من ج 2 : ( الجزء المضاف لكتاب : البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية )
بين القصص القرآني والروايات التاريخية فى المنهج

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٢ - نوفمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

بين القصص القرآني والروايات التاريخية فى المنهج

من الفصل التمهيدى : لمحة عامة : ( بين أحسن القصص والروايات التاريخية )

من ب 1 القصص القرآنى :

من  ج 2  : ( الجزء المضاف لكتاب : البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية )

 

بين القصص القرآني والروايات التاريخية فى المنهج

 

1 ـ حين يقول التاريخ فتح العثمانيون القسطنطينية بقيادة السلطان محمد الثاني الفاتح سنة 1453 م فإننا نستطيع من خلال ذلك الخبر التاريخي أن نتعرف على أركان الحدث التاريخي، فالحدث التاريخي له زمان ومكان وأبطال، أي له ثلاث أضلاع، وتكتمل بالضلع الرابع وهو الهدف من رواية الحادثة التاريخية، العظة والاعتبار. وفي الخبر التاريخي السابق نجد ( الزمان ) سنة 1453 م و ( المكان ) هو القسطنطينية و ( الأبطال ) وهم العثمانيون والبيزنطيون. و ( العبرة ) حسبما يتراءى للقارئ أو الكاتب.

ويقول ابن واصل في تاريخه " مفرج القروب في أخبار بني أيوب " و " في هذه السنة ( 601 ) هـ أغار الملك المجاهد أسد الدين صاحب حمص على الفرنج حتى وصلت غاراته إلى حصن الأكراد وأخذ من الغنم والمواشي ما لا يحصى كثره ". وفي تلك الرواية التاريخية، نجد ( الزمان ) سنة 601 هـ، والمكان ما بين حمص إلى حصن الأكراد في الشام حيث كان الصراع قائما بين الأيوبيين والصليبيين، و ( الأبطال ) في هذا الحدث هم الملك أسد الدين وجنوده وأعداؤه الصليبيون. و ( العبرة ) تبدو لمن أراد بين السطور الحدث وثناياه..

2 : تلك هي إذن أركان الحدث التاريخي في أي رواية تاريخية. فهل نجد تلك الأركان في القصص القرآني؟.

2/ 1 ـ يقول الله جل وعلا : ( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴿٤٦﴾ لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿٤٧﴾( التوبة  ) والمفهوم أن هناك من المنافقين من كره الخروج مع المسلمين إلى إحدى الغزوات وكان في ذلك خيرا للمسلمين، لأنهم لو خرجوا مع المسلمين لأوقعوا الفتنة بين جند المسلمين، وفي المسلمين من يستمع إليهم. ليس هناك تحديدا للزمان أو للأشخاص المنافقين أو لأشخاص المسلمين الذين هم " سماعون " للمنافقين. أو بمعنى أخر فالقصص القرآني لا يلتزم بمنهج الرواية التاريخية في تحديد أسماء الأشخاص ( الأبطال ) أو تحديد ( الزمان ) أو ( المكان ) ، ومع موضوع القصة هنا في التاريخ الذي كان معاصرا.

2 / 2 : ويقول الله جل وعلا عن تاريخ ماض : ( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ﴿١٣﴾ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ﴿١٤﴾ ( يس  ) ولا نجد هنا أيضا تحديدا لأسماء الأبطال ( القرية ، المرسلون ، الثلاثة ) ولا نجد تحديدا ( لموقع ) القرية ولا ( للزمن ) الذي حدثت فيه الواقعة .

3 ـ الأركان الواقعية للحدث التاريخي وهي الزمان والمكان والإنسان ، فالتاريخ هو تسجيل حركة الإنسان على الأرض بالتعمير أو بالتدمير وما بينهما، وذلك تسجيل يتحدد فيه الزمان والمكان وأسماء الأشخاص المؤثرين في الحدث والقائمين عليه، ثم يأتي العنصر الرابع وهو العبرة ليكون اختياريا، مع ضروريته القصوى لكي يستفيد الإنسان من ماضيه ويتقدم في حاضره ومستقبله.

4 ـ ولكن القرآن الكريم ليس كتابا في التاريخ،  بل إن مادة " أرخ " لم تأت في القرآن مطلقا. القرآن هو كتاب في الهداية أساسا، وقد أستعمل شتى الأساليب للهداية من ضرب الأمثلة وحكاية القصص للعبرة والعظة والإتيان بالحقائق العلمية. ثم لم يكن القرآن موجها للعرب في القرن السابع وحدهم، وإنما هو لهداية البشرية منذ نزل إلى قيام الساعة، ولذلك نرى القصص القرآني حين يتحدث عن وقائع تاريخية معاصرة لنزول الوحي – نراه يجرد الواقعة من أثار الزمان والمكان وأسماء الأشخاص ويرتفع بها إلى مستوى الإنسانية ، لتكون عظة للبشر جميعا في كل زمان ومكان ، ولتنطبق على كل إنسان أينما كان..

