بعض المنشور فى جريدة الخليج ( 7) : ( التفسير الصوفي )

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١١ - مارس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

بعض المنشور فى جريدةالخليج ( 7): ( التفسير الصوفي )                 

أولا :

1 ـ  أساس القرآن هو الدعوة إلى أنه لا اله إلا الله وذلك يعنى شيئين أنه لا يوجد إله مع الله سبحانه وتعالى . وانه لا يمكن أن يوجد لله شبيه أو نظير بين المخلوقات . أما أساس  التصوف فهو إذابة الفوارق بين الله تعالى والمخلوقات عن طريق الاتحاد بين الخالق والخلق، أو حلول الخالق في الخلق أو تناسخ الخلق من الخالق ،ومن الطبيعي أنه لا توجد حلول وسط بين عقيدة الإسلام وعقائد التصوف، وتلك هي المعضلة التي واجهها الصوفية الأوائل وهم يحاولون ربط عقائدهم بالإسلام عن طريق التفسير ...

2 ـ وقد تغلبوا عليها بطريقتين:

الأولى: إنهم لم يطلقوا على رؤيتهم التفسيرية مصطلح التفسير حتى يتجنبوا التعرض للآيات القرآنية كلها  والتي تصدم عقائدهم ، فاختاروا مصطلحا جديدا هو الإشارات ، أي أن لهم أشارات في فهم بعض الآيات ، وعن ذلك يختارون من الآيات ما يوافق ظاهرها مرادهم ويسلطون عليها إشاراتهم أو تأويلا تهم ..

الثانية: إنهم لجأوا للرمز فى وضع تلك الإشارات ،وهم اعتادوا ربط تلك الرموز بإدعاءاتهم العلم اللدني وبأنها تصدر عن إشراقات الاهية فى نفوسهم ، وذلك كي يحصنوا أنفسهم ضد النقد والاستنكار .

ثانيا : أمثلة على التفسير الصوفي لأئمة التصوف : 

  1 : ابن عربي فيلسوف " وحدة الوجود" أو انعدام الفوارق بين الخالق والمخلوقات – يؤول آيات القرآن التي تتحدث عن رجوع الناس إلى الله يوم القيامة بأنه رجوعهم إلى ذات الله باعتبار أنهم جاءوا من ذات الله ورجعوا إليها، بل انه عبث بقوله تعالى : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴿٤٩﴾ القمر )  فجعل كلمة "كل " مرفوعة على أنها خبر وذلك ليستدل على نظريته في وحدة الوجود بأن الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا هو كل المخلوقات. وتناسى أن ذلك التلاعب لا يستقيم مع منطق الآية ومع ثبوت النصب فى كلمة " كل" التي تقع مفعولا به..

2 : وسلط الصوفية أشاراتهم حول مواضع بعينها فى القرآن:

2 / 1 :  قوله تعالى : ( اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖالْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚوَيَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿٣٥﴾ النور )  الله تعالى يتحدث عن نور الهداية كما جاء فى ختام الآية ويضرب لها مثلا. لكنهم جعلوا هذا النور حلولا الاهيا فى نفوسهم هم ليثبتوا أن الخالق جل وعلا يحل في المخلوقات.

2 / 2 : وجعلوا من ( الروح ) طريقا لإثبات أن في المخلوقات جزءا إلهيا ، وقد حرفوا المعنى فى قوله تعالى " فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴿٢٩الحجر )  ليبرهنوا على أن في الإنسان قبسا إلهيا .  هذا مع  أن (الروح) في القرآن يعنى جبريل ، ووظيفته :

2 / 2 / 1 : نفخ النفس ، حدث هذا مع خلق آدم : (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ ﴿٧١ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴿٧٢﴾ص  )، وحمل جبريل الروح كلمة (كن ) وكانت نفخة النفس للمسيح فى العذراء مريم ، وجاءها الروح جبريل فى صورة بشرية : (فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ﴿١٧قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴿١٨ قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ﴿١٩ مريم )

2 / 2 / 2 :  ووظيفته أيضا النزول بالوحى على الأنبياء، وهو الذى نزل بالقرآن على قلب النبى محمد  : (قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّـهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿٩٧﴾ البقرة ) (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴿١٩٣ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴿١٩٤﴾ الشعراء ) (  يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴿٢﴾ النحل ) .

