كتاب ( التفريق بين الرسل والتفضيل بينهم وشهادة الاسلام الواحدة )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٢٣ - نوفمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

 

كتاب ( التفريق بين الرسل والتفضيل بينهم وشهادة الاسلام الواحدة )

تقديم

1 ـ ينتابنى الرعب حين أقرأ مؤلفاتى القديمة والتى كتبتها حين كنت فى جامعة الأزهر. كنت لا أرى بأسا من الاستشهاد بأحاديث أراها تتفق مع القرآن الكريم ، وكنت غافلا عن قوله جل وعلا : (أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّـهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ۖفَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴿١٨٥﴾ الاعراف ) (  فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴿٥٠﴾) (  تِلْكَ آيَاتُ اللَّـهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّـهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴿٦﴾ الجاثية )(  وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿٦﴾ لقمان ) .

2 ـ بعدها كانت نقلة فى التفكير وفى الدين ، بدأت الاحتكام الى القرآن الكريم فى السنة كلها ونشرت ( القرآن وكفى ) و ( الاسناد فى الحديث ) و( التأويل ) و ( حد الردة ) و ( عذاب القبر والثعبان ).

3 ـ ولكن كنت أيضا غافلا عن الاحتكام للقرآن الكريم فيما فعله الصحابة و ( الخلفاء الراشدون ) بعد موت خاتم النبيين ، رجعت الى القرآن بعد دراسة جادة لتاريخ الخلفاء ( الراشدين ) فايقنت أنهم الخلفاء الفاسقون . وكالعادة فكل ما أعتنقه أبادر بنشره . وفى خضم هذا التحول والمعايشة القرآنية أيقنت أن من الكفر جعل شهادة الاسلام الواحدة ( لا إله إلا الله ) شهادتين ، وكنت قد تركت جامعة الأزهر  بسبب إنكار الشفاعة وتتفضيل النبى محمد عمّن سبقه من الأنبياء وإنكار عصمته الشخصية ، لذا كان لا بد من إكتمال الأمر برفض أن تكون شهادة الاسلام شهادتين لأنه تعنى التفريق بين الرسل وتفضيل خاتم النبيين عمّن سبقه من الأنبياء عليهم جميعا السلام. أشرت الى شهادة الاسلام الواحدة فى مقال عن التقوى فثار جدل فى الموقع ترتب عليه مقالات لاحقة. رأيت أن انشرها فى كتاب ، ونسيت الموضوع ثم تذكرته ، والآن أنشر هذا الكتاب بالمقدمة التى كتبتها يومئذ .

والله جل وعلا هو المستعان.

أحمد صبحى منصور

فى 22 نوفمبر 2018  

 

المقال الاول:

(لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ)

 

بقلم: آحمد صبحي منصور 

تاريخ النشر: 2008-11-09

 

أمر الله جل وعلا المسلمين أن يقولوا (لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ).. فقال المحمديون (سمعنا وعصينا )

 

مقدمة

1 ـ دارت مناقشات حامية فى موقعنا (اهل القرآن ) بعد نشر مقال (التقوى جوهر الاسلام ). النقاش انصب حول مقدمة المقال وعنوانها (التقوى نقطة الفصل بين الاسلام والمحمديين) وخاصة قولى فيها :( فشهادة الاسلام واحدة وليست إثنتين ، فهى شهادة أنه لا اله الا الله فقط. ومن شهد بهذا فقد آمن بكل الأنبياء دون أن يفرق بينهم ، أو أن يرفع واحدا من بينهم فوق الآخرين. حين يضاف الشهادة بمحمد رسولا فهنا تفضيل له على غيره من الأنبياء وتمييز له عنهم ، وهذا كفر بالاسلام وفقا لما أكده الله تعالى فى القرآن ( البقرة 136 ، 285 ) (آل عمران 84) (النساء 150 : 152) (الأحقاف 9). ولكن العقيدة الأساسية لديهم إنهم أمة محمد،وأن محمدا هو سيد المرسلين ، وهذا تأليه للنبى محمد يؤكده قيامهم بالحج الى قبره و الصلاة اليه بزعم الصلاة عليه ووضع اسمه الى جانب اسم الله تعالى فى المساجد وفى الأذان للصلاة قبل الصلاة و فى التحيات أثناء الصلاة ،وفى صلاة ركعات السنة له بعد الصلاة، وفى قراءة الفاتحة له ، وفى الاعتقاد الجازم فى شفاعته كأنه المالك ليوم الدين . وكل ذلك كفر عقيدى بالاسلام.)

اعترض بعض الأحبة واتهمنى بتكفير أغلبية المسلمين ، متخذا من وجود أكثرية حجة على كلام الله جل وعلا ، مع أن الله تعالى يؤكد أن الأكثرية دائما ضد الحق ، وأن النبى محمدا عليه السلام لو أطاعها فستضله عن سبيل الله.( الأنعام 112 : 116 ) .

2 ـ ولقد قلت إنه ( كفر عقيدى ) وليس بالكفر السلوكى الذى يعنى الاعتداء. وقد سبق توضيح أن الاسلام فى العقيدة هو التسليم والاعتقاد فى الله تعالى وحده الاها لا شريك له، وفى معناه السلوكى هو السلام و المسالمة ، فكل من كان مسالما فهو مسلم حسب سلوكه ، ينطبق هذا على الأغلبية الساحقة من البشر غير الارهابيين سواء كانوا من المسلمين أوالمسيحيين أو البوذيين أو الاسرائيليين لأن الارهابى كافر بسلوكه مهما كان انتماؤه وشعاراته ، ولا دخل لنا بمعتقده لأن حساب العقائد عند رب العزة يوم القيامة ، فمن مات مشركا استحق الخلود فى النار مهما كان الشعار الذى يرفعه فى الدنيا، يقول جل وعلا (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) ( المائدة 72 ) .

ورغبة فى اصلاح عقائد المسلمين بالقرآن الكريم ،وخوفا عليهم من الخلود فى النار وتضييع أعمالهم الصالحة فلا بد من عرض تلك العقائد على القرآن الكريم .

وأعلم ان الدخول فى هذا المجال سيجلب غضب الكثيرين من الأحبة ، وسيجلب المزيد من الاضطهاد لى ولأسرتى التى يؤاخذها المجرمون بماليس لهم فيه دخل ، ولكن كتم الحق يعنى لعنة الله والملائكة و الناس اجمعين( البقرة 159 ـ ) . ولهذا أقول الحق القرآنى ولا أفرضه على أحد ، وبعدها فلكل إنسان حرية الاختيار .. وسنلتقى أمام الواحد القهار يوم القيامة ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون .

3 ـ إن الكفر العقيدى أوالشرك فى العقيدة يبدأ عند البشر بتمييز نبى على غيره من الأنبياء ورفعه فوقهم توطئة لتأليهه ،ثم يتلوه تقديس وتأليه أصحاب ذلك النبى وحوارييه، ثم تتسع دائرة التقديس والتأليه (للصالحين ) لتصل الى التبرك بالمتخلفين عقليا كالمجاذيب . ويتجسد التقديس القلبى أوالشرك القلبى أوالكفر القلبى فى عبادات عملية تتمثل فى التبرك والتوسل بأحجار القبور المنسوبة لأولئك الأشخاص و بالحج اليهم وتقديم القرابين لسدنة تلك المعابد .

وهذا المرض لم ينج منه المسلمون مع وجود القرآن الكريم معهم ، فمع تكرار قولهم شفهيا ( لا اله إلا الله ) إلا إن حياتهم الدينية متخمة بتقديس وعبادة القبور ، وأهمها القبر المنسوب للنبى محمد عليه السلام.

ويبدأ تناقضهم مع الاسلام باضافة اسم النبى محمد الى الله تعالى فى الشهادة ، أى بتمييزه عن الرسل ، والتفريق بينه وبين الرسل ، وتحويل شهادة التوحيد من شهادة واحدة الى شهادتين ، ثم التوسع كيفا بجعل النبى محمد شريكا لله تعالى فى الأذان و الصلاة والحج ،مع التوسع فى (الكم ) بتقديس غير النبى من الصحابة والأئمة والأولياء ، وقيام عبادات عملية كالحج الى قبورهم وتقديم القرابين لهم.

ولأن الشرك يبدأ بتقديس النبى فلا بد من بدء العلاج بمواجهة أول خطوة فى عقائد الشرك وهى رفع النبى محمد عليه السلام فوق مستوى الرسل بالتفرقة بينه وبين الرسل . وقد أكّد رب العزة مقدما ـ ومرارا ـ على النهى عنها و التحذير منها ، وجعلها إختبارا حيا وعمليا لصحة العقيدة ، فالمؤمن الحق يقول ( سمعنا وأطعنا ) أما المحمدى فلسان حاله يقول ( سمعنا وعصينا ). وذلك المحمدى يجعل نفسه عدوا لمحمد ولعقيدته (لا اله إلا الله ) التى عاش من أجلها مجاهدا رسول الله عليه السلام .

4 ـ وجاء ضمن ردى عليهم : (أننى لا أكفّر أشخاصا وانما معتقدات تخالف القرآن الكريم ، وهذا بهدف الوعظ والتحذير وليس التكفير ، وكررت حتى مللت من التكرار حق كل انسان فى معتقده طالما لا يفرضه على الغير ، ) وهانذا أؤكد مجددا أنه ليس القصد فى كل ما أكتب تكفير أحد ، وانما توضيح حقائق الاسلام المنسية فى القرآن الكريم أملا فى هداية المسلمين من عذاب يوم الدين.

كما أننى أخاطب الأحياء وليس الأموات الذين تحددت مصائرهم حسب ما قدموه من ايمان وعمل ، وعلم ذلك عند الله تعالى وحده .أخاطب الأحياء ،ولديهم متسع من الوقت للتفكير ، وكل ما أطلبه أن يخلو كل انسان الى ضميره ويقرأ بموضوعية وتعقل ، ويختار ما يشاء لنفسه ، لأن كل انسان مسئول عن نفسه وعن مستقبله يوم الدين .

وأعترف أنها مشكلة حقيقية . فمن يعمل فى إصلاح المسلمين بالقرآن الكريم لا بد أن يستشهد بالقرآن الكريم الذى أوضح كل معالم الشرك وتناقضها مع حقائق الاسلام . ومشكلة الاصلاح فى أن كل ما حذر منه رب العزة فى تفصيلاته لعقائد المشركين قد وقع فيها (المسلمون )، وبالتالى فإن أمانة البحث تستوجب توضيح هذا التناقض بين حقائق الاسلام فى القرآن الكريم والمعتقدات السائدة لدى المسلمين بهدف الاصلاح والتذكير والتحذير وليس للتكفير والتحقير.

5 ـ وقد سبق معالجة هذا الموضوع فى كتابى ( الأنبياء فى القرآن الكريم ) الذى قررته ـ مع أربعة كتب أخرى ـ على طلبتى فى جامعة الأزهر عام 1985 ، وبسب تلك الكتب صدرت قرارات رئيس الجامعة فى 5/5 / 1985 بوقفى عن العمل ومصادرة مستحقاتى المالية ومنعى من الترقية لآستاذ مساعد ومنعنى من السفر وإحالتى للتحقيق الذى تولاه وقتها د. محمد سيد طنطاوى عميد كلية أصول الدين فى أسيوط. وبسبب تصميمى على ما كتبت صدر قرار الاتهام رسميا باحالتى لمجلس التأديب متهما بانكار شفاعة النبى محمد وانكار عصمته ( المطلقة ) وأنكار تفضيله على الأنبياء.

وكانت التهمة الأخيرة بسبب بحث (التفضيل بين الأنبياء )فى كتاب ( الأنبياء فى القرآن الكريم) والذى أثبت أن تفضيل المسلمين للنبى محمد على غيره من الرسل يتناقض مع الاسلام .

وبعد مرور 23 عاما أنشر ذلك البحث مع تفصيل استلزم أن أكتبه فى ثلاثة مقالات بحثية، أولها هذا المقال الذى يناقش قضية التفريق بين رسل الله ، ثم يناقش المقال الثانى قضية التفضيل بين الرسل ، ونختم بالمقال الثالث عن شهادة الاسلام :هل هى واحدة أم أكثر.

والله جل وعلا هو المستعان..

 

المقال الأول :

قضية التفريق بين الرسل:

 

أولا: (لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ)(البقرة 285)

1 ـ الايمان بالرسول هو الايمان بما أنزل الله تعالى عليه وعلى كل الرسل ، أى ليس ايمانا بشخص الرسول واسمه ولكن بما أنزله الله تعالى على ذلك الرسول أى الرسالة أو الكتاب السماوى.

ولأن ما أنزله الله تعالى على أى رسول هو نفس الجوهر الذى نزل على كل رسول مع اختلاف اللغات والزمان والمكان، فان الايمان الحقيقى بالرسل يعنى أن تؤمن بهم جميعا دون ان تفرق بين احد منهم.

ولأن الخروج عن ذلك مدخل للشرك فان الله تعالى ألزم المؤمنين ان يقولوا: سمعنا وأطعنا فى عدم التفريق بين الرسل ،ومن لم يقلها باقتناع يكون كافرا عاصيا. وهو إختبار يعرف به كل مسلم حقيقة عقيدته ،وهو بصير على نفسه (بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ)(القيامة 14: 15). قد يعترف فى نفسه بأنه فعلا يفرّق بين الرسل ويتمسك بذلك ، وقد يعترف بالخطأ ويصلح عقيدته ، وهذا فى إطار الممكن الذى يقدر عليه ، وقد يتمسك بعقيدة التفريق بين الرسل ويحاول ان يتعسف لها تأويلا فى القرآن الكريم ليضل الآخرين. وكل إنسان وما يختاره لنفسه ، وهو على نفسه بصيره مهما تحجج بالأعذار .

2 ـ ولمزيد من التوضيح نتوقف بالتدبر مع قوله تعالى : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ . لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )( البقرة 285 ـ ).

(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) أى أن الرسول نفسه آمن ـ ليس بشخصه ونفسه ولكن ـ بما أنزله الله تعالى عليه فى الكتاب السماوى. وبنفس الايمان ونوعيته آمن المؤمنون :(وَالْمُؤْمِنُونَ ) أى آمن المؤمنون بما أنزله الله تعالى على الرسول ، وليس ايمانهم متعلقا بشخص الرسول واسمه وتاريخه . كان ممكنا الاكتفاء بهذا التوضيح فى معنى الايمان بالرسل يعنى الرسالة ،ولكن يأتى التأكيد والمزيد من التوضيح بأن الايمان بالرسل يتضمن الآتى :

(ا )( كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) أى الايمان بالله جل وعلا وملائكته وكتبه ورسله، وقوله تعالى (كُلٌّ ) تشمل كل الرسل وكل المؤمنين حق الايمان، أىكلهم آمنوا بالله جل وعلا وملائكته وكتبه ورسله.

وهنا سؤال : هل الايمان بالله جل وعلا وملائكته وكتبه ورسله هو ايمان متعدد ؟ أى هل هو ايمان بالله جل وعلا الاها وحده ؟أم ايمان متعدد بكيانات مستقلة مع الله تعالى؟ أى هل يكون الايمان بالملائكة والكتب السماوية والرسل منفصلا عن الايمان بالله جل وعلا؟

الاجابة واضحه فى أنه الايمان بالله تعالى وحده الاها نزلت به الملائكة فى الوحى الذى جاء كتابا سماويا على كل الرسل ، ولذلك جاء التعبير ينسب الملائكة والكتب السماوية والرسل لله تعالى كأدوات له جل وعلا فى توصيل الرسالة للبشر، فيقول جل وعلا (كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ) فالملائكة والكتب والرسل جاءت مضافة الى ضمير يرجع الى رب العزة باعتبار أنه جل وعلا يملكهم جميعا فى أنهم أدواته فى تبليغ رسالة (لا اله إلا الله ) للبشر.

وحتى لا يقع أحد فى تفضيل أداة على أخرى وبالتالى رفعها الى مستوى الله تعالى المالك لكل هذه الأدوات قال تعالى أن من ضرورات الايمان قول الرسول والمؤمنين معه:(لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) وكلمة رسله بالعموم وبرجوع الضمير (رسله ) الى الله تعالى مما يؤكد تحريم التفريق بينهم ، فكلهم داخل فى كلمة (رسله ) دون تمييز لأحد منهم بالاسم أو الشخص .

وحتى يؤكد رب العزة أنها قضية ايمان أو كفر أوجب فيها اعلان السمع والطاعة فقال بعدها " (وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) والسمع والطاعة ليس مجرد كلمة تقال ، بل هو عهد وموقف ، على أساسه سيتحدد موقفك أنت يوم القيامة بين الجنة أو النار.

فالايمان بالله تعالى هو الأصل وهو الذى يتبعه ويدخل فيه الايمان بملائكته وكتبه ورسله ، وهو شرح لمعنى الايمان بالرسالة ،أو ايمان الرسول بما أنزل اليه من ربه ، فذلك الذى (أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) نزلت به الملائكة وتحدث فيه رب العزة عن الملائكة ، وهذا الذى (أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) هو الكتاب السماوى، أى إن الايمان هنا فى حقيقته ايمان بالواحد الأحد كما جاء فى كل رسالة سماوية.

وحتى لا يكون هناك أدنى شك فأن التعبير بالايجاب والاثبات فى (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ) لا بد أن يتبعه تأكيد آخر بالنفى وهو قوله تعالى (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ )،وهو اسلوب القصر المتبع فى عقيدة الاسلام ،أى الايمان بالله تعالى وحده والكفر بما عداه ، وشهادة الاسلام ( لا اله إلا الله ) تبدأ بنفى أى اله والكفر بأى اله ( لا اله ) وتنتهى بالاستثناء ( إلا الله ) . ونفس الحال هنا فى الآية الكريمة ؛ تبدأ باثبات حقيقة الايمان بالرسل وهو انه ايمان بالرسالة وما تحتويه وجوهرها (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) ثم تؤكد هذا الاثبات بالنفى الذى لا بد ان يعلنه المؤمنون ، وهو أن يقولوا (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ )

(ب ) (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ): إذن عدم التفريق بين الرسل هنا هو الوجه الآخر للعملة فى عقيدة الاسلام ،فيجب أن يكون الايمان بكل الرسل جميعا بلا تفرقة وبلا تمييز لرسول على آخر وبدون ذكر لاسم رسول دون الآخر لأن الايمان هو بالرسالة وما أنزل الله جل وعلا ،وليس بشخص الرسول . ولأنها قضية ايمان وكفر فقد جاءت فى مفتتح سورة (محمد ) : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ) فلم يقل ( آمنوا بمحمد ) ولكن قال (وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ). ولأنها أساس العقيدة وتعنى الايمان أو الكفر فلا بد فيها من الاقرار وإعلان الشهادة والتسليم بها سمعا وطاعة ، نطقا باللسان و إذعانا بالجنان ، لذا تأتى المرحلة التالية :

(ج ) (وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) أى إعلان الطاعة والالتزام بعدم التفريق بأن يقول المؤمن (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) وأن يستغفر الله جل وعلا عما كان يقع فيه من قبل من تفريق بين الرسل بأن يقول (غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).

(د ) (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) هذا التكليف العقيدى بعدم التفريق بين رسل الله عليهم السلام يقع فى نطاق الممكن المستطاع، وكل انسان يستطيع بعقله المجرد أن يرفض وضع أى إنسان مخلوق الى جانب الخالق .

وكل مؤمن قارىء للقرآن يعرف أن الله جل وعلا قد أمر خاتم الأنبياء أن يعلن أنه بشر مثلنا مع أنه يوحى اليه ، وأن من كان يرجو النجاة يوم القيامة فعليه أن يعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ( الكهف 110 ) فهل يصح أن نجعله هو عليه السلام شريكا مع الله جل وعلا؟. والمؤمن القارىء للقرآن يعلم أن الله جل وعلا قد أمر رسوله محمدا عليه السلام بأن يعلن أنه متبع لملة ابراهيم حنيفا , وإنه أول المسلمين بمعنى إنه أول الناس خضوعا للرحمن فقد أسلم لله رب العالمين صلاته ونسكه وحياه ومماته ، وأنه لا رب له سوى رب العالمين ( الأنعام 161 ـ ) فهل يصح بعدها أن نتجاهل عبوديته لله تعالى وأن نعتقد العكس فنجعله قرينا لله تعالى فى شهادة الاسلام وفى الصلاة و الحج والذكر و الأذان ؟.

العقل السليم يرفض جعل محمد عليه السلام الذى كان متبعا لملة ابراهيم متميزا على ابراهيم وكل من سبق من الأنبياء، ليس فقط لأن الله تعالى هو الذى نهى عن ذلك ، ولكن أيضا لأن العقل السليم يقرّ بجهله بالغيب ، ويدخل ضمن الغيب أحوال الأنبياء السابقين ـ بل وعددهم ـ وما حققوه من منزلة عند الله. وبالتالى فالعقل السليم لا يخوض فيما لا يعرف ، ثم إذا اهتدى هذا العقل بالقرآن فلا بد أن يقول سمعنا وأطعنا ، ولا يمكن أن يقول سمعنا وعصينا.

وبالتالى فان الأمر بعدم التفريق بين الرسل هو فى وسع النفس البشرية ، فلم يكلفها الله جل وعلا فوق طاقتها ، ، وعليه فلو التزم المؤمن بهذا الذى يستطيع فعله فإن من حقه أن يدعو الله جل وعلا بألا يؤاخذه على ما سلف من خطأ أو نسيان:(لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ).

3 ـ ونتساءل : إذا كان تنفيذالأمر فى قوله تعالى (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) فى مقدور الانسان فلماذا تقع أغلبية البشر فى تقديس وعبادة الأنبياء ؟ الجواب فى كلمة واحدة هى ( الهوى ). الهوى نقيض العقل ، وهو الذى يغيب العقل ،بل هو الذى يجعل العالم بالدين يستخدم ذكاءه المعرفى فى تأويل وتغييب الحق الذى أنزله الله تعالى ليضل الناس بما أوتى من علم ، وفيه يقول رب العزة (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)(الجاثية 23 ). فذلك شخص أوتى العلم والمعرفة ولكن اتبع هواه فاستخدم علمه فى الاضلال فزاده الله تعالى ضلالا على ضلال .. ويسألنا ربنا جل وعلا (أَفَلا تَذَكَّرُونَ ؟ ) وهو تساؤل يجرى مع كل زمان ومكان وفوق الزمان والمكان لأن أولئك ( العلماء ) هم فى كل زمان ومكان سدنة الديانات الأرضية التى تنشأ على أنقاض الدين السماوى، وقام ويقوم أولئك ( العلماء ) بتحريف وتشويه وتأويل الحق الالهى اتباعا للهوى ،والهوى ( يهوى )المال والجاه ، ولا (يهوى) الاضطهاد الذى يصاحب من يعلن الحق ويتمسك به فى وجه الأغلبية التى تتبع الباطل المتوارث مما وجدت عليه آباءها . ولمزيد من التأكيد ندعو لتدبر قوله تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ ) ( الأعراف 175 ـ )

ثانيا :( لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ( البقرة 136 )

التفريق بين الرسل هو بداية التأليه للرسول الذى يميزه الناس على غيره من الرسل ،وهو أيضا هدم للدين الالهى الواحد الذى نزلت به كل الرسالات السماوية بمختلف اللغات، والذى يعنى باللغة العربية (الاسلام ) أى الاستسلام لله تعالى وحده الاها لا شريك له فى العقيدة والعبادة والسلام مع الناس فى السلوك والأخلاق.التفريق بين الرسل يعنى الخروج من هذا الدين العالمى الالهى الواحد والدخول فى أديان أرضية متفرقة مختلفة متنازعة تحت أسماء مختلفة .وهذا ما حدث فى الرسالات السماوية التى حملت الاسلام قبل نزول القرآن الكريم.

وحين نزل القرآن الكريم على محمد خاتم الأنبياء الذى ينتمى الى ذرية اسماعيل بن ابراهيم عليهم جميعا السلام ، كان أهل الكتاب وقتها قد أهملوا اسم الاسلام ،واتبعوا أسماء جديدة، وثار الجدل بين المسلمين وأهل الكتاب حول إسم الاسلام وحول الأنبياء السابقين من ابراهيم واسحاق ويعقوب هل كانوا مسلمين أم كانوا هودا أو نصارى طبقا للمسميات المستحدثة عند أهل الكتاب بعد إهمال وتضييع اسم الاسلام ؟. وفى الرد عليهم أكّد رب العزة أن ابراهيم أسلم لرب العالمين ، وأن ابراهيم ثم يعقوب أوصى كل منهما بنيه بالتمسك بدين الاسلام ، ثم ذكر رب العزة قول اليهود والنصارى للمسلمين فى عهد نزول القرآن وردّ عليهم : (وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ( البقرة 135 ).

بعدها قال جل وعلا ::(قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)(البقرة 136 ).كلمة (قُولُوا ) مأموربها المسلمون ، ومقصود بها أهل الكتاب أيضا .

