في التعرف على واحد من أكابر المجرمين : ( حسنى مبارك اللعين )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٦ - فبراير - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

في التعرف على واحد من أكابر المجرمين : ( حسنى مبارك اللعين  )

مقدمة :

1 ـ  مات أمس محمد حسنى مبارك ، ومنتظر تكريمه بجنازة عسكرية ، ولم يحظ بهذا التكريم في الدفن ضحايا مبارك قبل الإطاحة به ، وأثناء الإطاحة به ، وبعد الإطاحة به . بمناسبة موته نتوقف معه رمزا لأكابر المجرمين في عصرنا .

2 ـ الأصل في إجرامه أنه جعل مصر ضيعة خاصة له ولزوجته وولديه . لم يكن له طموح خارجى مثل السعوديين وصدام والقذافى ، إكتفى بمصر يمارس فيها أقصى السلطة ليحصل منها على أقصى المُتاح من الثروة .

3 ـ العادة أن صاحب الثروة يستعين بأصحاب السلطة ليحمى ويزيد ثروته ، كما أن صاحب السلطة يستخدم سلطته في جمع ثروته . وهذه العلاقة بين السلطة والثروة تتضح في دول الإستبداد ، وفى مصر بالذات ، وهى ( مصر المحروسة بالحرامية ) طيلة تاريخها .

4 ـ وبالنسبة لحسنى مبارك فقد ظل يحكم مصر مستبدا ثلاثين عاما ، إستطاع خلالها أن يسرق منها هو وولداه وزوجته ثروة ، هرّب منها للخارج ما يقال إنه عشرات البلايين أو مئات البلايين . إختلاف التقديرات سببه الطرق المعقدة التي كان يتم بها غسل وتدوير وتشغيل تلك البلايين ، وكانت أسرارها لدى مبارك وولديه . ظل مبارك محتفظا بأسرارها ليساوم بها على سلامته وولديه ، وقبيل موته إنتهى التفاوض بينه وبين السيسى على تبرئة نهائية لولديه مقابل أن يحصل السيسى على جزء من المسروقات . وقبيل موته أصبح من حق ولدى مبارك السفر للخارج والتمتع بما بقى من سرقات ابيهما وأمهما . وتتويجا لهذا الاتفاق سيقيم السيسى جنازة عسكرية لمبارك .    

4 ـ قام مبارك بتجريف الثروة المصرية فلم يبق أمام السيسى إلا أن يبيع أجزاء من مصر نفسها ، وأن يبيع حقوق مصر البحرية وأن يستدين بالبلايين ، وبحيث تعجز مصر عن سداد فوائد البنوك ، فتستدين للتسديد ، وعلى الأجيال القادمة أن تسدد ما سرقه السيسى وجنرالاته ، وهم تلاميذ في مدرسة حسنى مبارك .

5 ـ نعطى بعض التفصيل :

أولا : سُلطة حسنى مبارك  

1 ـ بإعتباره يملك مصر ويريد نهبها كان لا بد أن تكون له كلاب حراسة شديدة البأس في تعاملها مع المصريين . وهذا ما فعله مع الجيش والأمن .

2 ـ الضباط الشبان هم الذين يسيطرون على الأرض ، أي المعسكرات ، وقد تكون فيهم بقايا نخوة ورجولة تستعصى على الفساد الذى كان العُملة السائدة في عصر مبارك . تزيد الخطورة لو إحتفظ بعضهم بهذه النخوة وهو يترقى الى أعلى . لذا جعل مبارك الخدمة في الجيش تنتهى عند رتبة عميد ، والترقية بعدها بالإختيار لمن يضمن ولاءهم ويطمئن الى فسادهم  . ثم جعل من المستحيل قيام إنقلاب عسكرى عليه من الضباط الشباب ، إذ لا تتحرك مُعدّة عسكرية إلا بتصريح من رئاسة الأركان ، مع الفصل بين المعدات العسكرية وذخائرها ، وكل الخيوط العسكرية بيد مبارك .

3 ـ لذا غرقت العبارة البحرية ( السلام ) في 3 فبراير 2006 ، بالقرب من الغردقة ، إشتعلت فيها النيران وغرقت . أغفلت السلطات المصرية إستغاثتهم بينما وصلت إستغاثتهم الى اسكتلندة فأوصلتها الى فرنسا وأوصلتها فرنسا الى السلطات المصرية . لم يتحرك الأسطول المصرى لإنقاذ السفينة منتظرا أوامر مبارك ، بينما نهض لإنقاذها قطع بحرية من بنجلاديش والسعودية ، وعرضت إسرائيل المساعدة فرفضت السلطات المصرية . جاءت بعض قطع الاسطول المصرى بعد أن غرق  حوالى 1300 شخص وفقد عدد غير معروف ، يقال أن السلطات المصرية عثرت عليهم وتخلصت منهم لأنهم شاهدوا حقائق محرجة . كان مستحيلا أن يتحرك الأسطول المصرى إلا بعد موافقة مبارك ، ولم يكن سهلا الوصول اليه والحصول على إذنه . وما كان مهتما بمصير الغرقى إذ إنشغل بمشاهدة مباراة لكرة القدم . وما جرؤ أحد على تعكير مزاجه . ولأن مالك العبارة من صبيان مبارك وعضو مجلس شورى فقد تمت تبرئته وإبنه ، وضاعت دماء الضحايا هدرا . لم يتمتعوا بجنازة عسكرية مثل التي ستحدث لمبارك أحد أشهر أكابر المجرمين في عصرنا .

