نظرة حول طبيعة الحياة السياسية المعاصرة لمعركة بدر
الذكر والاسوة ....وايات القتال الجزء الثالث

حسام علم الدين في الإثنين ٢٩ - يوليو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

نظرة حول طبيعة الحياة السياسية المعاصرة لمعركة بدر

تروي لنا آيات سورة الانفال احداث معركة بدر وقد كتب الكثيرين من اهل القران ومنهم الدكتور احمد صبحى منصور عن تفصيل هذه المعركة

لكننا نحاول في هذه المقالة القاء الضوء عن طبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية في تلك الفترة

اولا : الرسول لم ينشأ دولة بالمعنى المعروف حاليا

ثانيا : الصعاليك ودورهم في موازين القوي السياسية في تلك الحقبة

ثالثا : قريش هى البادئة بالقتال قبل معركة بدر

 

اولا الرسول لم ينشأ دولة بالمعنى المعروف حاليا او المعروف قديما

كانت دولتي الروم والفرس تتميز ببنيه مؤسسية الى حد ما لها دواوين  وضرائب وحساب وغيره

والدول الان في العصر الحديث  لها عقد اجتماعي ينشأ بين المواطنين بعضهم البعض يقوم كل فرد على اثره بالتنازل عن بعض حقوقه في سبيل التعايش الجماعي لمواطني الدولة فمثلا هو مجبور  على التجنيد والدفاع عن وطنه وهو مجبر على الخضوع  للنظام القضائي للدولة كما انه مجبر على دفع الضرائب .

اما الرسول في المدينة  فلم تكن دولته ان اعتبرناها دولة تتشابه مع الدولة قديما او الدولة الحديثة

حين اخرج النبي والمؤمنين من مكة واستوطن المدينة  كانت جماعة المؤمنين من المهاجرين والانصار جزء من مجتمع المدينة  وان كان عدد المؤمنين كان يتفوق على عدد الغير مؤمنين واهل الكتاب قليلا كان ذلك يسمح لجماعة المؤمنين بقيادة النبي عليه السلام في اتخاذ بعض القرارات الهامة المتعلقة بالمدينة

لكن لا يمكن القول ان النبي انشأ دولة بالمعنى القديم او المتعارف عليه الان  ولم نجد في القران اسس تكوين هذه الدولة  ذلك ان فكرة الدولة هى فكرة علمانية لا علاقة لها بالدين من وجهة نظري وسنضرب مثالا على ذلك

ان القضاء في المدينة كان اشبه بعمليات التحكيم فهو في طبيعته ليس قضاء اجباريا بل هو قضاء اختياري  والقبول به هو امر متعلق باختيار الشخص نفسه  فمثلا اهل الكتاب لم يكونوا ملزمين بقضاء الرسول ولم يكن خضوعهم لهذا الحكم الا بناء على اختيارهم فيقول الله تعالى ( فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ۖ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا ۖ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)) فالمستفاد من الآية هي ان الرسول لا يسوجب عليه فرض حكما واحدا على كافة مواطني المدينة فأهل الكتاب مثلا ليسوا مطالبين باتباع احكام الاسلام وكذلك غير المسلمين لا يخضوا لحكم الاسلام في نزاعاتهم حتى المؤمنين فخضوعهم لحكم الاسلام هو دليل على ايمانهم لكن الله لم يُعمِل عقوبة دنيوية على عدم الخضوع فقال الله تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)

اما بالنسبة للقتال فهو ايضا في المدينة امرا اختياريا لا يمكن فرضه على المؤمنين الا بشكل دينى لكن لا يجوز فرضه بشكل الزامى من الدولة فالرسول لا يملك الا تحريض المؤمنين على القتال لكن لا يملك اجبارهم على القتال معه باعتباره حاكما للمدينة ليس مثلا مثل دولتى الفرس او الروم التى كانت تجبر الناس على الانخراط في جيوشها او حتى نموذج الدولة الحديثة التى تجعل التجنيد امرا اجباريا .(فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا (84))

وكذلك الزكاة باعتبارها تمثل ضريبة في مفهوم الدولة الحديثة اذ ان مصارف الزكاة تعمل على خدمة الفقراء والمجتمع في الدولة فحتى الزكاة هى امر دينى بحت ترتبط اساسا بالايمان فالزامها مستمد من الايمان وليس من الدولة ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)  فالزام بدفع الصدقات مصدره الايمان وليس الدولة  بدليل ان المنافقين الذين فضحهم الله سبحانه وتعالى امر الله ان لا يشتركوا مع النبي في القتال ولا تؤخذ منهم الصدقات ذلك لان منبع هذه الاوامر انما هو الايمان وليس الالزام المجتمعي إِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ۖ إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ (86)

 وبالتالى فبعد وفاة الرسول كان لا حاجة من دفع الزكاة الى الحكام لان الرسول لم يكن يلزم بدفعها بل هى الزام من الله ولا يراقب عليها الا الله وما كان دفعها الى الرسول الا باعتباره جهة قائمة على التوزيع  دون الزام وبالتالي فبعد وفاة الرسول كان  يحق للمؤمنين ان يتخيروا الجهة التي يدفعون اليها صدقاتهم .

