مصباح الأنام وجلاء الظلام في رد شبهة إنكار أمية الرسول عليه الصلاة وال
مصباح الأنام وجلاء الظلام في رد شبهة إنكار أمية الرسول عليه الصلاة وال

نادي العطار في الجمعة ٠٨ - يونيو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

مصباح الأنام وجلاء الظلام في رد شبهة

إنكار أمية الرسول عليه الصلاة والسلام



منذ أيام كتبت مقالاً أَثبتُ فيه أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ، ودلَّلتُ على مقالي بآيات كثيرة من القرآن والتوراة والإنجيل ، ونظرت في نهاية مقالي ؛ فوجدتُ بعض التعليقات تحتوي على أسئلة موجهة إليّ ؛ فاستعنت بالله تعالى لإكمال مقالي والرد على جميع الأسئلة الواردة إليّ حول هذا الموضوع.
أقول أولاً وقبل كل شيء: إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، وهذا شرف له وتاج على رأسه ؛ لأنه بأميته علم العباقرة ، فهو كالمسجد الحرام التي مهما تطاولت المآذن حوله ؛ فالجميع يتجه إليه ، وصدق الله العظيم حيث يقول ( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) [النساء 113] وقوله تعالى ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [الجمعة 2] وقوله تعالى ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [الأحزاب 40]
أما عن معنى قوله تعالى: ( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) يجب على القارئ المحترم أن يقرأ الآيات السابقة واللاحقة لهذه الآيات حتى يتسنى له معرفة المعنى . والآيات كاملة هكذا ( وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ 47 وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ 48 بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ 49 وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ 50 أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ 51 قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [العنكبوت 47-52]
البيان:
أولاً الخطاب في الآية هو مُوجّه لليهود ؛ فقوله تعالى ( وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ) أي القرآن ( فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي اليهود يؤمنون بالتوراة وهم اليهود القدامى ، ( وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ) أي ومن اليهود المعاصرين لك من يؤمن بالقرآن ( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ)
فاليهود المعاصرين له صلى الله عليه وسلم ؛ منهم من يؤمن بالقرآن ومنهم من ينكر القرآن ، دليل ذلك قوله تعالى (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ) [الرعد 36 ]
فانظر إلى إنصاف القرآن لأهل الكتاب لم يضعهم جميعا في سلة واحدة وبيان ذلك كالتالي:
قال الله تعالى: )وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) [البقرة 78] فالمراد بقوله : { وَمِنْهُمْ أُمّيُّونَ } اليهود ؛ لأنه تعالى لما وصفهم بالعناد وأزال الطمع عن إيمانهم بيّن فرقهم ، فالفرقة الأولى هي الفرقة الضالة المضِلة ، وهم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه . والفرقة الثانية : المنافقون ، والفرقة الثالثة : الذين يجادلون المنافقين ، والفرقة الرابعة : هم المذكورون في هذه الآية وهم العامة الأميون الذين لا معرفة عندهم بقراءة ولا كتابة وطريقتهم التقليد وقبول ما يقال لهم ، فبين الله تعالى أن الذين يمتنعون عن قبول الإيمان ليس سبب ذلك الامتناع واحداً بل لكل قسم منهم سبب آخر ومن تأمل ما ذكره الله تعالى في هذه الآية من شرح فرق اليهود وجد ذلك بعينه في فرق هذه الأمة ، فإن فيهم من يعاند الحق ويسعى في إضلال الغير وفيهم من يكون متوسطاً ، وفيهم من يكون عامياً محضاً مقلداً.
ثم تأتي الآية محل الشاهد وهي قوله تعالى (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) ومعنى الآية : يبين البيان الإلهي أن محمداً - صلى الله عليه وسلم لم يقرأ قبل القرآن كتاباً بسبب أميته و لو كان يكتب و يقرأ لارتاب الذين في قلبهم مرض ، ثم إن مجرور ( مِن) إذا كان نكرة يدل على الزمن المطلق عندما يكون منفياً ، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم القراءة والكتابة و لم يتعلمها لا قبل البعثة و لا بعدها بل ظل أمياً لا يقرأ و لا يكتب حتى توفاه الله تعالى .
الشرح والبيان:
إنه تعالى وصف محمداً صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بصفات تسع .
