هل مصر بلد فقير حقا ؟؟؟ ==2

عثمان محمد علي في الخميس ٢٥ - أكتوبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

من كتاب الدكتور عبدالخالق فاروق  (هل مصر بلد فقير حقا ) الذى أُعتقل بسببه . 

 

(4) نماذج من شركات رأسمالية المحاسيب

فى دراسة رائدة قام بها ثلاثة من الباحثين الغربيين هم أسحاق دوين Ishac Diwan ، و مارك تشيفبور Marc Schiffbour ، و فيليب كيفير Philip Keefer، عن أثر اقتصاد المحاسيب أو رأسمالية المحاسيب Crony Capitalism صادرة عام 2013 ، إنتهت إلى نتائج على درجة عالية جدا من الأهمية والخطورة ، فبعد أن جرى تحديد المفهوم والتعريف الإجرائى للمشروعات ذات الصلة بالحكم والإدارة (PCF ) Politically Connected Firms ، والتى يقصد بها أن يكون أن مديرها أو أصحابها على صلة بأفراد فى الحكم والإدارة ، أو عضوا فى الحزب الحاكم ، أو فى مركز أبحاث يديره أو أسسه نجل الرئيس مبارك ، أو عضوا فى مجلس إدارة أحد المؤسسات الرسمية أو الحكومية ، حددت الدراسة (469) شركة يتحكم فيها (32) من كبار رجال الأعمال فى مصر بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، على صلة بنجل الرئيس حسنى مبارك ( جمال مبارك ) وبالحكم والحزب الحاكم ،وقد توزعت هذه الشركات والمشروعات على النحو التالى : - أن هذه الشركات تتوزع بين 20 شركة قابضة Holding ، والباقى شركات تابعة وفرعية . -47 شركة منها لديها واحد على الأقل من كبار رجال المال والأعمال على صلة بالحكم والسياسة يشغل وظيفة مدير لها . - 140 شركة لديها عضو مجلس إدارة واحد على الأقل من كبار رجال المال والأعمال على صلة بالحكم والسياسة . - 334 شركة لديها على الأقل واحد من رجال المال والأعمال على صلة بالحكم والسياسة . - 172 مشروع منها حصلت على معظم استثماراتها من صناديق استثمار تدار من جانب رجال المال والأعمال أو أكثر على صلة بالحكم والسياسة . وقد تبين من واقع هذه الدراسة الهامة أوضاع هذه الشركات على النحو التالى :

1- أن هذه الشركات (469 شركة ) لا يعمل بها سوى 569 ألف موظف وعامل فقط ، بما لا يشكل سوى 11% فقط من العمالة الصناعية بالقطاع الخاص المنظم Formal ، مقابل 7.2 مليون عامل وموظف يعملون فى بقية المنشأت الاقتصادية ( غير الزراعية وغير الحكومية وفقا لنتائج تعداد عام 2006) .

2-معظم هذه الشركات أو المنشأت تعمل فى مجالات الصناعة مثل الصناعات الغذائية والسيارات والنسيج والملابس الجاهزة ، والبلاستيك ، والسيراميك والأسمنت والصناعات المعدنية ، ثم تأتى بعدها الخدمات السياحية ، وأخيرا تأتى صناعة البرمجيات والمعلوماتية .

3- كما تبين أن معظم هذه الشركات قد نشأت بعد عام 2000 فى إطار إعادة تنظيم المشروعات العائلية .

4-كما أن معظم هذه الشركات أنشئت كشركات قابضة Holding Companies ، وشركات تابعة وهذا يحقق لأصحابها عدة أهداف وأغراض أهمها :

أ‌- يؤدى إلى خفض مدفوعات الضرائب وفقا لقانون الضرائب الذى عدل بالقانون رقم (91) لسنة 2005 .

ب‌-يسمح لهم بفرص أكبر للإقتراض من البنوك والتملص من القيود المصرفية ( السقوف الائتمانية ) .

ت‌-يسمح لهم ببيع بعض أصولهم فى أى وقت وإعادة التموضع داخل وخارج البلاد وإخراج أموالهم إلى الخارج

وقد أظهرت الدراسة كذلك نتائج جد خطيرة ومن أهمها :

1- أن هذه الشركات بينما لا توظف سوى 11% من العمالة الموجودة بالقطاع الخاص المنظم ، فأنها تحقق 60% من صافى الأرباح المحققة سنويا فى هذا القطاع المنظم ، كما أنها تحصل على 92% من إجمالى القروض الممنوحة من البنوك لهذا القطاع المنظم .

