( ما قبل احداث سورة التوبة )
الذكر والاسوة ....وايات القتال الجزء الثانى

حسام علم الدين في الأحد ٢١ - يوليو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

ما قبل

الاحداث التى وردت في سورة التوبة

قبل ان ندخل علي الاحداث التى وردت في سورة التوبة علينا ان نفصل ما حدث قبل هذه الاحداث مما استدعى حدوث الاحداث التى وردت في سورة التوبة

ان التراثيون اعتمدوا على المناقلة الشفاهية للاحداث التى حدثت هذا النوع من النقل الشفهى زيد فيه ونقص والاهم انه روي بما يناسب ثقافة العصر آنذاك وهى التى لم تكن تعترف سوي بالقوة مما نتج عنه روايات مشوهه ولي عنق النصوص لتتوافق مع ثقافة  العصر التى رويت فيه والتى تبعد عن زمن النبي بعشرات السنين او ربما المئات

لذلك فإننا سوف نعتمد في فهم الاحداث على القران فقط  مهما نتج عن ذلك نتائج لم نكن نتوقعها او احداث لم يذكرها المؤرخون

اننا ننوه بداءة انه لا ناسخ ولا منسوخ  في القران تلك الفرية التى افتراها التراثيون على القران ليسوغوا حروبهم وقتالهم وللتحلل من احكام القران وتزيفيها كانت فرية الناسخ والمنسوخ هى  عماد الفقه السنى او الشيعى والتى فتحت الابواب لاسقاط  ثقافة العصور الوسطى على نصوص وايات القران

كما انتهينا في المقدمة ان العداء للمشركين لم يكن بأية حال مبعثه الاختلاف العقدي بين المؤمنين وغير المؤمنين ولكن الاعتداء هو سبب العداء وقد اوضح الله تعالى ان هذا العداء من الممكن ان ينقلب الى مودة وبر متى توقف هذا الاعتداء بغض النظر عن ايمان هؤلاء الكفار من عدمه

كان هذا المبدأ واستمر حتى نزول اخر ايات القران هو المبدأ الذي سار عليه النبى محمد عليه السلام وجماعة المؤمنين

احداث سورة التوبة هى  احداث ما اصطلح عليه تاريخيا فتح مكة

من قراءة القران نجد ان احداث سورة التوبة هى ما اصطلح عليه تاريخيا بفتح مكة ورغم ان هذه الفكرة تتناقض مع الرواية التراثية لذلك فإننا سنثبت من القران كيف ان هذه الفرضية الاولى هى الاقرب للصواب بل ان الرواية الاخري  انما تعبر عن الاحداث التى تلت وفاة الرسول عليه السلام والتى استغلتها قريش في السيطرة على العرب واعادة الحكم الجاهلى تحت راية الاسلام لتأصيل فكرة الحرب على المخالف الدينى لتسويغ الفتوحات والاعتداء والسلب والنهب بإسم الاسلام  وقبل الحديث عن تلك الاحداث يجب ان نصحح  قرانيا ما حدث قبل تلك الاحداث من القران والتى تتناقض ايضا مع الروايات التاريخية

 

