تكريم الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي بمناسبة الذكرى 52 لتاسسها قراءات و ملاحظات

مهدي مالك في الإثنين ٢٧ - يناير - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 
تكريم الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي بمناسبة الذكرى 52 لتاسسها قراءات و ملاحظات
                                    مقدمة مطولة
ان تاريخ المغرب الحديث هو حافل بالاحداث التي ساهمت في تشكيل وعي المغاربة  الوطني و الديني و لو بالطريقة التي نعلمها جميعا كجيل جديد من الحركة الامازيغية كما نقوله دائما حيث اكتبت اول مقال في حياتي في اكتوبر 2005 حول الثقافة الامازيغية حسب افكاري وقتها لان الانسان ليس ذو فكر جامد بل هو ذو فكر متغير حسب ظروف الواقع المختلفة ...
 ان الانسان العادي لا يعرف تفاصيل كثيرة عن تاريخ و مسار الحركة الثقافية الامازيغية للعديد من الاسباب السياسية و الايديولوجية فان الحركة الثقافية الامازيغية هي مغربية الجذور  اكثر من ما يسمى بالحركة الوطنية او ما يسمى بتيارات الاسلام السياسي التي لا تتوفر على اية شرعية مهما كانت للوجود في هذه الارض الامازيغية ذات الدين الاغلبي الا و هو الاسلام الممارس في شمال افريقيا عموما و في المغرب خصوصا منذ 14 قرنا من الزمان ...
و لسوء الحظ ان الحركة الثقافية الامازيغية  ولدت في اصعب الظروف من جميع النواحي حيث ان اواخر ستينات القرن  الماضي تميزت بهزيمة العرب امام اسرائيل في حربهم المعروفة  سنة 1967 و احتلال فلسطين و مصر الخ من هذه الدول بمعنى ان المغرب هو معني بالصراع العربي الاسرائيلي باعتباره بلد عربي خالص رسميا على الاقل كنتيجة طبيعية لسرقة ثمار الاستقلال الرمزية و العملية من الامازيغيين بصفتهم كانوا في الصفوف  الامامية للمقاومة منذ ما قبل توقيع عقد الحماية بمدينة فاس سنة 1912 الى حدود سنة 1934 ........
 ان المنطق التاريخي يقول كان من الطبيعي ان يكون الامازيغيين قوة سياسية كبرى قادرة على جعل الدولة المغربية تنطلق من جذورها الديمقراطية و العلمانية بدون اي اشكال في حالة عدم ظهور الحركة الوطنية في مطلع ثلاثينات القرن الماضي نهائيا..
غير ان بعد الاستقلال الشكلي بالنسبة للامازيغيين قررت السلطة بايعاز من حركتها الوطنية الانكار التام لاية شرعية امازيغية مهما كانت مما جعل الامازيغيين كثقافة اسلامية و كايديولوجية سياسية خارج اللعبة السياسية و خارج الشرعيات المختلفة عقود طويلة مما سيعني ان اواخر ستينات القرن الماضي كانت فترة عز للقومية العربية على مستوى خطاب الدولة الرسمي و على مستوى خطاب الاحزاب السياسية المتواجدة وقتها .
و بالاضافة الى حيوية ايديولوجية الظهير البربري القامعة لاي حديث حول الامازيغية و الاسلام.
ان النضال الامازيغي بدا قبل سنة 1967 كما شرحته في كتابي مع الاستاذ محمد شفيق الذي نشر مقالاته منذ 1963 حول الثقافة الامازيغية الخ ..
 غير ان يوم 10 نونبر 1967 شهد ولادة اول اطار جمعوي امازيغي في المغرب بعد الاستقلال لان الامازيغيين عرفوا ما معنى العمل الجمعوي في تراثهم من خلال مؤسساتهم العرفية التي تختلف اسماءها  حسب المناطق و الجهات فمثلا في سوس هناك مصطلح لجمعت اي هناك ثقافة مدنية لدى اجدادنا قبل دخول الاستعمار المسيحي للمغرب او انظمته الحديثة في تاسيس الجمعيات و النقابات و كذا الاحزاب السياسية .
ان اول الاطار الجمعوي الامازيغي قد وجد نفسه في السنوات الاولى من مساره النضالي كانه فاعل غريب في مجتمعه المغربي بحكم وجود الايديولوجات القومية و السلفية حسب المقاس الايديولوجي لما يسمى بالحركة الوطنية حيث ان هذه الجمعية بدات مسارها بجمع التراث الامازيغي بمختلف ابعادها و  عقد لقاءات  حول اللغة و الثقافة الامازيغيتان تحت حصار شديد من طرف السلطة على كل الاصعدة  و المستويات حيث ان هذه الجمعية لن تكون الا الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي التي تم تاسيسها من الاستاذ ابراهيم اخياط رحمه الله  و الاستاذ احمد بوكوس حسب قائمة اسماء المؤسسين المنشورة في كتاب 40 سنة من النضال  الامازيغي الذي يتحدث عن محطات هامة في مسار الحركة الامازيغية عموما و في مسار الجمعية حيث يشرفني شخصيا ان اقدم صورة عن هذه المحطات الهامة خدمة للتاريخ مع ملاحظة انني تحدثت باسهام في كتابي  عن مجموعة  اوسمان و عن مشروع تمزيغ الفكر الاسلامي بشكل دقيق للغاية  . 