2- أن هذه الشركات وأصحابها يحصلون على الأراضى بأسعار بخسة جدا ، والتى تدخل بدورها كعنصر من عناصر تقييم الأصول فى هذه الشركات ، بما يقييمها ماليا واقتصاديا بأعلى من قيمتها الحقيقية ، وبما يسمح بالتالى بالحصول على الائتمان المصرفى المبالغ فيه .

3- كما تحصل هذه المشروعات المرتبطة سياسيا على حماية من المنافسة الأجنبية عبر القيود غير الجمركية Non –Traffic Procedures .

4- كما تحصل على دعم الطاقة خصوصا للمشروعات كثيفة استخدام الطاقة ( 36% منها ) تعمل فى صناعات كثيفة استخدام الطاقة ، و21% منها فى مشروعات منخفضة استخدام الطاقة .

5- وتحصل هذه المشروعات على حصة أكبر فى السوق المصرية وفى الخارج ، وان لديها أعلى هوامش للأرباح ، وهى وإن كانت الأكثر كثافة فى رأس المال ، فأنها ليست بالضرورة الأعلى إنتاجية .

6- وتؤدى المزايا التى تحصل عليها هذه الشركات إلى إضعاف فرص دخول السوق لدى المشروعات الأصغر حجما وبالتالى تقليل المنافسة .

7- كما يؤدى تمويل هذه المشروعات من خلال صناديق استثمار خاصة يملكها أو يديرها رجال أعمال مرتبطين أيضا بالحكم والسياسة ، إلى تكامل رأسى فيما بين هؤلاء رجال الأعمال ، وبالتالى يحد من المنافسة فيما بينهم . هكذا يبدو بوضوح كيف تنشأ الميول الإحتكارية داخل الاقتصاد المصرى ، بسبب هذا التكامل والتواطؤ بين رجال المال والأعمال وبعضهم البعض من ناحية ، وتواطؤ وصمت بل ومشاركة الدولة واجهزتها ومسئوليها فى هذه العملية الخطيرة والضارة بمستقبل البلاد من ناحية أخرى .

8- تزامن مع نمو ظاهرة المشروعات المرتبطة بالحكم والسياسة خلال العقد الأخير من حكم مبارك ( 2000-2010 ) ، تنامى ظاهرة أخرى هى تزايد معدل هروب وتهريب الأموال إلى الخارج ، بحيث قدرتها الدراسة بحوالى 5% إلى 10% من الناتج المحلى الاجمالى المصرى سنويا ( أى ما يتراوح بين 50 إلى 100 مليار جنيه سنويا ) .

9- كما تبين من حيث الملكية أن (289شركة ) بنسبة 62% مملوكة بواسطة عائلة أعمال واحدة ، وهناك (180 شركة ) بنسبة 38% مملوكة بواسطة عائلتين على الأقل ، و79 مشروع بنسبة 17% مملوكة بواسطة أربعة عائلات على الأقل ، وهناك 37 مشروعا بنسبة 8% مملوكة بواسطة 6عائلات على الأقل . فهل هذا تعبير عن دولة فقيرة .. وفقيرة قوى كما يقال ؟

