وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ
حرب عالمية ؟ كأنها هي ..

يحي فوزي نشاشبي في الإثنين ١٦ - مارس - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

بسم الله  الرحمن الرحيم.

*****

حربٌ عالمية ؟... كأنها هــي !

=============

       لعلنا نكون مصيبين، عندما نقول: لم يسبق للإنسانية أن رغم أنفَـها وأنفـَــتها مخلوق لا يكاد يُنتبه إليه لولا قوة وجهود آلة المجهر الضخمة التي تبذل طاقة تقاس بعشرات، بل بآلاف المرات لترينا في الأخير شكل وحجم ذلك الكائن الغريب الذي نلطق عليه اسم  " الفيروس" !

       ذلك "الفيروس التاجي" (coronavirus)الذي قضّـى مضجع البشرية جمعاء منذ أشهر ثلاث، ذلك الذي تحوّل إلى كابوس يلوّح من بعيد، ويلقي بظلاله القاتمة المتوعدة المخيفة المدهشة بل المغطية بالهلع مساحات شاسعة في كوكبنا الأرضي.

       ومما لا شك فيه، أنهم عديدون، أولئك الذين يكونون غرقوا في تفكير وتأملات عميقة ليخرجوا منها مكتوفي الأيدي، حائرين، أمام هذه الظاهرة  الغريبة التي لا تحمل أي اسم مقنع، ما عدا اعتقادهم بأنهم في الأخير لا حول لهم ولا قوة، ذلك الإقتناع الذي جعلهم يسرحون في تأملاتهم لتستوقفهم أخيرا بعض الآيات القرآنية المنزلة من عنده سبحانه وتعالى، مثل الآيتين الإثنتين في سورة الحج (73+74): (يا أيها الناس ضُرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز).

       وعندما نتمعن ونتدبر من جديد، الآيتين 73 و74 في سورة الحج سيقفز إلى ذهننا ذلك الوباء العظيم هو الآخر، المتمثل في الشرك، في ذلك التصرف المشين، أو في ذلك الإرث الذي له جذور في عمق التاريخ، ذلك الذي ما زال صامدا، وما زال رافضا أن يفنى، والذي ما زالت بقايا منه، وهي ذات أحجام متفاوتة في الأشكال والمظاهر والأوزان، ذلك التصرف الذي يجعلنا من حيث ندري ولا ندري، أو من حيث نشعر بخطورته أو لا نشعر، وهم : أولئك الذين نهتمّ بهم أيما اهتمام وندعوهم، إن بصفة مباشرة أو غير مباشرة من دون الله. والظاهر - وهو بيت القصيد -  أن الله سبحانه وتعالى خاطبنا في حديثه المنزل بذلك الأسلوب الرائع الملفت والمستفز، بذلك المثل الهادف الذي ضربه لنا وأمرنا أن نستمع له، ومنبها إيانا أن الذين ندعوهم من دونه هو سبحانه وتعالى أو الأشياء كل الأشياء التي تسربت إلى أذهاننا ومعتقداتنا وعششت فيها ووقفت حائلا بيننا وبين الله عز وجل.

       وهكذا تمادينا في هذا الموضوع وفي الأمر، ولم نقدر عواقبه حق قدرها ولم نقم كبير وزن للفساد الذي ظهر وكنا من ورائه: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون). سورة الروم، الآية 41.

       ثم عندما نرجع ونتفحص ونقيس هول ما وصلت إليه الإنسانية جمعاء في هذه الأيام، ومنذ ثلاثة اشهر بسبب ذلك المخلوق الذي أطلقنا عليه وبدون أن نراه أو نعرفه اسم ( الفيروس التاجي، أو الكورونا فيروس) عندها تزداد درجة أو درجات في استيعاب وفهم ذلك المثل الذي ضُرب خصيصا للناس، ولجميع الناس، ونزداد فهما وتعمقا في الفهم بأن الإنسانية قد سكنها وعشش فيها فيروس الغرور والعجب والغطرسة والتزكية والشرك بالله، وظن الإنسان أن الأرض قد أخذت زخرفها وأنه قادرعليها.(إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالاْنْعَامُ حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الأرضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ* وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(21ـ25 – سورة يونس.      

       ولعلنا في الأخير نفهم أن أولئك الذين ندعو من دون الله وتلك الأشياء التي تسربت إلى عقولنا وفعلت فيها كل الأفاعيل، لعلنا نفهم أننا نحن ومعنا من ندعوهم من دون الله ومع تلك المخلوقات " الفيروسيات"  الكل لا حول لنا جميعا ولا قوة، ونفهم ونعي أكثر فأكثر أن كل إمكانياتنا وكل أحجام وتراكمات ما حققناه منعلم وخبرة في الحياة بما فيها ما قبل وما بعد  نظرية:  (E=MC2)  لا ولن تمكننا أبدا من أن نخلق ذبابا مهما فعلنا ومهما جمعنا، وأن ذلك الذباب أو ذلك "الفيروس التاجي" قد تمكن فعلا وبكل سهولة من أن يسلب منا  أشياء كالصحة والطمأنينة والأمن والحياة، وأنه  تمكن فعلا من أن يقزّمنا ويرجعنا القهقرى ويضعنا أخيرا في أماكننا الجديرة بنا، وأننا لن نخرق الأرض ولن نبلغ الجبال طولا، وأما عن جنود ربك فلا  يعلمها إلا هو: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ [المدثر: 31.

       وإن المثل البليغ المضروب يصرح بأن يا أيها الناس اعلموا أنكم بسبب شرككم  بالله وعدم تقديركم الله حق قدره وحق قوته وعظمته فلا حول لكم ولا قوة،  فالمثل ينطبق عليكم ألا وهو: ( ضعف  الطالب والمطلوب ).

       وفي الأخير ألا تطلُّ علينا فكرة مفادها أننا نعيش حربا عالمية؟ تجاوزت ومن بعيد كل الحروب بما فيها الحربين العالميتين السابقتين؟ ما دامت الحرب الراهنة مفروضة على سكان الأرض برمتها ومستنفرة أياهم بدون استثناء وجعلتهم كطرف ضد طرف ثان معروف باسم الفيروس التاجي؟

******* 

 

اجمالي القراءات 3498