الصفة الأولى : كونه رسولاً ، وقد اختص هذا اللفظ بحسب العرف بمن أرسله الله إلى الخلق لتبليغ التكاليف .
الصفة الثانية : كونه نبياً ، وهو يدل على كونه رفيع القدر عند الله تعالى .
الصفة الثالثة : كونه أمياً . قال الزجاج : معنى { الأمى } الذي هو على صفة أمة العرب . فالعرب أكثرهم ما كانوا يكتبون ولا يقرؤون والنبي عليه الصلاة والسلام كان كذلك ، فلهذا السبب وصفه بكونه أمياً . قال أهل التحقيق: وكونه أمياً بهذا التفسير كان من جملة معجزاته وبيانه من وجوه :
الأول : أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ عليهم كتاب الله تعالى منظوماً مرة بعد أخرى من غير تبديل ألفاظه ولا تغيير كلماته والخطيب من العرب إذا ارتجل خطبة ثم أعادها فإنه لا بد وأن يزيد فيها وأن ينقص عنها بالقليل والكثير ، ثم إنه عليه الصلاة والسلام مع أنه ما كان يكتب وما كان يقرأ يتلو كتاب الله من غير زيادة ولا نقصان ولا تغيير . فكان ذلك من المعجزات وإليه الإشارة بقوله تعالى : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى } [ الأعلى : 6 ]
والثاني : أنه لو كان يحسن الخط والقراءة لصار متهماً في أنه ربما طالع كتب الأولين فحصَّل هذه العلوم من تلك المطالعة فلما أتى بهذا القرآن العظيم المشتمل على العلوم الكثيرة من غير تعلم ولا مطالعة ؛ كان ذلك من المعجزات وهذا هو المراد من قوله :{ وَمَا كُنْتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كتاب وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارتاب المبطلون } [ العنكبوت : 48 ]
الثالث : أن تعلم الخط شيء سهل فإن أقل الناس ذكاء وفطنة يتعلمون الخط بأدنى سعىّ ، فعدم تعلمه يدل على نقصان عظيم في الفهم ، ثم إنه تعالى آتاه علوم الأولين والآخرين وأعطاه من العلوم والحقائق ما لم يصل إليه أحد من البشر ، ومع تلك القوة العظيمة في العقل والفهم جعله بحيث لم يتعلم الخط الذي يسهل تعلمه على أقل الخلق عقلاً وفهماً ، فكان الجمع بين هاتين الحالتين المتضادتين جارياً مجرى الجمع بين الضدين وذلك من الأمور الخارقة للعادة وجار مجرى المعجزات .
وأما عن معنى قوله تعالى : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق 1] فالواقع لو كان معنى اقرأ في آية العلق بلِّغ لاستوعبه الرسول صلى الله عليه وسلم لأول وهلة ، و لم يحتج – و هو على صواب – بأنه غير قادر على القراءة عندما خاطبه جبريل لأول مرة : ما أنا بقارئ ، لأنه في هذه الحالة سيكون قد عصى أمر ربه ، و لم يصدع بما أمر به أما و إنه كان عاجزاً عن القراءة التي بمعنى فعل القراءة فإنه كان مصيباً أي غير قادر على القراءة و الكتابة .
ولم يكن مع جبريل شيء مكتوب حتى يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما معنى القراءة هنا أي ردد ورائي كما تقول للكفيف اقرأ سورة يس أو لمن لم يتعلم القراءة اقرأ سورة الفاتحة ؛ فإن القراءة هنا معناها الترديد .
وليعلم الجميع أن الخطاب في القرآن في قوله تعالى ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق 1] هو خطاب وإن كان للمفرد فإنه يراد به الجماعة – وقد خص به النبي باعتباره نائب عن المؤمنين .
وقد جاء في القرآن مثل ذلك في آيات كثيرة مثل قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) [الأحزاب 1] فإن النبي يتق الله ولكن هو خطاب للمفرد ويراد به جماعة المؤمنين، ومثله قوله تعالى ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ) فإنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه . فهل يصح لأحد أن يقول أن هذا خطاب للرسول وليس لي؟
كذلك قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [الطلاق 1] وقوله تعالى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الأعلى 1]
فهل يصح لأحد أن يقول أن هذا خطاب للرسول وليس لي؟
والأمثلة على ذلك كثيرة جداً.
