ف 1 ( النشر فى الصحف ): من كتاب ( جهادنا ضد الوهابية ).
بعض مقالات فى جريدة ( الأحرار ) فى إنتقاد العسكر المؤيد للوهابية السلفية

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٢ - يناير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

بعض مقالات فى جريدة ( الأحرار ) فى  إنتقاد العسكر المؤيد للوهابية السلفية

 ف 1 ( النشر فى الصحف ): من كتاب  ( جهادنا ضد الوهابية ).

مقدمة

1 ـ كان نظام مبارك العسكرى يضطهدنى : طاعة لأوامر السفارة السعودية ، ولأن له مصلحة فى إنتشار التطرف والفكر الارهابى ليكون مبررا ــ أمام الغرب وفى الداخل  ــ لاستمرار إستبداده وإستمرار قانون الطوارىء ، وليخيف المفكرين والأقباط ليتعلقوا به منقذا بديلا عن الدولة الدينية القادمة . ثم إننى كنت ــ ولا أزال مناضلا ــ ضد الاستبداد ومع حقوق الانسان والتحول الديمقراطى ، أنتقد مبارك علنا فى الندوات ، وكان هناك هامش للحرية يجب أن  نتحسّر عليه الآن .

2 ـ كان هناك إستقطاب حاد. فالعلمانيون والأقباط مع مبارك وضد السلفيين ، والسلفيون ضد مبارك والعلمانيين والاقباط . وكنت ولا أزال ـ وحيدا فى معسكر واحد ضد الاثنين معا العسكر والوهابيين ، وكانوا مع خلافاتهم وصراعاتهم يتحدون ضدى . من أجل هذا كنت أنتقد نظام مبارك العسكرى خصوصا فى المشترك بينه وبين التيار الدينى السياسى المعارض له.  ونعطى نماذج للمقالات فى هذا الإتجاه :

أولا : فى إصلاح النظام

مـنـبـع الفســـاد : الأحرار7 /3/1994

1 ـ يبدو أن المواعظ لم تعد تجدي، والأفضل أن نجتهد في توضيح أسباب الفساد وجذوره إن الأصل في الدولة أن وظيفتها محددة بإقامة العدل وتوفير الأمن ،ومن مستلزمات العدل والأمن حراسة الوطن من الخارج والداخل، أى بالجيش والشرطة والعلاقات الدولية وإنشاء جهاز قضائي مستقل عن الدولة  وظيفته تحري العدل التام ،ثم قيام جهاز مالي يجعل للضرائب وظيفة اجتماعية  تأخذ من الغني لتعطي للفقير ما يعيش به حياة كريمة ، يتعلم ويتداوى. وفيما عدا ذلك تترك الدولة الأفراد ليعملوا وينتجوا ويبدعوا وفق منطق السوق وما يستلزمه من ضوابط تتدخل فيها الدولة لإصلاح الميزان خصوصا في أوقات الأزمات تبعاً للاحتكار والسيطرة الأجنبية.

2 ـ تلك هى فلسفة الدولة الحديثة، وأقول أنها أيضا فلسفة الدولة الإسلامية التي عرفها عصر الرسول عليه السلام ، قبل أن تتحول إلى دولة دينية مستبدة تحكم بغير ما أنزل الله تعالى ،ويريد التيار المتطرف إرجاعها دون أن يعرف ماهية الإسلام الحقيقي.. والعادة أن الدولة الدينية أو الدولة التي يحكمها فرد أو حزب أو يحكمها العسكر تحاول أن تتدخل في كل شيء لأنها تعتقد أنها تملك كل شيء ،وأن الناس أو الجماهير مجرد رعايا يملكهم الحاكم وينفق عليهم، ولكي تدس الدولة أنفها في كل شيء فإنها تحتاج إلى جيوش من الموظفين ، وأولئك يكونون بحكم العادة أصحاب مرتبات هزيلة ونفوذ قوي، ومن هنا ينبع الفساد ، فصاحب النفوذ يحتاج للنقود ، وصاحب النقود يحتاج للنفوذ ، ويتحالف الإثنين معاً(الموظف والمقاول مثلا) يكون الفساد ..

3 ـ ومهما قلنا من قصائد وعظ تحث على مكارم الأخلاق وتدعو للطهارة فإنها لا تجدى مع موظف لا يكفيه مرتبه الشهري عدة أيام . ولكن معه صلاحيات يمكن أن تجعله من أصحاب الملايين . كما أن من العبث المطالبة بزيادة المرتبات، فالخزانة العامة تعجز، ثم إن زيادة المرتب عشرة جنيهات ستضيع في حمأة التضخم والغلاء ولن تجدي أمام عمليات فساد مضمونة ويربح منها عشرات الألوف في أقل وقت ..

4 ـ  إن الحل في تغيير فلسفة الحكم ؛ بتقليص دور الدولة ورجوعها إلى وظيفتها الطبيعية في إقامة القسط وتوفير الأمن ..صحيح أن ذلك يستلزم وقتاً، فالدولة المصرية عمرها في البيروقراطية والاستبداد الحكومي سبعون قرنا من الزمان ومن المستحيل تغيير ذلك في يوم وليلة . ويقال إن هناك خطوات عملية في الإصلاح ولكن فضائح الفساد تغطي عليها أو تصاحبها . ولكني أعتقد أن البداية المثلي تبدأ بالصيغة التشريعية القانونية،أى بمراجعة عشرات الألوف من القوانين بعد أن عشنا سنوات من الإسهال التشريعي ، إننا نحتاج إلى لجنة من القمم القانونية في مصر لتكون في حالة انعقاد تام ، وتخرج لنا في النهاية بدستور جديد محدد البنود صارم في أحكامه لا يعطي الحرية باليمين ثم يسمح للقوانين بأن تقيد الحرية إذا شاءت، ونحتاج من هذه اللجنة إلى تنقية القوانين المصرية المتضاربة والمتعارضة والمتداخلة في شتى الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية،وبعدها نتعلم احترام القانون، ويتعلم المسئول أنه خادم للقانون وأنه يطبق القانون اليوم وهو في السلطة، ثم بعد أن يخرج من السلطة ويصير فرداً يعيش في حماية ذلك القانون . وبذلك يعيش الحاكم في أمن حتى بعد أن يترك المسئولية..إن الإصلاح التشريعي والقانوني هو البداية الحقيقة للدخول في الدولة العصرية، وهو البداية الحقيقة للخروج من سرداب الفساد ..

 

 

 

 قال الراوي :  لم أكن أعرف :  8/6/1992

1 ـ ربما أكون أكثر من صودرت كتبه من بين مفكري مصر في القرن العشرين ، وذلك بسبب خصومة فكرية بيني وبين أولئك الذين يملكون سلطة مصادرة الكتب .  وكنت أعتقد أن القانون يخولهم تلك السلطة في مصادرة فكر المؤلفين حتي حضرت الملتقي الفكري الثالث الذي نظمته المنظمة المصرية لحقوق الإنسان واستمعت إلي محاضرة ألقاها الأستاذ نجاد البرعي المحامي وعنوانها " رقابة المؤسسات الدينية علي حرية النشر " وفوجئت أن خصومي في الفكر يصادرون الكتب والمؤلفات بسلطة وهمية لاتستند إلي قانون أو إلي نص من نصوص من الدستور. بل يصادرونها بالمخالفة للقانون والدستور وغرقت في مستنقع من الكآبة وتساءلت  : في أي بلد نحن نعيش .. ؟

2 ـ عرفت أنه بصدور الدستور الدائم في (11/9/1971) انتهت بشكل كامل الرقابة علي نشر الكتب والمطبوعات ، فقد نصت المادة 48 من الدستور علي أن حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة والرقابة علي الصحف محظورة ، وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظورإلا في حالة إعلان الطواريء أو زمن الحرب فتكون هناك رقابة محددة فيما يتصل بالسلامة العامة والأمن القومي . وذلك الاستثناء لاينطبق أبدا علي كتبي المصادرة ..

3 ـ وعرفت أن المادة 49 من الدستور تؤكد علي كفالة حرية البحث العلمي والابداع الأدبي والفني والثقافي وتلزم الدولة بتوفير وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك . واصابني الحزن حين قرأت نص هذه المادة فقد اجتهدت في توضيح حقائق الإسلام حين قعد عن ذلك الآخرون . وعوقبت علي الاجتهاد في عملي وبحثي بالتشريد والفصل والسجون ، وخرجت فلم اطالب الدولة بتوفير وسائل البحث مكتفيا بما ذقته منهم ، وواصلت البحث معتمدا علي امكاناتي المحدودة ،معتقدا ان حرية البحث العلمي مكفولة ، فإذا بسلاح المصادرة يطارد كتبي المطبوعة ويهدد غيرها التي لم تطبع بعد ... إذا كيف يتفق نص المادة 49 من الدستور مع ذلك الذي حدث ويحدث لي ؟ .. وفي أي بلد نحن نعيش ؟

 4 ـ ثم إن قانون الأزهر نفسه هو الذي يفرض علي عضو هيئة التدريس في الجامعة أن يجتهد في تجلية حقائق الإسلام ، أي أنه يعترف بأن هناك من حقائق الإسلام مايحتاج إلي التوضيح والتصحيح ويفرض علي عضو هيئة التدريس فى الجامعة أن يجليها ويوضحها ، وذلك مافعلته ، ولكن الذين يملكون السلطة ولايملكون مقومات الاجتهاد استخدموا عصا السلطة معي بالمخالفة لقانون الأزهر نفسه . لم يقوموا بواجبهم وعاقبوا من قام بواجبه .. !! ففي أي بلد نحن نعيش ؟ !!

