موقف القرءان الكريم من كفارة الإفطار عمدا في نهار رمضان.

يوسف ترناصت في الجمعة ٢٢ - مايو - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

   بعد بحث مستفيض في ءايات القرءان الكريم طولا وعرضا، لم أجد فيه ما يسمى بكفارة الإفطار عمدا في نهار رمضان، إنها لا شك وللأسف عقوبة أدخلت علينا من باب ((قال رسول الله)) الباب الواسع الذي لا حصر ولا نهاية له، وافتراءا على الله ورسوله الكذب اما جهلا أو تجاهلا، وبأن الله نزّل دينا غير مكتمل، وإلغاءا ونسخا للآية الكريمة التي تقول : {..اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُم نِعْمَتِي وَرَضَيْتُ لَكُم الإِسْلاَمَ دِينًا(المائدة 3)}.

أولا - معنى الكفارة في القرءان الكريم : 

  الكفارة، هي من مصدر كلمة كفر أي تغطية الشيء، وستره، وفي ذلك نقرأ قوله تعالى : {..فَمَن يَعْمَل مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُو مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَه كَاتِبُونَ(الأنبياء 94)}، أي "فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ"، بمعنى لا ضياع أو حجبا لعمله الصالح، الذي سيجزى عنه المؤمن والذي يدون في كتاب أعماله.

  وبالتالي فالكفارة هي ما يكفر به الإثم، أي ما يغطى به الإثم ويستره، كالصوم والصدقة وفك الرقاب ونحوهما.

       - الآثــام التي تستحق الكفارة :

  لقد ذكر الله سبحانه في محكم كتابه العزيز، الآثام التي تستحق الكفارة وهـي :

1 - التصـدق فـي القصـاص : تقول الآية الكريمة وهي تخاطب أهل التوراة : {..وَكَتَبْنَا عَلَيْهِم فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُروحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُو كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ الله فَأُولَئِكَ هُم الظَّالِمُونَ(المائدة 45)}.

2 - نقـض اليميـن (أو ما يسمى بالحنت في اليمين) وكفارته إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم أو تحرير رقبة، أو صيام ثلاثة أيام : لقول المولى عز وجل : {..لاَ يُؤَاخِذُكُم الله بِالَّلغْوَ فِي أَيْمَانِكُم وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدْتُم الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ مِن أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُم أَو كِسْوَتُهُم أَو تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَم يَجِد فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُم إِذَا حَلَفْتُم وَاحْفِظُوا أَيْمَانَكُم كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُم ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُم تَشْكُرُونَ(المائدة 89)}.

3 - فِدْيَـةُ قتـل المؤمـن خطـءًا : (المؤمن هنا في سياق الآيات القرءانية من 90 الى 92 من سورة النساء هو المـدني الغير محارب وغير عدو)، وقد فصّل سبحانه في هذه الفدية على اختلاف ثلاث وضعيات :

  أ - الوضعية الأولى : في الحالة السلم، والفِدْيَةَ تكون بتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهل المقتول، وبما أن الرق لم يعد موجودا في عصرنا الحاضر، تبقى الدية هي فدية القتل الخطأ وهي التي يجري بها العمل في القوانين الوضعية المعاصرة (وهو ما يسمى بالتعويضات المدنية).

  ب - الوضعية الثانية : في الحالة الحرب والعداوة، لكن المقتول مدنيا إلا أنه من القوم المحارب (مؤمنا هنا من الأمن)، فالفِدْيَةَ هنا تحرير رقبة مؤمنة فقط.

  ج - الوضعية الثالثة : في حالة الهدنة (حسب لفظ القرءان ميثاق)، فالفِدْيَةَ هنا دية مسلمة إلى أهل المقتول وتحرير رقبة مؤمنة وهي في حالة عدم استطاعة أو تعذر تكون الفدية صيام شهرين متتابعين.

  ونقرأ الأية كاملة، في قوله عز وجل : {..وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَءًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَءًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَّةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يُصَدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوُّ لَكُم وَهُو مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُم وَبَيْنَهُم مِيثَاقٌ فَدِيَةَّ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَن لَمْ يَجِد فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ الله وَكان الله عَلِيمًا حَكِيمًا(النساء 91)}.

4 - مظاهرة الزوجة (اي النفور منها في الجماع قولا وفعلا) : لقوله سبحانه : {..وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِسَائِهِم ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِن قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُم تُوعَظُونَ بِهِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَن لَم يَجِد فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنَ لَم يَسْتَطِع فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُود الله وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ(المجادلة 3 و4)}.