ويكون المعنى ﴿ اقْرَأْ﴾ هو أمر لكل مسلم بأن يقرأ القرآن دائما مثل قوله تعالى ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾
فألفاظ القرآن تفسر على حسب السياق في الآيات فمثلاً قوله تعالى ( اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة 8] فكلمة اعدلوا هنا يراد بها المساواة. وفي آية أخرى يقول تعالى ( الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) [الأنعام 1] فهل يفسر العدل في الآية الأولى كما هو في الثانية. ومثال آخر: قوله تعالى ( وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا) [مريم 13] فهل تفسر كلمة الزكاة مثل قوله تعالى ( وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ) [الأنبياء 73]
إن معنى كل آية في القرآن لها تفسير على حسب السياق ، وكذلك كلمة أمّي في معظم القرآن تأتي ويراد بها عدم معرفة القراءة والكتابة إلا في موضع واحد من القرآن وهو قوله تعالى (فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران 20] وهنا يراد بالأميين ؛ الأمم ، ولا يراد بها الذين لا يعرفون القراءة.
وهنا أقول : يجب تفسير اللفظ من خلال سياق الآية.
وأما عن الاستدلال بالتوراة والإنجيل :
فإنه يجب على المسلمين أولاً معرفة ما في التوراة وما في الأناجيل ؛ حتى تكون لهم أرضية مشتركة مع أهل الكتاب في حالة الحوار ، وقد طلب القرآن الكريم من كل مسلم أن يتعلم التوراة والإنجيل قال الله تعالى ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [ الأعراف 157] فماذا لو قال لك واحدٌ من أهل الكتاب إنكم تزعمون أن محمداً مكتوباً في التوراة والإنجيل فهل تستطيعون إخراج النصوص الدالة على ذلك فماذا يكون ردك أيها المسلم؟؟؟ وإذا كان ردك بأنها كتب محرفة ؛ فسوف يعاود عليك السؤال ويقول لك : أرني مواضع التحريف ؟ وهنا ستقف بلا إجابة إن لم تكن دارسا وملما بما في التوراة والأناجيل.
ثانيا: إن الله تعالى يقول ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [المائدة 48]
وأيضا ( وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ ) [آل عمران 50]
فقد ظنّ البعض أننا قد فسَّرنا آيات قرآنية بتوراة وإنجيل . ويعترِض على ظنه هذا بأننا فسرنا كلاما غير محرف بكلام محرف . والواقع أن آيات القرآن الكريم هى التى تأمر بهذا لأن التوراة فى جملتها ليست محرفة وإنما التحريف وقع فى بعضها ودليلنا قول الله تعالى: (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) [النساء 46] أى بعض الكلم كذلك قوله تعالى: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ) [المائدة 13] كذلك قوله تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ) [المائدة 41] فمن هذه الآيات يتضح أن التحريف جزئى لا كلى بدليل كلمة (الْكَلِمَ) ولم يقل الكلام وقوله: (وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ) ولم ينسوا الكل . من هنا أعطى أمثلة من القرآن الكريم تدل على أننا لا بد فى تفسيرنا للقرآن لا بد من الرجوع إلى التوراة والإنجيل . ومن أمثلة ذلك عندنا :
(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ) إنهم قالوا : إن فى التوراة عشر آيات . ومن يدقق النظر فيها يجد أنهن تسع . فأنا لم أفسر . وكيف أفسر ما لا يحتاج إلى تفسير ؟ أأفسر الماء بعد الجهد بالماء ؟ فآتينا . لا تحتاج إلى تفسير ، وتسع أيضا ، والآيات أيضا وبينات يدل دلالة قطعية لا ظنية على أن النص لا يحتاج إلى تفسير فإن المُبيَّن لا يُبَين . ثم إن قوله ( فَاسْأَلْ) يدل على سؤال ، ولا يدل على تفسير . وهم إن سُألوا لن يجيبوا لقوله عنهم : (أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ)؟ وعليه يتوجّب على المسلم دراسة هذا الموضوع فى التوراة ليظهر منها صدق القرآن فى قوله .