5 ـ    ثم إن قانون الأزهر نفسه في المادة 17 من اللائحة التنفيذية التي صدرت بقرار جمهوري ( 250سنة 1957) حدد واجبات مجمع البحوث الإسلامية في تتبع ماينشر عن الإسلام والتراث من بحوث ودراسات للإنتفاع بها أو تصحيحها ... ولكن السادة أعضاء مجمع البحوث لاينتفعون ولايصححون ... ولكن فقط يصادرون ... وبأي سلطة ؟ بالمخالفة للقانون !! وماقيمة القانون إذن ؟ وفي أي بلد نحن نعيش ؟

6 ـ ثم إن تلك المصادرة للكتب تخالف نص قانون المطبوعات رقم 20 لسنة 1936 والذي جعل مجلس الوزراء هو الجهة الوحيدة التي لها أن تمنع من التداول  في مصر تلك المطبوعات التي تتعرض للأديان .  وليست كتبي التي تجلي حقائق الإسلام مما تنطبق عليها تلك المادة ، والمهم أن خصومي اغتصبوا مهمة مجلس الوزراء وصادروا كتبا تمجد الإسلام وترشد المسلمين إلي ماخفي عنهم من عظمة الإسلام وحضارته ووافقتهم الدولة ... ففي أي بلد نحن نعيش ؟

7 ـ  ثم إن محكمة النقض ـ أعلي سلطة قضائية في مصر ـ قد أصدرت مبدأ قضائيا فى  ( 5/12/1982) أدانت بشدة طلب مجمع البحوث التحقظ علي أي كتاب مهما كان وأيا كان موضوعه ، وقالت المحكمة الموقرة " إذ كان الثابت من استقراء نصوص قانون الأزهر رقم 13 لسنة 1961 إنها قد خلت مما يخول التحفظ علي مثل الكتاب موضوع النزاع ، وإنما جاء فقط في نص المادة 17 من اللائحة التنفيذية للقانون المذكور الصادر بقرار رئيس الجمهورية رقم 250 لسنة 1957 في بيان واجبات مجمع البحوث الإسلامية مانصت عليه الفقرة السابعة من المادة المذكورة من تتبع ماينشر عن الإسلام والتراث الإسلامي من بحوث ودراسات في الداخل والخارج للانتفاع بما فيها من رأي صحيح أو مواجهتها بالتصحيح والرد ..." . وانتهي الحكم إلي أن " الجهة الوحيدة التي بها أن تمنع من التداول في مصر المطبوعات التي تتعرض للأديان تعرضا من شأنه تكدير السلم العام هو مجلس الوزراء وذلك بنص قانون المطبوعات رقم 20 لسنة 1936" . إذن نحن لسنا أمام نصوص دستورية وقانونية فقط ولكن نري تطبيقا لها من جانب محكمة النقض أعلي سلطة قضائية .. وإذن ... ففي اي بلد نحن نعيش ؟..

8 ـ لقد أصبح الإسلام قضية سياسية انبرى لها الكثير من الطامعين والمتاجرين الذين لم يفهموا الإسلام إلا علي أنه مغنم وتجارة وطريق للوصول ، وأولئك ليس لديهم وقت للقراءة والبحث ، ولايريدون ذلك ، وقد اكتفوا بقراءة بعض السطور في التراث وببعض العموميات في الأحكام التي توافق هواهم . وكان لابد من التصحيح ، وتصدرت لأقوم بالتصحيح ولأبرئ الإسلام من أقوال بعض المسلمين مؤمنا أن الإسلام يحتاج الآن إلي من يعاني في سبيل إظهار حقائقه لا إلي أولئك الذين يتاجرون باسمه . وحين قمت بواجبي في الجامعة لاحقني الاضطهاد من المسئولين فيها . وحين تركت الجامعة لاحقني خصومي خارجها بسلاح المصادرة . هذا مع أنني قلت وأقول أن مكافحة التطرف لاتأتي إلا بحرية الفكر ورفع المتاريس المقامة في شارع الفكر والبحث العلمي . هذا مع أن مشاكل التطرف أصبحت تؤرق حاضر مصر وتهدد مستقبلها ، وتكتب تاريخها بالنار والدماء مابين الصعيد إلي القاهرة والإسكندرية . وأصبح واضحا أن الوسائل الأمنية لاتجدي، ولكن مع ذلك يسارع رجال الأمن بمصادرة كتب التنوير طاعة لموظفي مجمع البحوث .وتشتعل مصر بنار الفتنة الطائفية ، ونار التطرف تحت الرماد ، وهم ينعمون بوظائفهم ويمنعون حل المشكلة ويطاردون المفكرين المستنيرين حتي في غير ساعات العمل الرسمية، ويتطلعون إلي اليوم الذي يحكم فيه المتطرفون ليكونوا في وضع أفضل... ومع ذلك تخدمهم أجهزة الدولة . ففى أي بلد نحن نعيش ؟ !!

 

         

 قال الراوى :  لقمة العيش

1 ـ المصرى هو الإنسان ا لوحيد فى العالم الذى إذا رأى كسرة خبز على الأرض أسرع ينحنى يلتقطها ثم يقبلها ويأخذها فى احترام  بعيدا عن التراب ..وذلك يعكس فى طياته تقديسا لكسرة الخبز يكمن فى القلب المصرى ،وينطق به اللسان المصرى حــــــين يصف كسرة الخبز بأنها " لقمة العيش " . واذا حللنا هذا الوصف تحليلا علميــــــــا وجدناه وصفا لأكسيرالحياة ، ووسيلة للعيش ثم يتسع المصرى فى استعمال هذا الوصف  ليصبح السعى على الرزق الوسيلة للحصول على " لقمة العيش " ، بل يصبح السكوت عن الحق والتغاضى عن الباطل والتهاون فى مواجهة الظالم حرصا على " لقمـــــــة  العيش " هذا مع أن المصرى يؤمن فى أعماقه بأن الله هو الرازق ، ولكن حرصه علـــى ( لقمة العيش ) وحبه فى دوامها يجعله ينسى أحيانا أن الرزق من الله ويخشى على " لقمــة العيش " حين يضطر لأخذ موقف يهدد عمله ووظيفته ..  ويتسع مفهوم ( لقمة العيش )  الــى العملات ا لنقدية والورقية فأول ما يدخل منها إلى الجيب يسارع المصرى بتقبيله  ووضعه على جبهته احتراما  ، ويتفاء ل بأن الرزق سيأتى بعدها وفيرا  خصوصا إذا كان ذلك فى الصباح ، ويشعر بسعادة لأنه سيعود لبيته آخر ا لنهار ومعه " لقمة العيش " هنية وفيرة .وبهذا تشمل لقمة العيش كل أنواع الطعام بل والوظيفة والمهنة        والنقود المعدنية والورقية .. وفى نفس الوقت تتجسد لقمة العيش فى كسرة خبــــــــز يحرص المصرى على تقديسها واحترامها ،وهو فى ذلك يعبر عن حضارة امتــدت عشرات القرون كانت فيها مصر مخزنا للغلال يشبع منها الجائعون القادمون لمصر  من الشرق ومن الغرب بحثا عن " لقمة العيش .."  .

2 ـ  وذلك  التقديس للقمة العيش لم يأت من فراغ . كانت مصر فى عصورها القديمة والوسيطة تعانى من المجاعات الرهيبة حين يفيض النيل عن الحاجة ويغرق الدلتا والصعيد ، وحين يتناقص وتعطش الأرض وتعجز عن الزرع ،أو حين ينهار الحكم  المركزى وتسود الفوضى فيتعطل الفلاح المصرى عن زرع الأرض ، وتأتـى المجاعة فيأكل الناس الأخضر واليابس ويتطلعون إلى " لقمة عيش " تحفظ عليــهم الحياة .  

3 ـ ولذلك كانت أسعار الغلال مرتبطة بمقياس النيل، فإذا تناقص النيل أسرع الناس بتخزين القمح وأسرع التجار باخفائه وارتفعت أسعاره ، ففى رمضان سنة 827 فى سلطنة  الأشرف  برسباى تناقص مقياس النيل. يقول المقريزى ـ  وكان يعيش فـــى ذلك الوقت ــ : " فأصبح الناس فى قلق وطلبوا القمح ليشتروه  وبدأ بعضهم فى تخزينه خوف الغلاء ، إلا أن النيل زاد يوم الاحد 18 رمضان فى النيل ، ونودى يوم الاثنين 19 رمضان بتلك الزيادة فسُرّ الناس ."

4 ـ  وفى أوقات الغلاء و المجاعة كان الفقيـر المصرى يتطلع إلى كسرة الخبز على أنها " لقمة العيش "  التى تنجيه من خطـر الموت جوعا ، وليست تلك عبارة إنشائية أو مبالغة لفظية بل هى حقيقة مفزعة شاهدها المقريزى بعينه  وسمعها بأذنيه حين كان صغيرا فى غلاء حدث فــى منتصف جمادى الآخرة سنة 776 هجرية وقد سجل المقريزى تلك الحقيقة التاريخية المروعة فقال : " كثر موت  الفقراء والمساكين بالجوع فكنت أسمع  الفقيريصرخ بأعلى صوته : لله لبابة ( أى كسرة خبز ) قدر شحمة أذنى ، أشُمُّها وخذوها ، فلا يزال كذلك حتى يموت "!!.  وفى الشهور التالية خصوصا رجب وشعبان كثرموت الفقراء بالجوع  يقول المقريزى " وشنع الموت فـى الفقراء من شدة البرد والجوع  والعرى ، وهم يستغيثون  فلا يغاثون. وأكل الناس خبز الفول والنخالة عجزا عن خبز القمح ، وبلغ الخبز الأسود كل رطل ونصف بدرهم ، وكثر خطف الفقراء له ما قدروا  عليه من أيدى الناس ، ورمى طين السجن لعمارة حائط له فأكله المسجونون من شدة  جوعهم ، وعز وجود الدواب لموتها جوعا .. "

5 ـ وحدثت مجاعة أخرى فى ربيع الآخر سنة 798 هجرية، فقام السلطان بعمل خبز وفرّقه على الفقراء والمساجين ،يقول المقريزى " فكفى الله الناس بهذا الخبز همّا عظيما ، بحيث لم يعرف أن أحدا مات من هذا الغلاء بالجوع .."  وكانت المجاعات شيئا عاديا فى التاريخ المصرى ، يتكرر حدوثه مرات عديدة فى القرن الواحد ، وكانت كسرة الخبز هى الوصفة الطبية الناجحة للنجاة من  الموت جوعا ، ومن هنا كان وصفها بلقمة العيش ، فلولاها ما كانت هناك حياة ،   وما كان هناك عيش ..!! ولهذا السبب عاش تقديس المصرى لكسرة الخبز واحترامه لها ورفضه أن يراها ملقاة على التراب تدوسها الأقدام..  