3 ـ وجعلوا المعراج ومشتقاه طريقا للاتحاد بالله والوصول إليه ، مع أن ما يقولونه لا علاقة له بمواضع ورود ( المعراج ) و ( عرج ) فى القرآن ، ومنها : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴿١ لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ﴿٢ مِّنَ اللَّـهِ ذِي الْمَعَارِجِ ﴿٣  تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴿٤﴾ المعارج ) ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ﴿١٤ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ ﴿١٥﴾ الحجر) (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴿٥﴾ السجدة) (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴿٣٩﴾ يس )

4 ـ ولكن أكبر نجاح لهم أنهم أشاعوا أنهم وحدهم المقصودون بقوله جل وعلا : (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٦٢ يونس ) وتناسوا أن :

4 / 1 : الولاية لله تعالى صفات عامة لكل من عاش مؤمنا تقيا ، ومات على إيمانه وتقواه ، عند الاحتضار تأتيه ملائكة الموت تبشره حتى لا يخاف ولا يحزن ، فالآيات كلها تقول : (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٦٢  الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴿٦٣ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٦٤﴾ يونس  ). وهذا يشمل كل من آمن وعمل صالحا . قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٦٢﴾ البقرة ) . عند الموت تبشرهم الملائكة كما جاء فى قوله تعالى : (  إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴿٣٠نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴿٣١﴾ فصلت ) .

4 / 2 :  تفصيلات القرآن تصف الكافرين المشركين بأنهم يكفرون بالله تعالى وحده وليا وانهم يتخذون أولياء من البشر يقدسونهم ويتبركون بهم ويطلبون منهم المدد ، مع إن الله  تعالى وحده هو الولى المقصود بالعبادة والتقديس . وقد تكرر هذا كثيرا فى القرآن الكريم ، ومنه :

4 / 2 / 1: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّـهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ۗقُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴿١٤﴾ الانعام )

4 / 2 / 2 : ( قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّـهُ ۚ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ۗ أَمْ جَعَلُوا لِلَّـهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴿١٦﴾ الرعد )

4 / 2 / 3 :(  أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا ﴿١٠٢قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ﴿١٠٣ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴿١٠٤أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴿١٠٥ ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴿١٠٦﴾ الكهف )

4 / 2 / 3 :(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴿٤١﴾ العنكبوت )

4 / 2 / 4 : (أَلَا لِلَّـهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّـهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴿٣﴾ الزمر ) (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۖ فَاللَّـهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴿٩ الشورى )

4 / 2 / 4 : (  قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّـهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿٦ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۚ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿٧﴾ الجمعة)

 5 ـ .وفى القرآن الكريم ما يعرف بأسلوب المشاكلة أو الإتيان بما يشاكل أو يوافق اللفظ مع اختلاف المعنى ، مثل قوله تعالى : (  فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴿١٥٢البقرة ) ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ ۖ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴿٣٠﴾ الانفال ) ،( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ  )  ٥٤﴾ المائدة ) . والقارئ لهذه الآيات الكريمة وأمثالها يفهمها ببساطة على أن الفعل المنسوب لله تعالى يختلف عن فعل العبد ، ولكن الصوفية تلقفوا هذه الآيات ليثبتوا من خلالها ذوبان الفوارق بين الخالق والمخلوقات.

6 ـ وأهتم الصوفية ببعض النواحي في القصص القرآني وسلطوا عليها الرمز والإشارات والتأويلات ، فعصا موسى هي الدنيا ، والبقرة التي أمر الله بذبحها هي النفس ، والعبد الصالح فى قصة موسى هو الخضر الولي الذي هو أفضل من النبي والذى يتعلم على يديه النبي . هذا مع أن الدلائل في السورة تشير إلى أن ذلك العبد الصالح كان نبيا ، والذي عنده علم من الكتاب فى قصة سليمان هو ولى أعطاه الله الكرامات التي لم تكن لسليمان (الذي أعطاه الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده). وبذلك حاولوا أن يثبتوا معجزات لأشخاص ليسوا في نظرهم من الأنبياء أو كانوا ــ بالتالي ــ في نظرهم من الأولياء ....