ما بعد معركة  الاحزاب

  • بعد ان انقذ الله المسلمين ودحر الاحزاب الذين تجمعوا لقتال المسلمين وعاونهم على ذلك مجموعة من اهل الكتاب الذين كانوا يجاورون الرسول في المدينة(  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)  لفت هذا النصر انظار العرب الى مجموعة المسلمين والرسول ودعوته وجعلت انتصار مجموعة ناشئة على تحالف المشركين من العرب واهل الكتاب محل اهتمام لتلك المجموعة  مما دفع الكثيرين الى الانضمام الى الرسول من العرب خاصة الاعراب الذين كانوا يجاورون  المدينة  وكان انضمام هؤلاء الاعراب منه ما هو تصديقا لنبوته ومعظمه  رغبة في انشاء تحالف مع مجموعة اعتبروها  قوة صاعدة  دون ايمان (نفاقا) وقد عبر القران عن هؤلاء الاعراب سواء من كانوا حول المدينة او من العرب عموما وقد عبر القران عن نية هؤلاء الاعراب في ايات كثيرة كما سنعرض لاحقا  .
  • بدأت هيبة قريش وحلفاءها تهتز بعد غزوة الاحزاب وصار من الصعب عليهم ان يبقوا على عزلة الرسول والمسلمين عن العرب .
  • يجب ان نشير ان ثقافة العرب في هذه الاوانه كانت تدعى حرية العبادة فبالتالى كانت كل المعتقدات مسموح لها بزيارة البيت الحرام  وكانت هذه الحرية  لها سبب اقتصادي وهو انتعاش التجارة
  • لكن قريش لم تسمح للمؤمنين  بزيارة البيت الحرام منذ هجرتهم من مكة .
  • بعد معركة الاحزاب انزل الله تعديلات بسيطة على طقوس الحج التى كانت معروفة منذ عهد ابراهيم كما كانت الصلاة والزكاة معروفة لدي العرب وفقا للملة الابراهيمية  وطلب  الله من الرسول ان يبادر الى آداء العمرة هو والمسلمين وان  تمكنوا من آدائها فعلى الراغبين منهم البقاء الى اداء فريضة الحج ( البقرة 196  الى 203 ) 
  •  ولما كانت قريش قد منعت الرسول والمسلمين من دخول المسجد الحرام مما يتوقع منه حدوث قتال  فأنزل الله جواز دفاع المسلمين عن انفسهم  اذا ما قاتلتهم قريش وحلفاءها لكنه حدد ان قتال المسلمين مشروط بأن تقاتلهم قريش او اي من حلفاءها  وشدد الله سبحانه وتعالى على عدم قتالهم داخل المسجد الحرام حتى يقاتلوهم  وجعل من توقفهم عن القتال نهاية للقتال فلا يجوز للمؤمنين ان يبدأوهم او يستمروا في القتال ماداموا توقفوا عن قتالهم (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192))
  • وقد بين الله سبب رحلة العمرة رغم ما قد ينشأ عنها من قتال الا وهو تثبيت مبدأ حرية العقيدة  للمسالمين فطالما ان المسلمين جماعة تختلف في عقيدتها عن عقائد العرب وانها مسالمة فمن الخطأ منعها من ممارسة شعائرها وفق عقيدتها والله وحده يحكم بين الناس حول عقائدهم يوم القيامة (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ(1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ(2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ(3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ(4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ(5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ(6))
  • فالقتال من اجل ان لا تكون فتنه يكره فيها الناس اخرين على اعتناق دين معين نتيجة لاضطهاد او استضعاف لذلك قال الله

 ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) البقرة )

