من ف2 : كتب المناقب الصوفية من ج1 (البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية )
النص 2 : مقتطفات من ترجمة الدسوقي في الطبقات الكبرى للشعراني .

آحمد صبحي منصور في السبت ١٢ - أكتوبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

نصوص من كتب المناقب : النص 2 : مقتطفات من ترجمة الدسوقي في الطبقات الكبرى للشعراني . ( 1/ 143 ، 157 : 158 ) ط صبيح .

 من ف2 : كتب المناقب الصوفية من ج1 (البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية )   

1 ـ  يقول عنه الشعراني: ( هو من أجلاء مشايخ الفقراء أصحاب الخرق ، وكان من صدور المقربين ، وكان صاحب كرامات ظاهرة ،ومقامات فاخرة ،ومآثر ظاهرة ، وبصائر ظاهرة ، وأحوال خارقة ، وأنفاس صادقة ،وهمم عالية ، ورتب سنية ، ومناظر بهية، وإشارات نورانية، ونفحات روحانية ،وأسرار ملكوتية، ومحاضرات قدسية،  له المعراج الأعلى في المعارف، والمنهاج  الأثنى في الحقائق، والطور الأرفع في المعالي ،والقدم الراسخ في أحوال النهايات ،واليد البيضاء في علوم الموارد ، والباع الطويل في التصريف النافذ، والكشف الخارق عن حقائق الآيات ، والفتح المضاعف في معنى المشاهدات ، وهو احد من أظهره الله عز وجل إلى الوجود ،وأبرزه رحمة للخلق ،وأوقع له القبول التام عند الخاص والعام ، وصرّفه في العلم ، ومكنه في أحكام الولاية ، وقلب له الأعيان ، وخرق له العادات ، وانطقه بالمغيباب ، وأظهر على يديه العجائب ، وصوّمه في المهد . رضي الله عنه . وله كلام كثير عال على لسان أهل الطريق .. وكان رضي الله عنه يتكلم بالعجمي والسرياني والعبراني والزنجي وسائر لغات الطيور والوحوش ..)

2 ـ ( وكان رضي الله عنه يقول : " أنا موسى عليه السلام في مناجاته، أنا علىُّ رضي الله عنه في حملاته ، أنا كل ولى في الأرض خلعته بيدي ألبس منه من شئت . أنا في السماء شاهدت ربى ، وعلى الكرسي خاطبته. أنا بيدي أبواب النار غلقتها، وبيدي جنة الفردوس فتحتها ، من زارني أسكنته جنة الفردوس . واعلم يا ولدى أن أولياء الله تعالى الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون متصلون بالله ، وما كان ولى متصل بالله إلا وهو يناجى ربه كما كان موسى عليه السلام يناجى ربه . وما من ولى إلا ويحمل على الكفار كما كان على بن أبى طالب رضي الله عنه يحمل. وقد كنت أنا وأولياء الله تعالى أشياخاً في الأزل بين يدي قديم الأزل وبين يدي رسول الله صلي الله عليه وسلم. وأن الله عز وجل خلقني من نور رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وأمرني أن أخلع على جميع الأولياء بيدي ، فخلعت عليهم بيدي وقال لي رسول الله (ص): " يا إبراهيم أنت نقيب عليهم . " فكنت أنا ورسول الله (ص) وأخي عبد القادر خلفي وابن الرفاعي خلف عبد القادر، ثم التفت إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال لي : "يا إبراهيم سر إلى مالك وقل له يغلق النيران وسر إلى رضوان وقل له يفتح الجنان".ففعل مالك ما أمر به ورضوان ما أمر به .)

3 ـ ويقول الشعرانى مدافعا عنه : ( وأطال في معاني هذا الكلام . ثم قال رضي الله عنه : وما يعلم ما قلته إلا من انخلع من كثافة حجبه وسار مروحناً كالملائكة. قلت وهذا الكلام من مقام الاستطالة تعطى الرتبة صاحبها أن ينطق بما ينطق ، وقد سبقه إلى نحو ذلك الشيخ عبد القادر الجيلي رضي الله عنه وغيره فلا ينبغي مخالفته إلا بنص صريح والسلام ...