ثالثا : التفسير الصوفى فى عصر تسيد التصوف : ( العصر المملوكى )

1 ـ ثم أتيح للتصوف السيادة والسيطرة منذ القرن السابع الهجري فدخل التفسير الصوفي في دور جديد فلم يعد محتاجا للتخفي خلف الرمز والإشارات وإنما أعلن مقولاته بصراحة ووجد من يؤيده وينقل عنه . والتفسير الصوفي سار مواكبا لعلو النفوذ الصوفي ابتداء من القرن السابع الهجري  وكلما زاد التصوف في سيطرته أزداد التفسير الصوفي في ادعاءاته وفجاجته ، وأزداد تبعا لذلك أنصاره ومريدوه حتى أصبح التفسير الصوفي في القرن العاشر الهجري مزيجا من الجهل الذي يستغلق على الإفهام ، مع الإدعاءات التي تستحوذ على التقديس في عصرها ، وتستحوذ في عصرنا على السخرية بعد أن انقشعت سطوة التصوف وظلماته .

2 ـ في أواخر القرن السابع الهجري كان لأبى العباس المرسى وتلميذه ابن عطاء الله السكندري أشارات تفسيريه معتدلة بالنسبة لما تلاها ، وهى تؤكد على مقولات التصوف وعقائده فأبو العباس المرسى له رأى في قوله تعالى " يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴿٤٩﴾ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) 50 )   الشورى ). ومع وضوح المراد في أن الله يعطى أولادا لمن يشاء وبناتا لمن يشاء ويعطى أولادا وبناتا لمن يشاء ، فإن المرسى يقول " ذكرانا يعنى علوما " " إناثا يعنى حسنات" " عقيما يعنى لا علم ولا حسنة " والإشارة  هنا إلى علوم الظاهر لدى الفقهاء وعلوم الباطن لدى الصوفية...

3 ـ وابن عطاء السكندرى يبالغ في تأويله الصوفي  أكثر من شيخه المرسى ، وفى كتابه " التنوير في إسقاط التدبير" يؤول آيات الشرك في القرآن على أن المراد منها السعي في سبيل الرزق فقد أسّس ابن عطاء كتاب التنوير فى تأكيد أن النهوض لتدبير المعاش شركا وكفرا بالله . وإبن عطاء – وهو بالمناسبة أكثر علما من شيخيه ابى الحسن الشاذلي وأبى العباس المرسى – لا ينسى أن يرتفع بالصوفية فوق المتقين المسلمين مهما فعلوا من طاعات وحسنات ..ويؤول لذلك قوله تعالى " اللَّـهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ﴿١٣ الشورى ) فيقول " الناس على قسمين : قوم وصلوا بكرم الله إلى طاعة الله وهؤلاء قد اجتباهم "ويقصد بهم الصوفية " وقوم وصلوا بطاعة الله إلى كرم الله وهؤلاء قد هداهم " أي أن الصوفية اختارهم الله باختياره وفضلهم على الناس بدون مبرر ، أما الآخرون فقد بادروا بالطاعة إلى أن حازوا كرم الله وهدايته . وفى ذلك القول اتهام لله عز وجل بالتفرقة في المعاملة بين الناس  وتفضيل بعض الناس على بعض بدون استحقاق.  وإذا رجعنا إلى الآية الكريمة  بأكملها وجدنا النص القرآني نفسه يرد على ابن عطاء فالآية بأكملها تقول "  شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚكَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّـهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ﴿١٣﴾ الشورى ) ، فالآية تتحدث عن وحدة التشريع في كل الرسالات السماوية وأن الهدف هو أقامة الدين ووحدة المسلمين وأن ذلك من شأنه أن يثقل على كاهل المشركين والله يجتبى أي يختار من يشاء من البشر رسلا ويهتدي بالحق من ينيب ويطيع من البشر ، أي أن الرسل هم المقصودون بقوله تعالى " اللَّـهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ "  بدليل أن الرسل دائما بالاصطفاء والاختيار والاجتباء ، أما هداية البشر فهي لمن يبادر بالإنابة والتوبة والطاعة .