(قُولُوا ) بالنسبة لأهل الكتاب هى توجيه نفس الدعوة لهم بالايمان بكل ما أنزل الله جل وعلا فى الكتب السماوية السابقة التى نزلت على ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى وكل الأنبياء ، مع عدم التفريق بين أحد من الرسل ، وأن يسلموا لله جل وعلا وحده قلوبهم وعقيدتهم وعبادتهم. ليس هنا إيمان بشخص أى نبى و لكن بما نزل عليه ، فكل مسلم مأمور بالايمان بكل الكتب السماوية ومنهى عن التفرقة بين الرسل ،

(قُولُوا) بالنسبة للمسلمين تعنى أن الله جل وعلا أمرهم بأن يعلنوا لأهل الكتاب أنهم يؤمنون بكل ما أنزل على الأنبياء السابقين دون تفرقة بينهم ، وأنهم لله جل وعلا مسلمون ، وبالتالى يجب أن نكون دعاة لأهل الكتاب نأمرهم بعدم التفريق بين الله والرسل ، وننصحهم ـ مثلا ـ ألا يرفعوا عيسى فوق الأنبياء، وألاّ يفاضلوا بينهم . والملاحظ ختم الاية بأن يقول المسلمون وأهل الكتاب: (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) فالاسلام من معانيه ومستلزماته عدم التفريق بين رسل الله ليسلم المسلم نفسه لله تعالى وحده، وهذا ما كان عليه المسلمون فى عهد النبى محمد عليه السلام .

ولكن من دخل فى الاسلام من أبناء أهل الكتاب تابعوا أسلافهم فى موضوع التفريق بين الرسل ، بأن ميّزوا خاتم النبيين على من سبقه من الرسل ،أى إن أولئك المسلمين ـ بدلا من اصلاح معاصريهم من أهل الكتاب ـ تابعوهم فى نفس الخطأ ورفعوا محمدا فوق الأنبياء، وبعد أن كانوا مسلمين لله وحده أصبحوا (محمديين) فى مواجهة (المسيحيين)، إذ أضاف المحمديون لمحمد نفس ما أضافه المسيحيون للمسيح ، مع بعض اختلافات شكلية لفظية لا محل للتوسع فيها الآن.

وإذا كان المسيحيون قد اختلفوا فى طبيعة المسيح الى أديان أرضية مختلفة فان المحمديين بعد اتفاقهم على رفع محمد فوق السابقين من الأنبياء مالبث أن أختلفوا حول أصحاب محمد الى سنة وشيعة ، وكان ممكنا أن يظل هذا الاختلاف محصورا داخل دائرة الفكر والفلسفة ،أى مجرد فكر بشرى منسوب لأصحابه ، ولكن المسلمين نسبوا أفكارهم للنبى محمد ولله تعالى فى شكل أحاديث بزعم أنها وحى الاهى ، وبذلك أقاموا أديانا أرضية بوحى مزور يخالف القرآن الكريم ، ويزعم أن النبى محمدا قال ( أنا خير ولد آدم ولا فخر ) و ( فضّلت على الأنبياء بسبع ..) ( كنت نبيا وآدم بين الماء و الطين ) و( كنت نبيا وآدم لا ماء ولا طين ) ( أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر) ...الخ ..وأصبح من افتتاحيات الخطب و المقالات إفراد محمد وحده بالشهادة مع الله و بالصلاة عليه والتسليم ، ووصفه بأنه (اشرف المرسلين ) و( سيد الأنبياء والمرسلين ).و( سيد الكونين ).الخ .

إنقسم المسلمون كما انقسم أهل الكتاب ، وهم يتنافسون حتى الآن فيما بينهم ،أى يتنافس المحمديون مع المسيحيين ، وفى كل ذلك جعلوا الأنبياء لعبة للتنافس والتعصب ، كل فريق يوالى نبيا ويرفعه فوق الآخرين ـ أى يفرق بين الله تعالى ورسله.

ونعود الى السياق القرآنى فى قوله تعالى (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)( البقرة 136 ) فقد أمر الله جل وعلا المسلمين هنا بأن يدعو أهل الكتاب الى الايمان بكل ما أنزله على كل الرسل ونهاهم عن التفريق بين الرسل ، وأن يسلموا لله جل وعلا قلوبهم .

وغريب أن يقع المسلمون بعدها فى نفس الخطأ ،وهم المأمورون بنصح أهل الكتاب حين فرقوا بين رسل الله، ولكن الأغرب أن الآية التالية تجعل من موضوع "عدم التفريق بين الرسل" قضية ايمانية فارقة يتبين فيها موقع كل انسان ؛إما أن يكون مهتديا أو يكون مشركا فى عقيدته ، وما يتبع الاشراك بالله تعالى من تفرق فى الدين وانقسامات مذهبية وطائفية ، وقع فيها أهل الكتاب ، ووقع فيها المسلمون بعدهم بمجرد أن رفعوا محمدا فوق الأنبياء عليهم جميعا سلام الله تعالى . إقرأ الآية التالية بتمعن وتحسر على تفرق المسلمين منذ أن خالفوا الاسلام ورفعوا محمدا فوق الأنبياء والرسل : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (البقرة 137 ). نحن الآن فى شقاق عقيدى بين السّنة والشيعة والصوفية ، ثم تشعب الشقاق الى انقسامات مذهبية داخل كل طائفة؛ فهناك مذاهب فقهية سنية ، وهناك طوائف مختلفة داخل التشيع ، وهناك طرق متكاثرة داخل التصوف، وفى كل عصرتتزايد الانقسامات , ولكن يبقى أصل الشقاق باقيا لا خلاف حوله لأنه سبب المصائب ، وهو أن الجميع يقدس محمدا ويصلى عليه أو له ـ صلات تقديس ، ويحج الى قبره فى ابتداع فى الدين لم يعرفه النبى محمد فى حياته، بل لم يعرفه عصر الخلفاء الراشدين . لو عاملنا محمدا عليه السلام فى عقائدنا وفقا لأوامر الله تعالى ما وقعنا فى شقاق وخلاف، لأننا سنؤمن بالرسل كلهم سواءا بسواء دون تفريق لأن الايمان سيكون فقط بما أنزل الله جل وعلا عليهم ، بأنه لا اله إلا الله تعالى الواحد القهّار.

 

ثالثا :( لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)

الجدل بين المسلمين وأهل الكتاب المشار اليه آنفا فى سورة البقرة ( 130 : 141 ) فى تأكيد أن الاسلام هو دين ابراهيم قد تكرر في سورة آل عمران ،وفيه يقول تعالى لأهل الكتاب (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِين )( آل عمران 65 ـ ) ويستمر الى ان يقول جل وعلا لهم ليبرىء الأنبياء من أكاذيب التأليه التى ألصقها بهم من جاء بعدهم :(مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ )( آل عمران 79 ) أى لا يصح ولا يجوز ولا ينبغى لرسول من رسل الله أن يدعو الناس الى جعله الاها مع الله ،وهو الذى تتمحور رسالته حول ( لا اله إلا الله) . وبالتالى فليس فى الاسلام تأليه للملائكة و الأنبياء لأن ذلك هو الكفر و الخروج عن الاسلام الذى هو دين الله جل وعلا (وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ) ( آل عمران 80 )ثم يقول جل وعلا يؤكد على ان الاسلام ليس فقط دين الله جل وعلا للبشر جميعا بل هو أمره جل وعلا لكل ما خلق من الكائنات التى تخضع لنواميسه فى الكون و الحياة والحركة طوعا أو كرها:(أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)( آل عمران 83 ) .

وإذا كان هذا الدين الاسلامى هو الدين لكل الكون من جمادات و كائنات و مخلوقات وبشر فكيف يبدأ الانحراف عنه وكيف يبدأ الناس بإقامة أديان أرضية على أطلاله ؟

البداية فى جريمة التفريق بين الرسل فيتبعها تقسيم الدين الواحد الى ملل ونحل ، كل ملة ترتفع بالنبى الذى تتبعه فوق الأنبياء الآخرين . ولهذا فان الحل هو الايمان بالرسالات السماوية كلها بلا تفريق بين الرسل ، وهذا ما أمر الله تعالى محمدا رسوله الخاتم لكى يقوله ويعلنه لأهل الكتاب فى سياق هذا الحوار معهم : (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)(آل عمران 84 ) هنا يأتى الأمر للنبى محمد نفسه أن يقول نفس ما أمر الله تعالى المسلمين واهل الكتاب بقوله ، وأن ينهاهم عن التفريق بين الرسل :(قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.)(آل عمران 84 ) ونلاحظ هنا تكرار لنفس آية سورة البقرة (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)( البقرة 136 ) وهو تكرار يكاد تتطابق فيه الكلمات ، وهذا التكرار ليس مجرد التاكيد فقط ، ولكن فيه ردا مسبقا على من سيأتى فيما بعد ليرفع محمدا نفسه فوق الأنبياء والرسل ، وهو تأكيد مسبق بأنه اذا كان النبى محمدا مأمورا بهذا فانه يكون عدوا لكل من يخالف هذا الأمر .

ويلاحظ أيضا تكرار قوله تعالى (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) للتأكيد على أن الاسلام من مستلزماته عدم التفريق بين الرسل .

ولمزيد من التأكيد على أن عقيدة الاسلام تأبى التفريق بين الرسل، وأن من يفرق بين الرسل لا يمكن أن يكون عند الله تعالى مسلما قالت الآية التالية : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (آل عمران 84 : 85 ) لأن المسلم الحق عند الله تعالى هو الذى لا يفرق بين الله تعالى ورسله . لماذا ؟

فالايمان بجميع الرسل والأنبياء بلا استثناء وعدم تفضيل بعضهم على بعض هو جوهر الاسلام. لأن الاسلام هو أن تسلم وجهك وقلبك لله تعالى وحده بدون شريك، فاذا جعلت رسولا مميزا فوق بقية الرسل والأنبياء فلا بد أن تأخذ مساحة من التقديس القلبى الواجب لله تعالى وحده وتعطيه للنبى المفضل لديك ، أى تجعل التقديس شركة بينه وبين الله تعالى ، وهذا هو الشرك. ثم لا تلبث ان تعطيه فى قلبك وعقيدتك شيئا من قدرة الله تعالى ، فتجعله حيا بعد موته فى الدنيا و شفيعا فى الآخرة ، ومن ثم تلوذ به وتتمسح بالجاه المزعزم الذى أضفته اليه، وهذا ما تدور عليه حياتنا الدينية ، نعتقد فى " جاه النبى" وأنه "حىّ فى قبره " تعرض عليه أعمالنا ليراجعها ويتشفع فيها مقدما ، ثم له الشفاعة يوم القيامة حيث يكون هو مالك يوم الدين ، اذا أمر الله تعالى بدخول احدهم الى النار فان شفاعته تردّ أمر الله تعالى كما لوكان رب العزة يبدل القول ويتراجع فيه !! ولذلك لا بد أن تصلى للنبى محمد وأن تحج الى قبره حتى تضمن شفاعته لأنه شريك لله تعالى فى الملك، بل اننا حين نقول كلمة " النبى " فلا تعنى عندنا الا محمدا فقط ، وبقية الأنبياء لا وجود لهم فى بؤرة الشعور لدينا. بهذا يضيع الاسلام ، اى اسلام الانسان قلبه وعقله وجوارحه ووجهه لله تعالى وحده ، وهذا ما يؤكده واقع الحياة الدينية لمعظم المسلمين الذين أسلموا عقولهم وقلوبهم الى محمد وليس لله تعالى، ويتوسلون (بجاه النبى) وليس فى بؤرة الشعور عندهم فى معنى النبى و الرسول سوى محمد ، لذلك فقد صدق الغرب حين سماهم ( محمديون ).

العادة فى الشرك أن يتكاثر ؛يبدأ بتأليه النبى ، ثم يمتد الى أهله ، واصحابه ، وهنا يقع الاختلاف بين من نؤثره من الأهل والأصحاب والأصدقاء، وهنا يختلفون كما فعل السّنة والشيعة ، ويبرز فى كل طائفة علماء وكهنة وأحبار يدعمون الخلافات بأحاديث كاذبة وافتراءات منسوبة لله تعالى ورسوله عليه السلام ، وتقوم كل طائفة بتقديس أحبارها ورهبانه وأئمتها وشيوخها الى درجة أن يرفعوهم فوق رب العزة جل وعلا ، ويصبح كلامهم متحكما فى كلام الله تعالى فى القرآن الكريم ،وعلى سبيل المثال فاننا حين نناقش أحاديث البخارى التى تؤله النبى محمدا وحتى تلك التى تطعن فيه تجد الأغلبية تدافع عن البخارى بالسليقة مع وضوح الطعن فى الاسلام ونبى الاسلام عليه السلام، أى تتكاثر الآلهة، فلا يصبح من تقديس باق لله تعالى الا اقل القليل

إن التقديس كله يجب أن يكون لله تعالى وحده فى كل قلب مؤمن مسلم ، فاذا أخذت جزءا من هذا التقديس وجعلته لبشر فأنت لم تقدر الله جل وعلا حق قدره ، بل جعلت ذلك البشر شريكا مع الله تعالى فى التقديس والعبادة، ولا يستطيع كل البشر المقدسين أن يخلقوا ذبابة واحدة ، ولو اجتمعوا لذلك (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) ( الحج 74 ).

وكل التفصيلات السابقة أوجزها رب العزة فى الآيات التالية من سورة النساء .

رابعا : تكفير من يفرق بين الرسل :(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) النساء 150 : 152 ):

بالتدبر فى الآيات الكريمة يتضح الآتى :

1 ـ هنا قسمة قاطعة بين الايمان والكفر فى موضوع التفريق بين الرسل .فالمؤمنون هم (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) ويقابلهم الكافرون وهم (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا )

2 ـ أى أن التفريق بين الرسل يعنى التفريق بين الله ورسله ، ولهذا جاء وصف المؤمنين بأنهم (وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ) يعنى عكس ما يرتكبه (الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ).

وسبق أن قلنا ( الايمان بالله تعالى وحده الاها نزلت به الملائكة فى الوحى الذى جاء كتابا سماويا على كل الرسل ، ولذلك جاء التعبير ينسب الملائكة والكتب السماوية والرسل لله تعالى كأدوات له جل وعلا فى توصيل الرسالة للبشر، فيقول جل وعلا (كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ) فالملائكة والكتب والرسل جاءت مضافة الى ضمير يرجع الى رب العزة باعتبار أنه جل وعلا يملكهم جميعا فى أنهم أدواته فى تبليغ رسالة (لا اله إلا الله ) للبشر.

وحتى لا يقع أحد فى تفضيل أداة على أخرى وبالتالى رفعها الى مستوى الله تعالى المالك لكل هذه الأدوات قال تعالى أن من ضرورات الايمان قول الرسول والمؤمنين معه:(لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) وكلمة رسله بالعموم وبرجوع الضمير (رسله ) الى الله تعالى مما يؤكد تحريم التفريق بينهم ، فكلهم داخل فى كلمة (رسله ) دون تمييز لأحد منهم بالاسم أو الشخص )

3 ـ وقد تكرر من قبل وصف المؤمنين المسلمين الحقيقيين (....... لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)( البقرة 285 ) أى أمرهم الله تعالى بعدم التفريق فقالوا (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا). و(سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) تعنى التسليم والطاعة أى الاسلام لله تعالى وحده دليلا على عدم التفريق بين الرسل لذا قالوا فى الآية الأخرى (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) لتساوى (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) ، كما جاء فى ( لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) ( البقرة 136 ) و: (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) ( آل عمران 84 ).

وعليه فان عدم التفريق بين الرسل هو الاسلام ، وعكسه التفريق بينهم الذى يكون كفرا ، كما جاء فى سورة النساء (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ)( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ )

4 ـ بل إن الكافرين هنا هم كافرون حقا ، وهذا وصف الله تعالى لهم (أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا) وينتظرهم عذاب هائل يوم القيامة (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ). ويلاحظ أنها المرة الوحيدة فى القرآن الكريم كله أن يوصف ملمح من ملامح الكفر بأن أصحابه من الكافرين حقا (أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ) .

5 ـ من معانى التفريق بين الرسل : الكفر بالله ورسله،والقول بالايمان ببعض الرسل والكفر ببعض ، والبحث عن تأويل فاسد يحقق لهم مرادهم ، وهذا ما جاء فى قوله تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا) .والخطاب هنا للمستقبل ،اى بعد نزول القرآن الكريم الى قيام الساعة ، وهو مختلف عن الخطاب فى الآيات السابقة التى جاء الخطاب فيها بالماضى فى آية (285 ) فى البقرة إخبارا عن ايمان الرسول و المؤمنين وقولهم بعدم التفريق بين الرسل وأنهم سمعوا وأطاعوا ، وهو أيضا مختلف عن أيتى سورة البقرة (136 ) وآل عمران ( 84 ) حيث أمر الله تعالى الرسول و المؤمنين بأن يقولوا لأهل الكتاب (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) .

جاءت آيات سورة النساء ( 150 : 152 ) لتتكلم بالمضارع توجه الخطاب لمن سيأتى بعد نزول القرآن الكريم ،فلا تقول (الذين كفروا ) عن الماضين والسابقين بل (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ) أى تجعلها حكما عاما مؤكدا ( بإن )وساريا فوق ما سيأتى من الزمان على كل من (يكفر ). بل أكثر من هذا تجعل من الارادة القلبية جريمة ، وهى جريمة عند الله تعالى لأنها تتعلق بالشرك العقيدى و الكفر العقيدى ، فالآية الكريمة تجعل من الجرائم العقيدية أنهم (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ ) فهنا عقاب على مجرد (الارادة) ، لأن تلك الارادة هى التى تحرك صاحبها لأن يقول ولأن يفعل ، أى لأن يقول صراحة أو ضمنا (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ) ويفعل أى يقوم بتأويل الآيات ليتخذ منها سبيلا لاقناع الناس بأن فلانا من الرسل أفضل من غيره.( وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا).

إن الايمان الحق هو كما قال رب العزة (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) فالايمان بالله تعالى هو الأصل وهو الذى يتبعه ويدخل فيه الايمان بملائكته وكتبه ورسله بدون تفريق بين الرسل. حين يحدث التفريق بين الرسل يتبدل الوضع ، فالتقديس الذى يجب أن يكون لله تعالى وحده يتم إقتطاع جزء منه ليضاف للرسول المميز ، ويصبح الايمان بذلك الرسول المميز إيمان تأليه وتقديس ومختلفا عن الايمان العادى ببقية الرسل ، أى يتحول الى كفر بالله جل وعلا حيث جعل ذلك الرسول شريكا مع الله فى التقديس ، بينما يحرم بقية الرسل من تلك الميزة ، وبالتالى فانه لا يكفر فقط بالله ، ولكن يؤمن بالأوهية رسول ويكفر بالوهية الرسل الآخرين ، وفى كل الأحوال يقوم بالتفريق بين الله ورسله ، فبعد أن كانوا جميعا رسلا لله بدون تمييز لأحدهم على الآخر أصبح أحدهم مذكورا بالاسم الى جانب الله جل وعلا. ولأنهم سيفعلون هذا بعد انتهاء القرآن الكريم نزولا فلا بد أن يقوموا بتأويل الآيات واختراع الأكاذيب ليؤسسوا سندا لمزاعمهم التى تخالف القرآن الكريم . ولأنه لا حجة لهم ولا عذر بعد وضوح القرآن الكريم فان الله جل وعلا اعتبرهم كفرة حقا واعدّ لهم عذابا عظيما . كل هذا أوجزه رب العزة فقال (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ). ثم جاء الالتفات الى المؤمنين (حقا ) فقال تعالى فيهم بصيغة المضارع ايضا يخاطبهم فوق الزمان (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) .

إنها آية من آيات القرآن الكريم وإحدى إعجازاته حين ينبىء بما سيحدث مقدما ويحذر منه .

ومع ذلك فسيظل بعضهم متمسكا بما وجد عليه آباءه راضيا بأن ينطبق عليه قوله تعالى (أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا)

أخيرا :

ويبقى أن نتساءل :

1 ـ إن تصحيح عقائدنا ممكن لو أردنا الهداية بصدق . وتصحيح عقائدنا يدخل فى دائرة الاستطاعة فلماذا لا نفعل ما هو ممكن ، وقبل فوات الأوان ؟

2 ـ هب إننى أتعسف القول وأبالغ .. فلماذا لا تتدبر الآيات وتخلو بنفسك متفكرا طالبا الهداية ؟

3 ـ فى النهاية فهذا أمر يخص الآخرة , ولا شأن له بمطامع الدنيا وصراعاتها ..ومعظم المسلمين ضحايا للاستبداد والاستعباد و الفساد ، وقد خسروا الدنيا ، فهل يخسرون الآخرة أيضا ؟

4 ـ إذا كان النضال فى سبيل اصلاح هذه الحياة الدنيا تحول دونه جيوش المستبدين مما يجعل الاصلاح مستحيلا فى المدى المنظور ، اليس من الأفضل أن نصلح عقائدنا وهو فى إطار الممكن ؟ أم أنه مكتوب على المسلمين منذ قرون أن يخسروا الدنيا والآخرة معا؟

5 ـ على الأقل فان دخول الجنة أقل تكلفة من دخول النار ..

أليس كذلك ؟ أم هو كذلك ؟

 

المقال القادم (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المقال الثاني:

فى التفريق والتفضيل بين الأنبياء وشهادة الاسلام

(تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض )

 

 

مقدمة :

1 ـ هذا البحث كان من قبل خطبة جمعة ألقيتها فى مساجد جماعة دعوة الحق التى كنت مشرفا عليه وقت غياب صاحبها (د. سيدرزق الطويل) فى السعودية، وثار علىّ وقتها شيوخ الأزهر فى كلية أصول الدين فى طنطا حيث كنت أذهب الى هناك مرة فى الشهر لألقى خطبة الجمعة ، وتحديا لهم نشرت البحث فى مجلة الجمعية ( الهدى النبوى )، فتعاظمت ثورتهم وأهدروا دمى لو ذهبت الى طنطا ، فتحديتهم وصممت على أن أكون منتدبا للتدريس يوما اسبوعيا فى كلية أصول الدين فى طنطا عقر دارهم لأدرس للطلبة ما ينكره أولئك الشيوخ ، ولم أنقطع عن خطبتى أول كل شهر فى مسجد دعوة الحق فى طنطا ، وخطبت فى إنكار الشفاعة وعصمة الأنبياء والتناقض بين البخارى و القرآن .

دبروا مؤامرة لقتلى فى مشاجرة ـ حتى يضيع دمى بين القبائل ـ، فطلبوا مناظرتى ، وقبلت ، وتحدد موعدها ومكانها فى مسجد دعوة الحق يوم شم النسيم عام 1984 ـ أى منذ ربع قرن ـ سافرت كالعادة من القاهرة الى طنطا وحدى.دخلت المسجد فوجدتهم قد تجمعوا فيه ، تكلمت بالقرآن ، ثم بدأت كلامى عن البخارى بقولى : ( البخارى بشر غير معصوم ، ومن اعتقد العصمة فى البخارى فقد كفر بما أنزل على محمد ). عندها وقف شيوخ كلية أصول الدين وغادروا المكان ، وكأنها إشارة البدء إذ هجم علىّ كثيرون يريدون الفتك بى ، فأحاطنى أهل المسجد يحموننى وحملونى الى غرفة داخلية، وطردوا البغاة. صمم أهل المسجد على أن أتم محاضرتى ، وعادت أجهزة التسجيل ، وانطلق صوتى بالميكروفون أكمل كلامى ، وبدأ الذين تركوا المسجد ـ ومنهم المهاجمون الغاضبون ـ يعودون شيئا فشيئا، وبهدوء الى ان تكامل العدد كما كان ،واستمعوا لى بهدوء وتأثر وأنا أقرأ لهم من كتاب البخارى وأسألهم هل يرضون بهذا الطعن فى الله تعالى ورسوله ، وأحيانا كانت تغلبنى دموعى مؤكدا لهم أنه ليست لى مصلحة شخصية سوى الدفاع عن دين الله جل وعلا ،وفى سبيله أتحمل الأذى منهم ومن الآخرين .

كانت هزيمة قاصمة لشيوخ الأزهر فى فرع طنطا التابع لجامعة الأزهر ، فطلبوا من الجامعة ومن أمن الدولة عدم السماح لى بالتدريس منتدبا فى كلية أصول الدين فرع طنطا ، وتم لهم ما أرادوا .

وردا عليهم جميعا أدخلت البحث وأبحاثا أخرى فى كتبى التى قررتها على الطلبة فى جامعة الأزهر عام 1985، وخصوصا كتاب (الأنبياء فى القرآن الكريم: دراسة تحليلية).

