من ف2 : كتب المناقب الصوفية ، من ج1 من كتاب ( البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية ) :
نصوص من ( لطائف المنن ) للشعراني وتعليقات عليها: ( 6 )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٦ - أكتوبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

نصوص من ( لطائف المنن ) للشعراني وتعليقات عليها:  ( 6 )

من ف2  : كتب المناقب الصوفية ، من ج1 من كتاب ( البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية ) :

عن نفسه يقول الشعراني [1]( ومما أنعم الله تبارك وتعالى به علىّ اعتقاد كثير من الإنس والجن واليهود والنصارى فيَّ الصلاح وإجابة الدعاء .. وإذا علمت ذلك فمن جملة اعتقاد المسلمين في أنني أعطى أحدهم القشة من الأرض إذا طلب منى الدعاء لمريضه أو كتابة ورقة وأقول له : بخّر المريض بها. "  فيفعل فيحصل له الشفاء بإذن الله تبارك وتعالى , فأعرف أنه لولا شدة اعتقاد أحدهم ما شفى الله تعالى مريضه بدخان تلك القشة , فإن الأمور تجرى بها المقادير الإلهية سرعة وبطئاً بحسب قوة الاعتقاد وضعفه ,حتى أن بعض من لا اعتقاد عنده من المجادلين يأخذ القشة وعنده شك في أن تلك القشة تنفعه فلا تنفعه . وقد جاءني مرة فقيه يأخذني سياقاً لصهره لما غضبت زوجته , وكان قد جعل لها خمسين ديناراً فلم يرضوا أن يردوها له , فقلت له : " خذ هذه القشة وأعطها لصهرك فإنه يردها لك بلا فلوس ". فقال لي : " لا تمزح معي فإني مكروب " ،  فلا زال الفقراء به حتى حصل عنده بعض الاعتقاد فأخذ القشة فبمجرد ما أعطاها لصهره قال له :"إأذهب فخذ امرأتك "،  فتعجب الفقيه من ذلك , وقال : " أحوال الفقراء لا تدخل تحت حكم العقل " . وقد وقع أن شخصاً جاءني من حارة جامع ابن طولون يطلب منى الدعاء لإبنته وذكر أن بها استسقاء وأن الأطباء يئسوا من مداواتها فقلت له :" أعندك اعتقاد تفعل ما آمرك به ؟" . فقال: " نعم " ، فأعطيته قشة فبخّرها بها فشفيت من يومها، فعلمت صحة اعتقاده , وقد بلغ ذلك بعض المنكرين فقال : " كل هذا سحر" , فرمدت عينه فصار يصيح ليلاً ونهاراً فقالوا له : :إذهب لعبد الوهاب" فقال : " أنا لا أعتقد فيه صلاحاً ." فاشتد عليه الألم , فجاءني غصباً عليه وكان بين أيدينا طعام كشك، فقلت له : " كل من هذا الكشك" فتوقف وقال : " هذا منهي عنه ", فاشتدّ عليه الألم , فقال له الناس : جرب الإشارة هذه المرة فأكل من ذلك الكشك ، فراقت عينه في الحال , فشفى . وكذلك جاءني فقيه يشكو الكولنج وهو صائح , فأطعمته بسلة فسكن الكولنج . كل ذلك لكوني أقول على ذلك الشيء ( باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ) . فعلم بما قررناه أن كل من لم يكن عنده اعتقاد في اسم الله تبارك وتعالى أنه لا يضر معه شيء, فليس له أن يأكل شيء مضاداً لذلك المرض شرعاً لأنه ربما ضره. ووقائعي في ذلك كثيرة شهيرة . ومن جملة اعتقاد النصارى واليهود أنهم يطلبون منى كتابة الحروز لأولادهم ومرضاهم ، فأعطى أحدهم القشة فيبخّر بها مريضه فيحصل له الشفاء ، فأتعجب في اعتقادهم مع اختلاف الدين .  وكثيراً ما أقول لهم : " لما لا تسألون رهبانكم وعلماءكم ؟ " فيقولون : " أنت أعظم عندنا من البترك ومن جميع أهل ديننا" !. ومن جملة ما وقع لي مع الجن أنهم أرسلوا لي نحو خمسة وستين سؤالاً في علم التوحيد لأكتب لهم عليها ، وقالوا : "  قد عجز علماؤنا عن الجواب عنها "،  وقالوا : " هذا التحقيق لا يكون إلا من علماء الإنس . " وسموني في السؤال شيخ الإسلام ، فكتبت لهم الجواب عنها نحو خمسة كراريس وسميته ( كشف الحجاب والران عن وجه أسئلة الجان ) .وكذلك أرسلوا إلىّ قصة فيها خطبة غريبة في شدة الفصاحة واللغات نحو حزب ، يسألوني فيها أن أخلص ولد شرف الدين بن الموقع لما أسره جماعة من يهود الجان ، فكتبت له ورقة يحملها فرجعوا عنه.  وقد ذكرت الخطبة التي أرسلوها والأمارات التي ذكروها لي في كراسة فافهم يا أخي ذلك. )