6 ـ وكان عدد المصريين يتناقص بصورة مروعة فى أوقات  الأوبئة والمجاعات التى تحصد الألوف المؤلفة من المصريين ،وحين تنتهى كان يبقى فى مصر نصـف السكان أو أقل ، وفى أوقات الرخاء كان يزداد عدد السكان ليصل إلى العشرين  مليونا ، كما حدث فى وقت الفتح العربى حين بلغ عدد من دفـع الجزية مـــن المصريين نحو ثمانية ملايين نسمة ، كانوا من الذكور البالغين القادرين ماليا على دفع الجزية . وفى ذلك الوقت كان المصريون يزرعون الساحل الشمالى من غزة إلى طبرق . وكانت للنيل فروع تصب ما بين العريش إلى ما بعد الاسكندرية . وقبلها كانت مصر مخزنا للقمح يطعم الامبراطورية الرومانية . وفيما عدا أوقات المجاعة وتناقص النيل  ظلت مصر طيلـــة العصور الوسطى هى مخزن  " لقمة العيش " لمن حولها ..  وجاء العصر الحديث  فكبح جماح النيل وسيطر عليه منذ أن أنشأ محمد على القناطر  إلى انشاء سد أسوان ثم انشاء السد العالى ، ولم يعد هناك خوف من انحسار الفيضان وحدوث المجاعات  القديمة المروعة ..

7 ـ ومع ذلك فلا زلنا نعيش فى الغلاء ، واصبحت لقمة العيش فى يد السيد الأمريكى .كانت لقمة العيش للرومان فى يد المصريين ، ثم أصبح أحفاد الرومان يتحكمون فى لقمة  العيش التى يحتاجها المصريون . فى الماضى كنا نصدر القمح مع أنه لم يكن هناك السد العالى أو وزارة الزراعة ، والآن أصبحنا نستورد القمح مع وجود السد العالى ووزارة  الزراعة .. لماذا أنشأنا وزارة الزراعة اذن ؟ .. وما هو الهدف من وجودها  اذا كنا نستورد لقمة العيش من عدونا ؟

8 ـ يا حبيبتي يا مصر !! 

ملاحظة : قام نظام مبارك بتقليص المساحة الزراعية المخصصة لزراعة القمح ليظل الاعتماد على إستيراده من أمريكا لصالح مافيا الاستيراد التى تعمل لحسابه . وكان ــ ولا يزال ــ ممكنا الاكتفاء الذاتى من القمح ، وفى مراكز البحوث الزراعية أبحاث للنهوض النوعى بالقمح ، ولكن هذا كله تم تغييبه خدمة للفساد . هذا ما كنا نسمعه ولم يكن معنا دليل ، فإكتفينا بهذا المقال .   

قال الراوى : غـسـيـل مـخ

1 ـ أتخيل باحثاً فى التاريخ يعيش فى القرن الحادى والعشرين يعكف على بحث تاريخنا فى القرن العشرين , يتوقف أمام أكبر ظاهرة شهدها عصرنا , وهو ظاهرة الاتحاد السوفيتى الذى قام فجأة دولة شيوعية تحتل نصف أوربا وثلث آسيا , وتنشر نفوذها فى نصف العالم تقريباً وتواجه أمريكا والعالم الرأسمالى ، وتظل هكذا سبعين عاماً ثم تموت فجأة بالسكتة القلبية،  وخلفها علامات استفهام لا تنتهى ؟؟. أتخيل ذلك الباحث المؤرخ وهو يتعجب لهذه الدولة العملاقة التى عاشت سبعين عاماً فقط , وهو عمر قصير فى حياة الدول , بل أن بعض الشركات التجارية عاشت وتعيش أضعاف هذه المدة , وكأن دولة الاتحاد السوفيتى كانت مجموعة من الشركاء اتفقوا فيما بينهم على تكوين شركة وتصادف ان أصبحت الشركة دولة ، بل أكبر دولة فى العالم , وعاشت تلك المدة , ثم انفضت الشركة أو الدولة وأقتسمها اصحابها وورثتهم , أكلوا خير الشركة أو الدولة فى بدايتها وفى نهايتها ، أما الجماهير الذين عرفوا المعاناه فقد خرجوا من المولد بلا حمص وبلا أى شىء ، إلا الشىء الوحيد الذى اعتادوا عليه واعتاد عليهم وهو الألم والشقاء .

2 ـ ولا شك أن هذا الباحث المؤرخ سيقرأ كيف قام بارونات الاتحاد السوفيتى بتهريب مليارات الدولارات إلى الخارج قبيل تشييع جنازة الشيوعية واتحادها السوفيتى , وسيرى ان الرفاق الشيوعيين الذين أودعوا الاتحاد السوفيتى مقبرة التاريخ هم انفسهم الذين صاروا حكاماً للدول التى قامت على أنقاض الإتحاد المتوفى وتاريخ حياة يلتسين يكفى مثلاً , فقد كان شيوعياً منضبطاً , وصل به إخلاصه للشيوعية إلى أن صعد من الأقاليم إلى منصب السكرتير الأول للحزب الشيوعى فى موسكو وإلى عضوية المكتب السياسى للحزب الشيوعى فى الاتحاد السوفيتى , وحين بدأت اجراءات العد التنازلى لتقويض الاتحاد السوفيتى كان يلتسن زعيم البرلمان وأعلن بهذه الصفة اسقلال روسيا عن الاتحاد السوفيتى فأصبح رئيساً لروسيا واتحاد الكومنولث , وتحول إلى ادانة الشيوعية , ثم اختلف مع رفاقه بعد ان أدى الانفتاح إلى تحول كبار المسئولين إلى عصابات المافيا . أى هوالذى تحول من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين , والجماهير المطحونة هى التى دفعت الثمن دائماً ..

3 ـ وباحـِثـُنـَا المؤرخ فى القرن القادم سيدرك كيف قام الاتحاد السوفيتى وكيف سقط . لقد قام الشيوعيون بعملية غسيل مخ للجماهير وكان سهلاً عليهم حشد الفقراء ضد حكم آل رومانوف , وكان سهلاً عليهم خداع الناس بالجنة الموعودة حيث سيكون الجميع شركاء فى الثروة . ونجح غسيل المخ هذا فى إقامة الحكم الشيوعى ، وبعدها عمل القياصرة الجدد على احتكار السلطة والثروة لأنفسهم ، بل احتكروا لأنفسهم أيضاً عقول الجماهير حتى لا يتسنى لأحد أن يعيد غسل المخ بطريقة مضادة.  وخلف السور الحديدى سلمت الجماهير عقولها للقياصرة الجدد وتحولت إلى أدوات انتاج بأقل قدر ممكن من التكاليف . ولكن التقدم التكنولوجى فى الاتصالات اطاح بالسور الحديدى فعرفت الجماهير ما يعيش فيه العمال فى العالم الرأسمالى ، ونجح التليفزيون والإنتاج الدرامى الأمريكى فى عمل غسيل مخ لشعوب الاتحاد السوفيتى , فأدركوا انهم رقيق فى شركة يمتلكها الرفاق الكبار , ولأن الإضراب ممنوع فقد لجأوا للتكاسل عن العمل والتباطؤ فى الانتاج , وبالتالى وجد الرفاق الكبار انهم يحتاجون للخبز واللبن وأن نظامهم أصبح عاجزاً عن الوقوف على قدميه ،  فآثروا أن يغيروا الاتحاد السوفيتى نفسه دون أن يغيروا أنفسهم ، وتحول التطرف اليسارى إلى تطرف رأسمالى ، وتحولت روسيا إلى السوق المفتوحة فجأة، فتحول كبار الموظفين إلى عصابات تبيع النفوذ، بينما لا يجد الفقراء الطعام والكساء . أى أن الشيوعيين باعوا الوهم للفقراء فى بداية قيام الثورة , وفى نهاية الدولة , ولم يكسب الفقراء إلا الدموع والشقاء ..