4 ـ وينقل الشعرانى من تائية ابراهيم الدسوقى فيقول : ( ومن نظمه رضي الله تعالى عنه :

 سقاني محبوبي بكاس المحبة           فتُهت عن العشاق سُكراً بخلوتي

ولاح لنا نور الجلالة  لو أضا          لصُمّ الجبال الراسيات لـدكتا

وكنت أنا الساقي لمن كان حاضراً      أطوف عليهم كرة بعـد كرة

ونـادمني سراً  بسر وحكـمة         وإن رسول الله شيخي وقـدوتي

وعاهدني عهداً حفظت لعهده          وعشـت وثيقاً صادقاً بمحبتي

وحكمني في سائر الأرض كلها       وفى الجـن والأشباح والمردة

وفي أرض صين الصين والشرق     كلها  لأقصى بلاد الله صحت ولايتي

أنا الحرف لا أُقرأ لكل مناظر      وكل الورى من أمر ربى رعيتي

وكم عالم قد جاءنا وهو مُنكر      فصار بفضل الله من أهل خرقتي

وما قلت هذا القول فخراً وإنما    أتى الإذن كي لا يجهلون طريقتي

وله أيضاً عفا الله عنا به :

تجلى لي المحبوب في كل وجهه        فشاهدته في كل معنى وصورة

وخاطبني  منى بكشف سرائري          فقال:" أتدرى من أنـا؟ قلت : "مُنيتي

فأنت منائي بـل أنـا أنت دائماً         إذا كنت أنت اليوم عين حقيقتي

فقال كـذلك الأمـر لكنـه إذا          تعينت الأشياء كنت كنسختي

فأوصلت ذاتي باتحادي بذاته بغير      حلـول بـل بتحقيق نسبتي

فصرت فناءاً فـي بقـاء   مؤبد         لـذات بديمومة سرمـدية

وغيبني عنـى  فأصبحت سائلاً         لذاتي عن ذاتي  لشغلي بغيبتي

وأنظر في مرآة  ذاتـي مشاهداً         لذاتي بذاتي  وهى غاية بغيتي

فأغدو وأمري بين أمرين وأقف        علومي تمحوني ووهمي مثبتي

خبأت له في جنة القلب منـزلاً        ترفع عند دعـد وهند وعلوة

أنا ذلك القطب المبارك أمـره         فإن مدار الكل من حول ذروتي

أنا شمس إشراق العقول ولم أفل       ولا غبت إلا عن قلوب عميه

يروني في المرآة وهى صدية         وليس يروني بالمرآة الصقيلة

وبي قامت الأنباء في كل أمة          بمختلف الآراء والكـل أمتي

ولا جامع إلا ولى فيه مـنبر         وفى حضرة المختار فزت ببغيتي

وما شهدت عيني سوى عين ذاتها     وإن سواها لا يلم بفكـرتي

بذاتي تقوم الذوات في كل ذروة        أجدد فيها حـلة بعد حـلة

فليلى وهند والربـاب وزينب          وعلوى وسلمى بعدها وبثينة

عبارات أسمـاء بغير حقيقة          وما لوحوا بالقصد إلا لصورتي

نعم نشأتي في الحب من قبل آدم     وسرى في الأكوان من قبل نشأتي

أنا كنت في العلياء مع نور أحمد    على الدرة البيضاء في خلويتي

أنا كنت في رؤيا الذبيح فداؤه        بلطف عنايات وعين حقيقة

أنا كنت مع إدريس لما أتى العلى  وأسكن في الفردوس أنعم بقعة

أنا كنت مع عيسى على المهد ناطقاً      وأعطيت داوود حلاوة نغمة

أنا كنت مع نوح بـما شهد الورى        بحاراً وطوفاناً على كف قدرة

أنا القطب شيخ الوقت في كل حالة      أنا العبد إبراهيم شيخ الطريقة)

5 ـ ويقول عنه الشعرانى مدافعا : ( قلت : وجميع ما فيه من استطالة من هذه الأبيات إنما هو بلسان الأرواح ، ولا يعرفه إلا من شهد صدور الأرواح من أين جاءت وإلى أين تذهب وكونها كالعضو الواحد من المؤمن إذا اشتكى فيه ألماً تداعى له سائر الجسد . وذلك خاص بالكامل المحمدي لا يعرفه غيره.  وقد كان سهل بن عبد الله التستري رضي الله عنه يقول : " أعرف تلامذتي من يوم ألستُ بربكم ، وأعرف من كان في ذلك الموقف عن يميني ومن كان عن شمالي، ولم أزل من ذلك اليوم أربى تلامذتي وهم في الأصلاب لم يحجبوا عنى إلى وقتي هذا . " نقله ابن العربي رضي الله عنه في الفتوحات .