وتحركت السفارة السعودية فى القاهرة بنفوذها وريالاتها ، وفى الخامس من شهر مايو عام 1985 تمت إحالتى الى التحقيق داخل جامعة الأزهر متهما بأننى فى كتاب ( الأنبياء فى القرآن الكريم ) وفى اربعة كتب أخرى أنكرت عصمة الأنبياء ( المطلقة ) و شفاعة النبى ، وأننى رفضت تفضيل النبى محمد على الأنبياء السابقين . والقصة معروفة وانتهت بتركى جامعة الأزهر عام 1987 ، ودخول السجن فى نفس العام ،وتحقق أكبر نصر للنفوذ السعودى و الريال السعودى.

ويوم اعلان القبض علينا قام السنيون بتعليق لافتات على مساجدهم فى طنطا تقول ( الحمد لله قبضوا على منكر السنة ).

أى إن بحث ( التفضيل بين الأنبياء ) يحتل موقعا هاما فى سيرة حياتى و تاريخ الأزهر.

 

2 ـ وفى هذا البحث تعرضت إجمالا للعناصر الثلاثة: التفريق بين الرسل وتحليل لموضوع التفضيل بين الرسل وتناقض تفضيل النبى محمد على الأنبياء السابقين مع الاسلام .

وسبق نشر موضوع النهى عن التفريق بين الرسل ، ونتوقف الان مع الموضوع التالى وهو تحليل التفضيل بين الرسل فى رؤية قرآنية .

 

 

أولا : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ )

1ـ العادة انك لو قلت لأحدهم إنه لا يصح تفضيل النبى محمد على من سبقه من الأنبياء فإنه يرد كالببغاء قوله تعالى (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ).

نقول( كالببغاء ) ولا نعتذر عن هذا التشبيه لأنه حقيقى ، فصاحبنا الببغاء هذا يردد ـ دون أن يعقل ـ ما اعتاده السابقون قوله دون عقل ، إنه مجرد اقتطاع جزء من آية قرآنية من سياقها والاستشهاد بها خلاف ما تدل عليه .ولو تدبر فى الآية الكريمة ما فعل .

2 ـ الاية الكريمة تقول : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) وتبدأ بكلمة (تِلْكَ ) وهى إشارة الى رسل سابقين ورد ذكرهم قبل تلك الآية الكريمة، منهم داود الذى ورد ذكره فى قوله جل وعلا :( فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) ( البقرة 251 : 252 ) بعدها قال تعالى : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ). أى يشير رب العزة الى أنبياء محددين هم داود والنبى الآخر الذى أشار على بنى اسرائيل بأن طالوت قد بعثه الله تعالى عليهم ملكا ، بعد موت موسى عليهم جميعا السلام فى قصة سبقت موضوع التفضيل ( البقرة 246 : 252 ) وبالتحديد فالاشارة الى ثلاثة من رسل الله هم موسى و ذلك النبى الذى لم يذكر الله تعالى اسمه ( اسمه فى التوراة صموئيل )، وداود ، عليهم السلام.

3 ـ ثم تأتى الآية الكريمة تقول عنهم (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) ويأتى التفصيل فى نفس الآية ، فيقول رب العزة : ( مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) وواضح هنا أن الكلام عن تفضيل موسى عليه السلام بالتحديد ، أى إن الله جل وعلا رفعه درجات . ويقول رب العزة عن عيسى عليه السلام فى سياق التفضيل و التميز : (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) ثم يقول جل وعلا عن أتباعهم واختلافاتهم : (وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ) ( البقرة 251 : 253 ). أى لا توجد أدنى إشارة لمحمد خاتم النبيين هنا على الاطلاق لأن الحديث عن جماعة من رسل الله تعالى لبنى اسرائيل تعقيبا على قصة من قصصهم فى القرآن الكريم.

3 ـ الأهم من هذا هو قوله تعالى (فَضَّلْنَا) فى (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) وهى واضحة لكل من يبصر فى أن التفضيل حق الاهى لله تعالى وحده ، فالله وحده هو الذى يملك حق التفضيل، وهو وحده الذى يملك رفع بعضهم فوق بعضهم درجات:(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) وهو وحده جل وعلا الذى آتى عيسى عليه السلام البينات وأيده بروح القدس: ( وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) وهو وحده جل وعلا الذى يفعل ما يريد (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ).

الله جل وعلا وحده هو الأعلم بمن خلق ، هو أعلم بنا من أنفسنا: (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً )، وهو الأعلم وحده بحياة كل نبى وسريرته ومدى طاعته وجهاده، وعلى أساس علمه بهم يأتى تفضيله لبعضهم على بعض، ولهذا تقول الآية التالية: (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) (الاسراء 54: 55).

أما نحن البشر فليس فى علمنا هذا ، لم نر نبيا من الأنبياء ، ولا نعرف عددهم الحقيقى ، بل حتى لا يعرف ذلك خاتم النبيين محمد عليه وعليهم السلام : ( وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) ( النساء 164) وبالتالى فإن من يفاضل بين الأنبياء إنما يضع نفسه فى موضع رب العزة جل وعلا ، وليس هذا مجرد استنتاج من القرآن الكريم ، ولكنه استنتاج عقلى أيضا فالمدرس هو الذى من حقه أن يفاضل بين تلاميذه حسب اجتهادهم الذى يراه ويحكم عليه ، وهو له منزلة تتيح له هذا وترفعه فوق مستوى تلاميذه.وذلك الذى يقوم بالتفضيل بين الأنبياء إنما يتربع فوق كرسى وينظر من أعلى للأنبياء ليقرر من هو الأفضل ، اى يرفع نفسه فوقهم ، وبالتالى يزعم لنفسه ـ دون أن يدرى ـ الألوهية .

أما المؤمن الحق فلا يعطى نفسه هذا ، يكتفى بتدبر القرآن الكريم والالتزام بما جاء فيه من عدم التفريق بين الرسل ووجوب الايمان بهم جميعا دون تفرقة بين هذا أو ذاك : ( البقرة 135 : 138 ، 285 )( آل عمران 83 : 85 )، وان من يفرق بين الرسل فهو عند الله تعالى كافر ( النساء 150 : 152 ) وأن الايمان ليس بشخص النبى وإنما بالرسالة والكتاب :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا ) ( النساء 163 ).

ثانيا : ملامح قرآنية فى مدح بعض الأنبياء والرسل السابقين بعد موتهم:

نحن هنا لا نحكم بتفضيل نبى على آخر ، ولكن نتدبر ما قاله رب العزة فى مدح بعض رسله ، وهو جل وعلا وحده صاحب الحق فى التفضيل بين عباده من الأنبياء.

مدح ابراهيم عليه السلام

1 ـ ابراهيم عليه السلام هو النبى الوحيد ـ فى القرآن الكريم ـ الذى تتابعت فيه صفات المدح الآتية : (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل 120: 123). مدحه الله جل وعلا بأنه كان (أمة ) من الأخلاق الحميدة ، قانتا عابدا لله تعالى ، لم يقع فى الشرك ، وشاكرا لأنعم ربه ، وقد إجتباه ربه وهداه للصراط المستقيم ، وأنعم عليه فى الدنيا بحسنة ، وأعد له درجة الصلاح فى الاخرة ، ثم فى النهاية يأتى الأمر للنبى محمد ـ وهو حىّ يرزق ـ بأن يتبع ملة ابراهيم .

2 ـ ابراهيم عليه السلام هو النبى الوحيد ـ فى القرآن الكريم ـ الذى جعله الله تعالى إماما للناس ، بسبب نجاحه فى الاختبارات التى أدخله الله تعالى فيها ، ونجح فى تنفيذ الأوامر بالتمام والكمال ، فقال عنه ربه جل وعلا : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) ( البقرة 124 ) أو بالتعبير القرآنى (وفّى ) أى قام بما عليه بالتوفية الحقة : (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) ( النجم 37 ).

3 ـ وهو النبى الوحيد الذى عندما أنّبه الله تعالى مدحه ،اى مدحه فى معرض اللوم ، إقرأ قوله تعالى : (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ )( هود 69 : 76 )

أخطأ ابراهيم هنا حين أخذ يجادل الملائكة فى رفع العذاب عن قوم لوط ، وجاءه اللوم هينا رفيقا ومقترنا بالمدح (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ).

جدير بالذكر أن الله تعالى حين كان يعاتب خاتم الأنبياء فلم تكن فيها هذه النغمة الحانية بل كان العتاب قاسيا كقوله تعالى فى خطاب مباشر (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) ( الأحزاب 37 ). التأنيب هنا شديد فى قوله تعالى له (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) أو كقوله تعالى له فى خطاب مباشر أيضا(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ) ( التحريم 1 ) التأنيب هنا قاس فى قوله تعالى له (تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ).

4 ـ وابراهيم عليه السلام هو النبى الوحيد المذكور بالاسم الذى امر الله تعالى رسوله محمدا خاتم النبيين بأن يعلن أنه متبع لملته : (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ( الأنعام 161 ).

5 ـ وملة ابراهيم هى المقياس الصحيح للفلاح ، ومن يرغب عنها ويعرض عنها فهو السفيه الغافل ، يقول جل وعلا : (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) ( البقرة 130 ). ويلاحظ هنا أن الآية الكريمة قسمان ، تحدث القسم الأول عن تسفيه من يعرض عن ملة ابراهيم، ومدح القسم الثانى ابراهيم هليه السلام بان الله تعالى اصطفاه فى الدنيا ، وأنه فى الاخرة سيكون من الصالحين.

6 ـ جدير بالذكر أيضا أن المقياس الالهى الذى تركز حول ابراهيم وملته قد فضح الظالمين من ذرية ابراهيم الذين جاءوا بعده ، من العرب وبنى اسرائيل .

ونتذكر هنا حرص ابراهيم على هذه الذرية وخوفه المستقبلى عليهم حين كان يدعو ربه (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء ) ( ابراهيم 40 ) ،بل أنه عندما كافأه ربه بأن جعله إماما للناس الصالحين فى كل زمان ومكان تمنى أن يكونوا ذريته فجاء الرد من الله تعالى بما يشير الى إن من ذريته من سيكون ظالما لا يصلح لهذا الشرف:(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(البقرة 124).

من هذه الذرية من رغب عن ملة ابراهيم ، ومنهم من جعلها تجارة ، ومنهم من كفر وقام بتحرف الملة الابراهيمية ، وعندما نزل القرآن الكريم بالحق كان أولئك يباشرون نشاطهم فى تحريف ملة ابراهيم ، فثار جدل ونقاش تردد صداه فى القرآن الكريم ، ورد الله تعالى عليهم يدعوهم الى ملة ابراهيم التى تركوها مع انتحالهم اسم ابراهيم وجعله يهوديا أو نصرانيا :(وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ) (البقرة 135 ، 140 ) ويؤكد رب العزة أن أولى الناس بابراهيم هم النبى محمد عليه السلام ومن يتبع القرآن الكريم الذى أبان ملة ابراهيم على حقيقتها : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) ( آل عمران 65 : 68 ) .

وبعد موت النبى محمد عليه السلام دخل فى الفتوحات العربية ـ المناقضة لتشريع الاسلام ـ كثيرون من أهل الكتاب ، ودخل معظمهم فى الاسلام ،فأرجعوا نفس التحريف القديم فى ملة ابراهيم فى صورة أحاديث . وسبقت الاشارة الى أن الله تعالى جعل ابراهيم وملته مقياسا ، ومن يرغب عن ملته فقد سفه نفسه. وبهذا المقياس فضح الله تعالى كثيرين من أهل الكتاب ورد عليهم . وبعد نزول القرآن الكريم وموت النبى محمد تردد نفس التزوير فى أحاديث زورها مبتدعو الديانة السنية ، وانصب بعض هذا التزوير على سيرة ابراهيم العطرة . أى أن ذلك المقياس المشار اليه القرآن الكريم يحكم علي من يرغب عن ملة ابراهيم حتى فى المستقبل ، فى صورة من صور الاعجاز فى القرآن الكريم .

وللتدليل على ذلك نتذكر مدح الله جل وعلا للخليل ابراهيم بأنه كان صديقا نبيا(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا) ( مريم 41 ) . أى لم يكن فقط (صادقا ) بل (صديقا ) وهى صيغة مبالغة من الصدق تعنى أنه لم يكذب أبدا ، حتى لقد تعرض للتحريق بالنار دون أن يتراجع أو يمالىء . ثم جاء وصفه بالصديق قبل وصفه بالنبوة ، فلم يقل تعالى : كان نبيا صديقا ، أى تعلم الصدق بعد أن صار نبيا ، ولكن جعل صفة المبالغة فى الصدق سابقة لنبوته ،أى التزم الصدق مذ كان صبيا ، أى إن الصدق صفة أساس فيه من بدايته الى نهايته ، ولكن حديث أبى هريرة فى البخارى يبالغ فى وصف ابراهيم بالكذب فزعم أن ابراهيم كذب ثلاث كذبات.

هنا يصدق عليهم المقياس الالهى ، فهم قد حرفوا سيرة ابراهيم ، وإذا كان رب العزة قد جعله صديقا نبيا فقد جعلوه كذابا .

وقد يتساءل بعضهم : وما صلة هذا بموضوع التفضيل ؟ وأقول إن هذا الافتراء هو تدليل زائف لجعلهم محمدا أفضل الأنبياء ،أى أفضل من أبيه ابراهيم ، ويستدلون بأن ابراهيم كان كذابا ، وبالتالى فمحمد الصادق الأمين أفضل منه.

مدح موسى عليه السلام :

1 ـ يقول تعالى :(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا) (مريم51: 53) هنا يمدح الله تعالى موسى عليه السلام بأنه كان (مُخْلَصًا) ـ بفتح اللام ـ أى خلاصة الخير ، وأن ربه جل وعلا هو الذى ناداه وكلمه ، بل أكثر من ذلك قرّبه اليه يناجيه (وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا)، وهو تعبير هائل فى مدح موسى ، ثم من أجله جعل هارون أخاه وزيرا ونبيا معه .

2 ـ وورد أول حديث لله تعالى مع موسى فى سورة (طه ) حين جاءه التكليف بالرسالة ، خاف موسى من فرعون وطغيانه وطلب أن يكون معه أخوه هارون ، ولم يرد الله تعالى عليه بالتأنيب ولكن ذكّره بالنعم التى احاطه بها، ومنها:( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي )،(وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي )(طه 9 : 41 ) ولا يستطيع القلم وصف ما فى الآيتين من مدح لموسى عليه السلام.

مدح داود عليه السلام :

1 ـ يقول جل وعلا عن داود عليه السلام فى معرض مدحه لداود عليه السلام يخاطب خاتم الأنبياء عليهم السلام: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ). وهذه النعم لم يزدد بها داود عليه السلام إلا ورعا وخشوعا لله تعالى .والابتلاء بالنعمة أعظم من الابتلاء بالمحنة .

وفى سياق المدح وللتدليل على خشوع داود لربه عز وجل يقص الله تعالى قصة الخصوم الذين تسوروا المحراب على داود وهو يصلى ففزع منهم وظن أنها فتنة من الله ، وعندما تبين له الأمر وأنهم خصوم عاديون بادر بالاستغفار والتوبة من الظن الذى ألمّ به : (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ )( ص 17 : 24 ).

2 ـ على خلاف ذلك تقرأ فى تراث الدين السّنى روايات تطعن النبى داود عليه السلام ، وننقل عن القرطبى فى ( تفسيره ) قوله (قال سفيان الثوري وغيره‏.‏ وسبب ذلك ما حكاه ابن عباس أن داود عليه السلام حدث نفسه إن ابتلي أن يعتصم‏.‏ فقيل له‏:‏ انك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخذ حذرك‏.‏ فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه، فبينا هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر كأحسن ما يكون من الطير، فجعل يدرج بين يديه‏.‏ فهم أن يتناوله بيده، فاستدرج حتى وقع في كوة المحراب، فدنا منه ليأخذه فطار، فاطلع ليبصره فأشرف على امرأة تغتسل، فلما رأته غطت جسدها بشعرها‏.‏ قال السدي‏:‏ فوقعت في قلبه‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ وكان زوجها غازيا في سبيل الله وهو أوريا بن حنان، فكتب داود إلى أمير الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت، وكان حملة التابوت إما أن يفتح الله عليهم أو يقتلوا، فقدمه فيهم فقتل، فلما انقضت عدتها خطبها داود، واشترطت عليه إن ولدت غلاما أن يكون الخليفة بعده، وكتبت عليه بذلك كتابا، وأشهدت عليه خمسين رجلا من بني إسرائيل، فلم تستقر نفسه حتى ولدت سليمان وشب، وتسور الملكان وكان من شأنهما ما قص الله في كتابه‏.‏ ذكره الماوردي وغيره‏.‏ ولا يصح‏.‏ قال ابن لعربي‏:‏ وهو أمثل ما روي في ذلك‏.‏ قلت‏:‏ ورواه مرفوعا بمعناه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن يزيد الرقاشي، سمع أنس بن مالك يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏إن داود النبي عليه السلام حين نظر إلى المرأة فهم بها قطع على بني إسرائيل بعثا وأوصى صاحب البعث فقال‏:‏ إذا حضر العدو قرب فلانا وسماه، قال فقربه بين يدي التابوت - قال - وكان ذلك التابوت في ذلك الزمان يستنصر به فمن قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو ينهزم عنه الجيش الذي يقاتله فقدم فقتل زوج المرأة ونزل الملكان على داود فقصا عليه القصة )‏‏

وبهذه الروايات تم تشويه سيرة ذلك النبى العظيم الذى قال عنه رب العزة فى سياق التفضيل (وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء ) ( البقرة 251) وأفرده بالذكر من بين جميع الأنبياء فى موضوع الوحى فقال تعالى (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) ( النساء163 ) وأفرده من بينهم فى معرض التفضيل (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)( الاسراء 55 )

اولو العزم من الرسل :

وقد أمر الله تعالى خاتم الأنبياء بأن يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ، فقال : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) ( الأحقاف 53)، أى هناك من الرسل من تفوق فى التحمل والصبر ، وقد أشار الله تعالى بعضهم فقال فى معرض مدح ابراهيم واسحاق ويعقوب مخاطبا خاتم الأنبياء بأن يذكرهم : (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ )( ص 45 : 47 ) . أى مدحهم الله تعالى بأنهم كانوا يتذكرون الآخرة دائما ، وأنهم ممن اصطفاهم الله تعالى وكانوا أخيارا . الشاهد هنا هو قوله تعالى عنهم (أُولِي الأَيْدِي) أى أولى العزم . ويضاف اليه (وَالأَبْصَارِ) أى أولو البصيرة الصادقة .

وفى التراث السنى يزعمون أن أولى العزم من الرسل هم محمد ونوح وابراهيم وموسى وابراهيم وعيسى .. أى يتدخلون فى علم الله تعالى وغيبه ويهرفون بما لا يعرفون.

 

ثالثا : موقف النبى محمد من الأنبياء السابقين :

1 ـ مرّ فيما سبق أن الله تعالى أمر خاتم النبيين أن يتبع ملة ابراهيم بالتحديد ، أى اتباع للدين الحق الذى جاءت به ملة ابراهيم ، ونزل القرآن لتجديدها بعد أن أفسدها العرب واهل الكتاب . ومن هنا نفهم ان محمدا عليه السلام لم يأت بدين جديد بل هو متبع للدين الالهى الحق الذى جاء به كل أنبياء الله ، وكان جده الأعلى ابراهيم هو صاحب هذه الملة ، ومنها تعلم العرب وأهل الكتاب من ذرية ابراهيم الصلاة والزكاة والحج وصيام رمضان مع اخلاص الدين لله تعالى رب العالمين. وبالتالى فليس محمد مبتدعا لشىء جديد أو ليس ( بدعا من الرسل ) ، وبهذا أمره ربه جل وعلا فى آية واحدة أن يعلن أربعة أشياء : أنه ليس متميزا عن الرسل أو ليس بدعا من الرسل ، وأنه لا يعلم الغيب ولا يدرى ماذا سيحدث له أو للآخرين ، وأنه متبع فقط للوحى ، وأنه فقط نذير مبين ، جاء هذا فى قوله جل وعلا : (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) ( الأحقاف 9 ).

ولأنه آخر الأنبياء فهو مأمور من الله تعالى بأن يتبع الهدى الذى جاءوا به ، وقد قال الله تعالى عن الأنبياء السابقين (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)(الأنعام 89)، أى أمره ربه بالاقتداء ليس بالأنبياء السابقين أى ليس بأشخاصهم ولكن بالهدى الذى نزل عليهم، أى بالكتاب السماوى، والذى جاء توثيقه وحفظه فى القرآن الكريم خاتم الرسالات السماوية.

وهو أيضا مأمور بأن يتعلم من مواقفهم الايجابية ، وحين وقع النبى محمد وأصحابه فى خطأ الاستغفار لأهلهم المشركين فجاء التعليم من الله تعالى له ولهم بأن يقتدوا بابراهيم عليه السلام حين تبرأ من أبيه المشرك : (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُولِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) ( التوبة 113 : 114 ) ونفس الحال أمر الله تعالى المهاجرين بالاقتداء بابراهيم والمؤمنين معه حين تبرءوا من قومهم السابقين ، أى هنا إقتداء بالموقف المحدد:(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) ( الممتحنة 4 : 6 )

2 ـ وفى نفس الوقت فخاتم الأنبياء منهى عن الوقوع فى الأخطاء التى وقع فيه بعض الأنبياء من قبل ، فقد أمره الله تعالى أن يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ )(الأحقاف 53)، وأمره أيضا بالصبر ونهاه أن يكون مثل النبى يونس الذى لم يستطع الصبر على قومه فعوقب بالتهام الحوت له ، ثم عفا عنه ربه : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ لَوْلا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) ( القلم 48 : 50 ) و ( الصافات 139 : 148 ).

أى أمره ربه بأن يتعلم من ايجابيات الأنبياء السابقين وألا يقع فيما وقع فيه بعضهم من أخطاء.

أخيرا :

1 ـ والله تعالى حين كان ينزل القرآن على خاتم النبيين متحدثا عن الأنبياء السابقين فانما كان يتحدث عن أنبياء ماتوا وتحددت درجة كل منهم ، فى وقت كان فيه خاتم النبيين حيا يرزق يناضل ويجاهد ويتعلم ويخطىء ويصيب ، ويأتيه الوحى بالتوجيه ، يمدحه أحيانا ويلومه أحيانا.

ثم تم القرآن الكريم نزولا ومات النبى محمد عليه السلام ، وتحددت درجته بين الأنبياء ، ولم يعد هناك وحى ، وبالتالى لا نعرف درجة النبى محمد بين من سبقه من الأنبياء ، هل تفوق على كثيرين أم تفوق عليه كثيرون. علم ذلك عند الله تعالى وحده ،وليس لنا أن نعتدى على غيب الله تعالى ونهرف بما لا نعرف، ونكذب على الله تعالى ورسوله.علينا أن نتمسك بعدم التفرقة بين رسل الله ، وأن نتمسك بالايمان بالكتاب السماوى الذى نزل عليهم.

2 ـ والايمان بالقرآن يحتم علينا أن ننكر تلك الأحاديث الكاذبة التى تفضل خاتم النبيين على من سبقه من رسل الله مثل حديث (أنا خير ولد آدم ولا فخر ) وحديث ( فضلت على الأنبياء بسبع ...) ،وتلك الخرافات التى تقول ( كنت نبيا وآدم بين الماء و الطين ، وكنت نبيا وآدم لا ماء ولا طين ) (أول من خلق الله نور نبيك يا جابر ) .

ويجب أن نتوقف عن قولنا ( اشرف المرسلين ) فكل الأنبياء والمرسلين أشراف، وأن نتوقف عن قول (سيد المرسلين) لأن سيد المرسلين هو رب العالمين وحده لا شريك له.

كما يجب أن نتوقف عن كل ملامح تفضيل النبى محمد على من سبقه من الأنبياء بأن نجعله ـ دون الأنبياء كلهم ـ قرينا لله جل وعلا فى موضوع الصلاة والأذان والحج و(الفاتحة للنبى ) وفى جعل شهادة الاسلام قسمة بينه وبين الله جل وعلا .. ثم نناقض أنفسنا ، ونقول ( الله أكبر) فكيف يكون (الله أكبر ) فى عقيدتنا وصلاتنا ونحن نجعل واحدا من البشر قرينا لله وشريكا له ؟

وفى الحلقة القادمة نتوقف مع (شهادة الاسلام.. واحدة (لا اله إلا الله) وليست مثناة)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

المقال الثالث:

فى التفريق والتفضيل بين الرسل

شهادة الاسلام هى ( لا إله إلا الله ) فقط!!

