( موضوع يُنشر هنا لأول مرة )
القرآن الكريم حفظ اللغة العربية من الاندثار:

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠١ - مارس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

القرآن الكريم حفظ اللغة العربية من الاندثار: ( موضوع يُنشر هنا لأول مرة )

بعض المنشور فى جريدةالخليج الاماراتية ( 2 ) قراءة في تراثنا الفكري . بتاريخ 10 / 3 / 1993

مقدمة  : تكريم اللغة العربية بالقرآن

 1 ـ أعظم تكريم للغة العربية أن اختارها رب العزة جل وعلا لتحمل القرآن . ولتتكلم بها خاتمة الرسالات الالهية حتى قيام الساعة . ولابد أن اللغة العربية كانت مؤهلة لذلك الدور الخطير ، وبالفعل فقد نجحت في أداء ذلك الدور إذ لا تزال تحمل هداية القرآن بعد نزوله بخمسة عشر قرنا من الزمان ، وأكثر من ذلك استطاعت أن تنشئ حولها قومية اسمها القومية العربية قوامها مشاعر مشتركة وأحلام مشتركة وراوبط دم وثقافة وتراث وماض ومستقبل . ونمسك عن المزيد من الكلام في هذا الموضوع العاطفي فأمامنا حديث العقل عن القرآن واللغة والعربية .   

2 ـ حين نزل القرآن كانت العربية مجرد لغة محلية ينطق بها سكان الجزيرة العربية في داخلها ، ولكنها كانت لغة تحمل في داخلها خصائص التطور والانطلاق نحو العالمية والصمود أمام اللغات الأخرى التي تنطق بها شعوب ذات حضارات وتراث وأفكار . أي كانت مؤهلة لحمل المعجزة الإلهية الأخيرة للبشر جميعا وإلى قيام الساعة .وكانت مؤهلة للانتصار على اللغات المعاصرة لها وقت نزول القرآن . ولذلك انتصرت لغة الصحراء على لغات أخرى كان ينطق بها أهل الحضارات التليدة في مصر والشام والعرق وإيران .. واندثرت معظم تلك اللغات .. وانهزمت أمام اللغة العربية الوافدة ..وماتت كل تلك اللغات وبقيت اللغة العربية ما بين الخليج إلى المحيط وربما أكثر وأكثر .

3 ـ ونعطى مزيدا من التفصيل :

أولا : حساسية اللغة العربية

1 ـ إن اللغة العربية بطبيعتها لغة حساسة بل وشديدة الحساسية ، ويبدو هذا فيما يسمى ( الاعراب) فالمعنى يختلف حسب رفع أو نصب أو جر آخر حرف فى الكلمة . مثلا فإن الفاعل عكس المفعول والفارق هو ان الفاعل مرفوع والمفعول منصوب . والفارق هائل بين الفاعل والمفعول به. قد يكون أخر حرف فى الكلمة موفوعا لأنه (فاعل ) ( نائب للفاعل ) أو ( مبتدا ) أو إسم (كان ) وإخواتها ، وقد يكون منصوبا لأنه مفعول به ( عكس الفاعل ) أو إسم (إنّ ) واخواتها ، وهكذا فى (الجرّ ) بحرف الجر أو بالاضافة،وقد يكون من (الأسماء الخمسة ) . 2 ـ ونعطى مثلا لخطورة ( الاعراب ) . هناك العطف بالواو وغيرها والذى يجعل الكلمة المعطوفة تأخذ حكم المعطوف عليه ، إن كانت مرفوعة تكون مرفوعة وإن كانت منصوبة تكون كذلك . ومثلا يقول جل وعلا : (وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّـهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ  ) ﴿٣﴾ التوبة ) . كلمة ( ورسوله ) معطوفة على كلمة ( برىء ) . كلمة ( برىء ) (خبر ) لحرف ( أن ) ، اى مرفوع بالضمة . لذا جاء المعطوف بالواو ( ورسوله ) مرفوعا بالضمة يضا. فالمعنى حينئذ واضح وهو أن الله ورسوله برىء من المشركين. لو نطقت ( ورسوله ) بالجرّ بالكسرة فالمعنى إن الله برىء من المشركين ومن الرسول أيضا لأنك عطفت ( ورسوله)  على كلمة ( المشركين).