4 ـ على أن الاعتدال لدى المدرسة الشاذلية في القرن السابع لم يمنع من تحصين أنفسهم بمقولات العلم اللدنى ، وأبو العباس المرسى مثلا يعطى قدسية لتفسيره لسورة التين " فيقول " فكرت في معنى هذه الآية فكُشف لي عن اللوح المحفوظ فإذا مكتوب فيه لقد خلقنا  الإنسان فى أحسن تكوين روحا وعقلا ثم رددناه أسفل سافلين نفسا وهوى " .

ونحن لم نشأ الاستشهاد بنصوص تفسيرية مجهولة للشاذلي والمرسى حتى لا نتعب معنا القاريء ، واكتفينا بنقل تلك التفسيرات السابقة مما أورده الدكتور عبد الحليم محمود في كتابه عن " أبى عباس المرسى" لأنه نقل فيه ما أعتبره صالحا للقراء والدعاية للصوفية الشاذلية .

5 ـ .ثم دخلت المدرسة الشاذلية في دور التطرف والتلاعب بالنص القرآني في القرن التاسع الهجري ، فكان محمد الكلائى الشاذلي يفسر قوله تعالى "  مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) البقرة 255 )  كالأتي " من ذلَّ" أي ذل نفسه "ذي " أشارة للنفس " يشف " أي تحصل له الشفاعة "ع" أي "عو" أي أفهموا ، أي من ذل نفسه يشفع ، أي أن الأولياء لهم الشفاعة ..

6 ـ وحين تمت للتصوف سيطرته في القرن التاسع دخل فيه كثيرون من الجهلة والأميين وأنصاف المتعلمين ، وأولئك أدلوا بدلوهم فى التفسير فجاءوا بغرائب ومضحكات ونستشهد بالطرق الشاذلية باعتبارها أكثر الطرق الصوفية اعتدلا ..

6 / 1 : ففي مناقب الوفائية الشاذلية يقول كاتبها في تفسير قوله تعالى عن عيسى " فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚوَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿١١٧﴾ المائدة ) ، يقول ابن فارس عن عيسى " معلوم أنه كان باقيا ولو أراد الموتة الطبيعية لقال:  فلما توفاني ، فالمعنى أي فلما أدخلتني في الدائرة الوفائية " .!! . أي جعل عيسى عليه السلام يتبع الطريقة الوفائية الشاذلية ....!!!!

6 / 2 : وقد نقلنا عن ابن حجر وكتابه أنباء الغمر ، تفسر الكلائى الشاذلي السابق ، وننقل عنه أيضا ما قاله عن أبى بكر الملوى الشاذلي أنه كان يفسر القرآن برأيه على عادة شيخيه فضبطوا عليه أشياء " ولم يذكر لنا ابن حجر هذه الأشياء .. أي أنها كانت تستوجب الإنكار فى ذلك العصر الذي تسامح في أشياء كثيرة ....!!!

6 / 3 : ويقول ابن قاضى شهبه في تاريخه " أن صلاح الدين الشاذلي كان يتعرض لتفسير القرآن على طريقة بعض الجهلة فأتى بأشياء منكرة ".

رابعا : التقسير الصوفى فى عصر الجهل من القرن العاشر الهجرى  

1 : : الشعراني كان قطب التصوف والفقه في القرن العاشر الهجري، وأستخدم مكانته في تدعيم التصوف ، وظل مؤثرا على العصر العثماني بمؤلفاته . عاش فى العصر المملوكى وصار بمؤلفاته أشهر فقيه وشيخ صوفى ، وإستخدم هذا فى تسيد التصوف وسحق الفقه . وكان الفقهاء خصوما تقليديين للصوفية. ولكن حقق الشعرانى الانتصار الساحق للصوفية والتصوف على الفقه والفقهاء. والدليل على ذلك أنه رفع الصوفية الأميين فوق الفقهاء المتعلمين .