4 ـ وباحثنا المؤرخ سيدرك أنها ليست المرة الأولى التى تتلاعب بالجماهير مجموعة منظمة تريد إنشاء دولة وتريد إنشاء هذه الدولة على أكتاف الجماهير وبدمائهم وبأحلامهم المشروعة فى العدالة والمساواة . قبل ذلك خدع العباسيون الجماهير حين رفعوا شعار "الرضى من آل محمد" وبعد نجاحهم فى القضاء على الدولة الأموية كانوا أكثر من الأمويين ظلماً , حتى أن فرقة من أتباعهم ثاروا عليهم سنة 133هـ بزعامة سويد بن شيخ المهدى فى خرسان , وقالوا " ما على هذا اتبعنا آل محمد , على أن نسفك الدماء ونعمل بغير الحق .. " وأخمد العباسيون الثورة.  واستمر الظلم وتكدست الثورة فى أيدى الحكام فازداد الفقراء فقراً فظهر صاحب الزنج فى جنوب العراق وخدع الجماهير بشعارات زائفة غسل بها مخهم , ولم يتمكن العباسيون من القضاء على حركة الزنج إلا بملايين الأنفس من القتلى وتدمير المدن , وبعده ثار القرامطة وخدعوا الأعراب بنفس الشعارات وأزهقوا أنفس المسلمين فى العراق والشام والحجاز .. وتتكرر نفس القصة : عملية غسيل مخ للجماهير ، فتحدث ثورة ، والسبب فساد حكومى يستثمره جماعة من الثوار ، وحين ينجحون يسيرون فى طريق الفساد ، اما الجماهير فيدفعون الثمن فى البداية والنهاية ..

5 ـ على أن باحثنا المؤرخ فى القرن القادم سيعجب أشد العجب من إحدى دول الشرق الأوسط ، لأنها أسلمت أجهزة إعلامها لفكر التطرف الذى قام بعمل غسيل مخ للشباب فحولهم من قوة منتجة إلى شباب رافض كاره لكل شىء . وربما سيقول باحثنا لنفسه : هل يمكن ان تقتل دولة نفسها بيدها .؟.!!   

 

قال الراوى : صراع الأصوليات !!

1 ـ كلمة " الأصولية " أصبحت من الكلمات الشائعة بعد انتشار التطرف الديني ودعوته للعودة للأصول أي الخليفة الذي يملك الأرض ومن عليها ، ويجلس وحوله الوزير رهن إشارته وبين يديه " مسرور" السياف والسيف والنطع ، فإذا غضب الخليفة طارت الرقاب وسقطت على النطع الذي يتلطخ بالدم ، وانبرى سريح وابن عائشة والموصلي ، وشرب الخليفة من الراح " فإذا " استراح " نثر الدراهم والدنانير وكتب الرقاع بالإقطاعيات وأنواع المتاع . تلك هي الملامح الأصولية التي عاشها أجدادنا وهم يعيشون تلهب السياط ظهورهم في حقول يملكها السلطان ، ويعملون في إنتاج الخير للغير ....

2 ـ وبعيدا عن الشعارات البراقة وبغض النظر عن عدم وجود منهج سياسي اقتصادي يتقدم به أصحاب التيار الديني يوائم العصر . فإن الواقع الأصولي هو أن تعود مصر خلافة كالعباسية أو الفاطمية أو حتى العثمانية وبذلك تتحول الأصولية إلى استبداد واستعباد واحتكار للسلطة والثروة وذلك تحت اسم الإسلام العظيم الذي يبرأ من كل أنواع الظلم . وهذه الأصولية الدينية التي تطرح نفسها علينا لتتقدم بنا على الخلف وعصور السلف تواجهها أصولية أخرى تتربع على كرس الحكم منذ ثورة 1952 وهي أصولية العسكر ، فالدولة المصرية منذ الثورة وهي دولة أصولية بكل ما تحمل الكلمة من دلالة ..

3 ـ فالثورة بدأت في تنظيمات داخل الجيش وخارجه واعتمدت على تحركها وسط الجماهير على جماهيرية أصولية أخرى وهي حركة الإخوان المسلمين . وتنظيم الضباط الأحرار انخرط  بعض أفراده في حركات ومحاولات للاغتيال ، وأسهموا في حريق القاهرة حسبما تكشف من أسرار، وبعد نجاح الثورة وطرد الملك وسط صيحات الإخوان " بسم الله والله أكبر" بدأ الصراع بين الحركة الأصولية العسكرية والحركة الأصولية الشعبية ، وانتصرت أصولية العسكر وتحولت الثورة من ثورة بيضاء إلى ثورة حمراء قانية ، وتحولت معها مصر إلى جبهة داخلية كان يتم تصفية أعداء الثورة من الأصوليات الدينية وتحالفت مع الأصولية الماركسية حينا وتحاربت معها أحيانا .

4 ـ وهاجرت الأصولية الدينية إلى دول البترول وعادت تحمل الأموال في يد والفكر السلفي في يد أخرى ، وفتح لهم السادات أبواب التأثير ليحارب بهم أصولية اليسار ، وبدأت الأصولية الدينية في الثأر لنفسها من الأصولية العسكرية بقتل السادات حين اختلفوا معه وتمردوا عليه ، ودخلوا في مواجهة مع الأصولية العسكرية من وقتها و حتى الآن . وقد أصبحت الأصولية الدينية في موقف الند والمتكافىء مع الأصولية العسكرية الحاكمة ، صحيح أن الأصولية العسكرية تملك المؤسسات ولكن الأصولية الدينية هي التي تحكم تلك المؤسسات ، إذ أنهم تسللوا إلى قلوب الناس وعقولهم وسيطروا على أجهزة الدولة العسكرية التي أصبحت مثل ملكة انجلترا تملك ولا تحكم ، تملك الأجهزة ولا تحكمها ، تملك التليفزيون ولكن الذي يحكم التليفزيون هو فكر التطرف ، تملك الأزهر ولكن شيوخ الأزهر هم منبع التطرف ، تملك الأوقاف ولكن مساجد الأوقاف هي منابر التطرف ..

5 ـ اضطرت الأصولية العسكرية إلى المزايدة على الأصولية الدينية ، فوضعت عمامة فوق الزى العسكري ، ولم تعرف أنها اتاحت المزيد لفكر التطرف لكي يستشري وينتشر ، وأنها تحرث الأرض وتسمدها لبذور التطرف لكي تنموا وتزدهر . وفي النهاية تنتقل مصر من الأصولية العسكرية إلى أصولية اشد واخطر وأفظع ..

6 ـ  في الأصولية العسكرية أوامر القائد العسكري واجبة وعصيانه خيانة عسكرية ، وفي الأصولية الدينية أوامر الأمير واجبة التنفيذ وطاعته من طاعة الله وعصيانه كفر مثواه جهنم وبئس المصير . في الأصولية العسكرية الاختلاف مع الحاكم العسكري اختلاف مع مصر وخيانة لمصر وجزاؤه الحرمان من الوطنية المصرية ، وفي الأصولية الدينية الاختلاف مع الحاكم  بأمر الله خليفة رب العالمين هو خروج على الملة وكفر بواح ، يعني إقامة حد الردة .!

7 ـ وبين هذا وذاك تقف مصر .. كالمستجير من النار بالرمضاء ..

 

قال الراوى : إنقاذ ما يمكن إنقاذه .. 3/8/1992

مسئولية الدولة في نشر التطرف والإرهاب وضرورة التغيير

 1 ـ  كانوا يحكون في بلاد الفرس القديمة أن أربعة من السحرة اجتمعوا حول عظام حيوان ميت فاتفقوا على إعادته للحياة ونجحوا, وفوجئوا بأنه أصبح أسدا مفترسا، ونظر إليهم الأسد بعد أن عاد للحياة، وقال :" هؤلاء أعادوني للحياة ويمكنهم أن يسلبوها مني " ، فأسرع بافتراسهم . وتلك القصة الرمزية تكاد تنطق على حال الدولة المصرية وعلاقتها بالتطرف والإرهاب . لقد بعث السادات تيار التطرف من مرقده ليستخدمه ضد خصومه من اليسار والأقباط ،  ولكن سرعان ما افترسه التطرف وقتله .  ولم تستوعب الدولة المصرية الدرس ، فاتخذت مع التطرف سياسة التردد والمهادنة ومسك العصا من المنتصف على أمل أن تسيطر على تيار التطرف وتجعله يجلس على ركبتها، فاستيقظت الدولة من احلامها ، وإذا بها هىّ التي تجلس على حجر التطرف يتلاعب بها كيف شاء.  وحين أدركت  الدولة هذه الحقيقة أسرعت بحشد قواتها لتضرب معاقل التطرف المسلح وتسير في المعالجة الأمنية إلى النهاية،  وأسرعت بالتوازي لتصدر قانون الإرهاب  وتضع قيودا أخرى على هامش الحرية الضيق الذي يتنفس الناس من خلاله بصعوبة.  والدولة لا تدري أنها بذلك تدق آخر مسمار في نعش وجودها ، لأن المعالجة الأمنية وصدور قانون آخر يطلق يد الدولة البوليسية في العمل مع اشتداد الأزمة الاقتصادية وارتفاع الاسعار وكل ذلك مما يجهز المناخ الملائم لانتصار التطرف وانضمام أفواج الساخطين إلى رحابه، وفي النهاية لن يدفع الثمن إلا المخلصون لهذا الوطن ، أما فئران السفينة الذين يتسببون في غرقها فهم عادة أول من يهرب منها قبل الغرق .. !!

2 ـ  إن مواجهة التطرف بالعنف لا يجدي لأن الفكر لا يواجهه إلا الفكر، بل على العكس فإن عنف الدولة يساعد على انضمام كثير من المحايدين إلى تيار التطرف، بل إن عنف الدولة لا يلبث أن يذهب بهيبتها – على خلاف ما يتوقع بعضنا – لأن الذي يدخل السجن لأول مرة يحسُّ بالرهبة والخوف , ثم لا يلبث أن يعتاد الحياة داخله , فإذا دخله للمرة الثانية أحس بأنه يعود لبيته ،وحين يخرج منه ربما يشتاق إليه خصوصا في زماننا الرديء . ثم إن استعمال الدولة للعنف يدفعها لمزيد وهكذا ختى تصل إلى نقطة اللاعودة و بعدها تنهار حتى تجد نفسها في مواجهة شعب بأكمله، وحينئذً ينهار النظام كما حدث مع شاه إيران وثورة الخميني ..