 

مقدمة

1 ـ سبق التأكيد على نهى الله جل وعلا عن التفريق بين الرسل ، وأن من يصمم على هذا ويموت عليه هذا يلقى الله تعالى كافرا طبقا لما جاء فى القرآن الكريم: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا )، أما المؤمنون حقا فقد قال تعالى عنهم :(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )( النساء 150 : 152 ) أى هى قضية (فارقة ) بين المؤمن حقا والكافر فعلا عند الله جل وعلا حسبما جاء فى القرآن الكريم. وقلنا إن التفريق بين الرسل يعنى تفضل رسول على آخر بما يمهد لرفعه الى مستوى الالوهية مع الله جل وعلا ، وهذا ما يقع فيه معظم المسلمين من أصحاب الديانات الأرضية حين يجعلون محمدا عليه السلام قرينا لله تعالى فى الذكر والتسبيح والأذان والصلاة و التشهد و الحج .. وفى شهادة الاسلام.

2 ـ شهادة الاسلام هى أصلا شهادة توحيد أى شهادة واحدة ، ولكنهم يجعلوها شهادتين ، يقسمونها بالتساوى بين ذكر الله تعالى وذكر محمد ، ولا يخلو ذكر لله تعالى من وجود محمد معه كأنما يستكثرون ذكر اسم الله تعالى وحده .

3 ـ والغريب أنهم يهتفون دائما ( الله أكبر ) ويفتتحون الصلاة ب ( الله أكبر ) أى (أكبر) مطلقا من أن يكون الى جانبه مخلوق آخر ،أو (أكبر) من أن (نذكر) معه شيئا آخر، ثم يناقضون مفهوم (الله أكبر ) حين يضيفون للأكبر جل وعلا واحدا من مخلوقاته،وهم بذلك ما قدروا الله تعالى حق قدره .

4 ـ تمييزهم (محمدا ) وحده بذكر اسمه مع الله تعالى فى شهادة الاسلام يتجلى فيه التفريق بين الرسل ، فلماذا نذكر محمدا دون عيسى أو موسى أو لوط أو ابراهيم أواسحق أو يونس ..الخ .

5 ـ وتميز (محمد) بذكره وحده الى جانب الله تعالى فى شهادة الاسلام فيه تفضيل صريح لمحمد على من سبقه من الأنبياء و المرسلين ،وليس من حق أى مخلوق أن يفاضل بين الأنبياء ، ومن يفعل ذلك لا يكون فقط كافرا بالله تعالى ورسوله ولكن يكون أيضا مدعيا للالوهية دون أن يعلم.

6 ـ وتميز (محمد) بذكره الى جانب الله تعالى فى شهادة الاسلام يجعل الاسلام دين محمد وحده دون بقية الأنبياء ، وهذا تناقض مع القرآن الكريم الذى يؤكد أن الاسلام هو دين الله تعالى الذى نزلت به كل الرسالات السماوية ، كل منها ينطق بلسان القوم الذين جاء منهم واليهم النبى أو الرسول ،الى أن نزل القرآن الكريم خاتما للرسالات السماوية بلسان عربى مبين .

7 ـ وتقديس اى نبى هو البداية التى تفتح المجال لتقديس البشر ممن يطلق عليهم الصالحين والأولياء و( القديسين )ثم ينفتح الباب على مصراعية لتقديس العصاة والمجرمين والحكام المستبدين والمتلاعبين بالسياسة و الدين.

ومثلا فإن تقديس شخص محمد وإسمه وإدخال إسمه فى الصلاة و الأذان والحج الى الوثن المسمى بقبر النبى فى المدينة كان مقدمة لتقديس أضرحة الأولياء والحج اليهم واعتقاد الشفاعة فيهم أسوة بالشفاعة المزعومة للنبى محمد ،بل وإضافة أسماء الأولياء فى الأذان للصلاة بتمجيد أسمائهم على المآذن كما كان شائعا فى العصر المملوكى.

والبداية هى إدخال اسم محمد فى شهادة الاسلام وجعلها ثنائية بعد أن كانت واحدة وحدانية ، وجعلها قسمة بين الله تعالى و أحد مخلوقاته وهو محمد .

ارتكب الدين السّنى هذا الافك ، وعليه سار العصر العباسى ، ثم تسيد التصوف فرفع مكانة الأولياء الى جانب محمد ، وقام الشيعة برفع أسماء على وبنيه الى جانب النبى محمد ، و تكاثر (الشركاء ) لله تعالى فى ملكه ودينه .

8 ـ ونعطى مثالا عمليا عن التحوير العملى فى شهادة الاسلام فى العصر المملوكى بحيث أصبحت ثلاثية و ليس فقط ثنائية .

ففي العصر المملوكي حيث أصبح التصوف التدين الفعلي للدولة ، صار الاعتقاد في الأولياء هو الشهادة الرسمية للدخول في الإسلام ، حيث أضحى الإسلام مجرد رسم وشكل مظهري تمارس من خلاله شعائر التصوف ومعتقداته المضادة للإسلام .. فعندما أسلم أحمد بن هولاكو بعث برسالة رسمية إلى المنصور قلاوون يشهد فيها ( بوحدانية الله والشهادة بمحمد عليه أفضل الصلوات والسلام، بصدق نبوته ، وحسن الاعتقاد في أوليائه الصالحين) .( سيرة المنصور . تاريخ مخطوط / مجلد 1 / لوحة 10) ولم يعرف المسكين – الذي دخل الإسلام زوراً – أن الاعتقاد في الأولياء الصالحين بزعمه ينفي إخلاص الدين لله تعالى ، ولكنه الدين الأرضى الذى تسيد العصر المملوكى بعد أفول سيطرة الدين السنى فى العصر العباسى ، وسار على ذلك الناس ، و(أسلم ) ابن هولاكو على أيديهم.. أى دخل فى دين التصوف الأرضى الذى اختطف اسم الاسلام فى العصر المملوكى .

وترتب على الإيمان بالأولياء الصوفية الإيمان ببركاتهم و(تصريفهم ) أى كراماتهم ومعجزاتهم حتى لم تخل تحية الإسلام (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) من تأثير الدين الأرضى الصوفى ، فأدخل فيها الأولياء مع الله، وسجل ذلك كتاب رسمي بعثه النجاشي للسلطان جقمق سنة 847 فقال فيه (ورحمته وبركاته عليكم أجمعين وبركات الأولياء الصالحين) .( السخاوى : تاريخ التبر المسبوك ص 68 . )

8 ـ وانتهى العصرين المملوكى و العثمانى ، وخفت تأثير الدين الصوفى الأرضى ولكن عادت بالوهابية سيطرة الدين السّنى الأرضى فعادت شهادة الاسلام إثنين بالابقاء على اسم محمد فقط الى جانب اسم الله جل وعلا. وسيطر ذلك على أفئدة الكثيرين ، فليس صعبا التخلى عن تقديس الأولياء الصوفية ، ولكن الصعب هو التخلى عن تقديس محمد.

كانت شهادة الاسلام واحدة فى العصر الحقيقى للاسلام ، ثم جعلوها مثناة ، ثم ثلاثية ، وعادت مثناة الآن ، ونتمنى أن تعودة الشهادة الحقيقية للوحدانية ، ولهذا نناقش هنا التاكيد على أن شهادة الاسلام هى ( لا إله إلا الله ) فقط .!!

أولا :

شهادة الاسلام ليس فيها إسم مخلوق بجانب الخالق جل وعلا :

 

1 ـ الشهادة فى العقيدة فرع عن الايمان العقيدى ،أى تعلن شهادتك بما تؤمن به ، فالذى يؤمن بمحمد أفضل من الأنبياء وشريكا لله تعالى فى دينه وفى ملكه وملكوته يتجلى هذا فى شهادته بأن يجعلها مثناة ، والذى يضيف الى محمد أهل بيته أو الأولياء وكراماتهم يجعل شهادته ثلاثية .

ولو كنت مؤمنا صحيح الايمان فلن يكون أى مخلوق محلا لإيمانك ، فالايمان فى الاسلام ليس بشخص النبى أو شخص الرسول ، ولكن بما نزل على ذلك النبى وذلك الرسول ، يقول جلا وعلا :(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ)( البقرة 285 ـ ). أى أن الرسول نفسه آمن ـ ليس بشخصه ونفسه ولكن ـ بما أنزله الله تعالى عليه فى الكتاب السماوى. وبنفس الايمان ونوعيته آمن المؤمنون :(وَالْمُؤْمِنُونَ ) أى آمن المؤمنون بما أنزله الله تعالى على الرسول ، وليس ايمانهم متعلقا بشخص الرسول واسمه وتاريخه ولكن بما أنزله الله جل وعلا عليه .

ولأنها قضية ايمان وكفر فقد جاءت فى مفتتح سورة (محمد ) : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ) فلم يقل ( آمنوا بمحمد ) ولكن قال (وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ). وبالتالى فالشهادة هنا ممنوع أن يوجد فيها غير الله جل وعلا وما أنزله على رسوله ،أى ممنوع أن يوجد فيها اسم مخلوق من البشر أو من الملائكة .

2 ـ ومن المضحك أن نتصور النبى محمدا ينطق شهادة الاسلام فيقول ( أشهد أنه لا اله إلا الله وأننى محمد رسول الله )، ولكن عليه أن يلتزم بقوله تعالى (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) أى عليه أن يشهد بالشهادة الاسلامية الصحيحة التى شهد بها الله جل وعلا ، وشهد بها معه الملائكة وأولو العلم قياما بالقسط والعدل .

ومن المضحك ايضا أن يقول النبى فى حياته ( ما بين قبرى ومنبرى روضة من رياض الجنة ) فلم يكن يعرف اين قبره ولا بأى أرض يموت ، أو أن يقول ( من حج ولم يزرنى فقد جفانى ) أو يقوم هو بتشريع الحج الى قبره وهو حى يرزق ..أو أن يقول فى التشهد ( اللهم صلى على حضرتنا وعلى آل حضرتنا ..الخ ) كل ذلك الافك كلام مضحك يبعث على الرثاء ، وطقوس مضحكة تبعث على البكاء. وكل هذه المبكيات المضحكات نبعت من جعل شهادة الاسلام مثناة بعد ان كانت واحدة تعبر عن الوحدانية .

3 ـ إن شهادة الاسلام جاءت فى صيغتها الصحيحة فى قوله جل وعلا : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ )( آل عمران 18 : 19 ).

هنا تأتى شهادة أنه لا اله إلا الله مؤكدة من رب العزة ، ومن الملائكة ومن أولى العلم ، وفى نفس الآية تتكرر شهادة أنه لا اله الا الله مرتين مع وصفه جل وعلا بالعزيز الحكيم ، وتقرير أن الدين عند الله هو الاسلام ،أى إن هذه هى شهادة الاسلام الذى نزلت به كل رسالات السماء و قال به كل الأنبياء . وكما نرى ليس فى هذه الشهادة بالاسلام سوى (لا اله إلا الله ) ، وليس فيها محمد أو غيره. وقوله جل وعلا فى سياق هذه الشهادة (قَائِمًا بِالْقِسْطِ ) إشارة الى أن العبث بهذه الشهادة الالهية للاسلام هو نقيض القسط ،اى هو ظلم للخالق جل وعلا حين نضع الى جانب إسمه العظيم أسما لمخلوق من مخلوقاته .

إن شهادة الاسلام ( لا اله الا الله ) شهادة واحدة هو"التشهد" وهو جزء أساس فى الصلاة اليومية يقوله رب العزة والملائكة وأولو العلم : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ىل عمران 18 ) ومن اسف اننا تناسينا هذا التشهد وابدلناه بصيغة متهافتة منتحلة مختلفة الصياغات أسميناها " التحيات " حتى نجعل لاسم محمد ذكرا وتعظيما فى صلاتنا وهى ـ أى صلاتنا ـ المفترض فيها أن تكون لذكر الله تعالى وحده وتعظيمه وحده.

4 ـ ولو قال رب العزة ( شهد الله أنه لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله ...) لأصبح ذلك تناقضا فى القرآن الكريم ، فكيف ينهى الله تعالى عن التفريق بين الأنبياء ثم يقوم هو جل وعلا بوضع هذا التفريق فى شهادة الاسلام. ليس فى الاسلام عوج أو تناقض ، ولكن المسلمين بأهوائهم ودياناتهم الأرضية هم الذين أوقعوا أنفسهم فى تناقض مع القرآن الكريم .

5 ـ وفى التأكيد على أن شهادة الاسلام شهادة واحدة فقط تقصر الألوهية على الله تعالى وحده ، دون ذكر اسم بشر معه من الرسل والأنبياء ، يكفيك قوله تعالى : (وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ). و اقرأ ما بعد هذه الآية الكريمة: (وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ) (النحل 51 ـ 53). تجد هنا معنى أن تقتصر شهادة الاسلام على أنه لا اله الا الله فقط دون رفع بشر الى مرتبة الاقتران بالله جل وعلا ، فهو وحده مالك السماوات والأرض ، وهو وحده الذى يملك الدين ، وهو وحده الذى يجب أن نتقيه ونخشاه ، وهو وحده الذى يملك النفع والضرر، وليس محمد أو أى مخلوق آخر شريكا لله جل وعلا فى أى شىء مما سبق ، فكيف تقرنه برب العزة ؟.

ثانيا : للقرآن الكريم صفات رب العالمين :

ولأن القرآن الكريم هو كلام رب العالمين ـ وكلام الله جل وعلا صفة من صفاته وإسم من أسمائه الحسنى ـ فإن الله تعالى وصف القرآن الكريم بما وصف به ذاته العلية ، وننقل هنا بايجاز ما شرحناه فى كتابينا ( القرآن وكفى ..) :

1- فكما أنه لا إله إلا الله فانه لا كتاب للمسلم إلا القرآن كتاب الله..يقول الله تعالى فى ذاته العلية (مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) (الكهف 26:27) فالله وحده هو الولى الذى لا يشرك فى حكمه أحدا. والقرآن هو وحده الكتاب الذى أوحى للنبى ولا مبدل لكلماته ، ولن يجد النبى غير القرآن كتاباً يلجأ إليه. والنبى لا يلجأ إلا لله تعالى رباً وإلهاً (قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا ); (الجن 22).والنبى أيضاً ليس لديه إلا القرآن ملتحداً وملجأ (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا); هذا بالنسبة للنبى عليه السلام.. فكيف بنا نحن؟.

 

2 - المؤمن يكتفى بالله تعالى رباً ويكتفى بالقرآن كتاباً : عن اكتفاء المؤمن بالله تعالى رباً يقول تعالى (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) ; (الزمر 36).والمؤمن طالما يكتفى بالله تعالى رباً فهو أيضاً يكتفى بكتاب الله فى الهداية والتشريع يقول تعالى (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ) (العنكبوت 51). ويلاحظ أن الآيات الكريمة التى تحض على الاكتفاء بالله رباً وعلى الاكتفاء بالقرآن كتاباً جاءت كلها بأسلوب الاستفهام الإنكارى.. أى الإنكار على من يتخذون أولياء وأرباباً مع الله والذين يتخذون كتباً أخرى مع كتاب الله.

 

3- القرآن هو الحق الذى لا ريب فيه، ويلفت النظر أن الله تعالى وصف ذاته العلية بأنه الحق، ووصف إنزال القرآن بأنه أنزله بالحق، ووصف القرآن نفسه بأنه الحق.. عن وصف الله تعالى بالحق يقول الحق تعالى (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) (يونس 32)، ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ ) (لقمان 30).

وعن إنزال القرآن بالحق يقول تعالى (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ )(الإسراء 105).

وعن وصف القرآن بأنه الحق يقول تعالى (وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ ) (فاطر 31). ويقول : (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ) (آل عمران 62).

بل إن الله تعالى يصف الحق القرآنى بأنه الحق اليقينى المطلق، يقول تعالى (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ) (الواقعة 95) (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ); (الحاقة 51).

 

4- القرآن هو الحديث الوحيد الذى ينبغى الإيمان به : إذ أكد رب العزة أن الإيمان لا يكون إلا بحديثه تعالى فى القرآن الكريم فقال (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ) (المرسلات 50).(الأعراف 185)

بل إن الله تعالى يجعل من الإيمان بحديث القرآن وحده مقترناً بالإيمان به تعالى وحده، فكما لا إيمان إلا بحديث القرآن وحده فكذلك لا إيمان إلا بالله وحده إلهاً. وكما أن المؤمن يكتفى بالله وحده إلهاً فهو أيضاً يكتفى بحديث القرآن وحده حديثاً.. وجاءت تلك المعانى فى قوله تعالى (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) (الجاثية 6: 8).

 

5 ـ لا مثيل للقرآن كما أنه لا مثيل لله تعالى : يقول تعالى عن ذاته العلية (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (الشورى 11). ويقول تعالى عن كتابه الحكيم (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ) (الإسراء 88).. إذن لا مثيل للقرآن كما أنه لا مثيل لله ، فليس هناك مثيل لله جل وعلا وليس هناك مثيل للقرآن.

ثالثا : شهادة الله جل وعلا للقرآن الكريم هى ايضا تاكيد للشهادة بأنه لا اله إلا الله :

1 ـ ولأن القرآن الكريم هو كلام رب العالمين ـ وكلام الله جل وعلا صفة من صفاته وإسم من أسمائه الحسنى ـ فإن الله تعالى يشهد ايضا شهادة مماثلة بأن القرآن الكريم منزل من عند الله ، ويشهد بذلك أيضا الملائكة ، وكفى بالله جل وعلا شهيدا ،إقرأ فى ذلك قوله جل وعلا فى شهادته عن القرآن الكريم :(لَّكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)(النساء 166 ).

 

2 ـ وحين تقول : "اشهد ان لا اله الا الله" تكون قد نطقت بصحيح الايمان المذكور فى قوله جل وعلا : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ)( البقرة 285).

وتكون أيضا قد آمنت بكل كتاب سماوى جاء به الأنبياء جميعا، وتكون قد آمنت بهم جميعا لأن كل واحد منهم جاء مبعوثا بهذه الحقيقة السامية، وهذا ما قاله رب العزة لخاتم رسل الله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء 25 ) وقال له أيضا نفس التحذير من الوقوع فى الشرك ، وهو نفس التحذير الذى قيل من قبل للأنبياء السابقين : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) الزمر 65 : 66 ) .

وحتى لا يظن نفسه مميزا على الأنبياء السابقين قال الله تعالى لخام النبيين : (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) الأحقاف 9 ) أى أمره رب العزة ان يقول ويعلن أنه ليس مميزا بين الرسل ، وانه لا يعلم الغيب ولا يدرى ما سيحدث له أو لغيره ، وأنه مجرد رسول منذر لقومه متبع للقرآن الكريم.

وحين تؤمن بالقرآن الكريم وتردد شهادة الله جل وعلا بأن القرآن نزل من عند الله جل وعلا وأنزله بعلمه فإنك تشهد بنبوة محمد ونبوة كل من سبقه من الأنبياء ـ بلا تفريق وبلا تفضيل حسبما جاء فى القران الكريم .

وفى نفس الوقت فإن من يكفر برسالة نبى إنما يكفر بكل الرسالات لأن كل الرسالات السماوية تقول شيئا واحدا ، وعلى سبيل المثال فان قوم نوح حين كذبوا برسالة نوح فقد كذبوا بكل الرسالات السماوية التى لم يكونوا يعلمون عنها شيئا لأنها نزلت بعد موتهم وغرقهم وهلاكهم ، يقول جل وعلا عنهم :(وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ ) ( الفرقان 37 ) (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ )( الشعراء 105 )أى كذبوا برسالات لم يعرفوها لأنهم كذبوا برسالة نوح وما جاء فى رسالة نوح جاءت به كل الرسالات اللاحقة .

3 ـ باختصار : حين تشهد بأن القرآن الكريم منزل من عند الله جل وعلا فانك تؤكد شهادة أن (لا اله إلاا الله ).

 

رابعا : خاتم الأنبياء مأمور بقول شهادة واحدة

 

1 ـ ولذا تأتى شهادة الله جل وعلا للقرآن الكريم مقترنة بالشهادة بأنه جل وعلا لا اله إلا هو ، وأتى ذلك فى أوامر تكرررت للرسول محمد عليه السلام بكلمة :(قل ) أى أن يقول هذا فى الرد على المشركين : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) ( الأنعام 19 ). أى إن شهادة الله أكبر شهادة ، والشهادة الالهية هنا بأن الوحى القرآنى قد نزل إنذارا لهم ، وإذا كانوا يشهدون أن مع الله تعالى آلهة أخرة فالرسول مأمور أن يرفض هذه الشهادة الشركية ، ومأمور أن يشهد أنه لا اله الا الله.

والمستفاد من الآية الكريمة أن الشهادة واحدة بألوهية الله تعالى وحده ، ويؤكدها أن القرآن منزل من عند الله جل وعلا ، وأن محمدا هو أول المأمورين فى القرآن بقول هذه الشهادة ، وأنه مأمور أيضا برفض أى شهادة تخالف لا اله الا الله.

 

2 ـ ويؤكد هذا قوله تعالى لخاتم الأنبياء : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) ( محمد 19 ) والعلم هنا هو شهادة قلبية قبل أن تكون شهادة لسانية .

 

خامسا : الحب الحقيقى للنبى محمد هو اتباع القرآن ، ومنه أن تكون شهادة الاسلام واحدة فقط

1 ـ الحب الحقيقى للنبى محمد عليه السلام هوأن نستمسك بما كان يستمسك به محمد عليه السلام وهو القرآن الكريم (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( الزخرف 43 ) هو أن تتبع القرآن الكريم وهوالمنهج الالهى الذى جاهد فى سبيله.

الحب هو الاتباع والطاعة للقرآن الكريم : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) آل عمران 31 : 32 ).

ولقد كان عليه السلام مأمورا بإتباع القرآن وحده ( الأعراف 203 ) ( الأنعام : 50 ، 106 ) ( الأحقاف 9 ) ( يونس 15 ) ( الأحزاب 1 )( الجاثية 18 ) ( القيامة 18 )، وأمره الله تعالى باتباع ملة ابراهيم ، وهى محفوظة فى القرآن الكريم (النحل 123 )(الأنعام 161 )( النجم37 ـ )(الأعلى ـ 19 ).

وأمرنا الله جل وعلا باتباع القرآن الكريم ـ شأن النبى محمد ( الأعراف 3 ، 157 ) ( الأنعام 153 ) وأمرنا باتباع ملة ابراهيم ( آل عمران 95 ) ( النساء 125 ) ( الحج 78 ).

 

2 ـ بكيد الشيطان نصبح أعداء لله تعالى ورسله دون أن ندرى، فالشيطان يجعلنا نتطرف فى حب النبى ليتحول حبنا له الى تأليه وتقديس نتناسى معه جوهر العقيدة الاسلامية التى ناضل وأوذى محمد عليه السلام نفسه فى سبيلها. وأفظع مثل لهذا التأليه أن يكون محمد جزءا تاليا لشهادة التوحيد ، والتى من من المفروض ـ كشهادة توحيد أن تكون شهادة واحدة ولكنهم يجعلونها شهادة ثنائية، ثم يشركون محمدا مع الله تعالى فى الأذان والصلاة ( صلاة الفرض وصلاة السنة ، والتحيات )، بل حتى فى كل مسجد تقريبا يوضع اسم الله تعالى فى جهة واسم محمد فى الجهة المقابلة ، وفى الحج هناك حج لقبره المزعوم ، وهناك صلوات له بزعم الصلاة عليه تضاهىء الصلاة لله تعالى والتسبيح لله تعالى ، بل تزيد . الأساس هنا أنهم قاموا بتقسيم الاسلام بين الله تعالى ومحمد ، وجعلوا شهادة الاسلام ثنائية وليست وحدانية.

ومن العادات المضحكة للتدين الفاسد فى مصر ان يقال عند الوداع " أشهد ان لا اله الا الله " فيرد الطرف الآخر " واشهد أن سيدنا محمدا رسول الله ". والغريب انهم يحسبون انهم يحسنون صنعا. ولو أنصفوا لرددوا شهادة واحدة هى " لا اله الا الله " وعملوا بها فعلا ، واذن لن يكونوا أعداء لمحمد وربه جل وعلا.

الأنبياء جميعا أرسلهم الله تعالى ليؤكدوا تلك الحقيقة، وقد عانوا وجاهدوا فى سبيل نشرها وكانوا أول الناس ايمانا بها وتفانيا فى نشرها، ثم جاء الشيطان ليحوّل حبنا لهم الى تطرف يجعلهم آلهة مع الله ، وبذلك ينسف أساس دعوتهم ، ويجعلهم فى موقف حرج مع الله تعالى يوم القيامة حين يسائلهم رب العزة عن أولئك الذين عبدوهم : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ؟ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ) الفرقان 17 :18 ).