 التعليق :

1ـ يتحدث الشعراني عن ( اعتقاد ) الإنس والجن في ( كراماته ) , وبمعنى آخر يتحدث عن (إيمان ) الإنس والجن ( بتصريفه ) المزعوم في خلق الله من بشر وجن .( فاعتقاد ) الناس في ولى يعنى ( إيمانهم) بذلك الولي وقدراته وتصريفاته . ومعلوم أنه لا إيمان إلا بالله وحده وبرسله الكرام , وأولئك الرسل لا يملك أحدهم في ملك الله شيئاً , فالرسل هم رجال يوحى إليهم , وهم بشر يزيدون عن البشر العاديين في التقوى والاصطفاء مع الوحي الإلهي , والإيمان بالرسل معناه الإيمان بهم كبشرـ لا كآلهة , فلا إله مع الله . أما ذلك الاعتقاد في الأولياء أو الإيمان بهم وبتصريفاتهم المزعومة في ملك الله – فهو سمة أساسية من سمات الشرك الذي نهى عنه القرآن الكريم وقد قال تعالى عن ذاته العلية (مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ..الكهف26) فالله تعالى وحده هو الولي  (أمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ ..الشورى9) والله تعالى هو الولي وحده لا يشرك أحداً في حكمه فله تعالى وحده الخلق والأمر (..أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ..الأعراف54).

2 ـ وعليه فزعم الشعراني بأن الناس تؤمن به كولي يتصرف في الكون يشفى ويمرض ويمنح ويمنع – هذا الزعم إنما يعبر عن ادعائه للإلوهية , فالله وحده هو الولي المتحكم المتصرف , ومن ادعى ذلك فقد ادعى لنفسه الإلوهية مع الله . ومن الطبيعي أن يتحايل الشعراني على ادعائه هذا بأن الله هو الذي  منّ عليه به ، وأن الله تعالى هو الذي جعل الناس تؤمن بالشعراني ومن لا يؤمن به ويعتقد بصلاحه وتعريفه فلا يمكن أن يستفيد من تصريفه .

3 ـ وهذا التمسح بقدرة الله ومشيئته لا يحمل خضوعاً من الشعراني لله وإنما هو تطاول سمج على ذات الله وجلاله ، فالله تعالى أعلن في كتابه أنه وحده هو الولي الحميد الولي المقصود وحده بالعبادة والتقديس , وهو وحده تعالى الولي المتصرف في الكون ، وأنه ليس للبشر ولى آخر من دونه ، وأنه تعالى لا يشرك في حكمه أحداً من خلقه , حتى الرسل يقول لخاتمهم عليه وعليهم السلام (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ..آل عمران128). ثم يأتي ذلك المعتوه الأفاق ليجعل نفسه فوق الرسل ونداً للإله الواحد تعالى ، ويزعم أن ذلك التطاول منه إنما هو برضا الله وإرادته وإذنه وحوله وقوته , ثم يزداد فجوره وعتوه ليعلن أن من يعتقد أي يؤمن به وبمقدرته هو الذي يستحق عنايته ويستفيد بتصريفه , أما من ينكر ولايته ويكفر بإلوهيته فلا حق له في التمتع بنعمته بل وجزاؤه أن يصيبه بالرمد في عينيه لأنه تجرأ وأنكر على الولي المزعوم . وهذا الزعم وذلك الافتراء لم يجرؤ على التفكير فيه مسيلمة الكذاب .

