المستضعفون فى الأرض والصبر

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٣ - مايو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

المستضعفون فى الأرض والصبر :

مقدمة

1 ـ الاستضعاف للبشر إهانة لهم. لو صبر المستضعفون إيجابيا وتوكلا على الله جل وعلا فى المواجهة طابا لحقوقهم لإنتهت هذه الظاهرة المهينة للبشر.

2 ـ هذا يستحق تفصيلا .

أولا : أنواع الضعاف من الناس

  ضعيف حسب مراحل العمر .

1 ـ  قال جل وعلا : (اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚيَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ) 54 ) الروم   ) . يولد الطفل ضعيفا فيكون برعاية من حوله أقوى الناس .

2 ـ وعند الكبر يأتى الضعف ، ويأتى التشريع القرآنى برعاية الوالدين أو أحدهما إذا بلغ الكبر ، قال جل وعلا : (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴿٢٣﴾ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) 24 ) الاسراء ) .

اليتيم الضعيف  :

1 ـ تشريعات القرآن تعتنى باليتيم ؛ نفسه وماله . قال جل وعلا : ( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ۖ قُلِ اللَّـهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ )﴿١٢٧﴾النساء ).

2 ـ والمؤمن الذى يخشى أن يموت تاركا ذرية ضعافا عليه أن يتقى ربه لينالوا حفظ الله جل وعلا ، قال جل وعلا : ( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّـهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿٩﴾ النساء ).

3 ـ  وفى قصة موسى مع العبد الصالح أقام العبد الصالح جدارا ليتيمين لأن أباهما كان صالحا .  قال لموسى : (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا﴿٨٢﴾ الكهف )

وبدون الموت :

كأن يترك الوالد ولده فيصبح الولد ضعيفا بدون أبيه ، كما فى قصة ابراهيم عليه السلام وقد ترك إبنه الصغير إسماعيل فى مكة عند البيت الحرام فى واد غير ذى زرع ، وهى مؤهلات الضعف لذا دعا ربه جل وعلا فقال : ( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴿٣٧﴾  ابراهيم ).

بسبب المرض والفقر والعمى والعرج  

وهذه حالات تلحق بالبشر . ولهم تشريعات خاصة فى القرآن الكريم . قال جل وعلا :

1 ـ ليسوا مطالبين بالتطوع وبالتبرع فى المجهود الحربى ، وهم محسنون إذا نصحوا وإتقوا الله جل وعلا ، قال جل وعلا : ( لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّـهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٩١﴾ التوبة )

2 ـ (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ )﴿٦١﴾ النور ) (  لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿١٧﴾  الفتح)

ثانيا : وجود المستضعفين فى بلاد الظالمين

1 ـ ليس فى الدولة الاسلامية مستضعفون مظلومون. لأن الضعيف فيها تنصفه تشريعات الاسلام . وجود  المستضعفين يُعدُّ دليلا على خلل فى المجتمع وفى الدولة ، وهذا فى دول الإستبداد حيث يتحكم المستبد ومعه الملأ ، وهم معا أقلية الأقلية ولكنهم يحتكرون السلطة والثروة والسلاح ، وبهم تتكون الفئة المترفة التى تبتلع حقوق الأغلبية ، وتحولها الى أغلبية مستضعفة . ويكون هذا إرهاصا بتدمير تلك الدولة . ( الإسراء 16 )

2 ـ المستبد الذى ( يعلو ) على قومه يمارس التفرقة بينهم ـ يكون له الملأ من جنده وحاشيته يرهب بهم الأغلبية المستضعفة ، وليزيد من قهرهم يختار أقلية من المستضعفين فيضطهدهم ليرهب الأغلبية المستضعفة ، وفى نفس الوقت يجعل تلك الأقلية المستضعفة أكثر ضعفا بما يتخذه من أساليب القهر والتعذيب . وهذا ما فعله فرعون موسى مع أقلية من أهل مصر ، وهم بنو إسرائيل . قال جل وعلا : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ  ) القصص 4 ).