اذن فالقضاء والتجنيد والزكاة لم تكن ملزمة الا على المؤمنين والزامهم انما كان نابعا من ايمانهم ولا يمكن فرضه عليهم من جهة ما بل ان القضاء والتجنيد( القتال )  والزكاة( الضرائب ) كانت جميعها امرا اختياريا على الجميع مؤمنين او اهل كتاب او كفار من الناحية العلمانية لكنها كانت ملزمة للمؤمنين كدليل على ايمانهم والله وحده له الحكم عليهم في هذا الامر وليس لسلطة الدولة الزامهم

ولكن الخضوع الاجباري لشرائع الاسلام كان من الممكن ان يحدث فقط في حالة الجرائم المجتمعية التي تؤثر على المجتمع ككل اذا ارتضى احد اطراف النزاع ان يحتكم الى احكام الاسلام فتفرض على الطرف الاخر رغم عدم قبوله  باعتبار ان هذه الجرائم تؤثر على المجتمع ككل وهى الجرائم التي اصطلح على تسميتها في الفقه بالحدود و القصاص .

في النهاية نخلص ان الرسول لم يكن حاكما للمدينة وفعليا لم يكن هناك حاكما بالمعنى المتعارف عليه فلم يكن الرسول يسيطر على حدود المدينة ولم يكن يسبط ارادته على كافة المتواجدين بالمدينة بل انه لم يكن يبسط ارادته على المؤمنين برسالة الاسلام الا من منطلق ادبى يتعلق بمشاركتهم له بالإيمان برسالة الاسلام لذا كان في الامور المدنية ملزم بمشاورتهم وعدم الغلظة معهم .

ويظهر ذلك جليا في ان قبائل العرب الذين دخلوا الاسلام لم يكونوا تابعين للمدينة بالمعنى المتعارف عليه الان بل كانت شئونهم شبه مستقلة عن المدينة وما كان يجمعهم سوي ايمانهم برسالة الاسلام لذلك لم يكن الرسول يجبرهم مثلا على الانخراط في حرب بل كان يدعوهم ولهم الخيار وكان المنافقين منهم يتخلفوا ولم يكن الرسول له سلطة الزامهم  فلو كان حاكما بالمعنى القديم او الحديث لكان له سلطة الزامهم وهو مالم يحدث  فيقول الله عن الاعراب الذين تخلفوا انهم سيدعون الى حرب قوم اولى بأس ورتب على تقاعسهم عن القتال آنذاك العذاب الالهى وليس السلطة الدنيوية (قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ۖ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا ۖ وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)

اذن فالرسول كان رسولا وليس رجل دولة وما كانت مواقفه تجاه الاحداث التي اتخذها طوال حياته الا بناء على وحى من الله لتدعيم المعاني العملية للإيمان بين الناس التي هي لزوما للإيمان بالله فكانت حروبه الدفاعية ومواقفه والعهود  وغيرها امرا اشبه بتطبيق معنى الايمان بالله وما كانت دعوته للناس الا دعوة لا الزام فيها فمن اراد ان يتمسك بالمبدأ فعليه ان يتبعه ومن لم يرد واعرض فحسابه على الله

فلو كان تأسيس دولة في الاسلام امرا لزوما للإيمان لأنزل الله اسس الحكم واليه عمل الدولة وهو ما لا نجد له اي صدي في آيات القران .

هذه النتيجة سوف توضح لنا كيف كانت الحروب  التي خاضها النبي وكيف انها لم تكن مرتبطة في الاساس بتأسيس دولة ولا بنشر الاسلام ولا بتوسع وانما هي تعبير عن التمسك بمبدأ على جميع من يؤمنون به ان يخوضوه متمسكين به دون اي غرض دنيوي .

بل ان النهج الذي انتهجته قريش بعد وفاة الرسول ممثلة فيما فعله  الصحابة بحروب الردة هو انهم استغلوا حالة التجمع التي حظي بها الاسلام بين القبائل وفرضوا سلطان قريش بالقوة باعتبارها هي الاسلام وانشأوا دولة تقوم على استغلال اسم الاسلام الذي استطاع ان يخلق شيئا مشتركا بين العرب جميعا الذين كانت تمزقهم القبلية والعشيرة .

اجمالي القراءات 3000