4ـ وإذا عرفنا الحق في موقف الإسلام من ادعاءات الشعراني بالإلوهية والولاية الشركية فقد بقى أن نحلل كلماته في ضوء الواقع التاريخي في العصر العثماني. ففي هذا العصر تسيد التصوف وسيطر على الحياة الدينية والعقلية والاجتماعية ونشر الشرك والاعتقاد في الأولياء الأحياء والأموات والإيمان بكراماتهم وتصريفاتهم , وصار المنكر عليهم كافراً في نظر الناس , أو ( صابئاً ) خارجاً على سنة الآباء والأجداد ، وسيطر التصوف على الحياة العلمية والعقلية فحولها إلى جمود وتأخر وتقديس للخرافات وحرب للاجتهاد وحفظ للمتون وتلخيص للشروح دون إضافة جديد بل حرب كل جديد وعبادة العادات وما مات عليه الأسلاف . في هذا العصر أتيح للشعراني أن يقول بكل حرية ما تسول له نفسه من إفتراءات ، وأن يجد المصدقين لأكاذيبه والمروجين لافتراءاته مهما جمح به الخيال . ومن يقرأ الآن كتابات الشعراني في ( لطائف المنن) وهو يتحدث عن نفسه وكراماته وتصريفاته ومن يقرأ تراجمه لأشياخه وأصحابه في الطبقات الكبرى لا يصدق ما يقرأ . بل إن بعض المدافعين عن الشعراني والصوفية يجد المخرج في القول بأن هذا الكلام مزور ومنسوب كذباً للشعراني .والحق أن الشعراني يكرر كلامه هذا في كتبه المختلفة التي بلغت العشرات ، وهذا الكلام لا يختلف في كثير أو قليل عن سائر كلام الصوفية قبل الشعراني وبعده في العصور التي كانت لهم فيها السيطرة , وكان لهم فيها الأتباع والنفوذ , وكانت العقلية متأخرة والعقيدة مشركة والاجتهاد ممنوعا وخروجا على الأدب . أما في عصرنا ففيه صحوة وفيه علم وعقل ، وما كان يبتلعه الأجداد خوف الاعتراض على الأولياء أصبح من حقنا أن نناقشه وبصوت عال وأن نحتكم فيه لكتاب الله . فاختلاف العقلية والذوق جعلنا لا نستسيغ كلمات الشعراني وقد كانت في عصره مقبولة معقولة لأنها تعبر عن عقيدة العصر العثماني وعقليته وإلا ما قالها الشعراني وما نسب إلى نفسه ما شاء له شيطانه من افتراءات على الله , ثم يكافئه العصر العثماني فيطلق عليه ( القطب الرباني والهيكل الصمداني ) .

5ـ ويتضح في كلام الشعراني أنه يتحدث عن الإيمان بالولي أو الاعتقاد فيه , وقد جعل من نفسه الولي المقصود بالإيمان , وأن المسلمين والنصارى واليهود والإنس والجن تؤمن به وتلجأ إليه حين الأزمة والضرر . ووسيلة الشعراني في دفع الأذى والكرب عن ( العباد) المستجيرين به أن يعطى أحدهم ( قشة ) وساعتها تحدث المعجزة ، فيشفى المريض وتعود الزوجة الغضبانة لزوجها الملهوف، ويعود الأسير إلى أهله ويعرف علماء الجن ما لم يعرفوه من أمور الدنيا والدين , كل ذلك بفضل الشعراني وتصريف في الإنس والجن .

6ـ ولا ينسى الشعراني أن يقرر بين سطور قصصه المفتراة أقاويله الصوفية عن الإيمان بالولي وجدوى التوسل به ، وضرورة أن يكون المتوسل بالولي على اعتقاد تام ويقين كامل وإيمان لا يتزعزع بإلهه الولي الصوفي حتى يستحق الشفاء على يديه وتفريج الأزمة . فهو يقول ( فأعرف أنه لولا شدة اعتقاد أحدهم – أي في الشعراني – ما شفى الله تعالى مريضه بدخان تلك القشة , فإن الأمور تجرى بها المقادير الإلهية سرعة وبطئاً بحسب قوة الاعتقاد وضعفه , حتى أن بعض من لا اعتقاد عنده من المجادلين يأخذ القشة وعنده شك في أن تلك القشة تنفعه فلا تنفعه ) .ويردد نفس المعنى بعد أن يقص حكاية أخرى ويقول ( فعلم بما قررناه أن كل من لم يكن عنده اعتقاد في اسم الله تبارك وتعالى أنه لا يضر معه شيء فليس له أن يأكل شيئاً مضاداً لذلك المرض شرعاً لأنه ربما ضره ). والجديد هنا أن الشعراني يتمسح باسم الله تعالى ويربط بين الله وبين ولايته المزعومة له تعالى ، ثم يفتى في الطب الذي لا يعرف عنه شيئاً ويدعى أن من لم يعتقد في الشعراني وفى اسم الله فليس له أن يأكل شيئاً مضاداً لمرضه , ولم يبين ما هو الشيء المضاد الذي يؤكل وما هو المرض المقصود وما نوع الضرر . والمهم عند الشعراني أن يعلن عن نفسه مداوياً للمرض بإشاراته وتوجيهاته ، وليس المطلوب من المريض وأهله إلا أن يكونوا مؤمنين بالشعراني وإلوهيته وتصريفه في ملك الله حتى يستحق المريض الشفاء على يديه .