4 ـ إستخدم مبارك الجيش مرتزقة لحسابه . في إحتلال صدام للكويت تردد مبارك في الانضمام الى السعودية أو الى صدام . بالإضافة الى بطئه في الفهم كان يريد الإنضمام الى من يعطيه أكثر . في هذا المزاد جاءه العرض الأكبر من السعودية ودول الخليح ، فإنضم مؤخرا الى معسكرهم ، وبعث بجيشه المرتزق يحارب ، ليس في سبيل  (تحرير) الكويت ولكن في ( تعمير ) جيوب مبارك بعدة بلايين من الدولارات .

5 ـ إستخدم مبارك الأمن السياسى ( أمن الدولة ) في قهر المصريين بإعتبارهم أعداءا. تضخم عدد قوات الأمن المركزى الذين أصبحوا تحت إمرة ( أمن الدولة ) جهاز القمع والقهر والتعذيب في مصر . كان عدد هذه القوات 100 ألف فرد في بداية حكم مبارك ، تضاعف فأصبح 300 الفا . وأضيفت اليها القوات الخاصة . كل هذا لمواجهة أي إحتجاج شعبى . حرص الضباط المسيطرون على جنود الأمن المركزى على تعليمهم كراهية المصريين ، كما حرصوا على تخويفهم والمبالغة في عقابهم ، بالإضافة الى عدم الاهتمام برعايتهم والمكافأة الهزيلة التي يحصلون عليها بإعتبارهم مجندين من الفقراء الأميين . بسبب الظلم تمردت بعض فرق الأمن المركزى ، وأشهر أحداث التمرد كان في فبراير 1986 . إنتشر التمرد وقاموا بالسلب والنهب للفنادق والمحلات التجارية فيما يشبه ثورة الجياع . وفى أسبوع واحد وصلت الخسائر الى عشرات الملايين من الجنيهات . تدخل الجيش  ـ وهو خط الدفاع الأخير عن مبارك ــ  وضربت الطائرات معسكرات الأمن المركزي بالجيزة بالصواريخ ، وتم إخماد هذا التمرد ، وأذاع إعلام مبارك أن القتلى ستون ( فقط ) . وفى ديسمبر 2009 حدث تمرد آخر قام به ضباط الأمن المركزى في منطقة الدراسة بالقاهرة ، فإعتقلتهم الوزارة .  وفي الشهر ذاته احتوت وزارة الداخلية ثورة 6 آلاف مجند وعسكري ضد رؤسائهم في معسكر التشكيلات لقوات أمن القاهرة، حيث بدأت أحداث التمرد أثناء طابور التمام حينما فوجئ القائمون على السجن العسكري بمنطقة رمسيس بتمرد جميع المجندين بالمعسكر ضد قائديهم، وتحطيمهم مباني إدارة المعسكر، والاستراحة المخصصة للضباط، وصالة الألعاب والسجن العسكري، وقد أرجعت تحقيقات النيابة العسكرية ثورة الجنود إلى قسوة الضباط معهم، إلى جانب تأجيل حصول الجنود على إجازاتهم، وإرهاقهم في العمل في حرب المواطنين .  

6 ـ بالإضافة الى الجيش والبوليس وأمن الدولة والمخابرات العامة إستحدث مبارك جيوشا سرية غير رسمية ، منها :

6 / 1 : التنظيمات الدينية التي يصنعها ( امن الدولة ) ليخترق بها التنظيمات الدينية المناوئة ، وكانت تقوم ببعض الأعمال القذرة مثل تدمير الكنائس لإلصاقها بالمنظمات الإرهابية .

6 / 2 : عصابات البلطجية . العادة أن هناك تعاملا بين الشرطة والمسجلين خطرا بين عُتاة المجرمين ، وينتج عن هذا التعامل تعاونا ، يستخدمه ضابط البوليس في الإيقاع ببعض المجرمين ليترقى ، وهذا أمر معروف ومألوف . الذى حدث في عصر مبارك هو قيام مباحث أمن الدولة بالإستخدام السياسى لهؤلاء البلطجية ضد خصوم مبارك . بهم إنتقم مبارك من بعض منتقديه ، إذ تعرضوا للضرب المبرح في الشارع أمام الناس ، ومنهم الصحفى جمال بدوى والصحفى عبد الحليم قنديل . وحين إنهزم وزير الداخلية حبيب العادلى أمام الثوار أطلق جحافل البلطجية لنشر الإنفلات الأمني ولإغتيال من يقدرون عليه من الثوار ، وقد قاموا بمذابح للمواطنين في القاهرة وبورسعيد .