ولما لم يفعل المسلمون هذا ؛ اضطربوا فى عدد الآيات ولم يتفقوا . وهم لم يدرسوا لأن زمانهم قد صرفهم عنها لحديث آحاد يدل على النهى عن مطالعتها . فهل لما صُرفوا عنها ؛ أجاب اليهود بصدق ما فى القرآن ؟
ولا نقدر أن نسمى ذلك تفسيراً . وذلك لأن القرآن هو الذى يفسر التوراة والإنجيل . وليس هما اللذان يفسران القرآن . فقد قال تعالى : (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا)
الخلاصة
وحتى يكون الكلام مختصرا ومفيدا أقول:
الأمى – على الحقيقة – هو الذى لا يقرأ ولا يكتب، ولا يعلم من العلم شيئا شبه خروجه من بطن أمه. لقوله تعالى: (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا) [النحل 78] والأمى – على المجاز – هو الذى يعلم قليلا فى مقابل الذى يعلم كثيرا. فعلماء أهل الكتاب يعلمون كثيرا. ومن اليهود أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانى. ذلك قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ)[البقرة 78]
ولأن أهل الكتاب هم العارفون بالله، والأمم فى أيام شريعتهم أقل منهم فى المعرفة؛ أُطلق على الأمم أميون تشبها بالأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أمانى. فصار فى العالم فريقان فريق أهل الكتاب وفريق الأميين. وفى كتاب التوراة أن النبى المماثل لموسى:
1- سيكون أميا غير قارئ ولا كاتب. شِبه خروجه من بطن أمه لا يدرى ما الكتاب ولا الإيمان.
2- وسيخرج من الأميين الذين إن فُرض أنهم يعلمون علما، فإنه يكون علمهم أقل من علم أهل الكتاب. أما أنه غير قارئ ولا كاتب. فمن قول التوراة عنه على لسان موسى عليه السلام: " وأجعل كلامى فى فمه " [تث 18: 18] وأما أنه سيخرج من أمة أمية. فمن قول التوراة عنه على لسان موسى عليه السلام: " هم أغارونى بما ليس إلها. أغاظونى بأباطيلهم. فأنا أغيرهم بما ليس شعبا. بأمة غبية أغيظهم " [تث 32: 2]
وفى سورة العنكبوت يقول: (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) [العنكبوت 48]
وفى سورة الجمعة يقول: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ( [الجمعة 2]
ولأن غير اليهود أميين. خاطب الله نبيه بقوله: )وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ( [آل عمران 20] وهذا الخطاب يدل على أن دعوة محمد صلى الله عليه وسلمعالمية لجميع العالم من اليهود وغيرهم. وفى سورة الجمعة دلالة قاطعة على أن دعوته صلى الله عليه وسلم عالمية. فإنه لما أظهر النبى صلى الله عليه وسلممن " أمة " من الأمم هى أمة العرب بنى إسماعيل عليه السلام قال: إن سائر الأمم ستلحق بهم وستنضم إليهم وسيكون الجميع أمة واحدة ذلك قوله تعالى: )وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ( [الجمعة 3]
يجب على العلماء أن يعلموا أن هناك نبوءات في الكتب المقدسة عند أهل الكتاب ؛ تحدد علامات النبي المنتظر ، ويجب عليهم تطبيق هذه النبوءات على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا أكون مبالغاً إذا قلت إن الخلاف الوحيد بيننا وبين أهل الكتاب هو في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
دليل ذلك قول الله تعالى ) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا( [النمل 14] فانظر إلى قوله )بِهَا( ، وأيضا قوله تعالى ) فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ( [البقرة 89] ، وقوله تعالى ) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ( [الشورى 16] فانظر إلى قوله تعالى )لَهُ( أي لإبراهيم في بعث محمد صلى الله عليه وسلم.
من هنا أقول: إن أعظم معجزة لرسول الله هي القرآن الكريم ، ويناسب هذا كونه أمياً لا يقرأ ولا يكتب.
فلينتبه السادة العلماء لمثل هذا البيان ، ولا يُعجب كل واحد منهم برأيه.
هذا . والله وليّ التوفيق.
د/ نادي فرج درويش العطار
مدير مركز ابن العطار للتراث

اجمالي القراءات 26188