7ـ ويهتم الشعراني بتوجيه حديثه للفقهاء . وقد كان الفقهاء في عصور التصوف هم أبرز المنكرين على الصوفية . وأشهر الفقهاء في الهجوم على الصوفية هم الأئمة ابن تيمية وابن قيم الجوزية والبقاعي . وقد خف هجوم الفقهاء على الصوفية بعد أن أصبح للتصوف تمام السيطرة على الحياة الدينية والعقلية والثقافية في العصر العثماني عصر الشعراني . يدلنا على ذلك أن الشعراني يدعى أن الفقهاء يلجأون إليه معتقدين في إلوهيته , فأحدهم لجأ للشعراني حين غضبت زوجته ورفض أخوها أن يعيدها للزوج الفقيه الولهان ولكن تغير الموقف بعد أعطى الشعراني ( قشة ) ( مبروكة ) للفقيه الولهان فقال له صهره :( أذهب فخذ امرأتك . فتعجب الفقيه من ذلك وقال : أحوال الفقراء لا تدخل تحت حكم العقل ) . ففي عصر الشعراني ـــ حيث كانت له وللصوفية الكلمة العليا ــــ أتيح له أن يمثّل في أقاصيصه المفتراة بفقهاء يلجأون إليه ، ويجد من يصدقه لأن الفقهاء فعلاً في هذا العصر كانوا أتباعاً للصوفية ، ومن أنكر من الفقهاء على صوفي بعينه كان يقدس صوفياً آخر , ونجد صدى لذلك في الأسطورة الأخرى في كلمات الشعراني عن ذلك الفقيه الذي كان لا يؤمن بالشعراني ولا بقشته المزعومة , وقد عاقبه الشعراني في أسطورته الخيالية فرمدت عيناه ولم يجد هذا الفقيه إلا الشعراني عدوه يلجأ إليه من شدة الألم ، وبعد تردد انصاع لأوامره وأكل من الكشك فشفى في الحال. والذي يقوله الشعراني بين السطور أن سلطانه على الجميع قائم وتصريفه  فيهم نافذ ، وفي الفقهاء سواء من كان منهم معتقداً مؤمناً به أم من كان منكراً عليه , وأن عقاب من ينكر عليه من الفقهاء أن يصيبه الرمد ويضطر في نهاية الأمر إلى اللجوء للشعراني ليشفيه .

8ـ ويمد الشعراني مظلة إلوهيته لتشمل مع الفقهاء والمسلمين اليهود والنصارى فيجعلهم يؤمنون به وبتصريفه ويلجأون إليه ليكتب التمائم والحروز لأولادهم المرضى ، وأن هذا يدهشه فيسألهم ( لم لا تسألون رهبانكم وعلماءكم ؟ فيقولون : أنت أعظم عندنا من البترك – أي البابا – ومن جميع أهل ديننا ) . وما يقوله الشعراني عن اعتقاد الأقباط فيه ليس ببعيد عن الصحة ، ففي العصر العثماني عمّ التوسل بغير الله من أولياء الصوفية والأضرحة والرهبان والتماثيل النصرانية للمسيح والعذراء , الجميع – من مسلمين ونصارى – كانوا يلجأون للأولياء والمقاصير والأصنام – أو التماثيل – متبركين متمسحين في موالدهم وأعيادهم , بهذا تحفل المصادر التاريخية للعصر العثماني عن المسلمين والمسيحيين , ولا تزال بقايا هذا الاعتقاد ماثلة وموجودة ولها أنصارها وأتباعها الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً . فنفس الفعل ونفس الاعتقاد مع اختلاف الأسماء والأماكن كان موجوداً ولا يزال . وفى عصر الشعراني كانت له الشهرة والصيت ومن المعقول حينئذ أن يلجأ إليه بعض النصارى متوسلين معرضين عن البابا والرهبان معتبرين الشعراني بشهرته الواسعة في كتابة التمائم والحروز أعظم من البابا والكرادلة والقساوسة. ومن المنتظر من الشعراني أن يفخر بصنعهم هذا ويعتبره دليلاً على ولايته وسطوته ، ويذكره في معرض الفخر بولايته التي لا تعرف الحدود أو القيود ولا تفرق بين مسلمين ونصارى ويهود .