3 ـ لقد أصبح واضحا عجز الدولة أمام أزمة التطرف بعد أن أسهمت في انتشاره خلال جهاز الإعلام وجهاز الشرطة على وجه الخصوص . أسهم جهاز الإعلام في تلميع الجناح المدني للتطرف من خلال البعض الذين سيطروا على أجهزة الإعلام والمساجد الحكومية والأهلية وبثوا بين السطور بذور التطرف على شكل أحاديث كاذبة منسوبة للنبي عليه السلام يتم من خلالها تكفير المسلم واتهامه بالردة وتعريض حياته للخطر، ثم لا بأس بان تتعمق الفرقة بين عنصري الأمة من مسلمين وأقباط ، ويترسب في الأذهان أن القبطي مواطن من الدرجة الثانية يجوز استحلال دمه وماله وشرفه .. !!

4 ـ وفي نفس الوقت أسهمت الشرطة في إضافة المزيد من الأنصار إلى الجناح العسكري للتطرف , من خلال تجاوزات في معاملة المواطنين في أقسام الشرطة أتاحت للبعض أن يشوه سيرة الأغلبية العظمى من الشرطة، ثم دخول الشرطة وهىّ عنوان هيبة الدولة في صراع مع المتطرفين تخلله كر و فر و اعتقال و افراج و مطاردات ومساومات ومباحثات وتنازلات , وأدى ذلك إلى ضياع هيبة الدولة بقدر ما أدى إلى تضخم الجناح العسكري للتطرف حتى اصبح يغتال من يشاء من المشاهير ويتحكم فيمن يشاء من القرى والمراكز في القاهرة والصعيد على السواء . وضاعت أصواتنا هباءا في وجوب أن تكون الشرطة هىّ خط الدفاع الأخير لأن العنف لا يجدي في مواجهة الفكر .

5 ـ  إن اجهزة الدولة التي ساعدت على تفاقم المشكلة لا نأمل أن يتم الحل على يديها. ولأن الأمر يعنينا نحن أكثر لأنه حاضرنا ومستقبل أولادنا فإننا ندعو الدولة لترك سياسة الاحتواء ومحاولة السيطرة على تيار التطرف إلى انتهاج سياسة جديدة لا تخاذل فيها ولا تردد، لأن الخطر  يحيق الآن بمصر وحاضرها ومستقبلها،  وليس مجرد نظام حاكم ..

6 ـ إن كاتب هذه السطور قد لاقى الاضطهاد وعرف الفصل من العمل والتشريد لأنه أراد أن يبريء الاسلام من تراث التطرف الفكري ، وسبق الجميع في التنبيه على خطورة أن تستعين الدولة بالبعض الذين يدافعون  عن فكر التطرف في مواجهة المتطرفين . والآن أصبح واضحاً خطورة ذلك الجناح المدني للتطرف الذي يصدر الفتاوى بالقتل ثم يتحدث عن سماحة الإسلام بعد أن يغسل يده من دماء القتلى . و لا أمل في قيام حركة فكرية دينية في وجود هؤلاء البعض التي يمنع مجرد الاقتراب من مناقشة جذور التطرف الدينية ومخالفتها لصحيح الإسلام ..

 7 ـ وندخل بذلك على المطلب الأساسى وهو اتساع هامش الديموقراطية ليشمل السماح للإخوان المسلمين وغيرهم بتكوين أحزاب دون شروط مسبقة ، وأن يكون الحكم في ذلك ليس لجنة الأحزاب وإنما للشعب المصري الذي نضج فكرياً وحضارياً بحيث يعرف أين تقع مصلحته , ثم يتم السماح بإصدار الصحف لأي مصري لينشغل الجميع بالحوار فلا يكون هناك متسع للعمل السري وإسالة الدماء , والذي يختار بعد  ذلك العمل السري يتكفل به القانون العادي, بعد إلغاء القوانين سيئة السمعة ومن بينها قانون الإرهاب المقترح ..

8 ـ ومن الطبيعي أن يقترن ذلك بسرعة الاصلاح الاقتصادي وتقليص سيطرة البيروقراطية على الانتاج  والاستثمار والخدمات وإعطاء الفاعلية لأجهزة الرقابة في مطاردة  الفساد . وفي جو من الحرية والديموقراطية يستطيع الشارع المصري أن يتحمل الآثار الجانبية للإصلاح الاقتصادي، ويشعر المواطن بمسئوليته الشخصية عن وطنه ومستقبله فيتخلى عن السلبية،  وإذا نجحنا في اجتذاب الأغلبية الصامتة  إلى التفاعل مع مصلحة البلد فإننا نكون بذلك قد حرمنا تيار التطرف من المجال البشري الذي يسعى للسيطرة عليه، ونكون قد ضمنا النجاة بمصر وحاضرها ومستقبلها . 

ملاحظة : تم نشر هذا المقال وقت إحتدام الصراع العسكرى بين نظام مبارك والارهابيين خصوصا فى الصعيد حيث أقاموا مذابح للاقباط . وكنت ضمن الذين اسسوا الحركة الشعبية لمواجهة الارهاب ، ووقفنا مع مبارك وقتها. وبعد أن أخمد عصيان الارهابيين عاد الى الأزهر الذى تخلى عنه .  

ملاحظة : د سمير سرحان المشرف على الهيئة العامة للكتاب وقتها اصدر سلاسل للتنوير ، ومن ضمنها كتابا عن أهم المقالات التنويرية التى تضع الحلول لمواجهة التطرف. ونشروا هذا المقال فى ذلك الكتاب.

 

قال الراوى : الفاعل والمفعول

1 ـ التيار المتطرف هل هو فاعل أو مفعول ؟ وبمعنى آخر .. هل هو رد فعل للظروف أو هو فاعل أصيل للظروف ؟ وذلك السؤال مهم جداً لأن التشخيص الصحيح للظاهرة هو البداية الحقيقية لعلاجها ..

2 ـ وأعداء التطرف الدينى من خارج الأصولية الدينية يكررون أن للتطرف أسبابه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، أى أنه رد فعل للظروف ، أى أنه مفعول وليس فاعلاً . وعلى ذلك فإن علاج أسباب التطرف تقضى على التطرف . ولهذا يطالبون باجراءات سريعة مثل القضاء على البطالة وارتفاع الأسعار وعلاج مشاكل الشباب وعلاج أزمات النقل والإسكان والمواصلات ، ويطالبون أيضاً بإفساح الهامش الديمقراطى ومحاربة الفساد المستشرى في قطاعات الدولة .  وعلى المدى البعيد يطالبون بتداول السلطة وإصلاح نظام الحكم وتحويله إلى النظام اللامركزى والإدارة المحلية وتحويل الريف إلى عنصر جذب اقتصادى وسكانى وإنتاجى ، ويقولون أن التطرف الدينى جاء نتيجة للفساد والتخبط السياسى والاقتصادى ، فإذا تم الإصلاح انتهى التطرف والإرهاب الدينى.  وذلك أقرب للصواب .

3 ـ  والجناح المدنى للتطرف والإرهاب لهم رأى آخر.  صحيح أنهم يعتبرون الحكومة مسئولة أيضاً عن سبب الفساد واضطهاد الشباب المتدين وتعذيبه ، ولكنهم في الوقت نفسه يخلطون بين التدين والتطرف ويجعلون التدين ـ أو التطرف- ظاهرة أصيلة في الشعب المصرى ورغبة نبيلة في العودة للسلف الصالح ودعوة للإصلاح بالدين بعد أن فشلت النظريات الشيوعية والعلمانية في الحكم .وعليه فإن الحل من وجهة نظرهم هو في القضاء على الدولة العلمانية القائمة ، وأن يحكموا هم ليجربوا تطبيق شعاراتهم . وإذا طولبوا ببرنامج للحكم تكلموا عن عظمة الإسلام ، وتحولوا إلى الخطب الدينية وتركوا لغة السياسة وتحدثوا في الترغيب والترهيب والوعد والوعيد . ثم إذا عجزوا عن الإقناع تحرك الجناح العسكرى بأهم وسيلة في الإقناع ، وهى المدفع الرشاش . وكما يقال فإن الجواب نعرفه من عنوانه ، وقد عرفنا ولا نحتاج إلى المزيد !! فإذا كانوا يفعلون هكذا وهم خارج الحكم فكيف إذا حكموا ؟ !!

4 ـ ونعود إلى السؤال الأساسى هل التيار المتطرف فاعل أم مفعول ؟   

وكاتب هذه السطور مسلم أصولى ولكنه يعارض التطرف منذ أن بدأ ، وذلك عن اقتناع بأنه يخالف الإسلام ، وأن الإسلام يحتاج الآن لمن يعانى فى سبيل إظهار حقائقه وليس محتاجاً لمن يتاجر باسمه العظيم في دنيا السياسة والاقتصاد.  وأرى أن التدين المصرى يخالف ذلك التطرف ، فالمصرى حين يتدين يكون أكثر تسامحاً وأكثر صبراً على ظلم الحاكم ، أى يكون أكثر ابتعاداً عن التطرف والإرهاب . ومن هنا فتلك الشراسة فى الشباب المتدين مرجعها إلى الفكر الحنبلى الوافد الذى جاءت به رياح النفط حين هاجر المصريون للعمل وعادوا بالذقون والتزمت والتعصب والتطرف ، ثم وجدوا الدولة تزايد على  التطرف فتفسح أجهزة الإعلام للجناح المدنى للتطرف ، وفى الوقت نفسه تترك الفساد يتغلغل في أجهزتها ، فينتشر السخط بين الشباب وينضم إلى معسكرات التطرف . وحينئذ تطارده أجهزة الأمن وتمارس معه العنف فيزداد التطرف إنتشاراَ.