6 ـ ثم يعود الشعرانى الى نقل ما قاله ابراهيم الدسوقى فى ( الجوهرة ) : ( وكان رضي الله عنه يقول : أشهدني الله تعالى ما في العلى وأنا ابن ست سنين ، ونظرت في اللوح المحفوظ وأنا ابن ثماني سنين ، وفككت طلسم السماء وأنا ابن تسع سنين ، ورأيت ما في السبع المثاني حرفاً معجماً حار فيه الجن والإنس ففهمته وحمدت الله تعالى على معرفته وحركت ما سكن وسكنت ما تحرك بإذن الله تعالى ...)

7 ـ فى النهاية يقول الشعرانى : ( هذا ما لخصته من كتاب الجواهر له رضي الله عنه وهو مجلد ضخم .أهـ ).

التعليق:

1- ينقل الشعراني بالتلخيص ما أورده الدسوقي في الجوهرة من قوله( أنا موسى في مناجاته) وما بعدها، ثم يكتفي بالتلخيص ، وينهي الكلام في الموضوع قائلاً ( وأطال في معاني هذا الكلام ) , ثم يعزف  الشعراني ــ متحرجا ـــ عن نقل ما جاء في الجوهرة من قول الدسوقي عن نفسه ( مسكت من تحملهم الريح ..) وما بعدها ، وينقل من منتصف النص بالتلخيص ، فيقول على عجل :( وكان رضي الله عنه يقول : أشهدني الله تعالى ما في العلى وأنا ابن ست سنين ونظرت ما في اللوح المحفوظ وأنا ابن ثماني سنين .. الخ ) ويسرع بقوله في نهاية الترجمة ( هذا ما لخصته من كتاب الجواهر له .. وهو مجلد ضخم ) .

2- وفى النصوص المنقولة عن الجوهرة يبدو الدسوقي وقد غلف إدعاءاته للإلوهية بما يعرف بالحقيقة المحمدية . والحقيقة المحمدية مذهب صوفي  يعنى أن الذات المحمدية إلهية نورانية مشتقة من نور الله ، وُجدت قبل خلق آدم والعالم ، وتنقلت في الأنبياء حين الوحي ، ثم ظهرت في محمد عليه السلام ، وتنقلت بعده في على وسلالته ثم في الأقطاب الصوفية . ويدعى الدسوقي بذلك إلى أنها حلت فيه , وعلى هذا الأساس يدعى أنه المسيطر على الجنة والنار والريح واللوح المحفوظ والدنيا بأسرها بل والكون .. إلى آخر ما يدعيه .

3 ـ والنصوص المعبرة عن عقيدة ( الحقيقة المحمدية ) تظهر في أقوال الدسوقي مثل ( أنا موسى في مناجاته أنا على في حملاته ) و ( وقد كنت أنا وأولياء الله أشباحاً في الأزل بين يدي الله القديم الأزل وبين يدي النبي فإن الله عز وجل خلقني من نور رسول الله ) ( .. فأمرني سيدي رسول الله أن أخلع عليهم بيدي فقال يا إبراهيم أنت من نورى.. وأنا من نوره خلقني  الله  عز وجل من نوره ولياً له قبل أن يخلق الأكوان والموجودات ). وفى القصيدة الثانية في النص الذي ذكره الشعراني تبدو عقيدة ( الحقيقة المحمدية ) واضحة في الأبيات الأخيرة :  

نعم نشأتي في الحب من قبل آدم     وسرى في الأكوان من قبل نشأتي

أنا كنت في العلياء مع نور أحمد     على الدرة البيضاء في خلويتي

أنا كنت في رؤيا الذبيح فداؤه         بلطف عنايات وعين حقيقة

أنا كنت مع إدريس لما أتى العلا     وأسكن في الفردوس أنعم بقعة

أنا كنت مع عيسى على المهد ناطقاً  وأعطيت داوود حلاوة نغمة

أنا كنت مع نوح بما شهد الورى         بحاراً وطوفاناً على كف قدرة

أنا القطب شيخ الوقت في كل حالة       أنا العبد إبراهيم شيخ الطريقة

4- ثم يعبر الدسوقي عن عقيدة الإتحاد الصوفية ويربطها بوحدة الوجود . والاتحاد معناه أن الصوفي يصل بالرياضيات للاتحاد بالله ويكون جزءاً منه , أو أن يحل الله فيه ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ , أما وحدة الوجود فمعناها أن الكون المخلوق جزء من الله الخالق تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .وقد بدأ الدسوقي قصيدته بتقرير عقيدة وحدة الوجود فقال عن الله ـ تعالى عما يقولون علواً كبيراً ـ :