9ـ وفى عصر التصوف والجهل – العصر العثماني – أشاع الصوفية الاعتقاد في الاتصال بالجان ورؤيتهم على المستوى الحسي ، مع أن الله تعالى حذر من إبليس وطائفته وقال (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ ..الأعراف27) فالجان يروننا ولكن لا يمكن أن نراهم ، ولكن ما يقوله القرآن الكريم شيء وما يشيعه الصوفية وأتباعهم شيء آخر. وقد صدق الناس افتراءات الصوفية عن تعامل الأولياء مع الجان وعن خدمة الجان للأولياء، وترتب على هذا أن خلط الشعور الشعبي بين الجان والأولياء، كما يحدث في حفلات الزار ، حيث يكون الشيخ الذي يتوسلون في شخصيته بين الشيخ الصوفي المتوفى وبين الجان وينادى في الحفل ( دستور يا أسيادي) وغير ذلك من عبارات التوسل الصوفي. وهذا مما يعبر عن أعجاز القرآن الكريم الذي يجعل من مدعى الولاية أتباعاً للشيطان وأولياء له يقول تعالى (..إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ..الأعراف27) فمن لا يؤمن بالله يكون ولى الشيطان .

10 ــ والمهم أن الشعراني ركن للمبالغة كعادته في ادعائه بالولاية والإلوهية مستغلاً ما يعتقده العصر العثماني في إمكانية التعامل مع الجان. فادعى الشعراني أن الجن تؤمن به وتلجأ إليه تسأله عن العلم وتلقبه بشيخ الإسلام ، وأنهم أرسلوا له وفداً يحمل أسئلة في العلم ، فكان معهم كريماً فألف في الرد على تساؤلاتهم كتاباً بعنوان ( كشف الحجاب والران عن وجه أسئلة الجان ) ، وهو كتاب موجود ومطبوع  الآن ، وجد من أبناء عصرنا من لا يزال يعيش في العصر العثماني وعقليته المتأخرة فقام بطبعه ونشره . ثم لا يكتفي الشعراني بأن جعل الجان يلجأ إليه ليستزيد من علمه اللدني وإنما يدعى أنهم لجأوا إلى تصريفه المزعوم لينقذ أحد أشرافهم من أبناء الملوك ـ ملوك الجان طبعاً ـ والشعراني استجاب لرجائهم وفك أسر الأسير من يهود الجان .  ولابد أن يتم ذلك بورقة صغيرة ، ولكنها كالعادة تفعل الأعاجيب. فهذه قدرة الشعراني مدعى الإلوهية المتصرف بزعمه على الجان – صحيح أن الجان أصحاب قدرات تفوق قدرات البشر ، وقدرة الواحد من الجان تفوق قدرة آلاف البشر ولكن الشعراني شيء آخر ، أنه لا يصدق في نفسه البشرية ، إنه يدعى الإلوهية ، ولابد لهذا أن تلجأ إليه الجان متوسلين متبركين . ولابد لنا أن نقرأ هذا الكلام فنؤمن به ( ونعتقده ) وإلا هاجمنا الصوفية المعاصرون الذين لا يزالون يقدسون الشعراني ويقولون عنه : ( القطب الرباني والهيكل الصمداني العارف بالله تعالى سيدي عبد الوهاب الشعراني ) . أليست هذه القابه التي تكتب عادةً على كتبه المطبوعة ؟

وحسبنا الله ونعم الوكيل في هؤلاء الناس .  



[1]
لطائف المنن ص 272 : 274

 

اجمالي القراءات 3674