مصر وإيران..اللقاء الصعب

سامح عسكر في الجمعة ٢٩ - مارس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

منذ أيام عقدت مصر صفقة مع العراق لتوريد نفط مرورا بالأردن لا أعلم مقابل ماذا؟..أكيد العراق طلب وقف ملاحقة مواطنيه في مطارات القاهرة وكف الخطاب التحريضي المذهبي في الإعلام المصري، وقد رأينا نتائج ذلك بسرعة بدعوة شيخ الأزهر للقاء السيستاني بوساطة رئيس حكومة العراق.

جميل..كل هذا..أنادي به منذ سنوات، لكن ما لا ينتبه له الكثيرون أن الأزمة أكبر من حصرها في خطاب مذهبي وكراهية دينية متبادلة يحاول أن تجعلها حكومة البلدين كمقايضة سياسية..وهذا شئ خطير جدا..معنى ذلك أنه وبسوء العلاقة مع العراق مرة أخرى أو عدم وفاء دولة بالتزماتها سيشتعل الوضع وتُصوّر العراق كبلد شيعي عميل لإيران مرة أخرى..!

يجب أن يكون الاعتدال والتسامح فوق أي مقايضة

إيران مشكلتها مع مصر ليست فقط دينية بل سياسية قديمة حين مجّدوا وخلّدوا قَتَلة السادات، وحين أخطأ السادات نفسه بحماية شاه إيران، وحين دعم الإيرانيون حماس والإخوان ضد مصالح مصر أحيانا ، بوصلة الإيرانيين كانت مضطربة حين دعموا مرسي كتابع لهم ولم يُدركوا أن الرجل وجماعته ونظامه جزء من مشروع طائفي أمريكي كبير يستهدف المنطقة منذ تصريح "كونداليزا رايس" الشهير بالشرق الأوسط الجديد..ويأتي مؤتمر الاستاد ليثبت ذلك وهذا دليل على ضعف أداء القيادة الإيرانية وجهلها بالوضع المصري.

قيادات إيران مُصرّين على إثبات أنفسهم كمصدر تهديد للخليج وليس مصدر قوة، أعلم غباء وحماقة وطائفية بعض حكام الخليج ومبادرتهم لإشعال الوضع لكن يوجد بالفعل خطاب كراهية إيراني ضد الخليج أساسه مذهبي وقومي معا، والعمق الخليجي هو مصدر أمان لمصر بحكم (اللغة والدين والجوار) مصر لن تتحول لشيعة كما يظن البعض..بل هي في إطار تحولها لمجتمع مدني ربما يغلب عليه اللادينية خلال 100 عام.

إيران لم تتقارب مع مصر سوى في عصر مرسي، وبعد رحيله سكتوا، يفترض أنهم أصحاب حكمة أكثر من ذلك ويرسلوا إشارات طمأنة للجانب المصري باستمرار..أو إشراك الدولتين في خطاب مصلحة واحد خصوصا في سوريا، لكن إيران للأسف تسير في سوريا بمعزل تام عن حلفائها الروس ويتقاربون أكثر مع الأتراك بحكم الأيدلوجيا الإسلامية..وهذا يثير حفيظة وحساسية النظام المصري.

لا أريد تصور أنظمة الخليج على أنها علمانية مدنية لأنه تصور مزيف خدع الكثيرين وربما يدفع الجميع ثمنه مستقبلا بانقلابات وقلاقل وتغيرات لتلك الأنظمة مع أول سقوط لنظام منهم..لذلك رأيت منذ البداية أن تحالف مصر مع تلك الدول خطر جدا ليس لضعفهم السياسي فحسب ولكن لأن الشرق الأوسط كله بات مسرحا لألعاب سياسية قذرة بدأت منذ إشعال الحرب السورية ثم اليمن من أجل إضعاف العرب وإشغالهم بأنفسهم..وقد نجحوا في ذلك جدا مما شجع ترامب لاتخاذ خطوات بضم القدس والجولان لإسرائيل وهو يعلم أنه لا ردود أفعال ولا قدرة لأي طرف عربي على الرد.

ترامب شخص واقعي جدا جدا..ووقح جدا جدا ، ولم ينتظر الفرصة لسرقة أراضي العرب حين رأي الضعف الكامن يدب في المنطقة وأن إسرائيل هي الجيش الوحيد ..حتى مصر أشغلوها بسيناء ولا أستعبد تواطؤا أمريكيا إسرائيليا في دعم دواعش سيناء..هذه مصلحة عليا لهم لتبقى مصر في حاجة دائمة وجيشها يُستنزف إلى حين.

إسرائيل تنظر لمصر على أنها (بوابة جنوبية أمنية) والخليج ينظر لها (كخزان بشري) وأوروبا لا تهتم بمصر لفقرها كذلك إيران لم تعد تهتم بمصر لنفس السبب ولكن بدافع مختلف عن الأوروبيين حيث ينظرون إلى أن فقر مصر وعسكرة نظامها ليس في صالحهم كما تصدوا لانقلاب تركيا العسكري ومن يومها ربحوا أردوجان، فالإيرانيون لا يريدون أنظمة قومية وعسكرية في الشرق الأوسط بل ديمقراطية أو إسلامية بما يتوافق مع نظامهم الحاكم، أما أمريكا فهي مهتمة بمصر لكونها محور محتمل ضمن محاور الصراع الطائفي المستقبلي، ولأن أمريكا ترى موقع مصر مهم جدا في الأمن المائي وشعبها في استبدال شعارات الكفاح والاستقلال بشعارات وطنية ضد عدو أمريكا نفسها تدعمه.