5 ـ وللتدليل على ذلك المنهج القرآني في القصص قال الله جل وعلا : ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّـهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴿١٠٥﴾وَاسْتَغْفِرِ اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿١٠٦﴾ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴿١٠٧ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّـهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴿١٠٨﴾ هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّـهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا ﴿١٠٩﴾ وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿١١٠﴾ وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿١١١﴾ وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴿١١٢﴾ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ۚ وَأَنزَلَ اللَّـهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴿١١٣النساء)  .

5 / 1 : المفهوم من الآيات الكريمة أن أحدهم سرق شيئا وحين افتضح أمره خاف أهله العار فتآمروا على أن يضعوا الشيء المسروق في بيت شخص بريء ، وذهبوا للنبي يدافعون عن أبنهم الذي ادعوا أنه متهم بالسرقة ظلما ، وصدقهم النبي فدافع عن ذلك الجاني دون أن يعرف ، ونزل القرآن يوضح الحق وينهي النبي أن يدافع عن الخائنين ( وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ) ، ويصف تآمر أهل الجاني : ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّـهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴿١٠٨﴾ وينهي عن الدفاع عنهم : (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ   )( هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّـهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا  ) .

5 / 2 : فى هذه القصة التاريخية المعاصرة لوقت النزول  لم يحدد القرآن أسماء الجاني والبريء وأهل الجاني ومن دافع عنهم، ولم يحدد الزمن الذي حدثت فيه الواقعة، وبذلك تحولت الحادثة المحددة بالأشخاص والزمان والمكان إلى قضية عامة تسير مع كل زمان ومكان؛ قضية البريء الذي يؤخذ ظلما والمجرم الذي يفلت من العقوبة بسبب سطوة أهله، وهى مأساة تتكرر فى كل زمان ومكان . وأهمية القصص القرآني أن يتحدث عن حالات إنسانية تجدها في كل زمان ومكان.

5 / 3 : ولذلك فإن القرآن حين تحدث عن مشركي مكة أو منافقي المدينة لم يقل: يا أهل مكة المشركين أو يا منافقي المدينة أو يا فلان، وإنما كان التعبير الدائم " الذين كفروا " " الكافرون " " المشركون " سواء كان الحديث عن معاصري نزول الوحي أو عن المشركين السابقين. وبذلك يتحول الوصف إلى وصف عام ينطبق على الماضي والحاضر والمستقبل ،  ومن واقع أرضية حقيقية هي أن المشركين في كل زمان ومكان ينطقون نفس المعاني ويقترفون نفس الأفعال ، وبذلك تتحقق معجزة القصص القرآني في كل عصر، وينطبق على كل مشرك في كل زمان ومكان، ثم يضاف إلى ذلك توخي العبرة والتكثيف على الهداية.

5 / 4 : وإذا عدنا إلى القصة السابقة عن الجاني والبريء المتهم وجدنا احتفالا بالعبرة وتوضيحا للعقائد الأساسية في الإسلام، فيما يخص النبي وإمكاناته البشرية، وفيما يخص عدالة الإسلام والثواب والعقاب.. وذلك ما جاء في التعليق القرآني على تلك القصة التي تظهر رقي الإسلام الحضاري الذي ينبغي أن يفخر به المسلمون وأن يقدروه حق قدره خصوصا وأنه نزل في عصور التخلف والقهر والاستبداد.

5 / 4 / 1 : ونترك للقارئ أن يتدبر مكانة النبي البشرية من خلال قول الله جل وعلا للنبي : ( وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴿١٠٥﴾وَاسْتَغْفِرِ اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿١٠٦﴾ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴿١٠٧﴾ ، ( هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّـهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا ﴿١٠٩﴾  ( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ۚ وَأَنزَلَ اللَّـهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴿١١٣﴾ . وهى تؤكد انه عليه السلام ليس معصوما من الوقوع فى الخطأ وأنه لا يعلم الغيب ، وأنه لن يشفع لأحد يوم القيامة .

5 / 4 / 2  : وليتدبر القارئ عدالة الإسلام دون أدنى محاباة في الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة، من خلال قوله الله جل وعلا :

5 / 4 / 2 / 1 ( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿١١٠﴾ وهذه هي الحالة الأولى: حالة المذنب التائب،

5 / 4 / 2 / 2 :  ( وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿١١١﴾  وهذه هي المسئولية الفردية على الذنب .

5 / 4 / 2 / 3  : ( وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴿١١٢﴾  وتلك هي عقوبة المذنب الذي يلفق تهمته لشخص بريء.. وهي أفظع لأنها بهتان وإثم مبين.

ذلكم هو القصص القرآني ومنهجه في تكثيف العبرة وتحويل الحادثة المحلية إلى قضية إنسانية تسير مع الزمان والمكان في كل زمان ومكان تحقيقا لغرض الهداية .

6 ـ  لذلك :

6 / 1 : استعمل الله جل وعلا مصطلح " قص " بمعنى التبليغ للوحي ، قال الله جل وعلا : (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا ) ﴿الأنعام: ١٣٠﴾ ، (  يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿الأعراف: ٣٥﴾.

