من الفصل الأول من كتاب : ( البحث فى مصادر التاريخ الدينى ــ دراسة عملية )
رابعاً : كيفية استخلاص المادة التاريخية في القرآن الكريم

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠١ - أكتوبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

رابعاً : كيفية استخلاص المادة التاريخية في القرآن الكريم

من الفصل الأول من كتاب : ( البحث فى مصادر التاريخ الدينى ــ دراسة عملية )

1 ـ من إعجاز القرآن الكريم أنه كتاب واضح الدلالة لمن أراد أن يعقل ويتدبر ، ولهذا وصفه تعالى ( بالْكِتَابِ الْمُبِينِ) ووصف آياته ( بالْبَيِّنَاتِ ) ثم دعا الله عباده لأن يتعقلوا القرآن ويتدبروه ، بل جعل ذلك سبباً في إنزال القرآن باللغة العربية (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ..الزخرف3 ) (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ..يوسف2 ).

2 ـ ويتحدد إيمان الإنسان بموقفه من قراءة القرآن ، إن تدبره وعقل ما فيه اهتدى واستفاد وإن قرأه بما لا يجاوز حنجرته وظل على هواه لم يغير من سلوكه وعقيدته وفق ما يريد القرآن بل أوّل الآيات فذلك لم يزدد بالقرآن إلا خساراً ، يقول تعالى (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً ..الإسراء82).

3 ـ ولم يستفد المسلمون كما ينبغي بالقرآن فجهلوا وتأخروا وبيدهم القرآن يتغنون بقراءته بينما وصلت أوروبا إلى عصرها العلمي والذي لم يخرج عما جاء به القرآن من قبل ألف وأربعمائة عام . والقرآن هو هو  .. أما نحن فلم نعرف من القرآن إلا أنه قصيدة يتغنى بها المنشدون والمغنون ونسميهم القراء، أو مرثية يلقيها الشحاذون على قبور الموتى .. وذلك مبلغ حظنا من القرآن الكريم فلم نزدد به إلا خسارا .

4 ـ ولقد أوضحنا أن القرآن الكريم حوى كثيرا من العلوم في سياق حديثه عن توحيد الله وقدرته ، وكان من بين هذه العلوم – التاريخ – وإن جاء به القرآن الكريم على صورة قصص يخدم هدف القرآن في التركيز على العظة وهى الهدف الأسمى للتاريخ وللقرآن . ومع أن القرآن الكريم حوى الكثير من قصص الأنبياء وسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام ، فإن الاتجاه العام للمؤرخين والمفسرين هو إيراد الروايات – صحيحها وكاذبها – ووضعها إلى جانب القرآن حين التفسير أو الاعتماد على تلك الروايات كأساس للتأريخ ثم تأتى الآية القرآنية تبعاً للرواية .

5 ـ ومن هنا كانت الفجوة بين القرآن والتفسير والتأريخ ، مع أن بعض المفسرين كانوا مؤرخين كالطبري وابن كثير . ومهما يكن من أمر فإن تلك الفجوة بين القرآن التاريخ تتيح لباحثي التاريخ اليوم المجال للاجتهاد ومحاولة فهم أفضل للتاريخ الإسلامي من خلال القرآن الكريم اعتماداً على منهج جديد من الدراسة للقرآن الكريم وآياته .

6 ـ والباحث في ناحية ما في القرآن الكريم لا يختلف عن زميله الباحث في ناحية أخرى سواء كان مؤرخا أو مشرعاً ، عليه أولا أن يبدأ بالقران الكريم يقف أمامه تلميذا يعيش مع كل سورة ثم مع كل آية باحثاً متعمقاً ، وكلما أعطى القرآن من عقله وقلبه وجهده ووقته كلما أعطاه القرآن  فهماً وفتحاً وهداية . فالمهم أن يقف الباحث أمام القرآن تلميذاً مجردا عن كل حكم سابق أو هوى لازم ، فإذا رأى في أية قرآنية معلومة تخالف ما اعتاده أو ما تعلمه فعليه أن يلقيها ويسلم نفسه للقرآن ، فالقرآن هو الحق المطلق ، وما عداه يجب أن يكون تبعا له خاضعاً له .

7 ـ والباحث يقف أمام القرآن الكريم خاضعا يأخذ منه المادة العلمية بعقله وقلبه ثم يتحول التلميذ في شخصه إلى عالم نحرير حين يتجه بهذه المادة العلمية القرآنية إلى نواحي العلم المختلفة يقلبها على وجوهها باحثاً منقباً ، يؤكد بذلك إعجاز القرآن الكريم الذي لا ينفد . فبداية الباحث تكون القرآن ونهايته أن يرجع للقرآن أيضاً.