 

سادسا : شهادة (لا اله إلا الله ) وكون الرسول رحمة للعالمين :

من خلال القرآن الكريم نتعرف على الحقائق الآتية خاصة بالنبى محمد وبالرسول :

1 ـ محمد خاتم النبيين والرسول رحمة للعالمين :

عن شخص محمد يقول تعالى: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ )(الأحزاب 40 )، وفعلا فلم ينجب محمد عليه السلام ولدا عاش حتى بلغ مبلغ الرجال ، أى لم يكن محمد أبا لأحد من رجال المسلمين بعده، وتخيلوا لو حدث فسيكون هذا الابن مقدسا غاية فى التقديس ، تخيلوا التقديس الذى يحظى به الحسين والسيدة زينب وغيرهم وهم مجرد أحفاد من إبنته فاطمة ؟. محمد عليه السلام ليس أبا لأحد من الرجال البالغين ، وهو خاتم الأنبياء . هذه هى صفته باعتباره نبيا ، وقد سبق فى كتابنا (القرآن وكفى ) ـ وهو منشور هنا ـ أن فصلنا فى الفرق بين مدلول النبى ومدلول الرسول ، فقلنا إن مصطلح النبى هو شخص محمد فى حياته وتعاملاته مع عصره و المحيطين به ،أما مفهوم الرسول فهو النبى حين يقرأ القرآن أو الرسالة الالهية ، وبعد موته فالقرآن أو الرسالة هو الرسول . ومن هنا فان محمدا كشخص ليس رحمة للعالمين ، ولكن الرسول هو الذى يظل رحمة للعالمين ، لأن محمدا النبى قد مات ،أما الرسول وهو القرآن بعد وفاة النبى فهو مستمر رحمة للعالمين طالما استمر القرآن الكريم بيننا.

وهنا نتأمل قوله تعالى : ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا )( الفرقان 1 )، فالقرآن الكريم أنزله الله جل وعلا على عبده (النبى محمد ) ليكون القرآن الكريم إنذارا للعالمين جميعا من عهد النبى الى قيام الساعة ، فالفرقان هنا ـ أى القرآن ـ هو رسالة إنذار وتحذير وتوعية للعالمين ، ولو استوعبوا هذا الإنذار وتلك التوعية وعملوا بمقتضاها لاستحقوا رحمة الله تعالى يوم القيامة ، وفى هذا المعنى يقول تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)(الأنبياء : 107 )،أى أرسله الله تعالى بالقرآن ليكون القرآن أو الرسالة رحمة للعالمين .

وليس معقولا أن يكون محمدا البشرـ الذى مات ـ رحمة للعالمين ، المعقول أن يكون القرآن أو الرسالة المحفوظة من لدن الله تعالى ـ والتى لا تزال بيننا ـ هى الرحمة الباقية و المستمرة . وهذه الرحمة ليست منحة مجانية لكل من هبّ ودبّ ، بل هى رحمة لمن يؤمن بها ، ويلتزم بها فى سلوكه ، ويموت على ذلك ، وبها تشمله رحمة الله تعالى يوم القيامة فينجو من عذاب النار.

أهمية هذا هنا فى التركيز على الرسالة وهى القرآن الكريم ، فالقرآن هو الذى جاء مصدقا لكل الكتب السماوية السابقة ومهيمنا عليها ، وهو الذى نزلت بشأنه آيتان فى أن الله تعالى يشهد بنزوله من لدنه جل وعلا ، وهو الذى ينهى عن التفريق بين الرسل وأن الايمان يجب أن يكون بالرسل جميعا بلا تفرقة.

الأهمية أيضا هنا هى فى الرد على من يجعل شخص محمد ( رحمة للعالمين ) ليتخذ منها مسوغا لرفع محمد فوق بقية الأنبياء ووضعه الى جانب الخالق جل وعلا.

2 ـ النبى والرسول بين البشرية و الوحى :

يؤكد هذا أن النبى محمدا موصوف بالبشرية مثل بقية البشر ، وأن الوحى الالهى لا يرتفع به فوق البشرية التى يتماثل فيها مع كل الناس ، بل إنه مأمور بأن يعلن أنه بشر مثلنا يوحى اليه أنه لا اله إلا الله : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ )( الكهف 110 ). ويأتى التاكيد على كونه عليه السلام رجلا من العرب الأميين ينذرهم بالوحى الالهى : (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ) ( يونس 2 ). وقد مات ذلك الرجل ـ ذلك البشر ـ وبقى معنا القرآن الكريم محفوظا بيد العلى القدير . وبالتالى فلا يصح أن يكون هذا البشر ـأو الرجل العربى ـ شريكا لله جل وعلا فى شهادة الاسلام ،أو فى أى ملمح من ملامح الألوهية .

سابعا : موضوع ومنطوق الشهادة فى الاسلام واحد فقط لا يتعدد :قد يتعدد الشهود ولكن يكون موضوع الشهادة واحدا لا يتعدد :

هناك شاهد ينطق بالشهادة ، وهناك صيغة الشهادة أو موضوعها التى ينطق بها الشاهد . وهناك شهادات مختلفة متنوعة يشهد فيها أو بها المؤمن أو المؤمنون فى العقيدة و الشريعة ، ولكن موضوع الشهادة نفسه المنطوق على اللسان يكون واحدا لا يتعدد . ونعطى أمثلة للتوضيح :

فى العقيدة :

1 ـ يقول جل وعلا :( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ ) ( آل عمران 18 : 19 ). موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو ( لا اله إلا الله ).

2 ـ يقول جل وعلا( لَّكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) ( النساء 166 ) . موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو أن القرآن الكريم نزل بعلم الله جل وعلا.

3 ـ يقول جل وعلا ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) ( الانعام 19) . هنا شهادتان لكل منهما موضوعه ، فموضوع الشهادة هنا واحد فقط ، هو فى الأولى أن الله تعالى أوحى للنبى محمد بالقرآن لينذرهم به ، وفى الثانية أنه لا اله إلا الله .

4 ـ يقول جل وعلا ( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ( آل عمران 84 : 86 ) موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو أن ( الرسول حق ) . والرسول يعنى هنا الرسالة لأن الخطاب عام لكل زمان ومكان بأن من يبتغى غير الاسلام دينا فلن يقبله الله جل وعلا ، فالاسلام هو الدين الذى نزلت به كل الرسالات السماوية ، وأن أولئك الذين شهدوا بأن الرسول حق قد جاءتهم البينات من ربهم ، أى القرآن أى الرسالة. ويلاحظ ان وصف ( الحق ) فى (وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ ) لا يطلق على شخص ، وإنما هو وصف للقرآن الكريم أو لرب العالمين أو يأتى بمعنى العدل ، وبالتالى فالشهادة هنا ليست لشخص محمد وإنما لما نزل عليه من البينات، أو الرسالة .

5 ـ يقول جل وعلا ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) ( آل عمران 52 : 53 ) موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو قولهم : (وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ). ثم جاء بعدها دعاؤهم لله جل وعلا (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ )

6 ـ يقول جل وعلا ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) ( آل عمران 64 ) وهنا أمر بهذه الشهادة الواحدة: (فَقُولُوا) أى هم مأمورون بأن يجعلوا موضوع الشهادة واحدا فقط هو: (اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ).

فى الآخرة :

1 ـ يقول جل وعلا ( يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) (المائدة 109 ) موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو(لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) أى يطلب الله جل وعلا شهادة الرسل عن مدى إستجابة أقوامهم لهم ، وتأتى شهادتهم واحدة فقط ،أنهم لا يعلمون ، لأن الله تعالى وحده هو علام الغيوب .

2 ـ يقول جل وعلا ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ) ( الانعام 130 ) موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو شهادتهم على أنفسهم بالكفر.

3 ـ يقول جل وعلا ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ) ( الاعراف 37 ) موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو شهادتهم على أنفسهم بالكفر.

4 ـ يقول جل وعلا ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)(التوبة 107 ) موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ).

5 ـ يقول جل وعلا ( أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) ( الحشر 11) موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو ( وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ).

6 ـ يقول جل وعلا ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) (المنافقون 1 ) موضوع الشهادة التى قالها المنافقون واحد فقط هو قولهم (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ )، وشهادة الله جل وعلا عليهم هى واحدة فقط : (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ )

وحتى فى الشريعة والمعاملات :

1 ـ فى تحريم ما أحلّ الله تعالى بهتانا وزورا ، يقول جل وعلا ( قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) ( الانعام 150) موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو:(أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا )

2 ـ فى العقوبة السلبية للمشهورات بالفاحشة دون وجود دليل مادى ، يقول جل وعلا ( وَالَّلاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) ( النساء 15 ) موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو إن أولئك النسوة يأتين الفاحشة ، يقول هذه الصيغة الواحدة أربعة من الشهود.

3 ـ فى أخذ اليتيم أمواله من الوصىّ عليه بعد أن يبلغ مبلغ الرجال يقول جل وعلا ( وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) ( النساء 6) موضوع الشهادة هنا واحد فقط هوالاشهاد عليهم باستلامهم أموالهم المدفوعة لهم.

4 ـ عندما يوصى الرجل عند الموت وهو بعيد عن أهله فى سفر أو غربة فلا بد من وجود شاهدين يسمعان منه وصيته ، ويبلغان الشهادة للأهل وصاحب السلطة فى المجتمع ، فلو ظهر أنهما كاذبان فيقوم إثنان غيرهما ، يقول جل وعلا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) (المائدة 106 : 108) موضوع الشهادة الأولى واحد فقط هو: (لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ) فإن كذبا فيشهد ويقسم إثنان آخران بقول محدد ، وهو : (لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ )

5 ـ يقول جل وعلا (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ ) يوسف 26 :27) موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو : ( إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ )

6 ـ عندما يلاعن الزوج زوجته متهما إياها بالزنا ـ دون تقديم شهود ثلاثة معه ، يقول جل وعلا : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)(النور 6 : 9 ) موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو إتهام الزوجة بالزنا فى أربع مرات ، وفى الشهادة الخامسة يشهد بأن لعنة الله جل وعلا عليه إن كان كاذبا. ونفس الحال مع الزوجة المتهمة ، تشهد أربع شهادات بصيغة واحدة أن زوجها كاذب فى اتهامه لها ، وفى الشهادة الخامسة تشهد بأن غضب الله جل وعلا عليها إن كان زوجها صادقا فى اتهامه لها. الموضوع هنا واحد ومحدد.

7 ـ عن الانفصال النهائى بعد مرحلة الطلاق ، يقول جل وعلا ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ) ( الطلاق 2 ) موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو أن يشهد إثنان من الشهود العدول بأن الزوجة المطلقة بعد بلوغ عدتها وهى فى بيت الزوجية قد أمسك بها زوجها أى تمسك بها بالمعروف ولم يرد الانفصال عنها ،أو أنه فارقها وانفصل عنها أيضا بالمعروف .

يتضح مما سبق أن منطوق الشهادة ومضمونها واحد ، حتى لو تعددت الشهادات و تعدد الشهود ، وبالتالى فلا يصح أن يتعدد منطوق الشهادة ومضمونها كأن تقول : ( أشهد أن لا اله إلا الله وأن فلانا رسول الله )

خامسا ـ هل كان عليه السلام يدعو للايمان به أم الى الايمان بالقرآن ؟

1 ـ كان عليه السلام يجاهد المشركين سلميا بالقرآن الكريم ( فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ) ( الفرقان 52 )، وبه كان ينذرهم ( وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) ( الأنعام 51 ) ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ )( الشورى 7 ) وبالقرآن الكريم كان عليه السلام يعظ المؤمنين ويذكّرهم : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ) ( ق 45 )

2 ـ فى دعوته المشركين لم يكن عليه السلام يدعوهم الى الايمان به ولكن الى الايمان بالقرآن الكريم ، لم يكن يقدم لهم نفسه ولكن يقرأ عليهم القرآن الكريم داعيا أن يؤمنوا بهذا القرآن ، وقد تكرر هذا فى القرآن الكريم ، ومنه نعرف كيف كانت تختلف مواقفهم حين الاستماع الى القرآن الكريم :

* منهم من كان يجادل بالباطل متهما القرآن بأنه أساطير ، ويقوم بحملة دعائية ضد القرآن ناهيا عن الاستماع له وآمرا بالابتعاد عنه ، وجاء وصفهم فى قوله تعالى : ( وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) ( الأنعام 25 : 26 ).

* وبعضهم فى النهى عن الاستماع للقرآن الكريم كان أيضا يأمر بالتشويش على القارىء باللغو فى الكلام : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) ( فصلت 26 )

* وكان بعضهم يرفض الاستماع للقرآن متبجحا بأنه قد سمع بما فيه الكفاية ، وأنه يستطيع الاتيان بمثله ،متهما القرآن بأنه أساطير الأولين ، بل كان يرفع يديه الى السماء داعيا الله تعالى أن ينزل عليه الهلاك إن كان هذا القرآن من عند الله تعالى : (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( الأنفال 31 : 32 )

* وبعضهم كان يقولها بصراحة ؛ إنه لا يعجبه هذا القرآن ويطلب من النبى ان يبدله ويخترع قرآنا آخر على هوى المستمعين : (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ) ويأتى الرد ( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُل لَّوْ شَاء اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ) ( يونس 15 : 17 )

* وبعضهم كانت عيناه تنطق بالغضب حين يسمع القرآن ، وينظر شذرا للنبى محمد عليه السلام وهو يقرأ عليه آيات القرآن متهما النبى عليه السلام بالجنون : (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ) (القلم 51 )

* وبعضهم ـ حين كان يتلى عليهم القرآن ـ كانوا يكادون يفتكون بالقارىء :(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا) ( الحج 72 ) وهنا إشارة الى أن بعض أوائل الصحابة كان يشارك فى الدعوة الى الاسلام بقراءة القرآن متابعا لطريقة النبى فى الدعوة بالقرآن .

* وبعضهم كان يعرض عن الاستماع للقرآن ويستهزىء به :( وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ َسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) ( الجاثية 7 ـ ) أو يشترى لهو الحديث و الأساطير يحكيها للناس ليلهيهم عن الاستماع للقرآن الكريم (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( لقمان 6 : 7 ).

أى إنه عليه السلام لم يكن يطلب من الناس الايمان به بل كان يطلب منهم الايمان بالقرآن الذى أنزله الله تعالى عليه ، ولذلك كان يتلوه عليهم وهم لما يسمعون رافضون .

3 ـ ومن خلال معاناتنا فى الدعوة الى الرجوع الى القرآن الكريم فان أصحاب الديانات الأرضية ـ خصوصا السنيين ـ يتصرفون نفس التصرف حين نستشهد لهم بالقرآن الكريم ، لذا فإن من إعجاز القرآن الكريم وآياته أنه لا يجعل كلامه خاصا باهل مكة أو المشركين فى عهد النبى ، وإنما يجعلها حالة عامة تتكرر فى كل زمان فى التعامل مع هدى القرآن ، وهى فعلا تتكرر فى عصرنا وفيمن نعرفه من الناس . لذلك يقول تعالى مثلا :( وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ َسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) ( الجاثية 7 ـ )، ولو تمعنت فى الايات الكريمة وجدتها تشير الى عصرنا كما لوكانت نزلت فى عصرنا ، وكذلك كل الايات السابقة ، إقرأ مثلا قوله جل وعلا : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( لقمان 6 : 7 ) أى طالما يوجد (ناس ) فمن الناس من يفعل هذا . وهكذا يفعل ( الناس ) فى عصرنا هذا .

سادسا : السجود إيمانا بالقرآن كان شهادة الاسلام العملية فى عهد النبى محمد عليه السلام .

1 ـ فى مقابل التكذيب من المشركين كان المؤمنون من أهل الكتاب يسارعون باعلان ايمانهم بالقرآن حين كان عليه السلام يتلو عليهم آياته :( وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً )(الاسراء 105 ـ ).

نلاحظ هنا أنهم سجدوا معلنين ايمانهم بما سمعوا ، حيث تذكروا وعد الله تعالى لأسلافهم فى عهد موسى عليه السلام حين رفع فوقهم جبل الطور واخذ عليهم الميثاق ، فسجد الأسلاف على أذقانهم وهم ينظرون الى جبل الطور المرفوع فوقهم يظنون أنه واقع بهم ( وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(الأعراف 171 ). وأعتادوا من وقتها السجود على الأذقان إعلانا للايمان ، فلما قرىء عليهم القرآن الكريم ـ وهم أصحاب العلم القديم ـ بادروا باعلان شهادتهم بالسجود على الأذقان وفق ما اعتادوا.

وقد قال جل وعلا عن موقف الصالحين من أهل الكتاب حين تتلى عليهم آيات الرحمن : (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) ( مريم 58 ) ،أى انه ليس فقط أن تسجد حين تدخل فى الاسلام إيمانا بما أنزل الله تعالى من كتاب ، ولكن تسجد أيضا كلما تليت عليك آيات الرحمن ، فالسجود إعلان بالدخول فى الاسلام وإعلان باستمرار الانتماء الى الاسلام ، ويتكرر هذا كلما وعظك أحد بالقرآن الكريم ، يقول جل وعلا عن المؤمنين الحقيقيين : (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) ( السجدة 15 ).

بل إن سحرة فرعون الذين لم تكن لهم خلفية دينية صحيحة والذين أتوا لمنافسة موسى خدمة لفرعون ـ عندما فوجئوا بآية موسى أعلنوا ايمانهم برب موسى وهارون بأن سجدوا فورا لله جل وعلا : (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ )( الأعراف 120 ـ )

2 ـ فالسجود عند تلاوة القرآن الكريم كان هو الشهادة المعلنة للدخول فى الاسلام، لذلك نرى العكس فى موقف المشركين ، يقول تعالى عنهم: ( فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ )(الانشقاق 20 ـ ) ،أى بدلا من أن يؤمنوا حين يستمعون لقراءة القرآن وبدلا من السجود إيمانا به كانوا يعلنون تكذيبهم للقرآن الكريم برفض السجود .

ولقد ارتبط الكتاب الالهى باسم الرحمن قبل نزول القرآن الكريم ، ونلمح هذا من قوله تعالى عن الصالحين من أهل الكتاب من ذرية الأنبياء السابقين : (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) ( مريم 58 ). ونزل القرآن الكريم مرتبطا أيضا باسم الرحمن الذى علّم القرآن : (الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ) ( الرحمن 1 : 2 )،ولذلك ارتبط أيضا تكذيب المشركين بنفورهم من اسم (الرحمن ) ، ورفضهم السجود للرحمن حين يتلى عليهم القرآن : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا )( الفرقان 60 ).

ونعطى مثلا لرفضهم السجود للرحمن وتكذيبهم للقرآن باستعراض بعض آيات سورتى القلم و النجم ، وهما من أوائل ما نزل من القرآن الكريم.

تبدأ سورة (القلم ) بالقسم بالقلم وما يسطره القلم بأن النبى محمدا ليس مجنونا حينما نزلت عليه نعمة ربه وهى القرآن الكريم (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ )، وهذا جاء ردا على اتهامهم للنبى محمد عليه السلام بالجنون . ثم بعدها يشير رب الى محاولة المكذبين بالقرآن التاثير على النبى فيأمره ربه جل وعلا ألاّ يطيع المكذبين للقرآن الكريم ، سواء من كان منهم مداهنا كالأفعى أو كان فظا غليظ القلب : (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ ).... (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ). وهم جميعا كانوا يرفضون السجود للقرآن الكريم مع استمرار دعوتهم للسجود إيمانا بالكتاب الكريم ، ولذا سيكون من عقابهم يوم القيامة أنهم سيحاولون السجود ندما ـ بعد فوات الأوان ـ فلا يستطيعون :(يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ) والسبب فى هذه المهانة أنهم كانوا يكذبون بالقرآن الكريم ، لذا يقول جل وعلا للنبى محمد : ( فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ). ثم تنتهى السورة برسم حىّ نابض لمشاعرهم حين كان يتلو عليهم النبى محمد عليه السلام آيات القرآن ، كانوا ينظرون له شذرا فى كراهية ويتهمونه بالجنون مع أن الله تعالى أنزل هذا القرآن الكريم ذكرا للعالمين :(وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ) (القلم 1 : 2 ، 8: 10 ، 15 ، 42 : 44 ، 51 : 52 ). يهمنا فيما سبق التأكيد على دعوتهم للدخول فى الاسلام بالسجوك للقرآن ، وأنهم كانوا يرفضون .

وبنفس الطريقة تبدأ سورة النجم بالقسم بالنجم بأن صاحبهم محمدا ـ الذى صاحب المشركين وعرفوا صدقه وأمانته ـ لم يقع فى الضلال والغواية عندما نزل عليه الوحى القرآنى ونطق به وأخذ يتلوه داعيا قومه للسجود للرحمن إعلانا عن إيمانهم بهذا الوحى الالهى:(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى)(النجم 1 ـ ) وتنتهى السورة بالاشارة الى موقف المشركين من القرآن الكريم، وتدعوهم الى اعلان الايمان به سجودا لله جل وعلا : (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) ( النجم 59 : 62)

3 ـ وفى كل الأحوال فان القرآن هو الأساس فى الرفض أو القبول ، فالمؤمن ينشرح صدره إذا سمع القرآن ويزداد به ايمانا ، والمشرك يضيق صدره بما يسمع، بل يزداد طغيانا وكفرا ، وليس هذا مقصورا على عهد النبى محمد عليه السلام ، بل هو حكم عام يسرى فى كل زمان ومكان ، ونعانى منه فى وقتنا هذا وفى مجتمعات تنتمى الى الاسلام بالاسم وهى تكرر أفعال مشركى العرب فى عهد النبوة.

وللتدليل على صحة ما نقول نستشهد بالايات الكريمة التالية :(فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ) ( الأنعام 125 : 126 ) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) ( الأنفال 2 ) (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ) ( المائدة 64 ، 68 )( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) ( التوبة 125 : 126 ).

4 ـ وليس شرطا أن يكون هذا السجود لله تعالى فى حضور النبى محمد عليه السلام لأنه ليس فى الاسلام كهنوت ،بل هو علاقة خاصة ومباشرة بين المخلوق وخالقه جل وعلا ، ويتم بها الانقياد بالعقيدة و السلوك لله تعالى وحده ،وليس إنقيادا لمحمد أو غيره من المخلوقات . لذلك فقد تحدث رب العزة عن مؤمنين آمنوا فى مكة بعد الهجرة و لم يعرفهم النبى محمد حيث كان فى المدينة بعيدا عنهم . وأولئك المؤمنون أعلنوا لله جل وعلا إيمانهم وسجدوا له أيمانا بالقرآن الكريم ، وبلغ من إهتمام رب العزة بسلامتهم أن منع المسلمين من الهجوم على مكة ردا على إعتداء مشركى مكة ، خوفا من أن تؤدى الحرب الى قتل أولئك المؤمنين فى مكة والذين لا يعلم النبى والمؤمنون عنهم شيئا ، يقول جل وعلا : ( هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ( الفتح 25 ).

ونفس الحال حين أدرك العرب فى النهاية عبث عبادة الأصنام والقبور ، بعد أن ذاع بينهم القرآن فآمنوا ودخلوا فى دين الله بالآلاف دون أن يكون محمد النبى شاهدا على اسلامهم وعلى قولهم ونطقهم الشهادة. ثم قابلهم عليه السلام بعدها ورآهم فى حجة الوداع أفواجا يقول جل وعلا له:( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ) (النصر 1 : 2).

5 ـ إنّ الدخول فى ( دولة الاسلام )هو الذى يستلزم الدخول فى العهد والعقد. وهنا يتجلى الفارق بين الاسلام ودولة الاسلام .

الاسلام علاقة خاصة بين المخلوق وخالقه جل وعلا ، لا تستلزم واسطة أو شهادة رسمية أو حضورا بشريا من أحد . وهنا يختلف الاسلام دين الله جل وعلا عن أديان البشر الأرضية حيث الكهنوت والمؤسسات الدينية و( رجال الدين ) بملابسهم الخاصة بألوانها الخاصة وتصميماتها الخاصة ، ودرجاتها ورموزها وطقوسها و طرقها العبقرية فى استجلاب و استحلاب أموال الناس.

ومع أن دين الاسلام لا يستلزم هذا الإشهار فى دخول الاسلام أو الاشهار فى اعلان شهادة الاسلام فإن الأمر يختلف بالنسبة لدخول دولة الاسلام . لأن الدولة فى الاسلام هى تعاقد بين الناس تتم على أساسه قيام سلطة مهمتها إقرار العدل وحرية الفكر والمعتقد طبقا لقاعدة:(لا إكراه فى الدين). وفى هذا العقد يدخل الأفراد جميعا من رجال ونساء : (المائدة 7 ) ( الممتحنة 12 ) ، ثم هناك عهد آخر بالدفاع عن الدولة عند الخطر:( الأحزاب 15 ، 22: 24 )( الفتح 18، 10 ). وقد فصّلنا هذا فى مقالات سبقت.

أخيرا : المنافقون هم الذين كانوا يأتون للنبى يشهدون له أنه رسول الله :

1 ـ المشركون يتركز اهتمامهم على شخص النبى فيرفضون الكتاب السماوى حسدا منهم لشخص النبى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ) ويرد عليهم رب العزة : ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (الأنعام 123 : 125 ).

