حوار خيالي من وحي قصة يوسف القرآنية
صديقي شبه ملحد وثرثار أيضا

ربيعي بوعقال في الثلاثاء ٢٩ - يناير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً


سأل سائل ثرثارعن تأويل الأحلام، وختم سؤاله الطويل بقوله: كل من قرأ يعلم أن قصة يوسف بن يعقوب فُصلت في التوراة قبل أن تُفصل في القرآن، وعلى فرض صحة كل الأنباء الواردة في الكتابين، كيف عرف يوسف صفة العام الخامس عشر، وأن الخاتمة ستكون عام رخاء، علما أن خبر الرؤيا ليس فيه ما يشير لمجيء هذا العام المغيث، وإنما فيه إشارة لسبع سنوات من الرخاء، وسبع شداد فقط ؟
قلت: لو أن صديقا لك أحسن إليك عقدا من الزمان، ثم مسه طائف من الشيطان قتحول سلوكه من النقيض إلى النقيض فكاد لك كيدا أفضى بك إلى السجن، ثم بلغك عنه أنه رآك في المنام تقبله تارة بحرارة، وطورا تصفعه وتركله ركلا، أظن ظنا غير آثم أنه لو حدث مثل هذا، وسئلت عن هذه الرؤيا لقلت دون تردد: التقبيل جزاء الإحسان، والصفع جزاء الإساءة، والركل نافلة تليق به .. هنا ابتسم صديقي الملحد ابتسامة خبيثة، وأشار إلي أن نعم، ظنك في محله.. ثم رُمت المكر به فأضفت قائلا: وما يدريك ـ يا صاحبي ـ أن يوسف كان ذكيا مثلك أو أكثر ذكاء، وما يدريك أنه وجد في خبر السنابل الخضر والبقرات السمان ما يشير للمدة التي قضاها في قصر العزيز مكرم المثوى، ووجد في خبر السبع العجاف اليابسات ما يشير لمدة بقائه في السجن بضع سنين نسيا منسيا، ومن ثم عرف أن جزاء ذاك الإحسان بالقصر يكون إحسانا مماثلا له زمنيا : ( قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا)، وعرف أن جزاء سيئة السجن سيئة مثلها فقال: (ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ)، ولعله استنتج ـ أيضا ـ أنه سيخرج من السجن قريبا ـ أي حين يكمل سبع سنوات ، وسنوات السجن شداد طبعا،..وأخيرا، ألا ترى ـ يا صاحبي ـ أنه من الضروري أن يكون العام الخامس عشر عام غيث ورخاء ؟ قال: لا أرى ذلك، ولماذا جعلت الأمر ضرورضا وحتميا؟؟ قلت : لأنه ـ يا عبقري ـ إن لم يأتي بعد سنوات الشدة والجفاف عام غيث ورخاء يصبح مجموع السنوات الشداد أكثر من سبعة، وهو مخالف لخبر الرؤيا، ولذلك قال لهم يوسف : (ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ).
وظن صديقي المتملحد أنه أمسك بي متلبسا، فقاطعني قائلا: خلاصة كلامك أن يوسف كان رجلا ذكيا ولم يكن نبيا !
قلت: وما المانع أن يكون نبيا ذكيا، بل أوتي حكمة وعلما وأحسن توظيفهما فيما ينفع الناس، أما أنت فقد أوتيت ـ على ما يبدو ـ علما يفوق التصور، وإني لأخشى عليك من الغرور والتهور، ومن كيد الوسواس الخناس.

اجمالي القراءات 4133