3 ـ وقد يكون هناك قائد عادل وحازم لشعب متمرد ، فإذا غاب عنهم وولّى عليهم نائبا عنه ، ظهر تمردهم وإستضعفوا الوالى عليهم وأرهبوه وهددوه بالقتل. هذا توصيف بنى إسرائيل حين تركهم موسى وذهب الى ميقات ربه عند جبل الطور ، وفأوصى أخاه النبى هارون أن يخلفه فى القوم وأن يكون صالحا ولا يطيع المفسدين وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ﴿١٤٢﴾الاعراف ). ولكن المفسدين إتخذوا من الأسباب التى جعلوا فيها هارون مستضعفا ، وعبدوا العجل الذهبى . قال جل وعلا : ( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ   ) 150 ) الاعراف )

ثالثا :  المستضعفون بين الصبر والهجرة    

1  ـ الصبر الايجابى الإسلامى يجعل المستضعف يقف مطالبا بحقه ، وإن لم يستطع فعليه بالهجرة تاركا هذا الوطن لأنه وطن المستبد وحاشيته فقط . وإذا هاجر بعد جهاد وصبر فإن رحمة الله جل وعلا تحوطه ، ويكسب فى الدنيا والآخرة  قال جل وعلا :

1 / 1 :  ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أُولَـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّـهِ ۚ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٢١٨﴾ البقرة )

1 / 2  (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴿٤١﴾ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٤٢﴾ النحل )

1 /  3 : ( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّـهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴿٥٨﴾ لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ ۗ وَإِنَّ اللَّـهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴿٥٩﴾ الحج )

1 / 4 : ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴿١١٠﴾ النحل ) .

2 ـ  هذا لا يعنى أنه سيجد الظروف ميسرة له بل سيلاقى عنتا ومشقة ، وسيجد يسرا وسعة أيضا ، وقد يفقد حياته ، ومعنى هذا أنه سيصاحب الصبر  الايجابى فى هجرته كما كان يصاحبه فى تصديه للمستبد وحاشيته الظالمة . ويكفيه أنه صابر وأن الله جل وعلا مع الصابرين . قال جل وعلا : (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿١٠٠﴾ النساء)  

رابعا : المستضعفون الظالمون لأنفسهم  ( أصحاب الصبر السلبى )

1 ـ لو تمسك المستضعفون  بالصبر الإيجابى تختفى هذه الظاهرة المهينة للبشر وهى الاستضعاف ، فالله جل وعلا كرّم بنى آدم وفضلهم على كثير ممن خلق . قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴿٧٠﴾ الاسراء). والمستبد يعتبر الشعب رعية له أى هو الراعى وهم الرعية أو الأنعام المملوكة له، يتحكم فيهم كيف شاء يقتل من يريد ويستبقى من يشاء ، شأن الراعى مع أغنامه وأبقاره ومواشيه .

2 ـ ولهذا يكون من أصحاب جهنم أولئك  المستضعفون فى الأرض القادرون على الهجرة ولم يهاجروا ثم ماتوا على إستضعافهم ورضاهم بالصبر السلبى . قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) 97 ) النساء ) .

3 ـ الاستثناء هو لغير القادرين على الهجرة. أولئك ( عسى ) الله جل وعلا أن يعفو عنهم. قال جل وعلا : ( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ) 98 : 99 ) النساء )

رابعا : المستضعفون والقتال الدفاعى ضد المعتدين  

 1 ـ المستبد يستعين بالكهنوت الدينى ليركب به الناس أو يجعل نفسه كهنوتا بدولة دينية. وحين يتحكم بالكهنوت يسود الإكراه فى الدين ، وفرض الدين ( السلطانى ) على الناس ، ومن يرفضه يكون مسنضعفا فى الأرض حتى لو كان من الأثرياء .

 2 ـ الكهنوت القرشى مارس الإكراه فى الدين أو الفتنة فى الدين . وعانى من هذا المؤمنون من المستضعفين فى مكة حتى لقد أباح الله جل وعلا لهم البوح بالكفر تفاديا للتعذيب . قال جل وعلا : (مَن كَفَرَ بِاللَّـهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّـهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿١٠٦﴾ النحل ) .

وهاجروا وتابعتهم قريش بالغارات الحربية وقت أن كانوا ممنوعين من رد الإعتداء ومأمورين بكف اليد . قال جل وعلا عن غارات قريش عليهم : ( وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ) ﴿٢١٧﴾  البقرة ).