2 ـ والمشركون الذين كانوا يدخلون فى الاسلام خداعا ونفاقا كانوا يحرصون على إعلان إيمانهم على مشهد من المؤمنين وملأ من المسلمين ، وكان ينزل الوحى القرآنى يفضحهم ، يقول جل وعلا : (وَإِذَا جَاؤُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ ) ( المائدة 61 ). والسخرية هائلة من أولئك الذين يدخلون بالكفر ويخرجون به مع إعلانهم الايمان .

وبعضهم كان يحلو له خداع المؤمنين بهذا الاعلان عن الايمان ، ثم بعد ان يخلو بعضهم ببعض يتندرون على المؤمنين وخداعهم للمؤمنين ، وهم فى الحقيقة يخدعون أنفسهم مما يشعرون : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ).. (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ)(البقرة 8: 9 ، 14 )

وبعضهم كان يؤكد ايمانه و اسلامه بأن يقسم بالله أغلظ الايمان ،وسرعان ما تفضحهم أعمالهم ، أو كفرهم السلوكى فيراهم المؤمنون على حقيقتهم أشد الناس كفرا ، يقول جل وعلا عنهم : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ ) ( المائدة 53 )

وبعضهم كان يذهب للنبى محمد يؤكد اسلامه وطاعته ، ثم يخرج من عنده يتآمر عليه ويكذب عليه ؛ ينسب له أقوالا لم يقلها ، وينزل القرآن يفضحهم ويأمر النبى محمدا عليه السلام بالاعراض عنهم : (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ) ثم يوجّه الله تعالى لهم نصيحة بصيغة استنكارية تقول : (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) ( النساء 81 : 82 )، لأنهم لو تدبروا القرآن الكريم بقلب مفتوح لأمنوا حق الايمان وما احتاجوا لهذا الخداع .

وتكرر مرة أخرى قوله تعالى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) تعليقا على موقف ممائل يتحدث عن أولئك المنافقين الذين كانوا يكرهون ما أنزل الله ، وكانوا يدخلون على النبى يؤكدون إيمانهم ثم إذا خرجوا من عنده استهزءوا بالاسلام : ( محمد: ـ 16 : 24 )

ومما سبق نفهم قوله جل وعلا عن المنافقين : ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ( المنافقون 1: 2 ). فقد حرص المنافقون على المجىء للنبى ليشهدوا أمامه ـ كذبا وخداعا ـ قائلين له (إنك لرسول الله ) ويأتى الرد بأن الله تعالى يعلم بأنه رسول الله ، ولكن يشهد الله جل وعلا بأن المنافقين كاذبين فى شهادتهم لأنها لا تعبر عن حقيقة ما فى قلوبهم من تكذيب للرسول وكفر بالقرآن الكريم وعداء للاسلام.

المنافق هو الذى يحتاج الى إشهار إيمانه رهبة أو رغبة ، وهكذا كان يفعلون فى حياة النبى محمد يشهدون له بأنه رسول الله ، وكان القرآن الكريم ينزل يخبر بما فى قلوبهم ، داعيا أحيانا الى أن يتدبروا القرآن الكريم .

3 ـ وانتهى القرآن الكريم نزولا ، ومات خاتم الأنبياء عليهم جميعا السلام، ومالبث أن عادت عقائد الشرك تغزو قلوب المسلمين فاخترعوا لها بالافتراء أديانا أرضية ، تبدأ عقيدة الشرك فيها بإضافة اسم محمد الى شهادة الاسلام توطئة لتقديس مخلوقات أخرى الى جانبه .

وبسبب تعمق هذا الزيف فى قلوب الأغلبية الساحقة من المسلمين فإن القارىء لهذا المقال يستغربه ، وقد يستهجنه ، ولأنه لا يستطيع إنكار الايات القرآنية التى يقوم عليها ولا يستطيع الهجوم على القرآن الكريم فلا يتبقى له إلا الهجوم على كاتب المقال.

4 ـ بسيطة ..

غفر الله تعالى لنا ولكم ، وهدانا وإياكم قبل أن يأتى أحدنا الموت ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

المقال الرابع:

إنه الله جل وعلا.. يا أيها الناس..!!

 

 

مقدمة :-

 

دار جدال داخل موقع أهل القرآن حول موضوع شهادة الإسلام حين كتبت أنها شهادة واحدة هى ( لا إله إلا الله )، وأن إضافة إسم محمد وجعلها شهادة مثناة فيه تفريق بين الرسل وتفضيل للنبى محمد على من سبقه من الأنبياء وهذا منهى عنه ، ثم أنه النواة الأولى للوقوع فى الشرك يترتب عليها ماهو واقع اليوم من تحول معظم المسلمين إلى (محمدين) يجعلون محمدا شريكا لله تعالى فى الصلاة والآذان والتشهد والحج ، أى شريكا لله تعالى فى الدعاء والعبادة ، يستغيثون به ويعبدونه مع الله تعالى ويجعلونه بالشفاعة المزعومة مالكا ليوم الدين .

بعض الأحبة إعترض قائلا إن إضافة محمد للشهادة ليس من الشرك فى شىء،فوعدت أن أكتب مقالا ختاميا فى سلسلة التفريق والتفضيل وشهادة الإسلام .وهذا هو المقال .

 

أولا: - ما قدروا الله حق قدره

 

1 ـــ أخترت أن يكون العنوان " إنه الله ..يا أيها الناس " للتذكير بعظمة الله عز وجل التى عادة ما ينساها الإنسان فيكون من الذين ما قدروا الله حق قدره .

 

2 ـــ المشكلة هنا أن الله عز وجل هو غيب بالنسبة لنا ، لا نراه . ولكن نرى بعض آلاء صنعه فينا وفيما حولنا (الذاريات 20 :21 ). فى السموات آيات تلقى من الإنسان عدم إكتراث ( يوسف 105-106 ).، بحيث لا يسأل الإنسان نفسه هل الذى خلق كل هذا الكون وحده يحتاج إلى شريك ؟! أو يستحق أن يذكر إلى جانبه بشر من المخلوقات

 

3 ـــ إن التفكير العقلى الموضوعى فى خلق السماوات والأرض فريضة إيمانية على أولى الألباب تنتهى بهم إلى أنه لا إله إلا الله (آل عمران 190 : 191 ). ولقد تهيأ لنا فى عصر العلم أن نرى عجائب الخلق فى أعماق المحيطات وأعماق الفضاء وأعماق الخلية وهندستها الوراثية وأعماق الذرة والنواة ، هذه العظمة فى الخلق هى بعض دلائل العظمة فى الخالق جل وعلا. مع أننا لم نكتشف سوى الساحل ، ولأن ما يمكن أن نصل إليه ونراه – من عوالم الغيب – أعظم ، وحين نرى بعضه فى لحظة الموت ، وفى الأخرة سيتحول لدينا العلم البسيط إلى (علم اليقين)والحق البسيط إلى(حق اليقين) ، والرؤية الظاهرية الى (عين اليقين) .

رؤيتنا البسيطة للكون تبهرنا. هذا الكون مجرد عبارة (ما بينهما ) فى قوله تعالى : (

اللَّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ : السجدة 4 ) هذا الكون بنجومه ومجراته وفراغاته هو مجرد فناء خلفى للسموات الدنيا ، كلها تظهر لأعيننا مجرد نقط لامعة فى سواد الليل، وصفها الله جل وعلا بما يناسب عقلنا بأنها مصابيح للسماء الدنيا التى لا ندرى عنها شيئا ( الصافات 5-6 ).

يبهرنا أن نتعرف على بلايين السنوات الضوئية داخل هذا الكون ، ويبهرنا ما نتعرف عليه عن الثقوب السوداء والثقوب البيضاء وأحجامها التى تبتلع النجوم والمجرات ، ويبهرنا أننا لازلنا نلهو على شاطىء التعرف على هذا الفناء الخلفى للسماء الدنيا وهو الكون، ويبهرنا أن عقلنا يتوه فى التفكر فى هذا الكون وبلايين سنينه الضوئية ..

ويبهرنا أن الله تعالى أقسم بمواقع النجوم (الواقعة 75- 77 ) ، ليس القسم بالنجوم هنا ولكن بمواقعها لأن ما نراه الآن ليس النجوم الحاليه ، ولكن ما يصل إلينا من ضوئها من ملايين السنين ، أما هى فربما إنفجرت وتحولت إلى ثقب أسود غير مرئى لنا أو لا تزال باقية ولكن تغير موقعها .

مع كل هذا الإنبهار ببعض ما نكتشفه من آلاء الله عز وجل فى أنفسنا وفى الأرض وفى الكون فإن هذا الإنبهار لا نترجمه إيمانا يقدر الله عز وجل حق قدره ، بدليل أن بعض أهل القرآن لا يزل يتسامح فى أن يجعل أحد البشر قرينا لله تعالى جل وعلا فى شهادة الإسلام التى تعبر عن الوحدانية ، مع أن محمدا قد مات مثلما يموت كل البشر ، أى تعفن جسده ، وتحول إلى سوأه ، ثم أنتهى إلى تراب. يأخذون من التقديس المفروض أن يكون خالصا لله عز وجل وحده ، ويعطونه إلى عبد من عباد الله تعالى ، لذا نقول لهم : آن لنا أن نقدر الله سبحانه وتعالى حق قدره.!!.

 

ثانيا :- إخلاص الدين لله تعالى وحده يمنع أن نضيف اسم مخلوق شريكا مع الله جل وعلا.

 

1 ـــ سبق أن أكدنا أن عمل الصالحات وحده لا يكفى فلابد أن يصدر عن عقيدة لا مجال فيها لتقديس المخلوقات ، أى لا تقديس ولا عبادة ولا دعاء إلا لله تعالى وحده ، وسبق التأكيد على أن مصير المشرك أن يحبط الله عمله الطيب فيكون مصيره الخلود فى النار ( النساء 48 ،116 )،(المائدة 72 ).

 

2 ـــ إخلاص الدين لله تعالى هو محور الإسلام،فلله تعالى وحده الدين الخالص:( الزمر 3 )،(البينة 5 ) ، والدين له شقان : العبادة ، ويجب أن تكون العبادة خالصة لله تعالى (الزمر 2 ،11،14 ) ، والعقيدة أى الإستغاثة والدعاء وطلب العون فلا يكون إلى بالله تعالى ومن الله تعالى ( الأعراف 29 ) ، ( غافر 14 ، 65 ) .

وفى سورة الفاتحة يؤكد المسلم أن الله تعالى وحده هو الذى نعبده،وهو وحده الذى ندعوه ونستعين به ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ، وهو إيجاز رائع لمعنى الإخلاص .

 

3 ـــ بالإخلاص لله تعالى ينجو المؤمن من مكر إبليس:(الحجر:39-40)(ص: 82 ـ)، وينجو من الوقوع فى المعصية:(يوسف 24)،وفى قصص الأنبياء السابقين نجا من الهلاك من أخلص دينه لله عز وجل،والمخلصون هم فى النهاية أصحاب الجنة :( الصافات: 71-74 ،127-128 ، 38 -43 ).

 

4 ـــ وإخلاص الدين والعقيدة والعبادة هو حالة دائمة مستمرة عند المؤمن صحيح الدين لأنه ينظف قلبه دائما بذكر الله تعالى وحده وبتلاوة القرآن الكريم وتدبره.

ويعرف المشركون الاخلاص لله تعالى عند المصائب فقط،عند الغرق مثلا يفزعون ويدعون الله تعالى مخلصين له الدين ( يونس 22 )(العنكبوت 65 )( لقمان 32 )، حتى فرعون نفسه مر بهذه التجربة فى الوقت الضائع( يونس 90 ـ ).

وليتذكر الإنسان منا نفسه وهو فى موقف عصيب يدعو الله تعالى راجيا باكيا تائبا عندما يشرف على الهلاك من مرض أو غرق أو مصيبة هائلة قاهرة ، عندها يعرف معنى الإخلاص ، هذا هو الإخلاص المؤقت الذى سرعان ما ينساه المشرك بعد زوال المحنة ، والمطلوب أن يتحول إلى إخلاص دائم ومستمر حتى يلقى ربه بقلب سليم .

 

5 ـــ ومن التعبيرات القرآنية عن إخلاص الدين لله تعالى أن يتوجه وجهك لله تعالى وحده ، أو أن تسلم وجهك لله تعالى، وبالتالى فلا يكون هنا شريك فى عقيدتك مع الله تعالى :(الأنعام 79 ) ، (الأعراف 29 )،(آل عمران 20 ).وبذلك يلقى المؤمن ربه يوم القيامة بقلب سليم (الشعراء 88-89 ) .

 

6 ـــ الإخلاص يعنى أن يكون التقديس لله تعالى 100 % ، وبالتالى فإن أى ذرة شرك تحول هذا الإخلاص الى شرك وكفر، ولا يكون القلب سليما عند لقاء الله جل وعلا.

إن الناس تعتقد أنه يكفى أن يعبدوا الله ويكفى أن يؤمنوا به ، وأن يعترفوا بوجوده. هذا ماكان عليه العرب فى الجاهلية،وهو ما عليه المحمديون اليوم على إختلاف أديانهم الأرضية.

ينسون أن المطلوب أن يؤمنوا بالله تعالى وحده إلاها وأن يعبدوه وحده وأن يقدسوه وحده ، وهذا هو معنى الإخلاص ، وبالتالى فلا مجال للتسامح مع أى ذرة شك ، لأنه لا شريك له جل وعلا حين خلق هذا الكون وحين خلق الأنسان ، ولأن من الظلم لرب العزة أن تشرك به أو أن تضيف لمقامه المقدس مخلوقات من خلقه .

لذا فإن التعبير القرآن عن الشرك يجعل أقل من 100% يكون شركا وكفرا ،بمعنى أنه لو أشركت بالله جل وعلا ذرة شرك واحده وحيدة وحافظت عليها حتى الموت فقد حبط عملك وتحتم خلودك فى النار.

7 ـ وقد قالها رب العزة: (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا)(النساء 36 ).

فالأمر هنا (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ) يؤكده النهى (وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا)، والمعنى أن الله تعالى هو الذى شيأ الأشياء أو خلق الأشياء ، ومن جعل أى نسبة من تلك الأشياء المخلوقة شريكا لله تعالى فقد وقع فى الشرك ، يستوى إن كان هذا الشىء ملكا من الملائكة أو نبيا من الأنبياء أو مجرما من أرباب السوابق .

ولذلك لا مجال للتوسط هنا بين الإسلام والكفر ، فإما إخلاص (100% ) لله تعالى وحده وإما كفر وشرك وشراكة مع الله تعالى ولو بنسبة واحد فى المائة .بمعنى آخر فأى شائبة إعتقاد فى شىء مع الله ،أو أن يقل الاخلاص عن درجة (100%) فهو شرك وكفر. بمعنى آخر :إما حق وإما باطل ، ولا وسطية بينهما (يونس 32 ) ، فلا مجال للشركة أو للقسمة على إثنين(النحل 51-52 ) حتى لو كان لأحدهما نسبة 0.1% فقط .لذلك يأتى التحذير للمؤمنين فى حياتهم بتصحيح إيمانهم حتى لا يعيشون مؤمنين حسب الظاهر ، بينما يلقون الله تعالى كافرين خالدين فى النار( النساء 136 ).

أى لا بد أن يفهمواأن الإخلاص يعنى إحتكار الإيمان كله بالله تعالى وحده إلها ،.والكفر أو الشرك يحوى إيمانا بالله تعالى وبغيره.هذا الإيمان المختلط المغشوش الخالى من الإخلاص لا يقبله الله تعالى ويلعن أصحابه( النساء 52،46، 155)(البقرة 88 )(الحاقة 41 )، ومصير صاحبه إلى النار(السجدة 29 ) .

8 ـــ وليس إخلاص الدين لله تعالى مشكلة عسيرة،لأنها إختيار قلبى، فالذى يريد الهداية بإخلاص يجدها فى المتناول،أما الذى يصمم على عقيدته ويتلمس لها الأدلة ويتعسف لها الحجج فتراه يستسهل الوقوع فى الشرك ولا يعتبر ما يعتقده شركا طالما – فى نظره – يؤمن بالله تعالى ...

وعلى العكس ، فلا مجال للتساهل فى عقيدة ( لا إله إلا الله ) بينما يتساهل فيها المحمديون والمشركون، بل يلاحظ أن الله تعالى أباح الأعذار فى العبادات ، فهناك القصر فى الصلاة وأعذار فى الصوم وفى الحج الواجب على المستطيع فقط وأعذار فى الصدقة لمن لا يستطيع وأعذار فى الجهاد، ولكن لا عذر مطلقا لمن يقع فى الشرك والكفر ويظل به دون توبة إلى أن يموت .

نتكلم هنا عن الإرادة القلبية أى القلب المخلص لله تعالى مقابل الذى شرح بالكفر صدره ، فلو إمتلأ قلبك إخلاصا لله تعالى فلا عليك إن إضطررت تحت الإكراه أن ينطق لسانك بما يخالف قلبك. هذا مسموح لك (النحل 106)،

9 ـ لا مجال فى عقيدة الإخلاص لأى اعذار ولا مجال فيها لعذر النية الطيبة .

النية مجالها فى العمل للمؤمن صحيح العقيدة فقط ...فالله تعالى يغفر لمن يخطىء ناسيا ولمن لا يقع فى التعمد ، مثل القسم بالله تعالى(المائدة 89)، وسائر الأعمال :(الأحزاب 5 )(النساء 93 )(المائدة 95 ).

هذا كله يخص عمل المؤمنين صحيحى العقيدة .أما المشرك فقد إنتهى أمره من قبل ،إذ أحبط الله تعالى كل أعماله الصالحة .

10 ـ وفى النهاية فالإخلاص القلبى أوالشرك القلبى هو إختيار ممكن وسهل لكل من أراد ، ولهذا يستسهل الناس إتباع ما وجدوا عليه آباءهم ، كما يسهل على من يريد الهوى أن يهتدى.أى من السهل عليك أن تخلص لله تعالى قلبك ، ومن السهل أيضا أن تجعل محمدا شريكا له فى الشهادة وفى الحج وفى الشفاعة والصلاة ...الخ ، هى عقائد تراود عقل الإنسان وقلبه ، وله حريته فى الاختيار، ولكن هذا الإختيار السهل يترتب عليه الخلود فى الجنة أو النار .

 

ثالثا : تحذير من بذرة الشرك التى تبدأ بتمييز نبى عن غيره من الأنبياء :-

 

1 ــــ قد يقال انه ليس معنى أن نشهد بأن محمدا رسول الله أننا نقع فى الشرك ، لأننا لسنا مثل الآخرين فلا نقول مثلهم شفاعة النبى ولا نقول مثلهم أشرف المرسلين ، أو سيد المرسلين ولا نحج إلى قبره .... الخ .

وفى الرد نقول :

هنا بذرة الشرك وبدايته،وسبق التأكيد على أن 1% نقص فى الإخلاص يعنى الشرك .

وبذرة الشرك تبدأ بإبتداع شىء فى الدين ليس فى كتاب الله ويخالف كتاب الله . فلم يقل رب العزة فى شهادة الإسلام ( شهادة الله أنه لا إله إلا هو وأن محمدا رسول الله ) بل أن لفظ محمد فى القرآن الكريم جاء فى 4 مرات كلا منها يؤكد على بشريته ، منها أنه مجرد رسول الله ، قد خلت من قبله الرسل (آل عمران 144 ) وأنه رسول الله وخاتم النبيين ولن يبلغ أحد أبنائه مبلغ الرجال(الأحزاب 40 )، والإيمان بما نزل على محمد ( محمد 2 )أى ليس بمحمد نفسه،وجاءت آية أخرى بالصفات الظاهرية للصحابة الذين حوله، وأن منهم من سيدخل الجنة (الفتح 29 )،أى بعضهم وليس كلهم ...

الأخطر هنا أن تميزه بذكره فى الشهادة مع الله هو تفريق واضح بين الرسل وتفضيل له عليهم ، وهذا منهى عنه،أى أنه ليس فقط إبتداعا فى الدين بل هو عصيان صريح لأمر الله جل وعلا .

ومع انه سبق التوضيح فى مقال ( لا نفرق بين أحد من رسله ) أن التفريق موصوف بالكفر الحقيقى فى القرآن الكريم ، إلا أننا هنا نعيد التأكيد على الآتى :-

الضمان الوحيد لعدم التفريق بين الرسل هو – كما أكد رب العزة – أن يكون الإيمان بما أنزل الله تعالى عليهم ، وليس الإيمان بأشخاصهم .

لأن التفريق بين الرسل قضية عقيدية حساسة لا مجال فيها للتوسط ، أى أن 1% فيها وقوع فى الشرك ، أى لا مجال للمناورة والتلاعب بالآيات الكريمة ، لأن ذلك يتعدى مرحلة الضلال إلى مرحلة أحط وهى الإضلال .

لأن التفريق بين الرسل قضية عقيدية فالأمر فيها بالسمع والطاعة،وإلاّ فهو عصيان للرحمن .

لأنها قضية عقيدية مرتبطة بإخلاص الدين لله تعالى وحده فلا مجال لأى منفذ يفتح الباب أمام شخصنة الإسلام بتقديس شخص محمد ،وهى اللبنة الأولى التى يتمدد ويتعمق على أساسهاالشرك كما يحدث الأن عند المحمديين من سنة وشيعة وصوفية .

ولأنها قضية إخلاص فى العقيدة فلا مجال لشخص النبى – أى نبى – فيها ، حيث أن حساسية وضع النبى بالذات تكون قاتلة لإخلاص العقيدة لله تعالى إذا تم تمييز نبى من الأنبياء على غيره بالمخالفة لأوامر الله تعالى ، فذلك هو السبيل لتأليه النبى مع الله جل وعلا .

القول بأننا نقول الشهادتين فقط دون الوقوع فى بقية معالم الشرك – يعنى أن القائل بهذا قد تخلص من أغلب ما توارثه من عقائد الشرك ، ولكن لا يزال محتفظا بقاعدة الشرك الأساسى،وهى جعل محمد شريكا لله تعالى فى شهادة الإسلام،أى لايزال أمامه وقت ليصل إلى الاخلاص التام فى العقيدة.نرجو الله تعالى له ولنا الهداية ..

ونعيد التأكيد على أنه فى عدم التفريق بين الرسل يأتى الإيمان بالله تعالى مقترنا بالإيمان بما نزل على الرسول،وتأتى إضافة الملائكة والكتب والرسل بضمير يعود على الله، كأدوات لله جل وعلا فى تبليغ الرسالة ، وليس ككيانات مستقلة ينبغى الإيمان بها إيمانا مستقلا،لأنها لو كانت كيانات مستقله لأصبحت آلهه مع الله. مع التأكيد على أن النبى محمد هو أول المأمورين بهذا الإيمان ، ولنقرأ بتمعن قوله جل وعلا: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ: البقرة 285 ) ،

وبسبب عدم التوسط فالقضية هنا هى إما إيمان حقيقى وإما كفر حقيقى بلا توسط بينهما، فالمؤمنون يقولون(سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) يقابلهم الكافرون الذين يتمسكون ـ حتى الموت ـ بالتفريق بين الرسل. والموقفان المتناقضان للفريقين كلا منهما يشرح الأخر بمنهج المخالفة،أى مخالفة كلا منهما للاخر بوجود كل منهما فى معسكر يناقض الأخر،أى تلمح فى معسكر الإيمان أنه ضد التفريق بين الرسل ، ويأتى شرح التفريق بين الرسل فى توضيح صفات الكفار مع وصفهم بالكفر الحقيقى. ونسترجع الآية الكريمة ...

معسكر الإيمان الحقيقى وصفاته يحملون لواء (لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ) الذى أكّده رب العزة أكثر من مرة فى القرآن الكريم (البقرة 136 ،285 )،( آل عمران 84 )، (النساء 152 ). يقابل هذا معسكر الكفر الحقيقى الذى وصفه الله تعالى (النساء 150-151 ).ومنه نعرف أن التفريق بين الرسل هو كفر بالله لأنه إرتفع بشخص أحد الرسل فوق مستوى الرسل الأخرين ، أى رفعه إى مستوى الشريك مع الله تعالى ولو بنسبة 1% .

والتفريق بين الرسل هو كفر بالرسل ، أى كفر بكل الرسالات السماوية التى نزلت فى تأكيد أنه لا إله إلا الله .