5 ـ  إذن فالتطرف رد فعل لظروف داخلية وخارجية . ولأنه رد فعل وليس فاعلاً أصيلاً فإن منجزاته كلها صورية، صحيح أنه أنشأ الكثير من المساجد، ولكنه نشر الكثير من النفاق والتحايل باسم الدين.  صحيح أنه نشر اللحى على الوجوه وغطى وجوه البنات بالنقاب ، ولكنه ملأ العقول بالخرافات والأساطير التى يبرأ منها الله تعالى ورسوله . صحيح أنه انتشرت كلمات طيبة مثل " جزاك الله خيراً " ولكن انتشرت معها أيضاً اتهامات بالكفر والردة على أهون الأسباب .

6 ـ   إن التدين إذا كان أكثر إرتباطاً بكتاب الله تحول إلى عنصر فاعل في السلوك وتحول إلى تقوى ورقى وسماحة وشجاعة في الحق وعفو عند المقدرة ، وتحول إلى إصلاح حقيقى في النفس ، لا يأبه بالشعارات واللافتات ، مثل العمائم واللحى والنقاب . وبالتالى يكون أبعد عن أساليب التحايل بالدين وأكل أموال الناس باسم شركات التوظيف ، ومحاولة مصادرة مستقبلهم باسم الحاكمية ، والسعى لقتلهم باسم الجهاد . !!

 

 قال الراوى : منطق العسكر : 26 / 7 / 1993

1 ـ حدثت هذه القصة في مصر المملوكية .

في يوم الأربعاء 26 من ذي الحجة سنة 876هـ جاءت البشرى للقاهرة للسلطان قايتباي بالانتصار على سفينة قراصنة أوربية ، وقد غنموا السفينة وقتلوا ركابها وأسروا عشرة من القراصنة. وفي اليوم التالي بعد العصر وصل الأسرى الفرنجة يصحبهم الأمير المملوكي حاكم الإسكندرية ليعرضهم على السلطان ، وحدثت مشكلة، إذ أن أهل ادكو هم الذين انتصروا وأسروا السفينة ، إلا أن الأمير قجماس المملوكي هو الذي وصل للسلطان وادعى الانتصار لنفسه، وجاء وفد من مدينة ادكو بالأدلة الواضحة على أنهم هم الذين حاربوا وهم الذين انتصروا ، واضطر الأمير المملوكي لآن يتهم أهل ادكو بأنهم اعتدوا على اختصاصاته حين قاموا بالهجوم بدلا منه على السفينة التي هاجمت مدينتهم ، كأنه أراد أن ينتظروا إلى أن يأتيهم الأمير المملوكي من الإسكندرية ليدافع عنهم.

2 ـ والسلطان قايتباي المشهور بالتدين وقيام الليل وقراءة الأوراد نسى اللافتة الدينية التي يرفعها ، وأصدر قرارا عبّر فيه عن طبيعة النظام العسكري الذي يقف على قمته، إذ أمر بسجن مجاهدي ادكو في سجن المقشرة الرهيب مع نفس الأسرى القراصنة الذين انتصروا عليهم ، وقد ادعى بعض الأسرى الإسلام فأطلق السلطان سراحهم  ، بينما ظل شجعان ادكو في السجن لأنهم تجرءوا على الدفاع عن بلدهم والاعتداء على تخصص المماليك في استعمال السلاح ..

2 ـ إن فلسفة الحكم العسكري المملوكي تقوم على أساس أنهم القوة الوحيدة التي تحكم المصريين والتي يجوز لها استعمال السلاح ، وممنوع على المصريين أن يمسكوا لجام المماليك  ، وذلك هو التعبير السائد عن ضرورة أن يحصر المصريون أنفسهم في دور الرعية أو الخراف التي يسير بها الراعي ويتحكم فيها كيف يشاء .. ولذلك فإن أهل ادكو حين تجرءوا على الدفاع عن أنفسهم كافأهم السلطان بالسجن حتى لا تتحول الشياه والخراف إلى ذئاب تصادر الوجود المملوكي وتلغي أهميته .

3 ـ ذلك منطق العسكر السياسي في كل زمان ومكان ، منطق يقوم على احتكار السلطة وتحويل الوطن إلى جبهة داخلية وجبهة خارجية ، وتحويل المدن إلى معسكرات ، وتحويل المواطنين إلى موظفين في هرم وظيفي تقوم العلاقات في داخله على أساس إصدار الأوامر وتنفيذها . حيث تقوم السياسة على أساس الأوامر وتنفذ التوجيهات ، وإعلانات التأييد ، فلا يمكن للشعب أن ينتج ولا يمكن للاقتصاد أن يزدهر ، لأن أهل النفاق وأهل الفساد سيأكلون الأخضر واليابس ، وحتى إذا قام المصلحون بإعلان الرأي وتوجيه النصح فلن يسمع لهم أحد ولن يكافئهم السلطان العسكري إلا بالازدراء ، وربما يضعهم في السجن مثل ما فعل السلطان قايتباي مع مجاهدي ادكو الشجعان..

4 ـ  إن الحكم العسكري قد أجهض الحياة النيابية الليبرالية في مصر قبل ثورة 1952م ، ومن وقتها لم نعرف إلا  الاستبداد الفردي والانهيار الاقتصادي ، حتى أن روشتة العلاج الاقتصادي تتطلع لأن ترجع بالاقتصاد المصري لما قبل ثورة 1952م ، أى أنه اعتراف بفشل العسكر اقتصاديا منذ أن حكموا ، ويضاف إلى ذلك أنواع أخرى من الفشل السياسي والفشل العسكري الذي يرجع أساسا إلى احتكار السلطة واحتقار الشعب .

5 ومصر الآن تواجه خطرا يهدد حاضرها ومستقبلها وشعبها، وهو خطر التطرف الديني الذي يتحول إلى إرهاب دموي ، وقد تربى الجناح المدني للتطرف في سراديب السلطة الحاكمة وفي مؤسساتها ، بينما استشرى الجناح العسكري للتطرف وتغذّى على أخطاء السلطة الحاكمة وفسادها. وكالعادة سار منطق العسكر على أساس الانفراد بعلاج مشكلة التطرف ، فازداد التطرف انتشارا ، حيث يستخدمون شيوخ التطرف العاملين لديهم في مواجهة التطرف ،  يتطرفون في عمليات التعذيب والعنف ، فيخسرون هنا وهناك ، ويكسب التطرف أرضا جديدة على حسابهم والنتيجة دمار لمصر وشعبها لأن دولة التطرف الدينية إذا قامت فلن تبقي ولن تذر ..

 6 ـ  ويقال إن السلطة العسكرية تبدو سعيدة بخطر التطرف لأنه سيعطيها الحجة للبقاء في السلطة تبعاً للحكمة العسكرية القائلة  بأنه لا صوت يعلو على صوت المعركة ، وتبعا لما هو معروف من أن النظام العسكري سيئ ولكن الحكم الديني أسوأ. ولكننا نقول أن حكامنا العسكر هم وطنيون مصريون ، وليسوا كعسكر المماليك، ونعتقد أن وطنيتهم تفرض عليهم إيثار مصلحة الوطن فوق كل شيء .. لقد تربى التطرف في أحضان السلطة وعلى سلبياتها ، وقد آن الأوان لتداول السلطة وممارسة الديمقراطية السليمة ولسنا أقل من.. اليمن ..

ملاحظة : كان فى اليمن وقتها إتجاهات للتحول الديمقراطى وتبادل السًلطة .

  

قال الراوي : نريــــــــــــد  وزارة .. للآثــــار .. 17 فبراير1992م.

1 ـ  سنة 595 هـ  زار مصر الطبيب الفيلسوف عبد اللطيف البغدادي وكتب عن رحلته كتابه " الإفادة والاعتبار" وكان أروع ما فيه وصفه الدقيق للآثار الفرعونية في ذلك الوقت وما كان يحدث فيها من تخريب يومئذٍ ،  وحين نقرأ هذا الوصف في كتابه ونقارنه بما لدينا من آثار نتعجب من ذلك التدمير الذي لحق بآثارنا من عهد عبد اللطيف البغدادي وحتى الآن ..

2 ـ  وطبقاً لما ذكره عبد اللطيف البغدادي كان للأهرام ومنطقة الأهرام وضع مختلف عنها اليوم ، كانت هناك مدينة كاملة للآثار بازاء الضفة الشرقية للآهرام الثلاثة . وقد امتلأت هذه المدينة بمغارات كثيرة العدد عميقة ومتداخلة الأغوار، وبعضها يرتفع إلى ثلاث طبقات ويمكن أن يسير فيها الانسان يوماً كاملاً ولا يراها كلها . وعلى أحجارها الكتابات الفرعونية التي تغطي أيضاً الأهرام الثلاثة. ويقول عبد اللطيف البغدادي إن هذه الكتابات كثيرة جداً حتى لو تم نقل ما على الهرمين فقط إلى صحف لكانت زهاء عشرة آلاف صفحة. ويقول عن هرم خوفو وهرم خفرع أنهما مبنيان بالحجارة البيضاء أما الثالث فهو مبني بحجارة الصوان الأحمر شديد الصلابة .

