في البحث عن النبي – اصل قوم النبيّ – البحث الثاني - 2
في البحث عن الإسلام – في البحث عن النبي – اصل قوم النبيّ – البحث الثاني - 2

غالب غنيم في الجمعة ٠٨ - نوفمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

في البحث عن الإسلام – في البحث عن النبي – اصل قوم النبيّ – البحث الثاني - 2

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين

( أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُۥ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦ ۚ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنْ هَادٍۢ ) الزمر – 36

مقدمة :

وأكرر ما قاله تعالى – ( يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ ).

وبعد،

______________

في البديء كانت بكّة !

هنالك آيتين، أو موضوعين في آيات،  بالنسبة لي، أثّرتا على فهمي وكامل طريقة تفكري وبالتالي أبحاثي عن النبيّ عليه السلام، وحوّلتا مساري من التأريخ إلى التاريخ الحق، فإن نحن اتفقنا أن القرءان رسالة الله تعالى إلينا، وأنه الحقّ من عند ربنا، فلن نحيد عنه وسنبقى على سبيل الصواب قدر الإمكان! وإن اتفقنا أنه لا حشو في القرءان، وأن كل جملة فيه حقٌّ ولها هدف أو غاية، فبعد قرائتنا لهاتيين الآيتين، سنبدأ في إعمال فكرنا وتدبرهما وسنبدأ بطرح الأسئلة حول ما ورثناه من تأريخ لا علاقة له بالتاريخ!

فمن أهداف القرءان كرسالة (للناس) أنه جاء ليصحح المسار التأريخي ويضع مسار تاريخي حق لما حدث – في البحث الأول تناولت الفرق بين التأريخ والتاريخ – فثبّت القرءان قصص الأنبياء من قبل، وما حدث معهم، لينقض الإسرائيليات التي شوّهت قصصهم وخاصة (قصص مريم وعيسى) عليهما السلام.

ومن هنا نبدأ بقوله تعالى :
(  إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍۢ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًۭا وَهُدًۭى لِّلْعَٰلَمِينَ 96  فِيهِ ءَايَٰتٌۢ بَيِّنَٰتٌۭ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنًۭا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًۭا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ 97   ) – آل عمران

وهذه الآيات مركزيّة لي في كل أبحاثي عن قوم النبيّ، ويجب أن ندرسها بكل دقّة ولا نهمل فيها أي مفردة إن خشينا الله الخالق يوم الحساب، وهنالك موضوع آخر سأذكره الآن لكي نجمع ما اثّر عليّ وعلى مساري الفكريّ وكذلك لا بدّ أن ندرسه بدقّة كما هاتين الآيتين، ألا وهو قوله تعالى :
( 
وَقَالُوا۟ لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانُ عَلَىٰ رَجُلٍۢ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ 31   ) – الزخرف
ولنبدأ بالموضوع الأول هنا، وهو موضوع إخباري مؤكدٌ (بإنّ)، يقول:

 إن ] أَوَّلَ [ ] بَيْتٍ [ ] وُضِعَ [  ] لِلنَّاسِ [ ] لَلَّذِى [ ] بِبَكَّةَ [.
والحقيقة أن كل كلمة من هذه الكلمات تستحقّ بحثا لوحده، ولكن لامجال لنا هنا في الإفاضة، فالجملة هذه تخبّرنا بشكل أو بآخر أن أول بيت مبارك تم وضعه – من قبل الله تعالى عبر تنفيذ ملائكته لأمره بالوضع – للناس جميعا وآنذاك كانوا قلّة عصر آدم، وقال للذي وليس " الذي " ، أي بدقة كبيرة، أي بدلالة دقّة المكان ،هو الذي تم وضعه ببكة أم الأرض والقرى والدنيا الأرضية كلها !