أما الروس والصينيين فينظرون لمصر كحليف محتمل لا يتصورون خسارته في معاركهم المصيرية في استعادة عالم الأقطاب المتعددة، هذا يعني أن مصر دولة مهمة للجميع عدا أوروبا الذين سيدعمون مصر فقط في حال تحولها لبلد ديمقراطي..أما بهذا الوضع فالجميع مهتم بما يحدث في مصر ويخلق مصالحه تبعا للتغيرات الجذرية أو المستقبلية التي قد تحدث في أي وقت، أما بالنسبة لإيران فاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية ستظل حاجزا ضد عودة العلاقات ، وأي تقارب الآن لم يعد مطروحا كبديل عن الحلف المصري السعودي الأخير في اليمن..لذا فمن الخطأ اعتبار العراق بوابة تلك العلاقة ..هذا تبشير خادع فالعراقيون ليس ولائهم لإيران كما نظن..يوجد صراع وخلاف داخلي شديد حول منظومة الولاءات.

التواصل الحضاري بين شعوب المنطقة هو الكفيل بعودة العلاقات، ولكنه لن يحدث سوى باتفاق سياسي، وما دام السياسيون في قطيعة لن يحدث أي تواصل وسينظر الإيرانيون لمصر كعميل للصهيونية والوهابية وينظر المصريون لإيران كعدو فارسي شيعي، برغم أن الانتماء المذهبي لم يكن هو السبب في قطع العلاقة..هذه فِعلة ساداتية ندفع ثمنها إلى الآن بعد مُضيّ 40 عاما، حتى فكرة الصراع العربي الفارسي لم يكن يخص مصر من قريب أو بعيد لانتماء مصر إلى حضارة شمال أفريقية وثقافة مدنية منذ تأسيس دولتها الحديثة في القرن 19.

ملفات كثيرة يجب حلها قبل الحديث عن عودة العلاقات أولى تلك الملفات هو الاعتذار المتبادل باستضافة الشاه وعدم الاعتراف بالثورة من جهة مصر وتخليد قاتل السادات من جهة إيران، برغم أن الإيرانيين لديهم رد على ذلك بأن الإسلامبولي كانت له شعبية كبيرة في مصر وقتها ولا زالت شعبيته كبيرة في الوطن العربي والإسلامي لسمعة السادات السيئة بين المسلمين، كذلك تتهم إيران مصر بدعم صدام حسين بجنود مصريين وسلاح في حرب الثمانينات..وقد نشرت جريدة الشرق الأوسط السعودية تقريرا عن هذا الدعم برغم أنه كان طبيعيا حينها لاصطفاف العالم كله تقريبا مع العراق..أي مصر لم تكن وحدها داعمة لصدام.

أتصور أن هناك أزمة في الخطاب السياسي الإيراني وهو أن الواقع يشهد بعدم اعتدائهم على أي دولة عربية، وحضورهم في سوريا قانوني لم يقلق سوى إسرائيل بحُكم التماس، لكن مع ذلك نجد تصريحات عنترية أحيانا وإشارات وتلميحات دينية عند الحديث على العرب..وهذا أعزه لقصور أيدلوجي إيراني تجاه الآخر بالعموم، إذ أنهم إضافة للعرب ربما لا زالوا يتصورون الروس بالخطر الشيوعي القديم مما يُعيق تشكيل تحالف قوي مع روسيا على غرار ما فعلوه مع الأسد ، فهم يرون سوريا جزءا من مشروع مقاومة ضد الإمبريالية العالمية، وبالتالي وَجَب عليهم دعم هذا النظام كي لا يُستبدل بآخر موالي لأمريكا كما يحدث الآن في فنزويلا بمحاولات غربية لاستبدال مادورو بجوايدو.

وفي رأيي أن ذلك من بقايا أيدلوجيا الإسلاميين التي غلبت على الدولة وتعززت بالصمود والتسليح وتوقيع الاتفاق النووي، مما أكسب إيران – في ظل حكم الإسلاميين – تجربة فريدة في الاعتماد على النفس تظل نموذج لكيفية البناء من الصفر والتغلب على التحديات، ولن أكرر ما قلته عشرات المرات فأبحاثي عن علاقة العرب مع إيران كثيرة لكن أكتفي بضرورة التنازل واتخاذ قرارات صعبة من كلا الطرفين، فكل طرف منهم يذهب للمنطقة التي تريحه ، إيران ترفع فزاعة المقاومة والصهيونية، والعرب يرفعون فزاعة التدخل والطائفية، بينما الموضوع الأساسي ليس عن هذا أو ذاك بل في جوار جغرافي وامتداد ثقافي وواقع يفرض عليهم جميعا أنهم في مركب واحد.

فما يفعله ترامب وحكام أمريكا الآن بعد ضم القدس والجولان لإسرائيل أكبر من استيعابه ضمن خطط بينية..الجميع أمام مفترق طرق وتحد بالغ الخطورة دفع أمريكا لسرقة الأرض جهارا نهارا لعلمها التام بضعف شعوب المنطقة عن الرد، فهل سيثبت الجميع خطأ ذلك وأن العرب والمسلمين ما زالوا يتنفسون؟ أما نعلن وفاة الشرق الأوسط كله ثم التهامه واحدا بعد الآخر؟

اجمالي القراءات 3245