3 ـ  ويتحدث عن أبي الهول ونعرف منه أن جسد أبي الهول كان مدفونا في الأرض ولا يظهر منه إلا الرأس والعين فقط ، وقد غطاهما دهان أحمر لامع , ومعنى ذلك أن التدمير الذي حدث بعد عصر عبد اللطيف البغدادي قد كشط سطح الأرض وأظهر المدفون من جسد أبي الهول وأظهر إلى جانبه آثار كثيرة تم نهبها و ضياعها .. !! وقد شهد عبد اللطيف البغدادي في رحلته جانباً من ذلك التدمير؛ إذ أن ملك مصر وقتها العزيز عثمان الأيوبي حاول هدم الأهرام وبدأ بالهرم الأصغر فحشر جيشاً من العمال والمهندسين والآلات وظلوا ثمانية أشهر يهدمون كل يوم حجراً واحداً, ثم وهنت قواهم فتركوا العمل يأساً ولكن بعد أن قاموا بتشويه جانب من الهرم الأصغر .

4 ـ  ولكن التدمير لحق بعشرات الأهرام الأخرى , إذ كانت هناك كثير من الأهرام تبدأ من الجيزة وتمتد مسافة يومين سيراً على الأقدام, وكان معظمها صغير الحجم , وقد هدمها قراقوش وبنى منها سور القاهرة والقلعة وقناطر الجيزة ، وقد بقى من أنقاضها ردم كثير وصفه عبد اللطيف البغدادي  الذي وصف ايضاً أهراماً كثيرة في منطقة أبي صير،  وبعضها كان انهدم وكانت بقاياه تؤكد أنه كان في حجم الهرم الأكبر في الجيزة, وما بقى من أهرام أبي صير كان مختلف الأحجام والأشكال منه المدرج ومنه المخروطي  .

5 وذلك الفيلسوف الحكيم وصف آثار مدينة منف وصفاً يبعث فينا الحسرة  حين نقارنه بالآثار الهزيلة الباقية في البدرشين, لقد أثارت مدينة منف القديمة وآثارها إعجاب ذلك الفيلسوف وجعلته ينسى أسلوبه العلمي الرصين المتزن الهاديء فانطلق يشيد بتلك الآثار في انبهار وحماس ، وكيف بقيت شامخة بعد آلاف السنين، وما كان يعلم أن التدمير سيفنيها بعد بضع مئات من السنين !!

 6 ـ  وقد وصف من تلك الاثار ما أطلق عليه الناس وقتها بالبيت الأخضر  وهو حجر ضخم قد حفر في وسطه بيت , وقد وصف تفصيلاته و ما  لحقه من تدمير ، ووصف التماثيل الضخمة في تلك المدينة وتوازنها وتصميمها ونقوشها ودقائقها ، ووصف تمثالين لأسدين ، ووصف سور المدينة وما لحقه من تدمير ، وأسهمت في أعمال التخريب للبحث عن الكنوز والمطالب واستخراج  الموميات وبعثرة أحشائها للعثور على ما قد يكون فيها من كنوز مخبأة .

7 ـ  في تلك القرون الوسطى نظر الحكام والأجانب إلى الآثار على أنها  أصنام لا مانع من إزالتها ، وكان الذهب هو المقصود الأعظم من البحث والتدمير لتلك الآثار.  وتلك مهمة تركها الحكام لكل من شاء وبدون رقيب , وصحيح أن المعابد الوثنية كانت تشكل الجزء الأكبر من الآثار الفرعونية إلا أنها أصبحت مهجورة وزالت عنها القداسة بعد أن انصرف عنها المصريون إلى المسيحية. والغريب أن العصور الوسطى كانت عصور تقديس الأضرحة والقبور المقدسة والأولياء الأحياء والأموات ، ومع ذلك احتقروا التماثيل والتصاوير الفرعونية التي لم تعد مقدسة ولم يعد أحد يحج إليها على سبيل التبرك ,  وفيما عدا عبد اللطيف البغدادي فإننا لا نشهد مؤرخاً اهتم بالآثار المصرية اهتماماً علمياً .والمقريزي – أعظم المؤرخين المصريين – تحدث عن الآثار المصرية بما يشبه قصص المصاطب وحكاوي القهاوي , مما يعكس إهمال المثقفين لتلك الحضارة الخالدة .

8 ـ  إن تاريخ الانسانية مدفون في أرضنا , ونحن نعيش فوق متحف طبيعي لتطور الحضارة الانسانية , ولا يخلو مقرر دراسي في العالم كله من البدء بالحضارة الفرعونية، ولا يتحدث إثنان في أي مكان في العالم عن الآثار القديمة إلا و كانت آثارنا الفرعونية هىّ بيت القصيد .. ومع ذلك فقد توارثنا عن القرون الوسطى تلك العادة السيئة في عدم الإهتمام بالآثار الفرعونية التي تنال حظها من اهتمام الدنيا كلها إلا نحن فقط .. !!

9 ـ إن التدمير الذي لحق بالآثار المصرية في القرون الوسطى تبدو بعض ملامحه فيما نعثر عليه من أحجار فرعونية في العمائر الفاطمية والأيوبية والمملوكية ومن عملات ذهبية فرعونية في  الكنوز التي ترجع للقرون الوسطى ، ثم حين فتحت مصر أبوابها للأجانب تركتهم ينهبون أهم الآثار والتحف إلى بلادهم , ولا تزال سرقات الآثار تجارة رابحة  لها عصابات متخصصة في الداخل والخارج.  ونخشى أن يأتي أحفادنا في المستقبل يعيبون علينا ما نعيبه الآن على أجدادنا في العصور الوسطى .. !!

10 ـ  إن حكومتنا مشغولة بتوفير احتاجات الانسان المصري وبمشاكل داخلية وخارجية تحجب عنها مشكلة الحفاظ على التراث الفرعوني , وربما اعتبرته ترفاً ثقافياً ليس هذا أوانه . وأخشى أن أقول أن الحفاظ على آثارنا مسئولية انسانية عالمية ينبغي أن يقوم بها اليونسكو نيابة عن الضمير الانساني والحضارة الانسانية . وهذا اقتراح ثقيل على القلب ، فمصر التي أبدعت تلك الحضارة ينبغي أن تقوم هىّ على رعايتها وحمايتها .. وليس اليونسكو أو غيره ..

11 ـ  إن من المضحكات المبكيات أن تقوم على رعاية الآثار المصرية ( الفرعونية ,القبطية , الإسلامية ) مجرد إدارة تابعة لوزارة الثقافة تعاني نقصاً في الإمكانات والخبراء والموظفين , ومطلوب منهم أن يدافعوا بإمكاناتهم الهزيلة عن تراث تم تشييده خلال سبعة آلاف عام  ... !!

12 ـ  نريد وزارة  .. للآثار .. !!

ملاحظة : كتبت هذا المقال ضد الدعوة الوهابية لتدمير الآثار المصرية بإعتبارها أصناما. وبعد ربع قرن تقريبا أنشأوا وزارة للآثار .

 

ثانيا : ضد التعذيب والظلم

قال الراوي : كان يحدث فى الماضى !  4/5/1992

1 ـ  يذكر المؤرخ الثقة الحافظ ابن حجر فى أحداث سنة 826 هجرية  أنه فى هذه السنة وجد قتيل بقرية فأمسك الوالى أهل تلك البلاد ولايدرى هل القاتل منهم أم لا، فأمر السلطان بقطع أيدى بعضهم وأنوف بعضهم وتوسيط بعضهم،أى قطعهم بالسيف قطعتين . أى أن السلطان الآشرف برسباى أمر بقطع أيادى وأنوف بعض الفلاحين الأبرياء وتقطيع بعضهم نصفين بالسيف لأنه يتهم واحدا منهم بأنه القاتل . والذى يذكر هذا الحدث مؤرخ ثقة كان يعمل قاضيا للقضاة لدى السلطان الأشرف برسباى فلا يسعنا إلا أن نصدق روايته ، ولانملك بعدها إلا أن نتحسر ونتعجب على مقدار العدل الذى كان يتمتع به أجدادنا فى عصر المماليك الذين كانوا يتمسحون بالإسلام وشريعته السمحاء ..

2 ـ كان بإمكان الوالى أو السلطان وأعوانه أن يتحرى ويتفحص عن القاتل الحقيقى , ولكن ذلك لم يكن معروفا فى تلك العصور ، برغم أن جواسيس السلطان كانوا يتفحصون كل شئ ويراقبون كل حركة ، ولو أراد لوصل أعوانه الى القاتل الحقيقى . ولكن أجدادنا الفلاحين لم يكن لهم ثمن يساوى هذا العناء ، فأمر السلطان بقطع الآيادى والأنوف وقتل بعضهم كيفما اتفق . وكانت العادة فى ذلك العصر أن يتعرض المتهم ــ سواء أكان بريئا أو لم يكن  ــ إلى تعذيب هائل حتى يعترف إن صدقا أو كذبا . وربما يكون اعترافه على نفسه وسيلة ليستريح من العذاب ..                                                     

3 ـ والعصر المملوكى حقبة تاريخية تعنى فلسفة معينة فى الحكم والإدارة وطريقة معينة التفكير وفى التأليف وسلوكا خاصا فى الحياة الإجتماعية . وعلى هذا فإن الدولة المملوكية قد سقطت بمقتل السلطان طومان باى سنة 921 هجرية ولكن العصر المملوكى بأفكاره وسلوكياته استمر بعد سقوط الدولة المملوكية ، والتراث الذى يحظى بالتقديس مكتوب أكثره ــ  أو أعيدت كتابته ــ فى العصر المملوكى ، وابن حجر ذلك المؤرخ الثقة هو أمير المؤمنين فى الحديث عند الأصوليين ، والحكم المملوكى العسكرى يعنى سيطرة العسكر وحكم النخبة ، وتلك السلوكيات والأفكار أرساها العصر المملوكى ولاتزال حتى الآن مع شديد الأسف.