ثم نزل الإذن لهم بالفتال الدفاعى وفيه حيثيات هذا التشريع من أنهم يتعرضون للقتال بعد أن أخرجوهم من ديارهم ظلما وعدوانا . ومن الحيثيات أيضا حصانة بيوت العبادة للجميع ، قال جل وعلا : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴿٣٩﴾ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿٤٠﴾ الحج ).

3 ـ وبعد الانتصار فى موقعة بدر قال جل وعلا يذكّرهم بحالهم حين كانوا مستضعفين يخافون أن يتخطفهم النار ، قال لهم جل وعلا : ( وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) 26 ) الانفال ). تحقق هذا بالصبر الايجابى فى القتال .

بوقوفهم ضد المستكبرين زالت حالة الاستضعاف .

4 ـ إنقاذ المستضعفين الذين يعانون العسف واجب على الدولة الاسلامية حتى لو تطلب هذا القتال ، قال جل وعلا : ( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ) 75 النساء ) .

5 ـ  وللقتال الدفاعى مقصد نهائى أعلى هو منع الفتنة فى الدين أو الإكراه فى الدين ، حتى يكون الدين لله جل وعلا يحكم فيه بين البشر يوم الدين ، وإذا توقف الإكراه فى الدين توقف القتال ، قال جل وعلا (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّـهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴿١٩٣﴾ البقرة ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّـهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّـهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴿٣٩﴾ فاطر)

خامسا :مستضعفون مؤمنون صابرون جاءهم نصر الله جل وعلا :

1 ـ قبل فرض الهجرة والقتال الدفاعى كان رب العزة يهلك الكفار المستكبرين وينجى المؤمنين المستضعفين مع النبى . حدث هذا مع أقوام نوح وهود وصالح وشعيب . قال جل وعلا : ( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٠٣﴾ المؤمنون) .

2 ـ على سبيل المثال ، فإن الملأ المستكبر من قوم ثمود ردوا على دعوة النبى صالح بقولهم للمستضعفين المؤمنين : ( قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ) ( 73 : 76 ) الاعراف ). أنتهى الأمر بإهلاكهم ونجاة النبى صالح والمستضعفين .

سادسا : العبرة فى قصة فرعون موسى

 إهلاك فرعون وجنده وآله وقومه كان ــ فيما نعلم ـ آخر الاهلاك للقوم الظالمين بالتدخل الالهى . ونرى فيه قضية المستضعفين واضحة. من البداية الى النهاية :

1 : البداية قى قوله جل وعلا : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ  وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) 4 : 6 ) القصص )

2 : ثم تطرف فرعون فى إضطهاد المستضعفين من بنى إسرائيل بعد مجىء موسى . ( وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ   ) 127 : 129 ) الاعراف )

3 : بسبب هذا التطرف فى التعذيب أصيب معظم بنى إسرائيل بالرعب ، وفقدوا الثقة فى مقدرة موسى على إنقاذهم . قال جل وعلا : ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ۚ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴿٨٣﴾ يونس )

4 : هنا دعاهم الى الصبر الايجابى بالتوكل على الله وتقوية يقينهم بالله جل وعلا : ( وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّـهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ﴿٨٤﴾ فَقَالُوا عَلَى اللَّـهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿٨٥﴾ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿٨٦﴾ يونس ).

5 . بعد الصبر والتوكل كانت الصلاة والدعاء لرب العزة أن يهلك فرعون : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٨٧﴾ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴿٨٨﴾ يونس ).

6 : وإستجاب الله جل وعلا لدعاء المظلومين فأغرق فرعون ودولته العميقة فى مياه البحر الأحمر العميقة. قال جل وعلا : ( قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٨٩﴾  وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿٩٠﴾ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴿٩١﴾ يونس )

7 : وتحقق ما قاله جل وعلا ، أورث بنى إسرائيل ملك فرعون بعد غرقه وغرق دولته . قال جل وعلا :( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ   ) 137 ) الاعراف )

أخيرا : العبرة :

تتهاوى عروش الفراعنة فى بلاد المحمديين ولكن يرثهم فراعنة آخرون . على المستضعفين فى بلاد المحمدييم بالصبر الايجابى ، وطالما لا يقدرون على مواجهة المستبد الذى يحتكر السلطة والثروة والسلاح فعليهم أن يقيموا ليلهم قنوتا يدعون عليه أن ينتقم الله جل وعلا منه . 

اجمالي القراءات 4534