__________________

  • نشر بموقع مصراوى يوم الخميس 14/9/2017

(5) تقدير قيمة الأصول والممتلكات الحكومية

فى محاولة للإجابة على السؤال الكبير الذى أثار جدلا واسعا فى المجتمع المصرى طوال الشهور التسعة الماضية : هل نحن بلد فقير حقا ؟ تأتى محاولتنا لحصر الأصول والممتلكات الحكومية ، التى أنفق عليها المجتمع والدولة المصرية مئات المليارات من الجنيهات طوال أكثر من سبعة عقود سابقة ، والتعرف على طرق ووسائل أستخدامها ، خاصة أن الكثير منها لم يحل دون الفشخرة الاستثمارية ، وبناء وأقامة المزيد منها ، مثل المبانى الإدارية للوزارات والمصالح الحكومية المختلفة . وتنبع مشكلة البحث من طبيعة القطاع الحكومى ذاته ؛ فإذا كان ما يمكن تسميته " بأدبيات الخصخصة " منذ مطلع عقد التسعينات ؛ قد أوجدت إطار معرفياً مفهوماً تجاه قضايا حصر وتقييم الأصول والممتلكات الحكومية لدى شركات الإنتاج والتجارة والتوزيع ؛ بحيث بـدا أن هناك مجالاً للجدل النظرى والمحاسبى والإقتصادى حول تقييم هذه الأصول ؛ فإن الجهاز الحكومى بخصائصه المعروفة يجعل من إمكانية تطبيق نفس هذا الإطار محلاً للشك وسوء التقدير. ذلك أن " جهاز الخدمة المدنية الحكومية " يتسم بأنه جهاز لا يهدف إلى الربح من ناحية ؛ وعدم وجود سوق تنافسية خاصة فى مجال الخدمات السيادية ، والمنافع والمرافق العامة من ناحية أخرى ؛ هذا بالإضافة إلى عدم تجانس أهداف أصحاب المصالح. ومن جانب آخر ؛ فإن بنية الإحصاءات المصرية ما زالت تفتقر إلى بيانات منشورة وموثقة عن حجم هذه الأصول الحكومية وتقديراتها على مستوى قطاعات الإقتصاد المصرى عموماً.فثروة أى بلد تقدر بما تملكه من رأس مال فى كافة المجالات ؛ وحساب هذه الثروة Wealth يشتمل على الموارد العينية والموارد البشرية ؛ وحساب الإهلاك من رأس المال كأحد متطلبات الحسابات القومية ، وهو ما يُمكًن من بناء النماذج الإقتصادية والتنبؤ الإقتصادى .وهكذا إذا حاولنا التحديد الدقيق لمشكلة هذا النوع من الأبحاث نجد الآتى :

1-غياب الدراسات المسحية الإقتصادية ، أوالعينية حول هذه الأصول. 2-غياب التمييز بين التعريفات المنهجية Definitions الواضحة بشأن مفاهيم من قبيل الأصول Assessments والثروة Wealth ورأس المال Capital ، سواء فى صورته المالية والعينية أو البشرية Human Capital. 3- وبناء عليه فإن هذه الأصول والممتلكات الحكومية لم يجر عليها عمليات تحليل وتقييم من أجل صياغة نماذج للإدارة المثلى Optimism لضمان كفاءة تشغيلها Efficiency & Effectiveness مما يؤدى عملياً إلى إهدار الكثير منها بسبب سؤ الاستخدام أو تكرار نفس النشاط دون الاهتمام برفع كفاءة الموجود منها فعلاً. 4- ولأن مقياس المخرجات / المدخلات ، أو التكلفة / العائد لم تعد معياراً دقيقاً لقياس درجة كفاءة الأداء الحكومى ؛ نظراً للطبيعة الخاصة لأدوار " أجهزة الخدمة المدنية الحكومية " فى العالم أجمع ، خاصة فى المجتمعات النامية ـ وعدم القدرة على فصل أداء وكفاءة هذا القطاع الحكومى عن السياسة وأهدافها بمفهومها الواسع ، فإن إدخال هذا المعطى- أى السياسة Politics - فى النموذج التحليلى للأداء الحكومى يعنى إدخال مقتضيات ومقولات علم " اقتصاديات الإدارة الحكومية " الحديث نسبياً فى صلب تحليل نتائج أداء الأصول الحكومية. 5- كما تثير مسألة تكلفة اقتناء الأصول الحكومية مشكلات شديدة التعقيد من عدة جوانب بعضها يرتبط بالتمرحل الزمنى Stages Of Time، وبعضها الآخر بتقدير القيمة الحالية لهذه الأصول وفقاً لأسعارها السوقية أو الدفترية بحسب الأحوال ، وهى قضايا تتداخل فيها أسس العلوم المحاسبية بمفاهيم العلوم الإقتصادية والمالية. 6- ثم نأتى أخيراً إلى واحدة من أكبر المشكلات المنهجية المتعلقة بهذا النوع من الموضوعات وهو درجة التنوع الهائل فى تلك الأصول والممتلكات الحكومية - باستبعاد أصول الشركات العامة - حيث لدينا ما يزيد عن ثلاثمائة صنف من هذه الممتلكات الحكومية التى أنفقت عليها الحكومات المتعاقبة من الأموال العامة لإقامتها بدءاً من الطرق والكبارى ، مروراً بالمستشفيات العامة والوحدات الصحية ؛ انتقالاً إلى المدارس والجامعات ؛ إنتهاءاً بمحطات الكهرباء والمياه والصرف الصحى ، والموانئ والمطارات وغيرها ، ثم انتقالاً إلى تفاصيل هذه المكونات والأصول مثل المبانى التى تشغلها الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية وما تحويه من أثاث وأجهزة ومعدات مكتبية وسيارات وغيرها.