فالبيت هذا لم يبنه البشر بحكم قول الحق المطلق في استخدامه مفردة  ] وُضِعَ [ ولم يقل سبحانه بناه أدم أو إبراهيم أبدا!، فهذا ما قيل لنا تأريخا وليس حقّاً، وسنتعرض لاحقا لقوله تعالى عن إبراهيم إذ " يرفع القواعد من البيت " وليس يبني كما بنى البناؤون لسليمان عليهم جميعا السلام (وَٱلشَّيَٰطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍۢ وَغَوَّاصٍۢ 37 ) -ص.
ولن أكمل الآن البحث في هذه الآيات حول موضوع البيت المبارك المحرم ببكة، ولكنني أردت التنويه لأهيميتهما، وسأتعرض لهما بكثرة لاحقا مفصلا بقية مفرداتهما، لأنهما غيّرا تفكيري كاملا! ولكن يهمنا الآن فقه أن أول مدينة على الأرض كانت بكّة، وهي أمّ القرى، أي انبثق منها بقية القرى كاملة من حولها من الصين حتى اميركا شرقا وغربا ومن القطب الشمالي حتى الجنوبي، شمالا وجنوبا، وهي لا بدّ لها قيمة عظيمة إذ كانت أول قرية على الأرض منذ آدم.

ففي البديء كانت بكّة، ومن ثمّ اتّسع العالم وتوسّع!


______________

هل يعقل أن قوم النبيّ من بكّة ؟

فإن كان واتفقنا كما يقول الله تعالى أن أول بيت وُضِعَ للناس للذي ببكة، فقد قال تعالى لاحقاً أنه بوّأ إبراهيم " مكان البيت " ، أي بيّن له مكانه وأظهره له، فمفردة التبويء تعني تحديد المكان بدقة، كما بوّأ النبيّ المؤمنين "مقاعد"  للقتال، أي أماكن محددة بدقة لهم،(وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَٰعِدَ لِلْقِتَالِ ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 121 ) وكما سيبوّيء الله أماكن محددة في الجنة للمؤمنين ( وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفًۭا تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا ۚ نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَٰمِلِينَ )، ومنه الله تعالى أظهرَ لإبراهيم مكان أول بيت وضعه تعالى للناس، وحدد له مكانه، فذهب هو واسماعيل إليه، ورفع " منه " القواعد، أي " طهره " من الأوثان والرجس، ولم يبنه، فهو تمّ وضعه من قبل الملائكة، فكيف لإبراهيم أن يعيد بناء شيءعظيم لم تستطع البشرية حتى يومنا هذا فهمه وكيف تم وضعه أو بناءه  ؟!

بل الله تعالى لم يقل أن إبراهيم بناه، بل قال أن يرفع " منه " القواعد، والقواعد هنا من الأشياء الثابتة التي لا تتحرك كما القواعد من النساء وليس كما " قواعد البيت " ، فهناك فرق بين قواعد البيت والقواعد " من " البيت !
والدليل الأدق هو تفصيل الله تعالى لما فعل ابراهيم واسماعيل برفعمها القواعد من البيت في آية أخرى يقول فيها أن طهّرا بيتي !
فهل تطهير البيت يكون بإعادة بناءه أم إزالة الرجس المثبّت فيه ؟

المهم هنا ليس هذا الأمر بل تعرضت له بشكل تساؤليّ، فالمهم هنا هو ما تلى ذلك مع إبراهيم، وهو مفصلٌ معضليٌّ في التفريق بين التارخ والتأريخ، ألا وهو أنه من بعد ما طهّرا البيت من القواعد، أتى أمر الله تعالى لإبراهيم أن أذّن بالناس بالحج ( وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًۭا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍۢ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍۢ 
27)  - الحج ، وبهذا يكون إبراهيم أول رسول لتلك القرية من بعد تاريخ نوح ومن قبله، وكما نعلم أن إبراهيم أباَ لأنبياء كثيرين، ومنه، فمن باب أولى أن أبناءه كانوا يلبون نداء الله تعالى ويحجّون لذلك البيت الذي أذّن فيه إبراهيم للناس أول مرة، ومنه، فمن باب أولى أن يعقوب ويوسف وإاسحاق والأسباط وعيسى وموسى وداود وسليمان وغيرهم من قبل محمّد، عليهم السلام جميعا، أن يحجّوا لذلك البيت قبل الناس وقبل من أتوا إليهم يدعونهم ويبلغونهم رسالات الله!