وهو تفريق بين الله ورسله إذ يحدث إضطرابا فى قضية الإيمان ، ففى الإيمان الحق يتحدد الإيمان بالله تعالى إلها لا إله غيره ولا إله معه ، ويتحدد بالإيمان بما أنزل على الرسل مؤكدا أنه لا له إلا الله . ولكن عند تمييز رسول معين والتفريق بينه وبين الرسل يرتبك الوضع الإيمانى هنا ، إذا زاد الإيمان برسول على بقية الرسل ، ودخلت شخصية الرسول البشرية عنصرا فى الإيمان ، وتميز بهذا عن بقية الرسل مما يعد كفرا بالرسالات التى جاءوا بها،وفى نفس الوقت فإن هذا الإيمان الزائد بأحد الرسل قد تم إقتطاعه من الإيمان بالله تعالى ، وأعطوا ذلك الرسول تقديسا من التقديس المفروض فيه أن يكون لله تعالى وحده، وبذلك يتناقص الأيمان بالله تعالى من 100% ،والجزء المقتطع منه يضاف لشخص الرسول مما يعد كفرا بالله ، وهنا يحدث الإرتباك فى قضية الإيمان ، فيتحول إلى كفر ، أو على حد قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً)( النساء 150 ) . ولذلك حكم الله تعالى بأن ذلك هو الكفر الحقيقى ، ومصير من يموت عليه هو العذاب المهين (أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا)(النساء 151 )

ولنتأمل قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) (النساء 150 ) أى أنهم يتخذون ذلك سبيلا إلى توسيع وتعميق قاعدة الشرك،يبدأ التفريق بالتأليه لشخص الرسول ثم تعميق صفاته الإلهية ، ثم إضافة آلهة أخرى معه، أى يبدأ قاعدة الشرك بــ 1% شركا تستقطعه من الإخلاص الواجب لله تعالى ن فيكون الإيمان شركة بين الله والنبى ، يجعلون لله 99% وللنبى 1% ، ثم لا يلبث أن يتعمق الشرك كما هو حادث الأن إلى 99% للنبى والأئمة والأولياء والشيوخ وآل البيت والصحابة والتابعين ... وأقل من 1% لله تعالى ، وكل ذلك ينبع من القاعدة الضئيلة (1%) ، أى جعل شهادة الإسلام الواحدة شهادتين والتفريق بين الرسل وتفضيل محمد عليهم .

وهم يتخذون إلى ذلك سبيلا أيضا بإختلاق الأدلة بالتلاعب بآيات القرآن الكريم ومصطلحاته وبإختراع الأحاديث ونسبتها إلى خاتم المرسلين،وإضافة شهادة ثانية إلى شهادة الإسلام يحتلها محمد إلى جانب رب العزة ، مع أنه لم تأت شهادة فى عقائد الإسلام فى القرآن الكريم إلا فيما يخص رب العزة والقرآن الكريم .

وهو يتخذون إلى ذلك سبيلا بإتهام من يقول الحق بأنه يعادى خاتم المرسلين محمدا عليه السلام ،مع أننا أكثر الناس حبا له لأننا نبرئه من تلك الأكاذيب ولأننا نتمسل بما كان يتمسك به عليه السلام ونقتدى به فى جهاده فى سبيل :( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ).

 

رابعا :- ويحسبون أنهم مهتدون .

 

1 ـــ إذا تحكم الشيطان فى قلب الإنسان فإنه يجعله يرى الحق باطلا والباطل حقا،ويجعله يحسب أنه على الهدى:(الأعراف 30)(النحل 63)(الأنعام 122 ) (فاطر 8 ) ووظيفته أن يزين للمشرك سوء عمله .

 

2 ـــ وأبناء إبليس وذريته يقترن كل واحد منهم بكل فرد مشرك يزيده ضلالا ، ويزين له سوء عمله حتى يحسب أنه على الهدى (الزخرف 37 )، (فصلت 25 ).ويصيبه بالعمى العقلى عن ذكر الله تعالى . يخدعه القرين الأبليسى بأن لا شىء عليه إذا ذكر الأولياء المقدسين والأنبياء مع الله تعالى، ويتحكم فيه فيجعله يرفض ذكر الله وحده وتعظيمه وحده(الزمر45 )(الإسراء 46 )،ويوم القيامة سيتبرأ منه ذلك القرين ويتبرأ هو من ذلك القرين (ق 23-27 ) . والنجاة من هذا القرين الشيطانى هى قراءة وسماع وتدبرالقرآن الكريم وفيه ذكر الله تعالى.

 

3 ـــ وترى مظاهر هذا الخداع من مظاهر الشرك فى الدنيا ....

فالمشرك العابد للأولياء وقبورهم المقدسة يعتقد أنهم واسطة تقربهم من الله تعالى وأنه لا بأس بهذا ، دون أن يعلم أنه أضاع إخلاصه لربه بما يفعل ( الزمر 1-4 )، وهذا العابد للقبور المقدسة يحسب أنه على الهدى وأنه يحسن صنعا ،(الكهف 102-104) وهو يعتقد أن شفاعة البشر ستنجيه مهما فعل من معاصى وآثام ، ولذلك ستكون مفاجأة قاسية له يوم القيامة حين يرى من الله تعالى ما لم يكن يحتسب (الزمر 47-48 ).

 

4 ــــ ويبدو تعمق هذا الخداع، حين تعرف من القرآن الكريم أن المشرك يموت معتقدا أنه على الحق ويظل منخدعا بهذا حتى يوم الحساب ،إذ يحاور رب العزة مصمما أنه لم يكن مشركا (الأنعام 21-24 ) ويزول عنهم الخداع حين يرون أنفسهم على وشك الإلقاء فى النار ، عندها يتمنون فرصةأخرى بلا جدوى (الأنعام 27 -30 ).

فهل ننتظر هذا المصير ؟!! أم نبادر قبل الموت بتصحيح عقائدنا وعدم الإصرار على الباطل ؟.

ختاما .

1 ـ نحن نحترم حق كل إنسان فيما يختاره من عقيده ويصمم عليها ، وطالما يصمم على عقيدته فلا شأن له بهذا المقال ، هذا المقال موجه لمن يريد معرفة الحق ، ولمن أفلح فى تطهير جزء كبير من عقيدته، نقول له بدافع الحب له والحرص على مستقبله يوم القيامه أن يعيد التفكير طالبا من الله تعالى الهداية بإخلاص ، لأن مشكلة الشرك الكبرى تكمن فى خداع الناس اى يظل صاحب الضلال المؤقت مقتنعا أنه على حق ، ويحسب أنه يحسن صنعا ويحسب أنه مهتدى ، ويظل هكذا يخدع نفسه دون أن يشعر إلى وقت الإحتضار حيث لا تجدى التوبة ...

 

2 ـ ندعو الله تعالى ألا نكون ممن قال فيهم رب العزة (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ البقرة 8-9 ) .

ندعو الله تعالى ألا نكون ممن إذا قيل لهم (إنه الله) فيردون (إنه محمد).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

المقال الخامس:

لم يفهم، ولن يفهم.. لماذا؟

 

 

مقدمة :

1 ـ أختم بهذا المقال سلسلة مقالات (التفريق بين الرسل والتفضيل بينهم ، وشهادة الاسلام الواحدة). وكنت أريد أن يقول المقال السابق (إنه الله جل وعلا ..ايها الناس) هو خاتم المقالات ، ولكن تعليقا إستفزنى فكتبت هذا المقال للرد النهائى عليه وعلى صاحبه ،أو من كتبه لصاحبه .

 

2 ـ أنقل التعليق بأكمله ثم أرد عليه :

 

أولا :

يقول التعليق :

 

ما هو تفسيركم للآية التالية:ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما انزل اليه ما اتخذوهم اولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون . المائدة 81 لاحظ الكلام كان موجها لليهود في عصر النبي. الآية تطالبهم بالأيمان بالله و"النبي" وما أنزل اليه أي "الرسالة".آية واضحة تعني ان تؤمن بالله تعالى الها واحد, وبالنبي محمد رسولا لله, وبما أنزل اليه أي القرآن .وللآية التالية:انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله واذا كانوا معه على امر جامع لم يذهبوا حتى يستاذنوه ان الذين يستاذنونك اولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فاذا استاذنوك لبعض شانهم فاذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله ان الله غفور رحيم من الواضح أن "ورسوله" هنا معناها النبي محمد, ودليل ذلك هو سياق الأستئذان الذي حصل زمن النبي.لاحظ "أنما" وهي أداة قصر.وللآية التالية: قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا الذي له ملك السماوات والارض لا اله الا هو يحيي ويميت فامنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون الآية صريحة في أننا علينا أن نؤمن بالله وأن نؤمن برسوله النبي الأمي, وأننا علينا أن نتبع الرسول أي النبي الأمي.وللآية التالية:كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم وشهدوا ان الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين لاحظ "وشهدوا أن الرسول حق". ومن الواضح ان الرسول هنا هو ليس "القرآن" وأنما الرسول شخصيا. أي شهدوا بأنه رسول من الله عز وجل مبلغا لرسالنه اليهم, هذا هو المقصود على حد علمي البسيط.

كيف تفسر الآية التالية:ِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)لاحظ التعقيب "أتخدوا أيمانهم جنه".هذا الآية تدل بصورة صريحة على أن المسلمين كانوا على زمن الرسول يشهدون بالشهادتين, والا فما الذي دفع المنافقين لأن يشهدوا لمحمد بالرسالة اذا كان ذلك ليس ضروريا لدخول الأسلام آنذاك, وأذا لم تكن هناك شهادتين فكيف تفسر "أتخذوا أيمانهم جنة" , الآية بالنسبة لعلمي البسيط واضح فهم قد أسدلوا الستار على أيمانهم الحقيقي بالأشراك بأن أضهروا ماكان يعتبر مضهرا للأيمان آنذاك, وهو الشهادة للرسول بالرسالة.

 

الفكرة الأساسية من مقالكم هي فكرة عظيمة, لكن اللهجة لاتتفق مع لهجة القرآن. لو فرضنا صحة التشدد الموجود في مقالكم, لما قال الله هذه الآيات اعلاه, بل لأتهمنا القرآن بأضلال المسلمين وبتوجيههم بأتجاه آخر تماما يؤدي بهم الى الخلود في النار.بالأضافة هناك أساليب غير صحيح في المقالة.لاحظ قولكم: ـــ سبق أن أكدنا أن عمل الصالحات وحده لا يكفى فلابد أن يصدر عن عقيدة لا مجال فيها لتقديس المخلوقات ، أى لا تقديس ولا عبادة ولا دعاء إلا لله تعالى وحده ، وسبق التأكيد على أن مصير المشرك أن يحبط الله عمله الطيب فيكون مصيره الخلود فى النار ( النساء 48 ،116 )،(المائدة 72 ). ماذا تقصد ب"أكدنا", هذا الأسلوب خاطي, لأنه يعطي أنطباع بأنكم تعرف بالضبط ما سيحصل يوم القيامة, وحتى لوفرضنا ذلك لايجوز أن تقول "أكدنا" , لك أن تقول بأن هناك آيات في القرآن تشدد على كذا وكذا, ولكن ليس لك أن تقول "أكدنا" وكأنك أنت من يقرر مصير هؤلاء وليس رب العزة.

لهجة المقال متطرفة وشديدة ولا تتناسب مع لهجة القرآن الرحيمة الرؤوفة بالناس.ثم ماذا تقصد بنسبة الأشراك, وغيرها من المصطلحات وكأن هناك "شرك خفي" أو شرك في اللاوعي. الأشراك دائما شيء واضح, والمشرك يعلم قطعا بأنه مشرك, لايوجد أشراك خفي أو نسبة أشراك واحد بالمائة ومن هذا القبيل. أن الله لايحاسب على شيء لايعلمة الأنسان. أنت تتكلم عن شيء مثل الشرك خطئا, ولأ أدري ان كان هناك شيء من هذا القبيل عند الله.

 

ثانيا :

 

1 ـ فى نهاية مقالى السابق ( إنه الله جل وعلا ..ايها الناس ) قلت : ( ختاما .

نحن نحترم حق كل إنسان فيما يختاره من عقيده ويصمم عليها ، وطالما يصمم على عقيدته فلا شأن له بهذا المقال ، هذا المقال موجه لمن يريد معرفة الحق ، ولمن أفلح فى تطهير جزء كبير من عقيدته، نقول له بدافع الحب له والحرص على مستقبله يوم القيامه أن يعيد التفكير طالبا من الله تعالى الهداية بإخلاص ، لأن مشكلة الشرك الكبرى تكمن فى خداع الناس اى يظل صاحب الضلال المؤقت مقتنعا أنه على حق ، ويحسب أنه يحسن صنعا ويحسب أنه مهتدى ، ويظل هكذا يخدع نفسه دون أن يشعر إلى وقت الإحتضار حيث لا تجدى التوبة ... )

 

إى إن صاحب التعليق طالما يصمم على عقيدته فنحن نحترم حريته العقيدية ، وليس مدعوا للتعليق هنا لأن المقال لا يخاطبه ولاشأن له به . ولكن صاحبنا أقحم نفسه فيما لاشأن له به .

 

2 ـ الاعتراضات التى جاء بها سبق التعرض لها بما يؤكد انه لم يقرأ ما كتبته ،أو إنه قرأ ولم يفهم ، أو لم يرد أن يفهم .وعلى سبيل المثال :

 

كتبت اكثر من مرة أنه ليس فى الاسلام إيمان بشخص ، ولكن الايمان بالوحى الذى يصير به هذا الشخص رسولا ، وكتبت مئات المرات أصف محمدا بانه خاتم المرسلين وخاتم الأنبياء . والمعنى إن الايمان هو بالوحى الذى صار به محمد نبيا ورسولا ، وليس بشخص محمد .

وأرجو من بعض أهل القرآن أن يحسب كم مرة كررت هذا .

وبالتالى فكلامه هنا عن الايمان بالأنبياء يقطع بأنه إما لم يقرأ وإما لم يفهم . وأعيد وأكرروأؤكد هنا للمرة الألف إنه ليس فى الاسلام مطلقا الايمان بشخص ،لأن الايمان بشخص هو تاليه لهذا الشخص ، ولهذا صار المسلمون (محمديين ) لأنهم آمنوا بشخص محمد وسيرة محمد وشفاعة محمد و معجزات محمد وكل الخرافات الى صنعوها حول محمد .

ثم بعدها إفترقوا الى عدة أديان أرضية ، منهم سنييون يقدسون ويؤلهون أشخاصا آخرين بجانب محمد مثل الخلفاء الراشدين الأربعة وأئمة المذاهب الفقهية الأربعة والبخارى ومسلم وابن تيمية وابن عبد الوهاب وابن فلان وابن فلان .. بينما أصحاب الدين الشيعى الأرضى فيؤلهون عليا بن أبى طالب و الحسن والحسين وعلى زين العابدين وجعفر الصادق وعلى الرضا ،والسيدة فاطمة و السيدة زينب ..ووو . ثم أهل الدين الصوفى فبالاضافة الى الآلهة السابقين فلديهم آلهتهم الخاصة من أشخاص أمثال الجيلانى والرفاعى و البدوى و الشاذلى و المرسى و الدسوقى و الجنيد و الغزالى و ووو.

أى بدأ التقديس بشخص واحد ثم إتسع وتعمق .

وهذا هو الفارق بين الاسلام والمحمديين على اختلاف أديانهم الأرضية .

ليس فى الاسلام إيمان بشخص وإنما بالوحى الذى صار به هذا الشخص نبيا ورسولا. أيمان بالنبى والرسول وليس بالشخص نفسه.

لو كررت هذا الكلام ألف مرة أخرى فلن يفهم صاحبنا.

 

* ومن المضحك أن استدللت بآيات ( سورة المنافقون ) من قبل فى مقالة ( شهادة الاسلام واحدة فقط هى لا اله إلا الله ) ، وقلت فى المقال بعد شرح سابق : (ومما سبق نفهم قوله جل وعلا عن المنافقين : ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ( المنافقون 1: 2 ). فقد حرص المنافقون على المجىء للنبى ليشهدوا أمامه ـ كذبا وخداعا ـ قائلين له (إنك لرسول الله ) ويأتى الرد بأن الله تعالى يعلم بأنه رسول الله ، ولكن يشهد الله جل وعلا بأن المنافقين كاذبين فى شهادتهم لأنها لا تعبر عن حقيقة ما فى قلوبهم من تكذيب للرسول وكفر بالقرآن الكريم وعداء للاسلام.

المنافق هو الذى يحتاج الى إشهار إيمانه رهبة أو رغبة ، وهكذا كان يفعلون فى حياة النبى محمد يشهدون له بأنه رسول الله ، وكان القرآن الكريم ينزل يخبر بما فى قلوبهم ، داعيا أحيانا الى أن يتدبروا القرآن الكريم . )

صاحبنا لم يقرأ ،أو لم يفهم ، ولو كررت هذا الكلام ألف مرة فلن يفهم صاحبنا .

 

* ومنهج الكتابة فى الدعوة يسمح بالاعادة و التكرار و التأكيد ، ليس فقط لأن الدعوة تحتاج الى هذا ولكن أيضا لأن الباحث يضطر الى التذكير بقضية جرى التعرض لها بالتفصيل من قبل ولكن يحتاج الى الاشارة اليها فى مقال آخر فى نفس السلسلة ، لذا يعيد التذكير و التاكيد على ما قاله من قبل ليبنى عليه المقال الجديد . هذه ضرورة علمية منهجية فى الكتابة البحثية الدعوية .

وهى أيضا ضرورة عقدية إيمانية للباحث المؤمن بما يقول . فإذا كان رب العزة يؤكد فى القرآن الكريم أن المشركين هم أصحاب النار وأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم اصحاب الجنة فإن المؤمن بالقرآن الكريم لا بد أن يؤكد هذه الحقيقة لأنه يؤمن بها . وليس تاكيده هنا تدخلا فى علم الله جل وعلا ، لأنه ـأى الباحث ـ لا يتكلم عن شخص بذاته ولكن عن صفات من الايمان والكفر و عمل الصالحات وعمل السيئات ، وهو يكرر وينقل ما قاله رب العزة .

وسبق ان قلنا مرات كثيرة إننا لاشأن لنا بالأشخاص ولكن بالصفات التى ذكرها القرآن الكريم .

ومع أنها قضية معروفة ومفهومة ، فإن صاحبنا يلوم علينا ذلك التاكيد.

صاحبنا لم يقرأ ،أو لم يفهم ، ولو كررت هذا الكلام ألف مرة فلن يفهم صاحبنا .

 

ثالثا :

ولكن لماذا لم يفهم ولن يفهم صاحبنا ؟

الاجابة فى القصة التالية :

عندما نشرت كتابى الأول ( السيد البدوى بين الحقية والخرافة ) عام 1982 أحدث دويا هائلا بين الدوائر الصوفية التى تقدس السيد البدوى منذ موته من اكثر من سبعة قرون ، وتقيم له مولدا حافلا رسميا وشعبيا كل عام . فى كتابى أثبتّ بالأدلة أن السيد البدوى كان متآمرا شيعيا تخفى بالتصوف وتزعم حركة لقلب نظام الحكم الأيوبى فى مصر وإعادة الدولة الفاطمية الشيعية ، فلما فشل اضطر لانتحال التصوف الى النهاية لينقذ حياته من عتاة الدولة المملوكية الجديدة التى قامت على أنقاض الدولة الأيوبية .

وسننشر هذا الكتاب فى موقعنا بعونه جل وعلا.

لم يجد الصوفية وقت ظهور الكتاب وسيلة للرد عليه سوى الاشاعات . أشاعوا أن السيد البدوى انتقم منى بكراماته فأعمى عينى .

جاء بعضهم يؤكد لى أن السيد البدوى قد أعمى عينى ، فقلت له : ربما أكون الباحث الوحيد الذى لا يرتدى نظارة طبية ( ولا أزال بحمده جل وعلا ) ألاترى حمق هذه الاشاعة ؟

فكان رد صاحبنا أن كرّر نفس المقولة أن السيد البدوى قد أعمانى.

قلت له : لم يحدث وأنظر لى .!! فكرر نفس الكلام .

عندها تذكرت قوله جل وعلا عن المشركين الذين يسيطر الشيطان على قلوبهم (وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ)( الأعراف 198) .

هى نفس حالة صاحبنا ، نرجو له الشفاء .

 

أخيرا :

1 ـ أما وصفه المقال بأنه متطرف فهذا يحتاج الى رد منفصل . ليس ردا عليه ولكن لاثبات حقيقة هى أن عقيدة الاسلام ( لا اله إلا الله ) متطرفة فعلا ، ولكنه تطرف محمود معقول ميسور. وأن عقيدة الشرك فعلا معتدلة ولكنه إعتدال مذموم ووضيع ومنحطّ وعسير .

 

2 ـ انتظرونا فى المقال القادم بعونه جل وعلا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

المقال السادس:

التطرف المحمود فى العقيدة الاسلامية

والاعتدال المذموم فى الأديان المحمدية:

 

 

مقدمة عن مفهوم التطرف:

 

1 ـ التطرف مصطلح جديد لم يرد فى القرآن الكريم ، وجىء به حديثا ليدل على الوهابية السنية التى استرجعت ثقافة العصور الوسطى الدينية التى كان يتبعها المسلمون خصوصا أتباع الدين السنى الأرضى منهم.

الدولة السعودية بدينها الوهابى هى التى نشرت ( التعصب ) و( التزمت ) و ( التطرف ) باسم الاسلام ، وسرعان ما يتحول التطرف الى ارهاب ، والارهاب هو الاخر مصطلح جديد ، يدل على تلك الاعتداءات الدنيئة على المدنيين .

2 ـ يمكن أن نضع مفهوما لغويا للتطرف ماخوذ من أصله اللغوى ،أى الوصول الى نهاية طرف الشىء . أى الى 100 % منه .

3 ـ تطبيق ذلك على الاخلاق أمر شنيع لأن الشائع أن الأخلاق الفاضلة تقع فى الوسط بين شيئين متناقضين ، كلاهما متطرف ، فالكرم وسط بين البخل والاسراف ، و الشجاعة وسط بين الجبن و التهور . أى إن التطرف فى مجال السلوك يخالف الأخلاق الحميدة لأن الاعتدال هو معيار الفضائل.

4 ـ هذا صحيح اسلاميا فيما يخص الأخلاق والعبادات فقط .

فالتوسط أساس فى الانفاق فى سبيل الله ، وفى الانفاق عموما (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) (الفرقان 67 ).

والاسراف مذموم ومنهى عنه فى التعامل مع المال فى الصدقات وفى الانفاق العادى (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا )( وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) ( الاسراء 26 : 27 ، 29 ).

والاسراف مذموم فى كل الأحوال (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )( الأعراف 31 ) .

وسبق التعرض للبخل كأحد مظاهر الكفر السلوكى . فالاسراف والبخل من مظاهر الكفر ،أما الاسلام فهو التوسط والاعتدال بينهما .

ولهذا فالاسلام يجعل المسلمين أمة وسطا ( البقرة 143 ) فى تعاملهم مع الناس ، وفى المقابل تأتى صفتا الاسراف والبخل من ملامح الكفر السلوكى ،أى تاتى كلتاهما مرادفا لمصطلح التطرف فى عصرنا .

ولهذا ايضا يقوم دين الاسلام على اليسر والتخفيف ورفع الحرج فيما يخص العبادات وفى التعامل مع البشر ، كما لا يؤاخذ الله تعالى المؤمن عند الخطأ و النسيان والاكراه وعدم التعمد.

5 ـ ولكن كل ذلك لاشأن له بعقيدة الاسلام (لا اله إلا الله )

هنا لا مجال للاعتدال ، بل بتعبيرعصرنا : تقوم عقيدة الاسلام ( لا اله إلا الله ) على التطرف،ولكن فى هذا التطرف ينبع احترام العقل وسموالخلق والتيسير فى الدين ، بينما يعنى الاعتدال في العقيدة الوقوع فى الشرك ، ويتأسس عليه انحطاط عقلى وخلقى ومشقة وتعسير فى الدين .

هذا يستلزم شرحا ..

أهلا بكم معنا ..

أولا ـ (التطرف) فى عقيدة (لا اله إلا الله ) و(الاعتدال) فى عقيدة (الشرك )

 

1 ـ قلنا أن التطرف هو الوصول الى أقصى الطرف ، أى الوصول الى 100 % منه بحيث لا يوجد شىء الى جانبه .

2 ـ وهذا بالضبط معنى الاخلاص فى العقيدة على نحو ما سبق شرحه فى المقال السابق ( إنه الله عز وجل ..ايها الناس ) فالاخلاص فى العقيدة لله تعالى رب العالمين يعنى أن تكون الألوهية قصرا على رب العزة بدرجة 100% .

وهذا ما يأتى التعبير عنه بأسلوب القصر فيما يخص عقيدة ( لا اله إلا الله ) وفيما يخص تحديد دور النبى/ الرسول ، وبشريته بما لا يتخطى حدوده البشرية و تبليغه الرسالة . وسبق التوسع فى هذه النقطة فى المقال الثانى من سلسلة (إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله )

فى هذا (التطرف العقيدى ) فى ( لا إله إلا الله ) يكمن السمو العقلى والعقلى والتيسير.