من كل هذه اللوحة المتشعبة والخرائط الهائلة للممتلكات الحكومية ، تجعل مسألة حصرها عدداً وحجماً ، وتقديرها قيمة ونقداً ، قضية من أكثر القضايا تعقيداً فى مثل هذه الدراسات.

ونهدف هنا إلى تحقيق أربعة أهداف أساسية هى : الأول : المساعدة فى خلق تيار فكرى إقتصادى وإدارى ومالى يتعامل مع الأصول الحكومية Governmental Assessments باعتبارها عناصر إنتاجية تخضع دوماً لعمليات الحصر والتقييم والتقدير فى إطار ما أصبح يطلق عليه فى الأدبيات النظرية بعلم " إقتصاديات الإدارة العامة والحكومية ". الثانى : محاولة البدء فى رسم خريطة وهيكل لهذه الأصول الحكومية ، وتقدير حجمها وتوزيعها ، وتكاليفها على المجتمع والدولة ، ووضع اللبنات الأساسية للتعامل الدورى مع هذه الأصول ، ونظم صيانتها وإحلالها وتجديدها تماماً كما المنشآت الإنتاجية بالشركات والمصانع وفقاً لعلم الاقتصاد والمحاسبة المالية. الثالث : استخلاص أوجه القصور وثغرات الاستخدام الأمثل لهذه الأصول فى كافة صورها- العينية والبشرية - ووضع سياسات بديلة فى كافة صورها لتعظيم Maximization سبل الاستفادة منها ، ووقف نزيف الإهدار الراهن بسبب عدم وجود سياسات حكومية واضحة تجاه إدارة وتدوير هذه الأصول الحكومية الهائلة. الرابع : أن بنية العمل الإدارى المصرى تتأثر سلبا أو إيجابا بمدى كفاءة الإدارة الاقتصادية داخل بنية الوحدات الإدارية الحكومية . وتنطلق دراستنا من عدة فروض أساسية هى : 1- أن حصراً فعلياً للأصول والممتلكات الحكومية لم تتم بصورة مناسبة حتى الآن ، سواء فى مصر أو غيرها من الدول النامية. 2- ومن ثم فإن عمليات التحليل المالى والإقتصادى لهذه الأصول لم تدخل بصورة جدية فى نماذج التحليل الكلى للثروة القومية ، ولمفعولها فى الناتج المحلى الإجمالى بصورة دورية. 3- وأنه لم تجر عمليات ربط دقيق بين تواضع كفاءة استخدام وتشغيل هذه الأموال والممتلكات الحكومية فى أجهزة الخدمة المدنية من جهة ، وتزايد حجم الديون المحلية والأجنبية على الإقتصاد المصرى من جهة أخرى. 4- أن انشغال العقل الرسمى لدوائر رسم السياسات واتخاذ القرارات فى مصر بعمليات الخصخصة للشركات طوال العقود الثلاثة الأخيرة ، قد طغى وأزاح إلى خلف المشهد العام ، الأهمية القصوى التى ينبغى أن تحتلها مسألة تقدير وتدوير ، وكفاءة استخدام الأصول والممتلكات الحكومية فى القطاع الخدمى وأجهزة الحكومة المختلفة. 5- ونظراً لصعوبة الحصر الشامل لهذه الأصول الحكومية ، والتى قد تحتاج إلى فريق عمل واسع ؛ فإننا سوف نقتصر على مجموعة من عناصر هذه الأصول والممتلكات ، وهذه العناصر هى : - المبانى الحكومية. - السيارات الحكومية. - أجهزة الحاسبات الالكترونية. - المكاتب والتجهيزات المكتبية. - الموجودات المخزنية. - الموارد البشرية والهيئة الوظيفية. 6- وبالتأكيد فإن غياب عناصر من هذه الأصول كلفت الدولة المصرية أكثر من 420 مليار جنيه منذ منتصف السبعينات حتى عام 2008 ، مثل ممتلكات الأراضى المتاحة التى جرى التصرف فيها وبيعها بأبخس الأثمان ؛ سيترك أثره على درجة شمول نتائج هذا البحث. بيد أن طريق الألف ميل يبدأ دائماً بخطوة ؛ وها نحن نبدأ بالخطوة الأولى ،علنا نقدم إجابة علمية وموضوعية حول سؤال : هل نحن بلد فقير حقا ؟