7 ـ وكما إستخدم مبارك جيشه مرتزقة في حرب تحرير الكويت فقد إستخدم جهازه الأمني ( مباحث أمن الدولة ) مرتزقة لصالحه . الأوامر بإضطهادنا وسجن ( أهل القرآن ) في ثلاث موجات ( 1987 ، 2007 ، 2009 ) كانت تأتى من السفارة السعودية بالقاهرة ، وكانت المكافئات من هذه السفارة تترى على ضباط أمن الدولة المختصين بملف ( أهل القرآن ) .

ثانيا : ثروة حسنى مبارك

1 ـ إستخدم مبارك قواته مرتزقة لجلب الأموال . وإستخدم أيضا أعوانه لسلب الأموال . بالسلطة التي إحتكرها جمع ثروته من قوت الشعب المصرى الفقير.

1 / 1 : في عهده تم بيع أُصول الثروة المصرية المعروفة بالقطاع العام ، هو أصلا مملوك للدولة من بقايا التأميم والتمصير التي قام بها عبد الناصر . ثم تمت تصفيته وتسربت مبالغ بيعه الى مبارك وأولاده .

1 / 2 : معروف أن مبارك كان أكبر تاجر سلاح ، لا يكتفى بعمولته في شراء سلاح ــ لا حاجة له في مصرـ ولكن يعمل سمسارا في هذه التجارة مستغلا علاقاته بمستوردى السلاح في الشرق الأوسط ومنتجى السلاح في الشرق والغرب .

1 / 3 : إستخدم مبارك صبيانه في نهب مصر بما يُعرف بالتسقيع . أحدهم يذهب الى البنك وبنفوذ مبارك يحصل على قرض بالملايين ، وبشروط ميسرة وفترة سماح في التسديد ، ثم لا يقوم بالتسديد . يشترى أرضا تم تجهيزها لمساكن الشباب أو لمصانع ، وصرفت عليها الدولة ملايين في التجهيز ، فيشتريها بأرخص سعر للمتر، ويدفع مقدما هزيلا ، والباقى على أقساط طويلة ، ولا يسدد الأقساط . ثم يقوم بتقسيم الأرض وبيعها مساكن ، بأضعاف أضعاف أضعاف سعرها . يكسب الملايين ، يأخذ منها الفُتات والباقى لآل مبارك . التفاصيل في كتابنا ( وعظ السلاطين من معاوية الى مبارك اللعين ). جاء السيسى فقضى على طبقة ( رجال الأعمال ) لأنهم ليسوا إلّا حرامية يعملون لصالح الحرامى الأكبر . ألزمهم السيسى بدفع فدية ، وجعل نفسه وكبار الجنرالات يحلون محلهم في السلب والنهب .

1 / 4 : أكبر نهب للثروة المصرية كان في قطاع البترول والثروة المعدنية ، وهى تحت إشراف الحكومة ، أي مبارك . وزير البترول في عهده كان من كبار البليونيرات .

2 ـ تواترت الإشاعات بشأن حجم ثروة مبارك، منها ما يقول إنها 70 مليارا من الدولارات ، تقاير أمنية للمخابرات المصرية تعلن أن ثروة جمال مبارك في سويسرا فقط "71 مليار دولار ، وقيل  إن ايداعات مبارك ه تبلغ 620 مليار دولار أي ما يقرب من أربعة تريليون جنيه مصري . الإختلاف في تقدير ثروة مبارك يرجع الى عاملين :

2 / 1 : قيام مبارك باتباع نظام اقتصادي مركب في تسجيل ممتلكاته بحيث يصعب على المحاسبين الماليين الوصول إليها.وقيامه بتشغيل أمواله عبر وسطاء كان أشهرهم حسين سالم ومنير ثابت .

2 / 2 : حرب القط والفأر بين السيسى وآل مبارك . إستخدام السيسى القضاء والمحاكمات وجهازه الإعلامى في هذه الحرب  للضغط على مبارك ليستقطع من سرقاتهم ما يستطيع . وفى النهاية توصل الفريقان الى إتفاق .

2 / 3 : ، لا يعرف أحد مقدار الثروة الحقيقية لمبارك في الخارج ومقدار ما حصل عليه السيسى منها .

أخيرا

1 : في كل ما سبق كان مبارك يحظى بمساندة أكابر المجرمين من الشيوخ الرسميين ، وأكبرهم شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوى ، وقد كان خصما عتيدا لنا . وفى مشيخته للأزهر حدثت الموجات الثلاث لسجن أهل القرآن .  

2 ـ يقول جل وعلا في مبارك وأمثاله من أكابر المجرمين : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴿٤٢﴾ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴿٤٣﴾ وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ۗ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ ﴿٤٤﴾ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ ﴿٤٥﴾ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّـهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴿٤٦﴾ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ﴿٤٧﴾ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴿٤٨﴾ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ﴿٤٩﴾ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ ﴿٥٠﴾ لِيَجْزِيَ اللَّـهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴿٥١﴾ هَـٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٥٢﴾ إبراهيم   ) .

3 ـ ودائما : صدق الله العظيم .

اجمالي القراءات 5092