                              قراءتي المتواضعة لهذه المحطات الهامة 
عملت الجمعية بكل اطرها منذ اواخر سنة 1979 و طيلة النصف الاول من سنة 1980  على خلق اطار جمعوي بالجنوب المغربي لفك عزلته و التعريف بالقضية الامازيغية كمسالة ثقافية صرفة لا علاقة لها بالسياسة كما هو الحال الان لان تلك الظروف كانت الحركة الامازيغية في طور تاسيس لخطاب ثقافي يناسب مع طبيعة تلك المرحلة الصعبة حيث نجحت الجمعية بفضل و دعم العديد من الفعاليات الاقتصادية و الثقافية على تاسيس  جمعية الجامعة الصيفية باكادير كانطلاقة فعلية للفعل الثقافي الامازيغي المقيد بشروط عهد الراحل الحسن الثاني  .
و فعلا فقد تم التحضيرات للدورة الاولى للجامعة الصيفية التي عقدت طيلة 15 يوما من شهر غشت 1980 حيث كانت ملتقى لرموز الثقافة الامازيغية من الفنانين و الكتاب من مختلف مناطق المغرب بمعنى ان مدينة اكادير كانت عاصمة للوعي الثقافي الامازيغي بالمغرب وقتها ...
و في صيف سنة  1991 حدث حادث هام في تاريخ الحركة الامازيغية الا و هو ميثاق اكادير الموقع من طرف ست جمعيات ثقافية امازيغية بهدف مطالبة السلطة انذاك بمطالب ذات حمولة ثقافية و سياسية من قبيل الاعتراف الدستوري بكون الامازيغية لغة وطنية  و اخراج معهد الدراسات الامازيغية و تدريس اللغة الامازيغية في المدرسة المغربية الخ من هذه المطالب .... 
ان عقد التسعينات تميز بالعديد من الاحداث في مسار هذه الجمعية خصوصا و الحركة الامازيغية بصيغتها الثقافية من قبيل انشاء المجلس الوطني للتنسيق بين الجمعيات الامازيغية  سنة 1993 لتحقيق ما جاء به ميثاق اكادير و مراسلة السلطات الرسمية بالمغرب و مراسلة منظمات دولية معنية بحقوق الانسان للضغط  على المغرب كرسالة الى كافة المشاركين في المؤتمر العالمي لحقوق الانسان في فيينا سنة 1993 حيث تقول يعتبر الامازيغيين من الوجهة التاريخية السكان الاصليين لشمال افريقيا حيث ان اللغة الامازيغية و ثقافتها تنتشران حاليا في اغلب مناطق المغرب و من مميزات اللغة الامازيغية هي استقلاليتها الجوهرية عن اللغة الرسمية فهي اذات التواصل و التعامل الوحيدة في الانشطة الاقتصادية و الاجتماعية و الحياة الثقافية في البوادي و اما في الحواضر فهي مهددة راهنا بالزوال بفعل الاستلاب الموضوعي للامازيغ و اندماجهم في الثقافة السائدة  انذاك اي التعريب و التغريب ...
و تقول هذه الرسالة التاريخية انذاك ليس هناك اذنى اعتراف صريح بالامازيغية لغة و ثقافة في الدستور المغربي و لا مكان لهما الهيئات التعليمية و في الهيئات القضائية الخ  من  حقائق مغرب  بدايات التسعينات ....
و  سيقول البعض  لماذا ذهبت الحركة الامازيغية لمراسلة الغرب حول شؤون المغرب الداخلية و الجواب ان السلطات انذاك كانت تتجاهل مطالب الامازيغيين الثقافية و كانت تستعمل ايديولوجية الظهير البربري بشكل فاحش على طول الخط لايهام المجتمع وقتها ان الامازيغية هي مشروع تنصيري و خارجي مثل العلمانية الان او تسييس القضية الامازيغية...
و هناك حدث تاريخي يتمثل في خروج افراد من جمعية تيليلي في تظاهرات فاتح ماي 1994 بنواحي اقليم الراشيدية بهدف مطالبة بالاعتراف الدستوري بالامازيغية كلغة وطنية و رسمية لاول مرة في تاريخ المغرب الحديث غير ان السلطات قامت باعتقالهم و حكمت عليهم باحكام من بين سنة و سنتان حيث عبرت الجمعيات الامازيفية في بيان صحفي عن ادانتها الشديدة تجاه الاعتقالات التعسفية و الخروقات التي صاحبتها الخ ....