 


_______________ نشر بموقع مصراوى يوم الخميس 21/9/2017 .

(6) المباني الحكومية

بادئ ذى بدأ ينبغى أن نؤكد أن هذه الأصول الحكومية التى نشأت فعلياً منذ بداية عصر " محمد على باشا " فى مطلع القرن التاسع عشر ، وتطورت عاماً بعد عام ؛ وعقداً بعد عقد ؛ واتسعت لتمتد من ملكية الأراضى الزراعية ( جفالك والأبعاديات ) إلى المبانى والمنشآت الحكومية والمصانع ، ووحدات الأسطول والجيش وغيرها (10) ، وأضافت إليها الحكومات المتعاقبة - خاصة بعد ثورة 23 يوليو عام 1952- الكثير بحيث أصبحت من الضخامة والتعقيد بما قد يصعب حصرها وتصنيفها وتقديرها ، فى عمل بحثى واحد ، وربما يستدعى الأمر فريق بحثى واسع يمتد عمله لعدة سنوات متعاقبة . وللإشارة إلى الحجم الضخم لهذا الجهاز الحكومى وممتلكاته وأصوله ؛ يكفى أن نشير إلى أن مجموعة شراء السلع والخدمات فحسب الواردة فى الموازنة العامة للدولة عام 2009/2010 ، قد بلغت 27.1 مليار جنيه وأن بند " نفقات الصيانة " وحده ، قد بلغ 3268.1 مليون جنيه فى نفس العام ، هذا بخلاف البنود الأخرى التى سوف نتعرض لها بعد قليل . إذن هذا الحجم الهائل من الممتلكات والأصول الحكومية ؛ وخرائط توزيعاته المتشعبة والأخطبوطية ، يجعل من الصعب حصرها جميعاً مع كل السياق غير الشفاف لبيئة التداول المعلوماتى ، فيما بين الأجهزة والمصالح الحكومية المصرية بفعل ميراث ثقيل من القيود البيروقراطية والعقلية الأمنية . إذن من كل هؤلاء .. ما هو حجم الثروة العقارية الحكومية ؟ وكيف تتوزع ؟ فإذا بدأنا بالمبانى الحكومية التى يقصد بها فى التعريف الإحصائى الرسمى كل مبنى عادى كالعمارة أو المنزل أو الفيلا ، أو البيت الريفى أو شاليه أو الجراج أو الحجرة المستقلة ، أو مبنى جوازى كالعشة أو الخيمة أو الحوش لمدفن أو عربة ثابتة . وفى دراسة أعدها مركز معلومات مجلس الوزراء ودعم اتخاذ القرار عام 2006، قدر حجم الثروة العقارية فى مصر بما يعادل 270 مليار جنيه ، تشملها حوالى 11.5 مليون مبنى ، تضم بينها حوالى 27.8 مليون وحدة سكنية وغير سكنية ، وإن كان منها حوالى 7.9 مليون وحدة خالية أو مغلقة (11). أما الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فقد أصدر بياناً مستقلاً فى فبراير عام 2009 ، تبين فيه أن عدد المبانى الحكومية سواء للعمل أو للسكن ( شاملة قطاع الأعمال العام والقطاع العام ) فى عام 2006، قد بلغت 440990 مبنى موزعة على النحو التالى : 1-مبانى حكومية وعددها 378214 مبناً للسكن والعمل . 2-مبانى تابعة للقطاع العام ، وقطاع الأعمال العام وعددها حوالى 62376 مبناً للسكن أو العمل (15). ولم يحدد البيان على وجه الدقة ، ما هو عدد المبانى المملوكة للحكومة ، أو هيئات وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام ، وما هو عدد المبانى المستأجرة ؟ وعلى أية حال ؛ فإذا أخذنا بهذا التقسيم المعمول به إحصائياً ، والخاص بالغرض من المبنى فيكون لدينا نوعان : الأول : مبانى حكومية من أجل العمل ( ويقصد به المبنى الذى يستخدم بغرض العمل فعلاً مثل المدارس ، المستشفيات ، الوحدات الصحية بالريف ، مراكز الشباب ، الجامعات ، أقسام الشرطة ، مبانى الوزارات ، دواوين عموم المحافظات والإدارات المحلية ، إدارات التموين والشئون الاجتماعية .. الخ ) .