5 - فدية حلق الرأس أثناء مناسك الحج، لمن يكون مريضا أو به أذى من رأسه : لقوله سبحانه : {..وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُم حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيَ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنْكُم مَرِيضًا أَو بِهِ أَذًى مِن رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِن صِيَّامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَو نُسُكٍ(البقرة 196)}.

6 - كفـارة الصيـد البـري أثنـاء الحـج : لقوله سبحانه : {..يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُم حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنْكُم مُتَعَمِّدَّا فَجَزَاءُ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ النِّعَمِ يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُم هَدْيَّا بَالِغَ الكَعْبَةِ أَو كَفَّرَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَّامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا الله عَمَّا سَلَفَ وَمَن عَادَ فَيَنْتَقُم الله مِنْهُ وَالله عَزِيزٌ ذُو اِنْتِقَامٍ(المائدة 95)}.

 ثانيــا : كفارة الإفطار في رمضان.

  بالنسبة للإفطار في نهار رمضان، فقد تطرق الذكر الحكيم لوضعيتين لا ثالث لها وهما : 

  - الوضعية الأولى : المريـض والمسافر*، وكفارته صيام الأيام التي كان فيها مريضا أو مسافرا في أيام رمضان، وعليه قضائها في طيلة أيام السنة، إن شاء أن يصومها مجموعة أو متفرقة مادام القرءان الكريم لم يتطرق لذلك، ولأن دين الله دين يسر (وليس دين الشيخ العسير عفوا).

  يقول تعالى : {..أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنْكُم مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن ءَايَّامٍ أُخَرَ....شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْءَانَ هُدًى لِلنَّاسَ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانَ فَمَن شَهِدَ مِنْكُم الّشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّة مِن ءَايَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ الله بِكُمَ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُم العُسْرَ وَلِتُكَمِّلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا الله عَلَى مَا هَدَاكُم وَلَعَلَّكُم تَشْكرون(البقرة 184 و185)}.

 * والسفر المقصود به هو السفر الشاق الذي يضطر معه المسافر الى الإفطار، لكن في وقتنا الحالي لم يعد مسلما بهذا العذر بفضل توفر وسائل المواصلات السريعة.

  - الوضعية الثانية : الذي يُتْعِبُه الصوم، بحيث يجده شاقا عليه، ويستنفذ كل طاقته، لظروف الطقس أو العمل...الخ، فإنه في هذه الحالة يفطر في ذلك اليوم، ويكفر عنه بإطعام مسكين واحد، وإن كان بإستطاعته أن يتطوع في الصوم فهو خير له، يقول سبحانه : {..وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُـونَهُ فِدْيَـة طَعَـامِ مِسْكِيـنٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرً لَهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرًا لَكُم إِن كُنْتُم تَعْلَمُونَ (البقرة 184)}.

  أما الذي يفطر عمدا مع قدرته على الصوم ولا يكون في أحد المبررات القرءانية ولا أقول الشرعية، فليس عليه كفارة، لأن القرءان الكريم الذي فصله سبحانه على علمه لا يوجد فيه ذلك، وعليه التوبة والإستغفار، شأنه في ذلك شأن الذي لا يقيم الصلاة ولا يصدق ولا يقيم العدل والقسط بين الناس..الخ، فهو تارك لفريضة.

  الذي يصدق بالقرءان أنه كلام الله وأن الله فصّل كتابه على علمه المطلق الآزلي، فهو الذي يصدق فعلا بكل آية من ءايات القرءان انها كلمة الله فعلا لا نقاش فيها، ولك عزيزي القارئ أن تقرأ قوله تعالى : {..وَلَقَد جِءْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدَّى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، هَل يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلَه يَقُول الَّذِينَ نَسَوْهُ مِن قَبْلُ لَقَد جَاءَت رُسُل رَبِّنَا بِالحَقِّ..(الأعراف 52 و53)}، وقوله : {..وَكَل شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً (الإسراء 12)}، وقوله : {..وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدَّى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ(النحل 89)}، أما الذين يتمسكون بأشياء ومصادر أخرى بجانب القرءان هم الذين يقولون، هذه الآيات تحتاج بدورها لمن يفسرها...؟؟؟؟؟؟(إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ).

  ربنا لا تؤاخذنا إن أخطأنا أو نسينا.

  ذ. يوسف ترناصت.

  باحث في الثراث الإسلامي.

 

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 4011