8 ـ وإذا خصصنا المؤرخ بالحديث ، فعليه أن يتتبع بعقل واع منفتح الآيات القرآنية التي تحدثت عن الموضوع الذي اتخذه مجالا لبحثه سواء كان في تاريخ الأنبياء السابقين أو في السيرة النبوية ، ويتفهم الآيات أولا بعقله المجرد ويتعامل معها على أنه يقرؤها لأول مرة ، حتى يزيل من عقله وأذنه الشعور بالاعتياد الذي يحسه الكثيرون منا اتجاه القرآن ، حيث أنهم تعودوا سماعه وتعودوا أيضاً ألا يتدبروا فيما يسمعونه من آيات . فالمؤرخ يقرأ الآية بعقله وقلبه على أنه يسمعها لأول مره ، ثم يقلبها على وجوه مختلفة ليخرج منها بأكبر فائدة عملية ممكنة ، ثم يصيغ المادة التاريخية المستخلصة من القرآن الكريم بأسلوبه هو ..وبعد ذلك يرجع لكتب التفسير وكتب التاريخ يقارن بينها وبين المادة العلمية التي استخلصها بنفسه من القرآن الكريم وسيجد فارقاً بين القرآن وكتب التفسير والسيرة – هذا إذا أحسن استخلاص المادة التاريخية من القرآن الكريم .

9 ـ وقد ذكرنا منهج القرآن الكريم في إيراد القصص القرآني وأنه جرى على أسلوب العظة فلم يهتم بالتفصيلات واعتمد على التكرار المعجز في الفصاحة والبيان . وقد يكون التركيز على العظة دون الاهتمام بالتفصيلات مما يتعب المؤرخ الذي يبحث عن تحديد المكان والزمان وتسمية الأشخاص وتحديد نسبة الأقوال إلى قائلها . وهنا يتضح دور التكرار في إيراد بعض التفصيلات أو شرح المجمل ، فبالتكرار كانت تأتى إشارات موحية تنبىء عن كثير مما أُجمل في نواح أخرى ، وهنا دور الباحث أن يستعين بالآيات المفصلة ليشرح بها الآية المجملة ، وأن يتوقف مع التفصيلات الدقيقة في خلال الحوار ليتعرف بذلك على طبيعة القوم وعقلياتهم وتعاملاتهم. ثم أن في القرآن أحكاماً عامة تجرى على كل قوم وكل قرية وكل بشر ، أو واجهها كل رسول . ووظيفة الباحث أن يستعين بهذه الأحكام العامة في إثبات جزئية لم ترد في بحثه .

10 ـ وفى ذلك كله يستعين الباحث علاوة على المصحف بالمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، وقبل ذلك عليه أن يكون حافظاً لكتاب الله وعلى دراية كافية بمواضع النزول وعلوم القرآن والسيرة والتاريخ ودقائق اللغة العربية والبيان القرآني – على أن يجعل ذلك كله في خدمة النص القرآني لا العكس ، وأن يقصد بذلك وجه الله حباً في دينه ونصرةً لكتابه .

11 ـ وحتى لا يكون كلامنا مجرد نصائح وقواعد نظرية فإننا نُذيّل هذا المبحث عن ( كيفية استخلاص المادة التاريخية في القرآن الكريم ) بمقال علمي عن ( هجرة الأنبياء ) كله مستقى من القرآن الكريم ، لنثبت أن كتاب الله الحكيم يمكن أن ينهض وحده ببحث علمي إذا أحسن الباحث التدبر في آيات الله .

تنبيه

أخطاء وقع فيها المؤلف فى هذا الكتاب عام 1984 :

لم يكن المؤلف وقتها على دراية بإختلاف مفاهيم أو ( مصطلحات ) القرآن الكريم عن المفاهيم السائدة والمتوارثة . جاء هذا التعرف على مفاهيم القرآن بالمزيد من معايشة القرآن وتدبره ، وبدأ ظهور هذا فى كتابات المؤلف عام 1990 ، وفى بحث ( الإسناد فى الحديث ) و ( القرآن وكفى ) ثم تتابع الأمر الى أن أصبح المؤلف ينشر بابا ثابتا بعنوان ( القاموس القرآنى ) ، وفيه ــ على سبيل المثال ــ مقالات عن الفارق بين كلمتى ( لغة ) و ( لسان ).

جاء هنا إستعمال كلمة ( اللغة ) والصحيح هو ( اللسان ). ونقول توضيحا :

(لغة ) من ( لغو ) ، وهو السىء من القول .

1 ـ ويأتى اللغو مرادفا

1 / 1 : للإثم . قال جل وعلا : (  يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ ﴿الطور: ٢٣﴾ (   لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا ﴿الواقعة: ٢٥﴾

1 / 2 : الكذب . قال جل وعلا :( لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ﴿٣٥﴾ النبأ )

2 ـ  لذا فالمؤمنون مأمورون بالإعراض عن اللغو .قال جل وعلا :

2 / 1 : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿٢﴾ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴿٣﴾ المؤمنون )

2 / 2 : ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴿٥٥﴾ القصص )

2 / 3 : ( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴿٧٢﴾ الفرقان )

3 ـ والله جل وعلا لا يؤاخذ المؤمنين باللغو فى ايمانهم ، أى ما يحلفون به بدون تأكيد قلبى . قال جل وعلا : ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴿٢٢٥﴾ البقرة )

4 ـ والكافرون يقومون بالشوشرة على قراءة القرآن باللغو أى بالكلام السىء حتى لا يصل الى قلوب المستمعين. عنهم قال جل وعلا :  ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَـٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴿٢٦﴾ فصلت ).