  • ومصطلح الفتنه في القران له معان كثيرة  لا محل لها هنا الان ولكن بإختصار فإن الفتنة بين البشر بعضهم البعض  هي  خلط المفاهيم الدينية اما بالاكراه او الخديعة والكذب  لذا فإن محاولات قريش منع المؤمنين من الاعتقاد بشئ لا يرضونه بدأت بالاضطهاد داخل مكة ثم الاخراج منها ثم الحروب على جماعة المسلمين في بدر واحد والاحزاب وكان وقتها المسلمين ضعفاء لا يستطيعون التصدي لهذه الفتنه  فلما انتصر المسلمون بغزوة الاحزاب باتوا مؤهلين  للتصدي لهذا الاضطهاد بأن يطالبوا بممارسة حقهم في العقيدة طالما انهم مسالمين  . لذا فذهبوا لاداء العمرة في سلام ولكن اذا تعرضوا للقتال فعليهم الدفاع عن انفسهم لتثبيت هذا المبدأ  حتى لا تكون فتنة ويكون الدين امره ومرجعه الى الله وليس الى جماعة بشرية تمنعه او تجيزه طالما ان المؤمنين مسالمين ولم يعتدوا على احد كما سبق بيانه في التأسي بقصة قوم ابراهيم .
  • وقد وضح الله انه في حالة اذا ما  اعتدي المشركين على المسلمين  فإن لهم حق الدفاع عن انفسهم ورد الاعتداء  حتى في الاشهر الحرم فقال تعالى (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) البقرة  وهو الاستثناء الوارد على النهى عن القتال في الشهر الحرام الا في حالة التعرض للاعتداء في الشهر الحرام ذاته فلك رد الاعتداء بمثله دون التعدي ( ولهذا الامر مردود في تفسير احداث سورة التوبة )
  • اعلن الرسول عن رحلة العمرة التى ينوي خوضها  انها خطة من وجهة نظر المنافقين مجنونة ان المخاطرة في                 الذهاب  الى  مكة العدو القديم بشكل مسالم دون عدة حربية سوي السلاح الشخصى امرا مجنونا وان القضاء على                المسلمين امر حتمى  (بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا                    
  • وهو مما دفع  الاعراب المنافقين الى التقاعد عن الخروج مع الرسول بحجة الانشغال بالاهل والمال (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا )
  • خرج الرسول مع جماعة من المسلمين الى مكة وقد كانت خطة قريش وحلفائها هى استفزاز المسلمين حتى يبدؤهم بالقتال فيشيعوا ان اعتداء المسلمين عليهم فى  الاشهر الحرم  سببا لمنعهم تماما من دخول مكة بحجة انهم قوم معتدين
  • تعرض المسلمين منذ وصولهم مشارف مكة الى مضايقات من قريش لاستفزازهم  وشعر المسلمون انهم سيواجهون قتالا فبايع المؤمنون الرسول على القتال في سبيل الله اذا بدأت قريش بالقتال ولكن قريش  سمحت لهم بدخول مكة – على عكس الروايات التاريخية – الا انهم منعوهم من دخول المسجد الحرام وبدأوا في صدهم عن المسجد ودخوله هم والهدي الذي معهم فيقول الله (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) الفتح  ومحل الهدي هو المسجد  فيقول الله في سورة الحج عن الهدي (لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33))
  • وببطن مكة بدأ الشجار القولى بين المسلمين وقريش على مرأي من العرب جميعا  حوارا حول حقهم في ممارسة شعائرهم هذا الحوار الهدف منه هو استفزازهم وكاد المسلمين ان يستفزوا وكادت قريش ان  تقاتلهم لكن الله الزم المسلمين كلمة التقوي وكف ايدي كل طرف عن الاخر فأظفر المسلمين على الكفار بالحجة والبيان واقنعوا الحاضرين بحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية كباقى العرب  (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا).
  • اجري المسلمون وقريش وحلفاءها عهدا هذا العهد وافق على حرية المسلمين  في ممارسة عقيدتهم بجانب العقائد الاخري  بشرط عدم الاعتداء من ايا منهم فإن الاعتداء يفسخ العهد بشرط عدم دخولهم المسجد الحرام في هذا العام .
  • وافق المسلمون على هذه الشروط رغم منعهم من دخول المسجد الحرام وبشرهم الله انهم سيدخلون المسجد الحرام محلقين رؤسهم ومقصرين وهو الاجراء الذي لم يتمكنوا من فعله هذه المرة .
  • لكن من مميزات هذا العهد  انه اعترف بحق المسلمين في ممارسة شعائرهم بحرية على خلاف السابق مما ظهر معه المسلمون في مكة الذين كانوا يكتمون ايمانهم واصبحت حرية التنقل بين مكة والمدينة متاحة مما اعاد لم شمل المهاجرين مع اسرهم من الكافرين في مكة وبدأت حركة التجارة تنتعش بسبب  حرية تنقل المهاجرين لمكة وتواصلهم مع اسرهم الكافرة
  • لكن قريش وحلفاءها كان لهم مخطط اخر سيتم الكشف عنه بعد فترة من هذا الصلح الذي اتاح حرية العبادة

 

اجمالي القراءات 3106