3 ـ هذا ( الإعراب ) وذلك التشكيل بالفتحة والضمة والكسرة وبالحروف الأخرى لا يوجد حسب علمنا فى اللغات الأوربية .

ثانيا : مرونة اللغة العربية

1 ـ والحديث عن خصائص اللغة العربية ومؤهلاتها يطول . وهو ادخل إلى حديث المتخصصين منه إلى القارئ المثقف الذي يأخذ من كل علم بطرف . ونختار من ذلك الموضوع المتخصص ناحية محددة نحاول تقريبها للقارئ ، وهي مرونة اللغة العربية ، تلك المرونة التي مكنت اللغة العربية من التطور والصمود والانتشار والبقاء .

2 ـ ولذلك تتنوع فيها الألفاظ وتتسلسل فيها الأشتقاقات ، وكل منها يعبر عن معنى جديد ، وعلى سبيل المثال فكلمة ( ضرب) فيها الفعل الماضي وفيها المصدر ، ( ضَ رَ بَ ) ( ضَرْب) ومنها المفعول المطلق ( ضرباً) واسم الفاعل ( ضارب) والمفعول به ( مضروب) وأسم الآلة وأسم الزمان وأسم المكان حسب القرينة ( مضرب) وصيغ المبالغة (ضرَّاب) (ضَربٌ) ( مضراب) ( ضارب) وهي خمسة ، وذلك بالإضافة إلى صيغ الطلب ( استضرب) وصيغ الفعل ( ضرب) ( يضرب) ( اضرب) وتصريفات المجرد والمزيد ، والمزيد بحرف والمزيد بحرفين والمزيد بثلاثة أحرف (ضَّرب) (تضَّرب) ( مستضرب) ( استضرب) .. وهكذا ، تتسلسل الاشتقاقات في مرونة فائقة لتعطي معاني جديدة ، وذلك بالإضافة إلى اتساع الخيال العربي وعمق المجاز فيه من استعارات وتشبيهات وكناية وقرائن لغوية تقف عند حدود المعاني وتحدد المراد وتحدد ماهية الحقيقة والتقرير في الأسلوب وتحدد ماهية الأسلوب المجازي .

3 ـ وقد استغلت البلاغة القرآنية تلك المؤهلات في اللغة العربية أروع ما يكون ؛ فالمرونة اللفظية في اللغة العربية أنتج منها القرآن استعمالات جديدة في الألفاظ ، واشتقاقات جديدة فرضت نفسها في الواقع اللغوي والواقع الحياتي بل والواقع الديني حتى الآن .. فمثلا :

3 / 1 : كان العرب يستعملون كلمة " المروءة " لتدل على الكرم والأريحية والعطاء ، فجاء القرآن بكلمة جديدة أصبحت من معالم اللغة والدين والحياة ، هي كلمة الزكاة ، واستعملها القرآن استعمالا لغويا يعود بها للأصل العربي ، واستعملها استعمالا خلقيا ، واستعمالا دينيا في مناسك الإسلام . وتقصّي ذلك جميعه يخرج عن موضوعنا ، ولكنه مجرد مثل على مرونة اللغة العربية على تقبل الاصطلاحات الجديدة والسير بها إلى نهاية الطريق .

3 / 1 : وحتى كلمة " الإسلام " كانت تعني الانقياد والطاعة ، فأصبحت علما على الدين الذي يعني الانقياد لله وحده ، والإخلاص له تعالى وحده .

3 / 3 : وحتى كلمة " قرآن" كانت تعني القراءة بتمعن وتدبر ، فأصبحت علما على الكتاب السماوي .. ونكتفي بهذا فالحديث فيه يطول ..وقد نرجع إليه في وقفة مستقلة .

