الدولة من منظور ماركسي

سامح عسكر في الجمعة ٢٥ - يناير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

يرى الماركسيون أن الدولة هي "ظاهرة اجتماعية" بالأساس ، خلقتها عوامل اقتصادية كالإنتاج ، ونشأت في البداية عند ظهور الزراعة واستئناس الحيوانات، هذا صنع ما يسمى "بالفائض" أو القيمة الزائدة عن الاستهلاك في المجتمع البدائي.

كان ظهور الفائض نقطة تحول في تاريخ البشرية، ففي السابق كان يعيش الإنسان على الصيد بدون أي فكرة عن تخزين وبيع وشراء وتبادل من أي نوع، لذا كان الصراع بين البشر محدود فقط على الطعام والجنس كأي حيوان، أما عند ظهور الفائض نشبت خلافات حول توزيعه بطريقة عادلة..خصوصا مع مواسم الجفاف التي جعلت مخزون بعض الجماعات عُرضة للنهب والسطو ، وهنا بدأ التحوّل العقلي الأبرز في وعي الإنسان بمعرفة ماهية العدالة.

ظهور الفائض كذلك أدى لظهور صناعات وحرف منفصلة عن الزراعة، في السابق كان كل إنتاج البشر زراعي وعملهم زراعي، بعد ظهور الفائض واستئناس حيوانات ظهرت حرفة (الرعي) مما ساعد في نمو الإنتاج أكثر وأكثر..حتى خلقت مشاكل وصراعات أخرى حول ما يسمى (بالملكية) فالجماعة الرعوية لا يحق لها الاعتداء على أملاك جماعة رعوية أخرى، وجماعة زراعية لا يحق لها الاعتداء على أملاك جماعة زراعية أخرى..وهكذا..من هنا بدأت ظهور الأعراف والقوانين المحلية لتنظيم حياة الناس، وكانت هي النواة الأولى للدولة القديمة.

أصبح القانون يفرض على الجميع حفظ حقوق الآخرين، وظهر ما يسمى (بالتبادل) أو (المقايضة) كوسيلة اقتصادية - وحيدة للبيع - والشراء، وكلما زاد إنتاج بعض السلع تظهر منافسة له بزيادة لسلع مقابلة للوفاء بشرط المقايضة، أدى ذلك لزيادة أخرى في الإنتاج كانت نواة تشكيل الطبقات وظهور الأثرياء في المجتمع، في البداية كان الأثرياء هم الحكام (كمُلّاك) للأرض والثروات ووسائل الإنتاج ، في وقت كان الإنسان بدائي التفكير ويفسر كل ظواهر الكون - التي لا يفهمها - بطريقة دينية، فتوالى الزمن ومرت أجيال حتى جاء جيلا من الناس اعتقد أن ثراء هؤلاء الحُكّام وملكيتهم أمر إلهي واختيار لهم بحكم العدالة.

أي أن الدولة القديمة - كوراثية دينية – اعتقدوها الناس عادلة لأنها كانت التفسير الوحيد لقوة ومُلك هؤلاء، وتطور الأمر بوصف بعض الحكام على أنهم آلهة أو أنصاف آلهة.

جاء عصر اليونان مع ظهور الفلاسفة ظهرت ما تسمى (بالعملات) المعدنية (ذهب ونحاس وفضة وبرونز) لم يكن وقتها – حسب ما يعتقد الناس - أن الذهب هو الأغلى قيمة، لأن تقدير قيمة المعدن بحسب وفرته لا بحسب زينته وجماله ، فالذهب على سبيل المثال كان متوفرا في مصر القديمة لكن الفضة كانت شبه منعدمة، لذا فمن علامات المصريات أن تماثيل الفضة نادرة لا يملكها سوى أثرى الأثرياء، أما تماثيل الذهب فكانت تصنع لأصحاب الطبقة الوسطى..ليس فقط الحكام والأثرياء، نفس الشئ في أوروبا..كان البرونز هو أغلى المعادن - المصنعة من النحاس- لذا فقد صنعوا به تماثيل الآلهة والملوك لوفرته.

هذا التطور العلمي والاجتماعي للبشر هو الذي ساهم في تطور الدولة، فعندما ظهرت العملات عند اليونان كانت علامة على تطور الفكر البشري ليصنع دولة جديدة اختلف حولها الفلاسفة طوال العصرين الهلليني والهلنستي، فمن ديمقراطية سوفسطائية إلى أفلاطونية إلى ملكية وراثية، ومع ظهور قوة الرومان وفرض أديانهم وطاعة قياصرتهم تخلفت الدولة مرة أخرى بحكم ديني وراثي استمر حتى سقوط الدولة البيزنطية عام 1453 على يد العثمانيين.

المؤرخ "لويس مورجان" يرى أن دولة القياصرة كانت "ديمقراطية عسكرية" ورأيي أن هذا ربما ينطبق على الجمهورية الأولى التي انتهت على يد أكتافيوس سنة 27 ق. م بتدمير نفوذ" مجلس الشيوخ الروماني" - المقابل لنفوذ البرلمان حاليا - أي يمكن وصف هذه الجمهورية بالبرلمانية العسكرية فعلا، وبعض خلفاء أكتافيوس، لكن فور صعود الحكم المسيحي تحولت الدولة الرومانية إلى دينية وراثية مع قسطنطين ظلت كذلك أكثر من 1000 عام..

أما عند المسلمين فالدولة بدأت (عشائرية قبلية) في العصر الأموي بمسحة دينية لحروب أهلية سابقة حول أحقية تمثيل دين الرسول، ثم انتقلت لتصبح دينية وراثية على الطراز البيزنطي طول العصر العباسي، ثم عسكرية دينية في العصر المملوكي..وأخيرا دينية وراثية في العصر العثماني، ثم انتهى هذا الشكل الديني القديم بهزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى، لذلك عُدّت هذه الحرب نقطة تحول كبرى في التاريخ بين عالمين قديم وحديث، وفكرتين مختلفتين عن الدولة خصوصا في الشرق الأوسط تبعها إعادة ترسيم وتعريف معنى الدولة، ورسم حدود العديد من الدول جغرافيا مما ساعد في ظهور مفاهيم سياسية جديدة كالقومية والوطنية.

لاحظ أن الصفة التي جمعت كل الدول القديمة أنها (دينية) وهذا يثبت وجهة نظر الماركسيين حول نشوء وتطور الدول من ناحية اجتماعية، فالسلطة في الأخير هي انعكاس لوعي مجتمعي يتطور عبر الزمن، وأن الحروب الدينية التي حدثت هي في أصلها قبلية وسياسية ، وأن جوهر الدولة في الأخير سيظل صراعا بين الطبقات ..ويشتد أكثر عندما يتحول الأغنياء إلى عبيد لتحدث طفرات تاريخية هي التي أوصلت البشر لوضعهم الحالي..

اجمالي القراءات 3295