الخلاصة : أن بكّة لا بدّ أتاها من النُّذُرِ الكثير جداَ! وهذا مما لا شكّ فيه، بيّناَ وواضحا في القرءان الكريم، بل إنها قرية كانت ولا زالت أفئدة " الناس " وليس المؤمنين أو المسلمين تهوى إليها ! وحجّ اليها كل الأنبياء من بعد إبراهيم ذلك لا بدّ منه !
فمنطق القرءان يقول أن أنبياء الله أولى بتنفيذ كل أوامره كما وضّح لنا عن النبيّ برغم كل ما قال الله تعالى عنه أنه كان يقوم ثلثي الليل أو نصفه ،فهو فعليا مُعفى من ذلك، ولكنه أراد درجةٍ هو يرغبها! ومنه، بكّة دوماَ أتتها نُذُر.



ولكنّ ( التأريخ) يقول لنا أن قوم النبيّ وأنه هو من ( بكّة ) ! فهل يعقلُ ذلك مع آيات التاريخ القرءانيّ ؟

هنا نجد تضارباَ بين آيات القرءان والتأريخ الذي " ورثناه " عن ابن اسحاق اليهوديّ الضال،  الذي يقول لنا ان النبيّ محمد وُلِدَ في بكّة! ، وهنا نأتي للقرءان الذي ينقض كلام ] التأريخ [ ويثبت أن قوم النبي من ( قرية أخرى ) وهنا نأتي للآية الثانية التي ذكرتها أعلاه!
(  
وَقَالُوا۟ع لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانُ عَلَىٰ رَجُلٍۢ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ 31   ) – الزخرف
فالتأريخ علمنا أنه هناك فقط قريتين، قرية بكة وهي قرية قوم النبيّ وقرية المدينة التي هاجر  إليها حيث كان فيها يهود ونصارى – قضية النصارى وما نعرفه اليوم ان اسمهم مسيحيين سنتعرض إليها لاحقا في بحث يبين سبب تغير التسميات )-
المهم من هذه الآية التي تتحدث بشكل خاص مع ( قوم النبيّ ) الذين – حسب القرءان – لم يأتهم من قبل نذير يتسائلون عن قريتين عظيمتين كانوا يسمعون – كما يبدو – بهما وأن النبيّ لم يأت من إحداهما !
ومن هنا بدأنا نفقه وجود ثلاث قرى في سيرة النبيّ " من القرءان " ، وهي قريته أو قرية قومه، وقريتين عظيمتين من حولهما !
قرية أم القرى، حيث البيت الحرام، وقرية  تجمّع فيها اليهود والنصارى بكثرة،  وهي قرية قديمة جدا ، وهي قرية معلومة منذ أمد التاريخ من بعد أم القرى ،فمن هي أقدم قرى جغرافيّاَ من حولنا ؟ وسنعلم من هي!

الخلاصة أن هناك ثلاث قرى حسب تاريخ القرءان وليس بكة والمدينة حسب التأريخ، هناك قرية قوم النبيّ – والتي سنكتب البحث اللاحق يصفها من القرءان – وقرية بكة التي أتتها النذر – وسنأتي بكثير من الآيات تثبت ذلك – والقرية التي هاجر -اليها النبيّ والتي فيها كثيرمن اليهود والنصارى !

إنتهى.

والله المستعان

ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة، وإن كنت لم أصل إلى مراد الله تعالى الذي نطمح كلنا إليه – فهو سبب تدبرنا – فعسى أن تصححوا خطأي وأكون لكم من الشاكرين.

مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرءان الكريم

 

اجمالي القراءات 4454