تجلى لي المحبوب في كل وجهة         فشاهدته في كل معنى وصورة

ثم يصل من وحدة الوجود إلى اتحاده المزعوم بالله فيقول:

 وخاطبني  منى بكشف سرائري      فقال أتدرى من أنا قلت منيتي

 فأنت منائي بل أنا أنت دائماً         إذا كنت أنت اليوم عين حقيقتي

 فقال كـذاك الأمر لكـنه إذا        تعينت الأشياء كنت كنسختي

ثم يدعى الدسوقي أنه هو الذي إتحد بالله فيقول :

فأوصلت ذاتي باتحادي بذاته        بغير حلول بل بتحقيق نسبتي

فصرت فناءاً في بقاء   مؤبد        لذات بديمومة سرمدية

وغيبني عنى فأصبحت سائلاً        لذاتي عن ذاتي  لشغلي بغيبتي

ثم يدعى الدسوقي بعد اتحاده المزعوم بالله أنه حل في كل الموجودات من بشر وحجر , يقول :

أنا ذلك القطـب المـبارك أمره          فإن مدار الكل من حول ذروتي

أنا شمس إشراق العقول ولـم أفل        ولا غبت إلا عن قلوب عمية

وبي قامت الأنباء في كـل أمـة         بمختلف الآراء والكـل أمتي

ولا جـامع إلا ولى فيه مـنبر          وفى حضرة المختار فزت ببغيتي

ثم يرتب الدسوقي على ما سبق أنه يحل في أشخاص المحبين من الذكور والإناث فهو في داخل ليلى وسلمى يقول :

بذاتي تقوم الذوات في كل ذروة    أجدد فيها حـلة بعد حلة

فليلى وهند والرباب وزينب      وعلوى وسلمى بعدها وبثينة

عبارات أسماء بغير حقيقة     وما لوحوا بالقصد إلا لصورتي

وتأثر الدسوقي في تائيته  بتائية ابن الفارض وتائية ابن عربي ، في الوزن والقافية والمعنى والمبنى . وهى ادعاءات يهون إلى جانبها بالقطع ما ادعاه مسيلمة الكذاب الذي ما جرؤ إلا على ادعاء النبوة فقط .

5ـ وقد شاعت قبل الإسلام في الشام والعراق أقاويل الاتحاد في العصر المسيحي بين الناس والكلمة الإلهية أو اللوجوس , وإلى جانبها آمن النصارى بأن المسيح ابن الله مخلوق من نوره .   ومقولة أن المسيح ابن الله ظهرت في التصوف تحت اسم الحقيقة المحمدية والنور المحمدي الأزلي الذي وجد قبل خلق العالم , وعقيدة الاتحاد بين الله والناس من خلال اللوجوس أو الكلمة أو الروح القدس أظهرها التصوف بحذافيرها . وقد ذكر القرآن الكريم أن مذهب الاتحاد في الإلوهية قاله اليهود والنصارى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ..المائدة18). والأبوة والبنوة معناها الاتحاد بين الصنف الواحد وذلك أساس عقيدة وحدة الوجود والتي يرتب عليها الصوفية دعاويهم بالاتحاد بالله . 

6ـ نعود للدسوقي و موقف الشعراني منه لنجده يدافع عن أقاويله التي ينقلها في ترجمته , فهو يبدأ مقدمة الترجمة بتزكية الدسوقي بالصفات الإلهية من الكرامات والنورانية والأسرار الملكوتية . الخ، ثم يعلق على ادعاءاته بالدفاع عنه كأن يقول :( قلت وهذا الكلام من مقام الاستطالة تعطى الرتبة صاحبها أن ينطق بما ينطق ) أو يقول ( قلت وجميع ما فيه من استطالة من هذه الأبيات إنما هو بلسان الأرواح ولا يعرفه إلا من شهد صدور الأرواح من أين جاءت ..وذلك خاص بالكامل المحمدي ) .وذلك منتظر من الشعراني فهو صوفي لا يبخل على نفسه في معرض المناقب من أن يصفها بالصفات الإلهية ..وذلك ما ادعاه في كتابه ( لطائف المنن) .

اجمالي القراءات 3655