2 ـ أولئك الصوفية الأميون ستروا جهلهم بادعاءات الغموض والعلم اللدنى.   ويحكى الشعراني عن شيخه الأمي " على الخواص " أنه أستخرج  (240999) علما من سورة الفاتحة وحدها !! أي كل هذه العلوم أستطاع الشيخ الخواص الذي لا يعرف القراءة والكتابة أن يستخرجها من الفاتحة . والمؤسف أن المستشرق اليهودي جولد زيهر نقل هذه المعلومة من الشعراني وأوردها في كتابه " مذاهب التفسير الإسلامي " .. أي نسب ذلك التخريف للإسلام ..

3 : ومن حسن الحظ أن جولد زيهر لم يقرأ بقية كتب الشعراني وإلا كانت المصيبة أفدح .. فالشعراني في ترجمته لشيخه الأمى على الخواص في الطبقات الكبرى ينقل عنه تفسيره لسورة التكوير فيقول  " إذا الشمس لطفت وباسمه الباطن ظهرت ولم تظهر ولم  تبطن أنك لعلى خلق عظيم . وانقسمت بعد أن توحدت ثم تعددت وانعدمت بظهور المعدود . والقمر إذا تلاها . ثم نزلت بما عنه انفصلت لما به اتصلت واتحدت والنجم إذا هوى . ثم تنوعت بالأسماء واتحدت بالمسمى وظهرت في أعلى عليين إلى أسفل سافلين.  ثم رجعت إلى نحو ما تنزلت . ولولا رفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض . وبالجبال سكن ميدها وبعدها هو فسادها .  ثم نصفت وبعدت بما وصفت . كل ميسر لما خلق له كل يعمل على شاكلته ..." . الخ " ويستمر الخواص  في تفسيره العجيب إلى أن يصل إلى قوله تعالى " وإذا السماء كشطت " فيقول " لا أطيق التعبير عن معناه " . ويعلق الشعراني على ذلك التفسير فيقول " وهذا لسان لا أعرف له معنى على مراد قائله وإنما ذكرته تبركا ..!!.. لأن الشعراني يعتقد أن شيخه الأمي يفسر من علمه اللدنى ...

4 ـ  والشعراني يفتخر بتسليمه للأولياء الصوفية في تفسيرهم المأخوذ من العلم اللدنى الإلهي ، ويجعل الشعراني تفسير الأولياء الأميين أعلى شأنا من تفسير العلماء الفقهاء ،   يقول " فأن تفسير أهل الكشف " أي أصحاب العلم اللدنى – أعلى من تفسير غيرهم لعدم تغيره في الدنيا والآخرة بخلاف تفسير أهل الفكر والفهم ..". يجعله مقدسا لا يتغير فى الدنيا والآخرة ، أى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بإعتباره وحيا ومن العلم اللدنى .!

5 ـ قد أفرد الشعراني كتابا خاصا لتمجيد شيخه الأمي على الخواص وسماه " درر الخواص " ويقول في مقدمة ذلك الكتاب يجعل كلامه مقدسا كالقرآن  " من سمع من إخواننا شيئا من أجوبة الشيخ فيكتبه بلفظ الشيخ خاصة ولا يتصرف في عبارته فأنه لا مرقى إلى فهم كلامه .. وأنى لأمثالنا ذلك وأسأل الله أن يحفظ لساني وقلبي من الزيغ عن مراده " إلى أن يقول " فإذا علمت أن الجواب لا يدرك إلا ذوقا ذكرت جوابه بلفظه من غير شرح لمعناه لأنه نظير الحروف في أول سور القرآن ..!!". الشعرانى هنا يقول صراحة إن تفسير شيخه الأمى ( على الخواص ) مثل آيات الاعجاز القرآنى ( ألم ، المص ، طس ، طسم ..)

6 ـ ثم وصل التفسير الصوفي في العصر العثماني المتأخر إلى درجة عجيبة ...!!.

اجمالي القراءات 3857