  4 ـ   والغريب أن نظرة المماليك للفلاح المصرى على أنه مخلوق لايساوى شيئا ظلت سارية طيلة العصر العثمانى . وظلت لها جذور لدى السادة الأتراك ، ثم توارثها عنهم بعض المصريين الذى حكموا فى بعض مناطق الريف .

5 ـ وقد حدث فى صباى المبكر أن قتل خفير فى قريتنا ،ولم يعرف قاتله ، وتعرضت القرية لإرهاب  هائل من البوليس ، وتحولت بعض بيوتها إلى ثكنات للبوليس يقوم فيها بتعذيب الأبرياء الذين جمعهم المسئولون  كيفما إتفق ، وكان أكثرهم من جيران القتيل ، وكلهم تعرضوا للضرب المبرح رجالا ونساء ، وبعضهم اقتيد إلى الساقية وعلقوهم بها كالمواشى والضرب ينهال عليهم ، والهدف السامى لكل هذا التعذيب أن يعترف احدهم بأنه القاتل ، واعترف كثيرون ليتخلصوا من العذاب ، ثم ظهرت الحقيقة فى النهاية ، ولم يكن القاتل بين أولئك ، كان صديق القتيل وقتله خطأ ، وتوقف التعذيب للأبرياء ، وعادوا لبيوتهم دون كلمة اعتذار من السادة المماليك الجدد الذين كانوا يمارسون عملا روتينيا يستند إلى القاعدة المملوكية التى تؤكد أن الفلاح المصرى لاقيمة له ..

6 ـ وأقسام البوليس المصرى تتمتع  بسمعة سيئة فى الخارج ، وقد سمعت فى الخارج نكتة تقول أنه عندما اغتيل جون كنيدى ولم يعثر على القاتل الحقيقى الذى دبر الجريمة غضب وزير الداخلية المصرى وأرسل لنظيره الأمريكى يخبره بأن لديه عشرة اشخاص على أتم  استعداد للاعتراف بأنهم الذين دبروا قتل كيندى ولينكولن أيضا .. وكم شعرت بالعار وأنا أسمع هذه النكتة ..

7 ـ  وأرجو أن ينجح وزير الداخلية المتحضر عبدالحليم موسى فى مطاردة بقايا  المماليك فى وزارته، فقد آن الأوان للإنسان المصرى أن يكون جسده مصونا عن  الامتهان والتعذيب . فليس الإنسان المصرى الذى يحمل حضارة السبعة آلاف سنة بأقل من نظيره الأمريكى والأوربى .       

  

قال الراوي : لك يوم يا ظالم !!

1 ـ في يوم الثلاثاء 16 شعبان 825 أمر السلطان برسباي بنفي الملك السابق أحمد ابن المؤيد شيخ إلي الإسكندرية . وكان المؤيد شيخ في سلطانه قد نفي أولاد الناصر فرج إلي الإسكندرية فعومل بمثل ذلك ، وكما فعل مع أبناء سيده وأستاذه الناصر فرج جاء برسباي وهو تلميذ المؤيد شيخ فنفي أبناء المؤيد شيخ إلي نفس المكان .. وكما يدين الفتي يدان.

2 ـ وكان منتظرا أن يتعظ الأشر ف برسباي مما حدث وأن يرجع عن الظلم ، ولكن الظلم كان السياسة الثابتة ، وكان الظالم يدفع الثمن في حياته ويدفعه أولاده بعد مماته ، ومع ذلك تتكرر القصة لتثبت أن الظالمين هم أغبي البشر .

3 ـ والأشر ف برسباي بالذات صب ظلمه علي الأبرياء من المصريين ، حدث في يوم الجمعة 7 شعبان سنة 826 أن هرب خصمه جانبك الصوفي من السجن في الإسكندرية واختفي ، فكان اختفاؤه سوط عذاب علي المصريين إذ كان أتباع السلطان يعتقلون الناس بتهمة إخفاء ذلك الأمير الهارب فيتعرضون للتعذيب الشديد ليعترفوا بمكانه . وظل البحث عنه ساريا واستمرت العقوبات وأنواع التعذيب حتى مات كثيرون في شهر ذي الحجة سنة 826 . وجاءت وشاية للسلطان أن خصمه جانبك الصوفي قد اختفي في حارة الجودرية بالقاهرة فأرسل حملة إلي تلك الحارة يوم الجمعة  28 ربيع الآخر سنة 829 وقاموا بتفتيش الحارة وإيذاء أهلها وضربوا أحد أعيانها واسمه ابن المزوق بسبب صلة مصاهرة بينه وبين الأمير الهارب ، ولم يعثروا علي شيء . وأمر السلطان بألا يسكن أحد في هذه الحارة ، فكانت حادثة شنيعة علي حد قول المؤرخ المقريزي !! وقد صار هرب جانبك الصوفي نقمة علي الأبرياء من المصريين ، حتى صار من له عدو يريد إيذاءه يسارع بإبلاغ السلطات أنه يخبيء ذلك الهارب عنده ، وتأتي الشرطة لتعذب المتهم البريء وتنهب بيته .

4 ـ وإذا كان المقريزي يتألم لذلك الظلم المملوكي ويحتج عليه وهو يسجله كشاهد عيان ، فإن مؤرخا آخر كان يعاصر ذلك السلطان اكتفي بنقل وقائع الظلم باختصار دون أن يعقب عليها ، وهو المؤرخ المحدث ابن حجر العسقلاني الذي كان يخدم السلطان ويعمل لديه قاضيا للقضاة ، وحتى حين كان ذلك السلطان الظالم يتلاعب بالشرع فيقتل البريء وهو يعلم ببراءته فإن ابن حجر قاضي القضاة كان يكتفي بذكر الحادثة دون تعليق أو استنكار ، فهو في حوادث  سنة 826 يذكر أنه وجد قتيل بإحدى القرى فأمسك الوالي الأهالي وهو لا يدري هل القاتل منهم أم لا ، وأمر السلطان بقطع أيدي بعضهم وقطع أنوف بعضهم وأمر بقطع بعضهم نصفين ..!!.. هكذا بدون تحقيق ـ لأن أجدادنا الفلاحين كانوا بلا ثمن عند ذلك السلطان المملوكي.

5 ـ ولم يكف ذلك السلطان عن الظلم حتى عندما استعد للجهاد ضد قبرص التي كانت ترسل سفنها تهاجم السواحل المصرية والشامية . ومع أن برسباي أعلن  الجهاد إلا أنه حرص علي تسخير الناس في إنشاء السفن وقام بغصب ممتلكاتهم مما جعل المقريزي يسخر منه ويشبهه  بمن يصلي بغير وضوء وبدون أن يتجه للقبلة . يعني أن جهاده معدوم الثواب .

6 ـ ولأن الله تعالي لابد أن يعاقب الظالم في الدنيا قبل الآخرة فقد جعل من ذلك السلطان الظالم أمثولة وعبرة في آخر حياته.  صحيح أنه ظل حاكما للنهاية ، ولكن شاء الله أن يجعله عبرة وهو في أوج سلطانه ، إذ سلط عليه المرض الشديد وأسمع الناس صرخاته وهو يتألم .

7 ـ بدأ مرض السلطان في شهر شعبان 841 فأسرع يتصدق علي الفقراء مع بخله الشديد ، ثم اشتد عليه المرض في شهر شوال وكان يتظاهر بالعافية ويخرج للناس إلا أن شدة المرض ألزمته الفراش . وكلما ازدادت آلامه ازدادت شراسته وسوء ظنه بالناس حتى اتهم الطبيبين اللذين يعالجانه بالتقصير في علاجه وأمر بتوسيطهما ـ أي قطعهما نصفين !!

8 ـ  وتزايد الألم علي السلطان أكثر وأكثر حتى ظل عشرين يوما نائما علي قفاه ،إذا أفاق يصرخ وينطق بما لا يفهم أو يظل في إغماءه واجتمعت عليه الأمراض المختلفة من إسهال وإمساك وصرع وهذيان وآلام شديدة بالمعدة والأمعاء.  وبسبب سوء حالته تنازل عن الحكم لابنه ، ثم منعوا من زيارته بعد أن أصبح مرض الصرع يلازمه ، وظل كذلك إلي أن مات عصر يوم السبت 13 ذي الحجة 842 وأصبح موته عبرة لكل ظالم ، ويقول وعنه المقريزي .

    يرثي له الشامت مما به

    يا ويح من يرثي له الشامت .

9 ـ إن الله تعالي يقول " من يعمل سوءا يجز به ..4/123" والله تعالي يعاقب الظالم في الدنيا ويعاقبه في الآخرة ويقول تعالي عن الظالمين " لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق ..13/33" والمؤمن الذي لا يظلم أحدا يعيش حياته  آمنا في الدنيا والآخرة يقول تعالي " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون .. 6/82".

10 ـ  وأحداث التاريخ تأتي تصدق أحكام القرآن ، فالظالم يدفع الثمن في الدنيا قبل الآخرة ، والذي يرفع يده ليصفع بريئا لابد أن يأتي اليوم ليذوق نفس الألم الذي أذاقه للبريء . وقد يظل متمتعا بسطوته كما كان الأشر ف برسباي ولكن الله تعالي يسلط عليه المرض فلا يغني عنه سلطانه شيئا . وأولئك الذين عذبوا الأبرياء في السجون عاشوا شيخوختهم تطاردهم أشباح المظلومين وإن نجوا من تقلبات السياسة لم ينجوا من العلل والأمراض والكوابيس واللعنات والاحتقار . وكل أموال الدنيا ومواكبها لا تساوي أن يعيش الإنسان شيخوخته آمنة سعيدة متمتعا برضي الله وحب الناس والله تعالي يقول ( للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين.)(  16/30.). 

اجمالي القراءات 3811