4 ـ والمرونة اللفظية في اللغة العربية من حيث قابليتها للتعمق في المجاز كانت مجالا واسعا أمام القرآن في حديثه عن السمعيات وعوالم الغيب في الآخرة حيث تتقاصر عنها إفهام البشر وتحتاج اللغة البشرية إلى الاقتراب من فهمها عن طريق الاستعارات والكنايات والتشبيهات وضرب الأمثلة من مفردات الحياة الدنيا ليقترب العقل من تخيلها مجرد التخيل . ومثلا يقول جل وعلا فى وصف نعيم الجنة : (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴿١٥ محمد ) . هنا ضرب للمثل يتيح للعقل التخيل فقد دون (العلم ) . ولكن حقائق الأشياء التى فى الجنة لا توجد فى عالمنا الدنيوى . فلا يوجد لدينا ماء غير آسن ولا لبن لا يتغير طعمه ولا خمر لذيذ المذاق ولا عسل مصفى. لأن الواقع أننا لا يمكننا أن (نعلم ) نعيم الجنة : (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿١٧﴾ السجدة )

ثالثا: الضمائر فى اللغة العربية

1 ـ واستفاد التشريع القرآني في عبقرية اللغة العربية في تنوع الضمائر بين مثنى مذكر ومثنى مؤنث وجمع مذكر وجمع مؤنث .. فاللغة الإنجليزية مثلا ليس فيها مثنى ، والجمع فيها يبدأ بعد المفرد . والجمع فيها لا فارق فيه بين المؤنث والمذكر . فكلمة "  they" يراد بها المثنى المذكر والمثنى المؤنث ، والجمع المذكر والجمع المؤنث .. ولا فارق فيها بين الاثنين أو الجمع الذي يبلغ الألوف .. وحين تتحدث بالإنجليزية عن العلاقات التشريعية عن الزوج وزوجته والأهل تدرك تقاصر الإنجليزية عن الوفاء بالمعنى بنفس ما تستطيعه العربية بألفاظ قليلة ..لأن اللغة العربية فيها ضمائر للمفرد المذكر والمفردة المؤنثة والمثنى المذكر والمثنى المؤنث ، والجمع المذكر والجمع المؤنث ، وبذلك يتم تحديد المقصود بالتشريع أن كان الزوج أو الزوجة أو هما معا أو المثنى المذكر أو المؤنث .

2 ـ ، وعلى سبيل المثال يقول تعالى (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ) ﴿١٥﴾ النساء )  . والواضح أن الحديث عن النساء لأن كلمة " اللاتي" تفيد الجمع المؤنث فقط ، ولكن اللغة الإنجليزية تجعلها those who "" ومع أنهما كلمتان إلا أنهما تشملان الجمع مذكرا ومؤنثا بدون تحديد ، ولذلك لابد أن تقول في ترجمة الآية الآتي " Thos ( women )who"فنضيف كلمة" women "  لتفيد أن المقصود هو النساء .. والآية التالية تقول (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا ۖ فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ) ﴿١٦﴾ ) (النساء)  أي " اللذان " من الرجال لأن الكلمة تفيد المثنى المذكر فقط أي تتحدث عن الشذوذ الجنسي بين الذكور . ولكن الترجمة الإنجليزية تقول نفس الكلمة " Those who "وحين تترجم الآية لابد أن تحدد فنقول "Those ( two males )who"فتضيف " Two males "لتفيد أن المقصود " ذكرين " أو " اثنان من المذكور " .

رابعا : عبقرية الاشتقاق فى اللغة العربية

1 ـ ونعود إلى عبقرية اللغة العربية في اشتقاقاتها .. وكيف استغل الإعجاز القرآني هذه العبقرية وطوّعها لتكون أحدى مظاهر الفصاحة القرآنية وآياته .

2 ـ إن قابلية الكلمة العربية للاشتقاق والتوالد يمكن أن ينتج عنها المعني ونقيضه ، ويمكن أن تعرف الفرق بينهما بالقرينة . ونعطي على ذلك مثالا ..