6 / 2 :  وصف الله جل وعلا التأريخ بأنه أحسن القصص قال الله جل وعلا :( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـٰذَا الْقُرْآنَ ) (٣﴾ يوسف )

6 / 2 / 1 : لأنّ فيه العبرة والعظة والدعوة للتفكر قال الله جل وعلا : (  فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿١٧٦﴾ الاعراف ).

6 / 2 / 2 ، ولأنه يجمع مع العبرة كونه حقا مطلقا لا ريب فيه قال الله جل وعلا :: ( وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَـٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿١٢٠﴾ هود ) ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿١١١﴾   يوسف  ).

6 / 2 / 3 : ويقول  جل وعلا عن سمو الحقيقة في القصص القرآني " نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ) ﴿١٣﴾ الكهف 13)  ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ ۖ يَقُصُّ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ﴿٥٧﴾ الانعام  ) ( إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ) ﴿٦٢﴾ آل عمران   )

7 ـ  والقرآن الذى هو أحسن القصص يجب أن نحتكم اليه فى تصحيح الروايات التاريخية التي حاولت أن تلحق به – ليس في الإعجاز – وإنما في التاريخ البشري لبعض القصص القرآني الذي تعرض للسيرة النبوية.

وفي البداية نقول أن الرواية التاريخية ينبغي أن تستخلص من القصة القرآنية التي تعلو عن الزمان والمكان حادثة تاريخية محددة بالزمان والمكان، فإذا قال الله جل وعلا : (  وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ ۖ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴿٣٠﴾ الأنفال ) فإن الرواية تقول لنا اجتمع فلان وفلان وفلان.. الخ في دار الندوة بمكة بتاريخ كذا وقالوا كذا، واتفقوا على كذا وكانت النتيجة كذا. هنا يؤدي التاريخ مهمته، ويكون قد لحق بالقصص القرآني في عملية التأريخ للمسلمين. ولكن إذا كان القصص القرآني حقا يقينيا لأنه من عند الله ولأنه قرآن لا ريب فيه فإن الروايات التاريخية في السيرة النبوية جهد بشري يأتي بأخبار ـ لوصحّت ـ فهى حقائق تاريخية نسبية ليست معصومة من الخطا . وتتعرض للبحث التاريخى فى مدى صدقيتها .

إن القارئ للقصص القرآني يعيش مع العبرة وهو يتلو قول الله جل وعلا : (  لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ﴿٦٠﴾ مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ﴿٦١﴾ الأحزاب  ) ولكنه يريد أن يعرف أيضا بالتحديد من هم الأشخاص المنافقون ومن هم الذين في قلوبهم مرض ومن هم المرجفون .. وتلك مهمة الروايات التاريخية أن توضح الطابور الخامس للمشركين في المدينة. ، وحين يقرأ قوله جل وعلا : ( الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّـهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۚ فَاللَّـهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلَن يَجْعَلَ اللَّـهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴿١٤١﴾ النساء ) . والله تعالى يقول عن موقعة بدر: ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ﴿٥﴾ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ﴿٦﴾ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّـهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ﴿٧﴾ ( الأنفال ) فالآيات صريحة في أن فريقا من المسلمين قبل الالتحام في معركة بدر كان كارها في الحرب وطامعا في القافلة فحسب، وأنهم حين فوجئوا بحتمية الحرب كرهوا اللقاء وأعلنوا رأيهم في صراحة وجادلوا النبي في الحق بعد ما تبين ثم إذا أذعنوا للقرار الحتمي، كانوا كأنهم يساقون للموت وهم ينظرون. والروايات التاريخية سكتت عن التعقيب عن ذلك القصص القرآني فأعطت الانطباع بتناقضه مع الروايات الأخرى البشرية عن بدر.. هذا مع أن البدريين كانوا معروفين بالاسم وقد ذكرهم ابن اسحاق وابن هشام فى السيرة وذكرهم ابن الجوزي مثلا في كتاب " تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير ". ومع كثرة ما ذكر عن أهل بدر فإننا لا نعرف من هم الذين خافوا المواجهة وجادلوا النبي في الحق بعد ما تبين. والله تعالى أكد على ذلك الذي حدث قبيل غزوة بدر حين قص علينا خبرها في سورة آل عمران ( 121 – 126 )، ، ومنه قوله جل وعلا : ( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ۗ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿١٢١﴾ إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّـهُ وَلِيُّهُمَا ۗ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١٢٢﴾ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿١٢٣﴾  وبالطبع لا نعرف الطائفتين المذكورتين في الآية. 

8 ـ إن القصص القرآني حق مطلق بنسبة مليون في المائة، ولكن الحق في الروايات التاريخية نسبي لأنه كلام بشري، ولذلك فالقصص القرآني يصحح لنا أخطاء بعض الروايات التاريخية.

9 ـ والقرآن الكريم أيضا نزل يوضح لبني إسرائيل الحق فيما اختلقوه من روايات وما اختلفوا بشأنه من قضايا وأحداث، يقول الله جل وعلا  : (  إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴿٧٦﴾  النمل ). ولكن تفصيل ذلك يحتاج إلى وقفة أخرى.

والله جل وعلا هو المستعان .   

اجمالي القراءات 4033