 

3 ـ الاعتدال فى العقيدة يعنى السماح بالاعتقاد فى شركاء مع الله تعالى فلا تكون الالوهية والتقديس قصرا عليه وحده بنسبة مائة فى المائة بل بنسبة أقل ، بحيث يسمح ويتسع المجال العقيدى (المعتدل) لاضافة تقديس المخلوقات الى جانب الخالق ، وبذلك تشتهر الأديان الأرضية بتقديس الأنبياء وأصحابهم وحوارييهم والأئمة والأولياء والشيوخ والقديسيين والأحبار والرهبان ..الخ ..

4 ـ فى هذا الاعتدال ( العقيدى ) يكمن كل ما يحط بالانسان ويصل به الى أقل درجة من الحيوان : ( الأعراف 175 : 177) ( الفرقان 43 : 44 ).

 

ثانيا : السمو العقلى فى قصر الالوهية على الله تعالى وحده :

بالعقل المجرد البسيط فلا يوجد لنا من خالق إلا الله ،إذن ليس لنا من اله إلا الله جل وعلا . التسليم بهذا احترام للعقل ، وعدم التسليم به انحطاط بالعقل .

ونسترجع بعض الملامح القرآنية فى الاحتجاج العقلى بموضوع الخلق دليلا على أنه لا يستحق أن يكون الاها للمخلوقا سوى الله الخالق جل وعلا.

1 ـ يأتى الموضوع باسلوب القصر ، فكما إنه لا خالق إلا الله إذن فلا إله إلا الله ، يقول جل وعلا :

(هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ) ( فاطر 3 )

2 ـ التاكيد على أن تلك الآلهة المزعومة مخلوقة مثل من يعبدها من حمقى البشر ، بل ميتة لا تشعر بموعد بعثها ، كقوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) (النحل 20 : 21 )

3 ـ تحدى الحمقى من البشر الذين يعبدون ويقدسون تلك المخلوقات أن تستطيع آلهتهم المزعومة المخلوقة أن تخلق شيئا : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ) ( فاطر 40). (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ) ( الاحقاف 4 )

والتأكيد على عجزهم عن خلق ذبابة حتى لو اجتمعوا على ذلك ،بل لو سلبتهم الذبابة شيئا فلن يستطيعوا إنقاذه منها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) ( الحج 73 : 74 )

4 ـ المقارنة بين الخالق جل وعلا وتلك الآلهة المزعومة المخلوقة : (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) ( النحل 17 )

5 ـ ولنترك للقارىء العزيز أن يضع عنوانا لقوله جل وعلا :(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لّا يُوقِنُونَ ) (الطور 35 : 36 ) (أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (الرعد 16 )

6 ـ هى اسئلة بسيطة ومباشرة تخاطب العقل ، وتسمو به فى نفس الوقت ، وحين يكون الذى يوجّه هذه الأسئلة للعقل البشرى هو الله جلا وعلا ففى هذا احترام للعقل البشرى وتقدير له يأتى من خالقه جل وعلا.

وهى فى نفس الوقت أسئلة صعبة وعسيرة على من أهمل عقله وانحط به الى مستوى اللاعقل ، بدليل أن أكثرية البشر يقدسون البشر والحجر ، وبدليل أن أئمة المحمديين وقادتهم فى الدنيا والدين (الأرضى ) يقدسون البشر من ( محمد ) الى غيره ،ويتبركون بأحجار القبوروالأوثان ، ومنها ذلك القبر الوثن المنسوب لمحمد الى أى قبر فى قرية نائية فى بلاد ( المسلمين ) .

ثالثا : الانحطاط العقلى فى الاعتدال العقيدى للمشركين الكافرين :

1 ـ فى عبادة غير الله والاستغاثة بغير الله يتجلى الانحطاط العقلى بكل سوءاته وسيئاته .

2 ـ لنفترض أن ذلك المخلوق المعبود لا يزال حيا يسعى ، كما يقدس الصوفية أولياءهم ، وكما يقدس الشيعة فلانا الذى هو بزعمهم ( آية الله روح الله )،أو كما يقدس السنيون أئمتهم من الشعراوى سابقا الى القرضاوى حاليا .

هذا المخلوق الحى ( المقدس ) عند أتباعه لا شك أن له جسدا ، وهذا الجسد يحتاج الى طعام ، وهذا الطعام يحتاج الى سعى للحصول عليه ، ويحتاج الى هضم ثم الى إخراج . وهو فى كل تلك الحالات فى أمسّ الافتقار الى الله جل وعلا خالقه . (الطعام ) فارق أساس بين الخالق جل وعلا وحده والمخلوق . فالله جل وعلا هو الذى (يطعم المخلوقات ) وهو جل وعلا لا يطعمه أحد، يقول جل وعلا : (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ ) ( الأنعام 14 ). لذا فكل المخلوقات مفتقرة له وهو الغنى عن العالمين ، لأنه جل وعلا هو وحده ( الصمد ).

ولأن التقديس فى الشرك والكفر يبدأ بتقديس النبى فقد جاء التأكيد على أن أنبياء الله ورسله هم رجال مثل بقية البشر ، وأنهم ليسوا خالدين ، وأنهم يأكلون الطعام وما يعنيه أكل الطعام من نقص بشرى واحتياج للخالق جل وعلا ، يقول تعالى عن الأنبياء والرسل :(وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ) ( الأنبياء 7 : 8 ). وابراهيم عليه السلام خاطب ربه جل وعلا فقال (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) ( الشعراء 78 : 79 ). وفى الرد على من يعبد المسيح وأمه عليهما السلام قال جل وعلا يذكّر ببشريتهما واحتياجهما للطعام حين كانا احياء:(مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) ( المائدة 75 )

ولأن عالم الغيب و الشهادة جل وعلا كان يعرف مقدما أنه سيأتى وقت يقدّس فيه المحمديون محمدا بمثل ما يقدس به المسيحيون المسيح فقد جاء التاكيد فى سورة مكية على احتياج محمد خاتم المرسلين للطعام وسعيه للحصول عليه شأن الأنبياء السابقين، إذ كان خاتم المرسلين يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق فتندر عليه المشركون : (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ) وجاء الرد من الله جل وعلا ، ومنه قول الرحمن :( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ)(الفرقان7 ، 20 ).

الان تخيل جسد النبى البشرى مثل جسدك بأجهزته التناسلية والحيوية من إخراج بول وبراز ، وتخيل العمليات الحيوية التى يقوم بها هذا الجسد للنبى ولك ، ومنها العملية الجنسية ، فالأنبياء مثلى ومثلك كانوا يتزوجون ويتناسلون ، وينامون مع نسائهم كما تفعل سيادتك ، والله جل وعلا يقول عنهم فى هذه النقطة بالذات:(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً )(الرعد 38 ) أى كان لهم زوجات ، وأنجبوا منهن ذرية ، وتلك حقائق عقلية بسيطة ومباشرة ، ويمكن أن تتخيل كيف ينجب النبى من زوجته بنفس اللقاء الجنسى ( الحيوانى ) الذى تنجب به أنت وينجب به كبار المجرمين وعتاة الظالمين . هو نفس الجسد،وهى نفس الشهوة العاصفة الجسدية الحسية التى ينسى فيها ابن آدم عقله واحترامه لنفسه ، وكلنا نفس البشر ، فكيف يكون هناك تقديس لهذا الجسد وتأليه له على الأجساد الأخرى وهى من نفس الطينة ؟

ثم الأمراض التى تصيب ذلك الجسد البشرى للنبى أو لغيره ، منها ما يخص الطعام والشراب كالمغص والاسهال و الامساك ،و منها ما يأتى بعوامل أخرى بنفس ما يحدث لى ولك وله ولها. تخيل النبى وهو يعانى من الاسهال أو الامساك أو وهو يخرج الريح بصوت أو بدون صوت ،أو وهو يذهب للتبول و التبرز. لا بد أن تتخيل كل هذا للنبى لتتأكد من بشريته وأنه مخلوق له جسد ينتمى للارض مثلك ، وأنه لا يمكن أن يكون مقدسا بأى حال .

ثم فى النهاية يموت جسد النبى ،ويتحول الجسد الميت نفسه الى ( طعام ) للألارض التى جاء منها ( طه 55). تعتري جسد النبى ما تعترى أجساد البشر حين تتحول بالموت الى (سوأة ) تسىء الناظرين،ولا بد من إخفائها عن أعين الناظرين وأنوفهم إكراما لصاحبها الذى عادت نفسه للبرزخ، يستوى إن كان نبيا من المرسلين أو من عتاة المجرمين. تخيل ما حدث لجسد النبى بعد الموت وهو مدفون فى التراب ، حين يتصلب الجسد ثم ينفجر ، ثم ترتع فيه الديدان ، ثم تأكله الى أن تنتهى الأنسجة ، وتبقى العظام ، وتتحول فى النهاية الى تراب. نفس الموت الذى حل ويحل بالجميع . حين تتخيل ذلك كله بهدى القرآن الكريم تعرف الى أى حد ينحط المشركون بهجر العقل حين يركع أحدهم أو يسجد أو يقف قانتا أمام قبر مقدس منسوب لنبى أو ولى ..

3 ـ ثم : ماذا يقدسون وماذا يخاطبون ، وبمن يستغيثون ؟ هل بالجثة المدفونة و الجسد الرميم ؟

سيقال : إنهم يعتقدون حياته فى قبره. أى يحكمون عليه بالسجن فى زنزانة ضيقة تحت الأرض الى أن تقوم الساعة ، ثم تكون أقدامهم فوقه وهو تحت أقدامهم فى الأرض .أهذا تقديس أم تجريس ؟ إهذا إحترام وإكبار أم استهزاء و احتقار ؟ .. لا يوجد عقل هنا ،بل انحطاط فى العقل.

ثم تخيل وهم يستغيثون به يطلبون منه المدد معتقدين حياته البرزخية وقدراته ( الجهنمية ) ثم فجأة يخرج عليهم من القبر فاتحا ذراعيه ؟ هل سيبقون فى مكانهم يستقبلونه أم يولون الأدبار ؟ .. هل بعد هذا انحطاط فى العقل .

اين العقل فى وجود كثير من الأضرحة المقدسة للحسين فى مصر والعراق و الشام؟ ويشترك فى تقديسها الشيعة و الصوفية وعوام السنة ..المضحك أن كل مشهد للحسين يزعم أن بداخله (رأس الحسين )؟ ونتساءل لندرك الهوة التى انحطّ اليها عقل المحمديين : كم عدد الرءوس التى كانت للحسين ؟ أشهر قبر مقدس للحسين هو الذى أقامته الدولة الفاطمية فى القاهرة قبيل أن تسقط تلك الدولة ، لم تفكر فى رأس الحسين وهى تبنى القاهرة عاصمة لها ، او حين بنت الأزهر جامعة لها ، ولكن اضطرت لهذه الخدعة وهى تلفظ أنفاسها وحين انحسرت الدعوة الشيعية فى مصر فقام الوزير الأفضل بانشاء هذا الوثن ليعيد بعض النفوذ لخلافة شيعية تحتضر. وسقطت الدولة الفاطمية وتحولت الى متحف التاريخ ، ولكن ظل ضريح الحسين شاهدا وعنوانا على انحطاط العقل لدى المسلمين المحمديين فى مصر(المعتدلين فى عقيدتهم )

لا توجد رأس للحسين فى أى مشهد من تلك المشاهد المقامة على رأسه ،أو(رءوسه) . ولكن تخيل أن رأسه بالفعل مدفونة فى ذلك المشهد أو ذاك ؟ ماذا بقى من تلك الرأس ؟ مجرد جمجمة أم رأس كاملة ؟ وهل يمكن أن تظل حية بدون جسد بعد مفارقة جسدها فى كربلاء ؟ لنقل أنها رأس حية بدون جسد وتتكلم وتمشى ( لا أعرف كيف ) ولكن دعنا نتخيل هذا الهراء فى وجود رأس حية بلا جسد . هل لو خرجت تلك الرأس لنا ورأيناها هل سنستقبلها بالاحضان ؟ وكيف تحتضن رأسا بلاجسد ؟ ام هل نفر منها فرارا ، فنجعلها تبكى ؟ وكيف حينئذ ستبكى ؟. لنتخيل تلك الرأس الحية تحت الرماد ولها كرامات ، فأين كانت كراماتها حين قطعها سيف الأمويين فى كربلاء ؟ لو كانت مقدسة لاستعصت على القطع والذبح ، ولكن قطعها سيف حديدى وبالتالى فالأولى منها بالتقديس هو ذلك السيف الذى انتصر عليها .

ثم لنفترض أن الحسين بكامل جسده يعيش بيننا حيا فما الذى يستطيع أن يفعله لنا ، وهو الذى لم يستطع أن ينجح فى ثورته ، وهو الذى خدعه أنصاره واستقدموه من مأمنه الى مقتله ؟ وهل يكون للحسين شىء فى تصريف ملك الله جل وعلا ، فى الوقت الذى ليس فيه لجده محمد عليه السلام : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ) ( آل عمران 128).

4 ـ أى هى فى النهاية عبادة ليست لرماد ميت أو لرأس لا وجود لها ، هى فى الواقع عبادة لأحجار الضريح وما يضاف اليها من زجاج وأسلاك واقمشة ملونة، وكل ما يتبرك بلمسه العابدون للمشهد او الضريح او القبر المقدس. بايجاز هى عبادة للأوثان .

ماذا يعنى هذا عقلا :إن الله جل وعلا قد سخر لنا مواد الطبيعة التى نسير عليها باقدامنا ، ونتبول فوقها ونتبرز ، وتتحول الى قاذورات ، مهما اختلفت أنواعها من تراب وصخور وأخشاب ونبات ..الخ .. ثم بدلا من أن نمشى عليها بارجلنا نصنع منها آلهة مقدسة فى شكل قبر مقدس ، ونزعم أن تحت القبر رأس فلان أو جثة علان ، وكل التبرك والتقديس يذهب للاحجار ، وكل القرابين والنذور والأموال تذهب الى جيوب سدنة المعبد واهل الاحتيال.

باختصار يعبد المحمديون ما ينحتون ، ونقول لهم ما قاله ابراهيم عليه السلام لقومه منذ عشرات القرون :(إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ) ( العنكبوت 17 )(قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) ( الصافات 95 : 96 ).

5 ـ ثم هذه القرابين وتلك النذور على تلك الأوثان إنحطاط عقلى آخر فى ذلك الاعتدال العقيدى لدى المحمديين . هذا ( المحمدى ) تراه يقظا واعيا فى كل ما يخص دنياه من عمل وعلاقات وبيع وشراء وشئون مالية واقتصلادية ، هنا يكون من الصعب خداعه . ولكنه فى مجال العقائد ينحط ويرضى بأن يكون مخدوعا . لو ذهب لشراء سلعة تجده يبحث عن الأجود والأرخص سعرا ، ثم يساوم الى أن يفوز بما يريد أو بعض ما يريد . لكنه أمام الوثن المقدس يعطى الأموال نذرا وقربانا دون أن يسأل نفسه : هل تلك الأموال تذهب فعلا الى الاله المقدس المدفون أم يلتهمها سدنة المعبد وهم يتندرون عليه؟

حقيقة الأمر أن الذى يدفع الأموال للوثن ووللولى المدفون لا علم له بحقيقة ذلك الوثن وصاحب ذلك الوثن ، واسمه وحياته وتاريخه . الذى يدفع النذور لقبر السيد البدوى فى طنطا لا يعرف الاسم الحقيقى للسيد البدوى ، وأنه أحمد بن على بن ابراهيم ، ولا يعرف أن السيد البدوى و شيخ العرب وغيرها من ألقاب قد تم إطلاقها عليه بعد موته،أى أنه مات دون أن يدرى عنها شيئا.الذين يعبدون قبر أبى الحسن الشاذلى فى ( حميثرا ) على البحر الأحمر لا يعرفون شيئا عن حقيقة أبى الحسن الشاذلى سوى الخرافات المكتوبة عنه ، حتى حين يستغيثون به لا يعرفون أن إسمه الحقيقى هو ( على بن عبد الجبار). والذين يطوفون حول وثن الحسين فى المشهد الحسنى بالقاهرة لا يعلمون أنه لا يوجد شىء فى القبر ، وأنها كذبة كبرى استمرت تخدع المصرين ولا تزال شاهدة على انحطاط عقلى أريد له الاستمرار لأغراض سياسية و مالية .كل ذلك يعبر عنه رب العزة فى إيجاز واعجاز فى قوله جل وعلا : (وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ) ( النحل 56 ). أرجوكم التدبر فى هذه الاية الكريمة.

ذلك مجرد ملمح من ملامح الخبل العقلى لدى الاعتدال فى العقيدة الكافرة المشركة

رابعا : السمو الخلقى فى العقيدة الاسلامية وعكسه فى عقائد المحمديين :

1 ـ ايهما الأكرم لك : أن تكون عبدا لله جل وعلا وحده ، وهو خالقك وهو الذى سيحاسبك يوم الدين أم تكون عبدا لمخلوق مثلك ؟ أيهما الأكرم لك : أن تسجد وتركع لله جل وعلا وحده لأنه خالقك وحده أم أن تخشع وتسجد وتركع لمواد بناء من طوب ورمل و اسمنت واحجار وزجاج وأخشاب وأقمشة ملونة مزركشة ، صنعها إنسان مثلك ليخدعك و يستخف بعقلك ؟

أيها الأكرم لك : أن يكون لك اله واحد لاشريك معه ، وهو الخالق لك ولغيرك ،أم أن تتعدد وتتكاثر آلهتك فبدلا من ألأن تكون (عبد الله ) تكون عبد النبى وعبد الرسول وعبد الحسين وعبد على وعبد الصالحين وعبد المسيح ..الخ ؟

كيف تكون لك كرامة إذا إخترت بكامل حريتك مخلوقا مثلك ليكون الاها لك ؟ وهو مثلك لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ؟. أراد الله جل وعلا لك العزة والكرامة وأردت لنفسك المهانة و الحقارة . وصدق الله العلى العظيم:(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون 8 ) وتأمل كيف كرّم الله جل وعلا بنى آدم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) ( الاسراء 70) ثم كيف أوقع أبناء آدم بأنفسهم الاسترقاق الطوعى .

2 ـ لذا ترتبط سيادة الدين الارضى على شعب ما بأن يكون هذا الشعب خانعا لسلطة سياسية مستبدة طاغية ، تحكم مباشرة بالدين الأرضى ( مثل ولاية الفقيه ) أو تستخدم الدين الارضى فى تثبيت طغيانها كما تفعل نظم الحكم الاستبدادية فى بلاد ( المحمديين ). فطالما رضى الناس بخنوعهم أمام شباك ضريح ، وطالما ركعوا وسجدوا أمام أعتاب القبور المقدسة ، وطالما شاع فيهم المثل الشعبى فى العصر المملوكى ( من زار الأعتاب ما خاب ) فمن السهل عليهم الخنوع و الخضوع لحاكم مستبد يذيقهم النكال .

3 ـ ولا يقتصر الأمر على ذلك ، فهناك الأفظع فى التردى الخلقى ، وهو تشريع العدوان فى الدين السنى و تشريع الانحلال فى الدين الصوفى ، ولست متخصصا فى الدين الشيعى لأعطى مثلا منه، وأطلب من المتخصصين تعليمنا بأمثلة منه .

فى الاسلام : يقول جل وعلا فى تشريع القتال فى الاسلام : (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة 190 ). القتال هنا مقيد بكونه فى الدفاع فقط وعدم الاعتداء .

فى الدين السّنى الأرضى ، ينسبون للنبى محمد عليه السلام قوله: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله وأننى رسول الله ). هنا أمر بالقتال لاكراه الناس على الدخول فى الدين المحمدى . هذا إعتداء على الغير ، والله جل وعلا لا يحب المعتدين. والسنيون أبرز المعتدين .

فى الدين الأرضى الصوفى ، يتحول الجهاد المعتدى العنيف فى الدين السّنى الى جهاد وديع مسالم تحت عنوان ( جهاد النفس ) . وممارسة جهاد النفس عمليا كان يعنى فى العصر المملوكى أن يعيش الصوفية داخل الخوانق والأربطة والزوايا و القباب و المساجد بلا عمل سوى ممارسة (الذكر ) أى الرقص ، والوجد (أى الغناء ) و القول بالشاهد على جمال الله (أى ممارسة الشذوذ الجنسى فرديا أو جماعيا ) وتسهيل الدعارة بكل أنواعها داخل وخارج المؤسسة الصوفية ( أى القيادة ) وتدخين الحشيش (أى السطلة والسّكر ) ، ثم يزعمون أنهم قد اتحدوا بالله جل وعلا وصاروا جزءا منه وفق عقائد الحلول والاتحاد الصوفية .

هذا هو جهاد النفس عندهم ، وتفصيله سيأتى فى الجزء الثالث من موسوعة التصوف ، والتى سننشرها متاحة على موقعنا بعونه تعالى . ونضطر ـ آسفين ـ لنقل ما قاله المقريزى كشاهد عيان على جهاد الصوفية فى عصره. ونعتذر مجددا على الألفاظ الصريحة فى النص ولكن لا بد من إثباتها للتعرف على إنحطاط العصر المملوكى خلقيا : يقول المقريزى فى (الخطط المقريزية ، الجزء الثالث ) : (قال مؤلفه‏:‏ ذهب والله ما هنالك ، وصارت الصوفية كما قال الشيخ فتح الدين محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري‏:‏

ما شروطُ الصوفي في عصرنا اليو مَ سوى ستة بغيرِ زيادَهْ‏.‏

وهي نيكُ العلوقُ والسُكرِ والسطلةِ والرقصِ والغنا والقيادهْ‏.‏

واذا ما هذى وابدى اتحادًا وحلولًا من جهلِهِ أو أعادهْ‏.‏

واتى المنكراتِ عقلًا وشرعًا فهو شيخُ الشيوخُ ذو السجَّادَهْ‏.‏

ثم تلاشى الآن حال الصوفية ومشايخها ، حتى صاروا من سقط المتاع، لا ينسبون الى علم ولا ديانة.. والى الله المشتكى‏.‏!! ).

هنا لدينا أنواع ثلاثة من تشريع الجهاد والقتال : تشريع الاهى واضح بالقتال الدفاعى فقط وتحريم الاعتداء ، وهذا فى الاسلام. وتشريع ارضى سنى بالاعتداء على الغير لارغامهم على الدخول فى الدين الأرضى وقول ( الشهادتين ) ، ثم تشريع الجهاد الظريف الممتع للصوفية ، حين يتخذ شيخ الشيوخ ذو السجادة من سجادته فراشا ليس للصلاة بل لممارسة الشذوذ الفردى والجماعى ..

هذا ملمح من الفوارق الخلقية بين التطرف المحمود فى العقيدة الاسلامية و الاعتدال المرذول فى عقائد المحمديين .

خامسا : التيسير والتعسير بين تطرف العقيدة الاسلامية واعتدال العقائد المحمدية

1 ـ لنفترض وجود عبد مملوك لثلاثة من الشركاء كل منهم يملك فيه جزءا، وهم شركاء متنازعون متشاكسون . كيف سيكون حال هذا العبد المملوك المسكين ؟ سيكون فى أسوأ حال . سيقول له سيده رقم 1 افعل كذا ويهدده بالعقاب ، وردا عليه سقول له سيده رقم 2 لا تفعل هذا ، ويهدده بالعقاب ، ويأتى سيده رقم 3 برأى مخالف ويهدد العبد المسكين إن لم يفعله . هذا العبد المملوك هنا يعانى تعاسة لا مثيل لها . وتخيل وجود عبد مملوك لشخص واحد ، يقول رأيا واحدا ، وطريقته معروفة ومفهومة .. هذا العبد هنا يعيش فى يسر وسهولة . هذا هو معنى قوله جل وعلا : (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً) (الزمر 29 ).

من فضل الله جل وعلا أن جعل لنا كتابا محددا ، له بداية وله نهاية ، ويتكون من سور معلومة ، وكل سورة تتكون من آيات مرقمة . ثم إن كل الايات ميسرة للذكر لمن أراد الهداية ، وفى كلها مجال لمن أراد التوسع المعرفى . هذا هو التيسير فى التطرف العقيدى الاسللامى ، حيث يوجد كتاب واحد وحيد جعله الله جل وعلا ميسرا للذكر.

المحمديون فى الجانب المقابل ( المعتدل )، لهم كتبهم المقدسة فى العقائد و الشرائع ، هى كتب لها أول ولكن ليس لها آخر . لا يمكن للمحمدى أن يتعرف على كل تلك الكتب المقدسة. كلها تتناقض مع بعضها تبعا للدين الأرضى ( سنة ، شيعة ، تصوف ) وفى داخل كل دين منها تختلف حسب كل مذهب أوطائفة أوطريقة ، بل فى داخل الكتاب الواحد تجد اختلافا فى الروايات وتناقضا فى الآراء. أيها الأسهل : الرجوع الى كتاب واحد هو القرآن الكريم ؟ أم الاتجاه الى كتب التراث لتتوه بينها الى ما لا نهاية.!!

أخيرا .. كما قال المقريزى.. (الى الله المشتكى.!!).

اجمالي القراءات 10021