2 / 1 " فالقسط " في اللغة يعني العدل . واستعمله القرآن بذلك المعنى في الحث على القسط والعدل .( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ  ﴿٢٥﴾ ) الحديد ) ( وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ) ( النساء: 127 ) . (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) ( الأعراف 29 ) (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴿٩﴾  الرحمن )

2 / 2 : ويأتي من اشتقاقات القسط كلمة المقسط أي القائم بالعدل . وبالجمع تكون " المقسطون" أي القائمون بالعدل والقسط ، ويقول تعالى :

2 / 2 / 1 : ( لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿٨﴾ الممتحنة )

2 / 2/ 2 : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّـهِ ۚفَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿٩﴾( الحجرات) .فالمقسط هو القائم بالعدل .

2 / 3 : ولكن ( القاسط ) هو الذي يميل عن العدل وينحاز إلى نفسه . و( القاسط) من اشتقاقات كلمة ( القسط) ولكن اكتسب معنى نقيضا. واستعمله القرآن بنفس معناه النقيض فقال (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) ( الجن:15) .

3 ـ وهناك مثال آخر :

3 / 1 : فمن كلمة " رحم" اشتقت اللغة العربية كلمة " رحيم " ومنه وصفه تعالى بالرحيم ..وتنوعت الأشتقاقات التي جاءت في القرآن " رحمة " ، " رحماء " . (ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ ورحمة : البقرة : 178 ) (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ: الفتح: 29 ) .

3 / 2 : ولكن اشتقت العربية كلمة " الرحمن " لتدل على السطوة والقوة والتحكم والهيمنة بالنسبة لله تعالى ، وذلك ما جاء في القرآن الكريم فيما يخص وصف الله تعالى بالرحمن ، وعلى سبيل المثال :

3 / 2 / 1 :(لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) ( مريم: 87- 95 ) . وتلك المشاهد تدل على السطوة والهيمنة والجبروت .

3 / 2 / 2 ويقول تعالى (  رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) النبأ.) 

خامسا : عبقرية اللغة العربية فى إستيعاب الألفاظ غير العربية                          

1 ـ وعبقرية اللغة العربية في التطور مكنتها من استيعاب الألفاظ الأجنبية وتطويعها وتعريبها لتصبح من مفردات اللغة العربية شأنها شأن المفردات الأصيلة .

2 ـ ونزل القرآن وكان العرب ينطقون بعض الألفاظ الأجنبية التي تعربت ، فاستعملها القرآن ومنها :

2 / 1 : أسماء المواد :

2 / 1 / 1 : ( إستبرق ، سندس ) بمعنى الحرير . قال تعالى : (أُولَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۚ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ﴿٣١ الكهف  ) (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ﴿٢١﴾ الانسان )

2 / 1 / 2  : ( زنجبيل ) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا ﴿١٧﴾ الانسان )

2 / 2 : أسماء الملائكة ( ميكال ، جبريل ، ) : (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّـهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ﴿٩٨﴾ البقرة )

2 / 3 : أسماء الأنبياء ، من نوح الى إبراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب وموسى وهارون وداود وسليمان ..الى عيسى .

2 / 4 : أسماء وألقاب الشخصيات ، من  فرعون الى آزر وطالوت وجالوت ....

3 ـ ولفظ الجلالة (الله) ليس عربيا ، لأن نطق اللام فيه بالتعطيش ،و ليست اللام الثقيلة المعطشة من حروف اللغة العربية ، ومنطقي أن يكون لفظ الجلالة قبل اللغة العربية ،و قبل العرب والناس أجمعين ، وقد اشتقت منه اللغة العربية اسم الإله .. باللام العربية الخفيفة .. فقالوا ( إله ).

4 ـ والمهم أن عبقرية اللغة العربية جعلتها تستوعب الألفاظ غير العربية ، وكان ذلك قبل نزول القرآن .. وتوسعت اللغة العربية في ذلك بعد نزول القرآن فاستوعبت الاشتقاقات الجديدة التي جاء بها القرآن ، ثم استوعبت مفردات اللغات الأخرى بعد الفتوحات وقيام الحضارة الإسلامية العربية في العالم ، وترجمة التراث الشرقي واليوناني والهلليني .