أما ما اللسان فهو المعنى المراد :

1 ـ فكل رسول نزل عليه كتاب بلسان قومه وليس ب ( لغة قومه ). قال جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ) ﴿٤﴾ ابراهيم )

2 ـ ونزل القرآن الكريم بلسان عربى مُيسّر وواضح مبين . قال جل وعلا :

2 / 1 :( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٩٢﴾ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴿١٩٣﴾ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴿١٩٤﴾ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴿١٩٥﴾ الشعراء )

2 / 2 :( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿الدخان: ٥٨﴾

2 / 3 :  ( وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ ﴿الأحقاف: ١٢﴾

2 / 4 :( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا ﴿٩٧﴾ مريم ).

 

خطأ آخر فى التداخل بين كلمتى ( معجزة ) و ( آية )

الشائع أن القرآن ( مُعجز ) للبشر ، أى يعجز البشر عن الإتيان بمثله . وقد عجزوا عن الإتيان ب ( سورة ) من مثله أو سورة ( مثله ) . قال جل وعلا :  ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿البقرة: ٢٣﴾)(   أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿يونس: ٣٨﴾ . هذا هو الأصل الذى جاء به إستعمالنا وصف القرآن الكريم أنه ( معجز ) للبشر ، وأنّ فيه ( إعجازا ) تعددت أنواعه .

على أن إستعمال مصطلح (إعجاز ) ومشتقاته لم يأت وصفا للقرآن الكريم . بل جاء على النحو الآتى :

1 ـ عجز البشر . قال جل وعلا : ( فَبَعَثَ اللَّـهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَىٰ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴿المائدة: ٣١﴾ 1

2 ـ تمام سيطرة الرحمن على البشر ، أى لا يستطيعون دفع ما سيقع بهم . قال جل وعلا : :(   إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ ﴿الأنعام: ١٣٤﴾ (  وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ ﴿الأنفال: ٥٩﴾ (  وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ ﴿يونس: ٥٣﴾ (  أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ) ﴿هود: ٢٠﴾ (   قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللَّـهُ إِن شَاءَ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ ﴿هود: ٣٣﴾ (  أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ ﴿النحل: ٤٦﴾ (   لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿النور: ٥٧﴾ (  وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴿العنكبوت: ٢٢﴾ (   فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَـٰؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ ﴿الزمر: ٥١﴾ (  وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴿الشورى: ٣١﴾ (  وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّـهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ ) ﴿الأحقاف: ٣٢﴾

3 ـ عدم إستطاعة البشر ( تعجيز ) الرحمن . قال جل وعلا : (  فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّـهِ وَأَنَّ اللَّـهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ﴿التوبة: ٢﴾ (  وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّـهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّـهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿التوبة: ٣﴾(   أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴿فاطر: ٤٤﴾. ( وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّـهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا ﴿الجن: ١٢﴾.

أما ما يخص ما نعرفه بالإعجاز القرآنى أو ( معجزة القرآن ) فالله جل وعلا يصفه بأنه ( آية ) وليس إعجازا .

ومصطلح ( آية ) يأتى فى القرآن الكريم بمعنى:

1 ـ آية بمعنى بديع الخلق. قال جل وعلا يدعو للنظر فى بديع خلقه : (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ) ( يوسف 105 ) وقوله تعالى ( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) ( الجاثية 3 ـ). وكل إنسان مؤمن يستطيع أن يتأمل آيات الله فى كل ما تقع عليه عيناه ، لذا يقول تعالى (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) ( الذاريات 20 ـ ).

2 ـ بمعنى عظة وعبرة . قال جل وعلاعن إهلاك الأمم السابقة :( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ). وتكررت هذه الاية الكريمة فى سورة الشعراء تعليقا على قصص الأمم السابقة حين عاندوا وكفروا فأهلكهم الله، وجعل قصصهم فى القرآن عظة وعبرة ، لذا قال تعالى فى آخر قصة يوسف (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )..
3 ـ بمعنى معجزات الأنبياء السابقين . قال جل وعلا : ( وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ : النمل 12).(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا ) (الاسراء 101
4 ـ بمعنى معجزة القرآن الكريم التى نزلت بديلا عن المعجزات الحسية السابقة التى كانت للأنبياء السابقين ، إذ جاءت معجزة عقلية مستمرة إلى يوم القيامة ، قال جل وعلا عنه : ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ : النحل 101 ـ 102 ).  ولذلك فإن كل فقرة فى القرآن تعتبر فى حد ذاتها آية ، لأن القرآن كله "آيات " يقول تعالى: ( "الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ) ( الحجر 1 ) (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ ) (النمل 1 )( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ) (الجاثية 6 )

اجمالي القراءات 3438