فعلا هي احداث كثيرة طبعت عقد التسعينات في مسار الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي خصوصا و الحركة الامازيغية عموما من قبيل خطاب 20 غشت 1994 الشكلي بالنسبة  لي الان لكن وقتها كان خطاب رائع  لان منذ الاستقلال الى ذلك اليوم لم تستطيع المؤسسة الملكية التطرق الى المسالة الامازيغية و لو باستخدام مصطلح اللهجات لكن خطاب 20 غشت 1994 جاء نتيجة لنشاط الحركة الامازيغية داخل المغرب و خارجه و جاء نتيجة لقضية جمعية تيليلي حسب اعتقادي المتواضع .
كنت انذاك اي ذلك التاريخ مازلت طفل صغير يبلغ من العمر 11 سنة و موجود  في الدار البيضاء بمناسبة زواج احدى خالاتي .
انني احترم الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي باعتبارها ام الحركة الامازيغية بالمغرب و باعتبارها كانت صاحبة مشروع تامزيغ الفكر الاسلامي منذ اواخر الستينات الى سنة 2004 اي سنة خروج كتاب ترجمة معاني القران الكريم الى اللغة الامازيغية لكنني ارى ان هذه الجمعية الموقرة امنت كثيرا بسياسة الدولة الجديدة تجاه الامازيغية كشان ثقافي حقير لا يساوي شيئا امام العروبة و الاسلام الوهابي حيث انها دافعت عن  المعهد الملكي للثقافة الامازيغية كبديل وحيد لنهضة ثقافتنا الام على كل المستويات و الاصعدة و اغلقت باب التواصل امام كل من ينتقد هذه المؤسسة الموقرة حتى صاحب هذه السطور المتواضعة .
انني اتكرر ان سياسة الدولة الجديدة تجاه الامازيغية منذ سنة 2001 الى الان لم تحقق الا بعض المكاسب الرمزية في قطاعي التعليم و الاعلام و بالاضافة الى التراكم المعرفي لا اقل و لا اكثر حيث الان اصبحت الثقافة الامازيغية الاصيلة مهددة من طرف فقهاء الاسلام السياسي بالتشويه و التحريم حيث اتساءل اين دور هذه الجمعية الريادي في التوعية على مواقع التواصل الاجتماعي بالامازيغية لتصل الرسالة الى الامازيغيين البسطاء بان تقاليدنا الامازيغية لا تتعارض مع الاسلام الموجود منذ 14 قرنا من الزمان اي انه اعترف بالقانون المدني الامازيغي اي العرف الامازيغي و اعترف بتقاليدنا الامازيغية التي اصبحت اسلامية الخ .    
انني الان ادافع عن بقاء المعهد الملكي للثقافة الامازيغية كمؤسسة اكاديمية تعنى بتوحيد اللغة الامازيغية كعمل بداه هذا المعهد منذ سنوات و يجب ان يستمر  ..
لكن الان اصبحت القضية الامازيغية بشموليتها كانها مازالت تعيش قبل خطاب اجدير بكل الموضوعية حيث ما معنى ترسيم الامازيغية  في دستورنا الحالي و وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية مازالت تتجاهل هذه الهوية الاصلية في سياستها الداخلية او الخارجية كاننا شعب غير موجود اصلا لان هذه الوزارة الغنية اعتمدت منذ سنة 1956 ما اسميه اليوم بايديولوجية الظهير البربري للفصل التام بين الامازيغية و الاسلام و تعظيم العروبة و الاسلام الوهابي منذ عام 1979 الى الان ..
و مهما  كانت اختلافاتنا الفكرية او السياسية مع الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي في امور كثيرة  فان هذه الجمعية ناضلت في زمن يمنع فيه مجرد حديث بالامازيغية في الشارع العام و ساهمت في تكوين نخبة هامة من الاساتذة مثل الاستاذ بوكوس و المرحوم الاستاذ علي صدقي ازايكو و الاستاذ بوجمعة لهباز مجهول المصير و الاستاذ الصافي مؤمن علي و الاستاذ محمد مستاوي و الاستاذ عمر امرير و الاستاذ عصيد و الاستاذ الحسين مجاهد و الاستاذ الحسين ايت باحسين و الاستاذ الحسين جهادي اباعمران الخ.
انني ابحث الان عن طريقة للتواصل مع الاستاذ جهادي اباعمران الذي له مكانة كبيرة في قلبي باعتباره قد ترجم معاني كتاب الله الى اللغة الامازيغية في ظرف 14 سنة و هو ايضا استاذ التاريخ الخ من هذه المهام حيث قد اخبرني صديق لي انه لا يستعمل الا الوتساب و لدي اسئلة كثيرة لهذا الاستاذ العزيز ..
                                المهدي مالك
اجمالي القراءات 3708