 5 ـ وامتصت اللغة العربية المصطلحات الجديدة وهضمتها واستوعبتها في بنائها اللغوي ، وأصبحت فلسفة اليونان وحكمة الهند وتراث فارس ينطق باللغة العربية في القصر العباسي ، تماما مثلما نطقت اللغة العربية الآن بالمصطلحات الإنجليزية وأصبحت من الكلمات العربية مثل " فيلم " " سيجارة " " سينما " وهكذا .

سادسا : اللغة العربية تغزو أوربا

1 ـ وكما حملت اللغة العربية الإسلام إلى العالم عبر القرآن الكريم فإن الإسلام حمل اللغة العربية إلى العالم عبر الفتوحات والحضارة التي أقامها في العصور الوسطى ، واتاح لها البقاء حتى الآن تحت إسم الإسلام.  

2 ـ لقد أتى حين من الدهر في العصور الوسطى كانت فيه اللغة العربية هي اللغة العالمية الأولى وربما الوحيدة ، وترتب على ذلك أن اكتسبت اللغات الأوروبية – مثلا كثيرا من الألفاظ العربية فالقيثارة – أصبحت جيتار ، ودار الصناعة أصبحت ( Arsenal) وفي عصور ضعفنا استعدنا نفس الألفاظ فنقول جيتار وترسانة . وذلك موضوع شرحه يطول .

سابعا. بقاء اللغة العربية حتى اليوم بينما إندثر غيرها

1 ـ على أن أكبر خدمة قدمها الإسلام والقرآن للغة العربية هي في دوام اللغة العربية لغة حية حتى اليوم .حين نزل القرآن كانت اللغة العربية لغة منعزلة فى صحرائها ، ولا يمكن مقارنتها في ميزان العالم وقتها باللغة اليونانية القديمة أو اللغة اللاتينية .

2 ـ ومرت الأيام .. واندثرت اللغة اليونانية القديمة ، وتقزمت في اللغة التي ينطق بها أهل اليونان اليوم ، واندثرت اللاتينية وتحولت لهجاتها إلى لغات مستقلة مثل الفرنسية والأسبانية والإيطالية والبرتغالية ولهجات أخرى كثيرة .. وانفصلت الإنجليزية والألمانية عن اللغة التيوتونية ..

3 ـ وكانت اللغة العربية مرشحة لأن تندثر وتموت في الجزيرة العربية وتتحول إلى لهجات قبلية مثل اللغة السواحيلية في شرق إفريقيا ، لولا الإسلام .

4 ـ ولو كان الإسلام بدون القرآن الذي حفظه الله تعالى إلى يوم القيامة لتحولت اللغة العربية في البلاد المفتوحة إلى لهجات تتحول بمرور الزمن إلى لغات مستقلة . ولكن القرآن ضمن الخلود للغة العربية .. الخلود إلى يوم القيامة .

5 ـ ويكفي في إعجاز القرآن وفضله على اللغة العربية أننا نحن العرب والمسلمين تختلف لهجتنا إلى درجة يصعب معها التفاهم أحيانا ، ولكن حين نقرأ القرآن تصبح لنا لغة واحدة .. وتتوارى لهجاتنا خجلا أمام فصاحة القرآن وروعته .. وذلك بعد مرور خمسة عشر قرنا من الزمان .

6 ـ بل هناك أكثر من ذلك . لو أفترضنا أن أبا بكر بعثه الله تعالى إلى عصرنا فلن يفهم لغة أهل الجزيرة العربية ولهجات أهلها ، ولن يفهم لهجة المصريين والشوام ، ولكن إذا قرىء القرآن سيكون اللغة المشتركة بينه وبيننا .

7 ـ إننا نقرأ القرآن .. أي نقرأ نفس الكتاب الذي كان يقرؤه خاتم النبيين بلا اختلاف .. ألسنا محظوظين .. ؟ بلى .. والله العظيم . من هنا فإن قراءة القرآن هى التؤسس صلتك بخاتم النبيين ، فأنت تتلفظ وتقرأ نفس ما كان يقرؤه النبى عليه السلام . القرآن هو الرابطة المقدسة بينك وبين خاتم النبيين عليهم السلام مهما تباعد الزمان والمكان.

8 ـ اقرأوا القرآن .. يرحمكم الله .   

اجمالي القراءات 8370