الثاني : مبانى حكومية بغرض السكن (يقصد بها المبنى الذى يستخدم من بعض الأجهزة الحكومية بغرض السكن ، مثل القصور الرئاسية والمبانى الرسمية ، والمدن الجامعية ، وسكن الأطباء واستراحات مهندسى الرى ، والاستراحات الحكومية عموماً ) .

فإذا بدأنا بالنوع الأول ( المبانى من أجل العمل ) : نجد عددها قد بلغ عام 2006، حوالى 182307 مبناً موزعة على النحو التالى  : - مبانى حكومية للعمل وعددها 172194 مبناً . - مبانى تابعة للقطاع العام ، والأعمال العام من أجل العمل وعددها 10113 مبناً .

أما النوع الثانى ( المبانى بغرض السكن )* : 

فإن عدد هذه المبانى عام 2006م قد بلغ 258283 مبنى موزعة بين : -القطاع الحكومى وعددها 206020 مبنى بنسبة (79.8٪) من إجمالى هذه المبانى الحكومية للسكن. - القطاع العام والأعمال العام وعددها 52263 مبنى بنسبة (20.2٪) من إجمالى هذه المبانى الحكومية للسكن . وهى تتوزع بين محافظات الجمهورية هذه هى الملامح الأساسية للمبانى الحكومية ، وفقاً للحالة بنهاية عام 2009 ، من حيث الحجم وتوزيعاتها ؛ فإذا تأملنا بنداً واحداً من نفقات الباب الثانى ( السلع والخدمات ) فى الموازنة العامة للدولة وهو بند ( مياه وإنارة ) فى تشغيل هذه المبانى الحكومية نجده قد بلغ خلال خمس سنوات فقط ( 2005/2006- 2009/2010 ) حوالى 20.7 مليار جنيه ، وإذا أضفنا إليها نفقات بند ( الإيجار ) ، الذى بلغ خلال نفس الفترة 1248 مليون جنيه فإن الرقم الإجمالى يتجاوز 22.0 مليار جنيه خلال خمس سنوات . هذا بخلاف بنود شراء السلع والخدمات مثل نفقات الصيانة والوقود والزيوت وقطع غيار ومهمات وغيرها ، نظراً إلى أنها لا تقتصر فقط على خدمة وتشغيل المبانى الحكومية ، بل أيضاً تمتد إلى عناصر أخرى كالآلات والمعدات والسيارات ، ووسائل النقل المختلفة المملوكة للأجهزة والمصالح الحكومية ، وهو ما سوف نتناوله فى مكان آخر من هذا الكتاب على أن نعود بعد قليل لمحاولة تقدير التكلفة التى تحملها المجتمع والدولة فى أقامة والحفاظ على هذه المبانى الحكومية . الخلاصة : ووفقا للمعادلات الحسابية التى قمنا بها عام 2010 ، وقبل تغريق ( تعويم الجنيه المصرى ) بعدة سنوات ، يمكننا استخلاص نتيجة نهائية بأن المبانى الحكومية التى أنشئت منذ أكثر من خمسين عاماً أو يزيد ، سواء لأغراض العمل أو أغراض السكن فى الحضر والريف ، قد تكلفت على الدولة والمجتمع المصرى ما يعادل :

 

299.3 مليار جنيه بأسعار عام 2010 وبرغم ذك فنحن نشاهد سنويا ، مزيد من إنشاء وتأثيث المبانى الحكومية الجديدة فى مظاهر إسراف ليس لها مثيل فى الدول المتحضرة ، ويزيد عليها إنشاء عاصمة إدارية جديدة .. والأن هل هذا تعبير عن دولة فقيرة .. وفقيرة قوى كما قيل ؟ ___________________ نشر بموقع مصراوى يوم الخميس 28/9/2017 .

اجمالي القراءات 5294