي قبلها بيغن في كامب ديفيد وكان يتباها أمام الجمهور الاسرائيلي أنه لم يقدم للفلسطينيين عبر الولايات المتحدة أي التزامات حادة كالتي قدمها مناحم بيغن في كامب ديفيد وانه استعمل صيغة إعادة الانتشار بدلاً من سحب القوات.


سرعان ما وقع رابين مع الأردن اتفاقية وادي عربة برعاية الرئيس بيل كلينتون واعلن انه مستعد للتوقيع مع سوريا ايضاً و اعلن اعتذاره عن سياسته القمعية ضد الانتفاضة الفلسطينية ، عام 1995 اغتيل رابين على يد متطرف يهودي في مهرجان للسلام.


كتب كلينتون في مذكراته "حياتي" : "جاء شيمعون بيريز لزيارتي في المرة الأولى كرئيس وزراء كي يعيد تأكيد نية اسرائيل بإعادة غزة وأريحا و مدن أخرى رئيسية و 450 قرية في الضفة الغربية للفلسطينيين في عيد الميلاد و أن تطلق سراح 1000 سجين فلسطيني قبل الانتخابات الإسرائيلية القادمة"


عرفت الأراضي الفلسطينية ازدهاراً ممتازاً في تلك المرحلة منذ بداية أوسلو ، مشاريع انجاز البنية التحتية كانت تسير على قدم وساق مساعدات من كل حدب وصوب حرية تنقل و عمل للفلسطينيين داخل اسرائيل شعر المواطن الفلسطيني بالازدهار المعيشي (داخل هذا الازدهار نما فساد سلطوي بشكل خطير سنتحدث عنه لاحقاً) و بدأ الاسرائيلين انفسهم يتنقلون داخل الضفة لشراء بعض حوائجهم من الاسواق الفلسطينية الأرخص دون الخوف من التعرض لأي أذى!


بدا ان الشعب الفلسطيني مستعد جداً للسلام و عندما زار كلينتون السلطة رفعت شوارع فلسطين لأول مرة الأعلام الأمريكية ورحبت بالضيف.


في الناحية الأخرى أيضاً كان انصار السلام في تزايد مستمر بدا ان رؤية بيريز صارت مشروع الدولة العبرية الجديد (الشرق الأوسط الجديد و السلام مع كل العرب و تحول اسرائيل لمركز الشرق الأوسط).



انهيار معسكر السلام



كانت المعارضة القوية لما يحصل تأتي بشكل اساسي من التنظيمات الأصولية الدينية على الجانبين ، و كان حزب الله يشكل ازعاج هائل لدولة اسرائيل بعض الاشارات كانت ترد للتذكير بأن منظمة حزب الله أداة تحركها سوريا للتذكير بوجودها و أهميتها وانه لا سلام بدونها ، من الظلم حقيقة ان نختصر حزب الله بوصفه أداة إلا انه ايضاً لا نستطيع ان نغفل الخدمة الجليلة التي قدمها للنظام السوري والإيراني و خصوصاً ان عملياته في تلك الفترة كانت تسير عكس الخط السياسي السلمي بين الفلسطينيين و اسرائيل ، كذلك عمليات التفجير التي نشطت بشكل كبير جداً بانتعاش السلام خصوصاً في اواسط التسعينيات بقيادة حماس.


انتصر عرفات و حركة فتح انتصار كاسح في انتخابات 96 ، اندفع بيريز لعمل عسكري أرعن ليثبت انه لا يقل حزماً عن سابقيه ورد على عملية لحزب الله بهجوم بقنابل عنقودية أدت لمجزرة قانا التي افقدت بيريز تعاطف وتأيد معسكر السلام داخل اسرائيل و افرزت استهجان دولي عام ، ثم جاءت عمليتي تفجير حافلة في القدس في آذار 96 بعد اسبوعين من الانتخابات الفلسطينية قامت بهما حماس في توقيت استراتيجي قاتل في عز الانتخابات الإسرائيلي لتقضي على آمال بيريز بالفوز و يخسر الانتخابات أمام غريمه الليكودي المتشدد بنيامين نتنياهو ، الذي سمحت له العمليات التفجيرية ان يجعل من الأمن عماد لبرنامجه السياسي .


وصل رافضي التسوية للهدف المنشود فاصيب مشروع الدولة بالشلل ، بسقوط بيريز جاء نتنياهو الذي كان لا يؤمن مطلقاً بالانفتاح على العرب ، في كتابه اسرائيل مكان تحت الشمس ، يعلن بوضوح ان اسرائيل لا يجب اطلاقاً ان تنفتح على العرب وانها تستمد استمراريتها و وجودها من كونها قلعة غربية متقدمة في الشرق و واحة للديموقراطية في قلب صحراء عربية قاحلة مليئة بالقذارة.


مبدئياً رفض نتنياهو الأرض مقابل السلام ، واختار شارون وزيراً لدفاعه ، مؤشر سلبي للغاية كان شارون يعلن ان اتفاق اوسلو هو كارثة قومية بالنسبة لشعب اسرائيل وأن دولة فلسطين هي هناك في الأردن وليس على أراضي الضفة اشارة لحلمه بتنفيذ مشروع تهجير للفلسطينيين إلى شرق الأردن (مشروع الترانسفير) كان شارون معروفاً دوماً بفكرته عن دولة فلسطينية شرق الأردن و لو بقيادة عرفات على حساب النظام الأردني الملكي ، اضافة لاعتباره ان تسريع الاستيطان هو الهدف المركزي للاستيلاء على اكبر رقعة ممكنة من الارض قبل ان يفرض على اسرائيل تسليم المتبقي منها !


(يتبع)

 

اجمالي القراءات 12232