الصلاة الشيطانية للخوارج ( 1 ): التطرف فى الصلاة وفى القتل

آحمد صبحي منصور في السبت ١٣ - أكتوبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الصلاة الشيطانية للخوارج ( 1 ): التطرف فى الصلاة وفى القتل

مقدمة : هيا بنا نرتدى الأحذية وندخل بها سراديب مخ الخوارج نحلل ذهنيتهم المريضة :

أولا : التطرف فى العبادة من الصلاة وقراءة القرآن

نعطى أمثلة :
1 ـ  فى ولاية عبيد الله بن زياد ( والى الصلاة فى العراق وما ورائه شرقا ) :

1 /  1 :، يذكر الطبرى لمحة عن أبى بلال مرداس بن أدية زعيم الخوارج يقول : ( ... فكان عابداً مجتهداً عظيم القدر في الخوارج، وشهد صفين مع علي فأنكر التحكيم، وشهد النهروان مع الخوارج، وكانت الخوارج كلها تتولاه، ورأى على ابن عامر قباء أنكره فقال: هذا لباس الفساق! فقال أبو بكرة: لا تقل هذا للسلطان فإن من أبغض السلطان أبغضه الله. وكان لا يدين بالاستعراض ( الإستعراض أى قتل الجميع كما يفعل الخوارج ) ، ويحرم خروج النساء، ويقول: لا نقاتل إلا من قاتلنا ولا نجبي إلا من حمينا.) أى لا يبدأ بالقتال ، ولا يأخذ خراجا إلا ممن يقوم بحمايتهم.

1 / 2 : وإعتقل عبيد الله بن زياد ( أبا بلال مرداس بن أدية ) فى موجة إعتقالات للخوارج ومن أنصارهم وكل المشكوك فى ولائهم . ورأى السجان عبادة مرداس وقيامه الليل فكان يأذن له كل ليلة ليبيت فى منزله ثم يعود صباحا. وأمر ابن زياد بقتل بعض السجناء ممن الخوارج ، وكان مرداس فى بيته فعرف فأسرع بالمجىء الى السجن حتى لا يؤاخذ السجان . وجىء بمرداس للقتل ، فشفع فيه السجان لدى ابن زياد وكان صهره ، فأفرج ابن زياد عن مرداس.  يقول الطبرى : ( ثم إن ابن زياد ألحّ في طلب الخوراج ، فملأ منهم السجن وأخذ الناس بسببهم ، وحبس أبا بلال ،  قبل أن يقتل أخاه عروة، فرأى السجان عبادته فأذن له كل ليلة في إتيان أهله، فكان يأتيهم ليلاً ويعود مع الصبح، وكان صديق مرداس إليه فأعلمه الخبر، وبات السجان بليلة سوء خوفاً أن يعلم مرداس فلا يرجع، فلما كان الوقت الذي كان يعود فيه إذا به قد أتى، فقال له السجان: أما بلغك ما عزم عليك الأمير؟ قال: بلى. قال: ثم جئت؟ قال: نعم، لم يكن جزاؤك مني مع إحسانك إلي أن تعاقب. وأصبح عبيد الله فقتل الخوارج، فلما أحضر مرداس قام السجان، وكان ظئراً لعبيد الله، فشفع فيه وقص عليه قصته، فوهبه له وخلى سبيله.).
1 / 3 : وقتل ابن زياد أخ مرداس ، وهو عروة بن أدية ، وقتل إبنته . يقول الطبرى فى أحداث عام 61 : ( في هذه السنة اشتد عبيد الله بن زياد على الخوارج فقتل منهم جماعةً كثيرة، منهم: عروة بن أدية أخو أبي بلال مرداس بن أدية..) ويذكر الطبرى السبب : ( وكان سبب قتله أن ابن زياد كان قد خرج في رهان له، فلما جلس ينتظر الخيل اجتمع إليه الناس وفيهم عروة، فأقبل على ابن زياد يعظه، وكان مما قال له( أتبنون بكل ريعٍ آيةً تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارينالشعراء: 128- 130.) ،  فلما قال ذلك ظن ابن زياد أنه لم يقل ذلك إلا ومعه جماعة، فقام وركب وترك رهانه. فقيل لعروة: ليقتلنك! فاختفى، فطلبه ابن زياد فهرب وأتى الكوفة، فأخذ وقدم به على ابن زياد، فقطع يديه ورجليه وقتله، وقتل ابنته.). هنا رجل يعظ بالقرآن فيكون مصيره تقطيع أطرافه وقتله وقتل إبنته.

1 / 4 : كان مرداس معتدلا بالنسبة لبقية الخوارج ، ويقول بالتقية حتى لا يصطدم بالسلطة الأموية . لكن موقفه تغير عندما قتل عبيد الله بن زياد إمرأة من الخوارج إسمها البثجاء كانت عابدة مجتهدة فى العبادة ولكن تنتقد ابن زياد ، نصحها مرداس بالتقية خوفا عليها فلم تطاوعه ، فقطع ابن زياد أطرافها وعلقها فى السوق لتموت صبرا . ومرّ بها مرداس فتغير موقفه ، وثار خارجا على ابن زياد. يقول الطبرى : ( وكانت البثجاء، امرأة من بني يربوع، تحرض على ابن زياد وتذكر تجبره وسوء سيرته، وكانت من المجتهدات، فذكرها ابن زياد، فقال لها أبو بلال: " إن التقية لا بأس بها فتغيبي فإن هذا الجبار قد ذكرك " . قالت: " أخشى أن يلقى أحدٌ بسبي مكروهاً.". فأخذها ابن زياد فقطع يديها ورجليها، فمر بها أبو بلال في السوق فعض على لحيته وقال: " أهذه أطيب نفساً بالموت منك يا مرداس؟ ما ميتةٌ أموتها أحب إلي من ميتة البثجاء! " .! . ومر أبو بلال ببعير قد طلي بقطران فغشي عليه ثم أفاق فتلا:( سرابيلهم من قطرانٍ وتغشى وجوههم النارإبراهيم: 50.).

1 / 5 : لهذا ثار الخارجى ( مرداس أبو بلال ) وغادر العراق الى الأهواز ومعه أربعون رجلا فقط . بعث إليهم ابن زياد جيشا بألفى رجل ، فهزمهم الأربعون خارجيا فى موقعة ( آسك ) ،  كانت فضيحة . قال فيها شاعر يمدح الخوارج :

  أألفا مؤمن منكم زعمتم      ويقتلهم بآسك أربعونا

كذبتم ليس ذاك كما زعمتم ولكن الخوارج مؤمنونا

هي الفئة القليلة قد علمتم على الفئة الكثيرة ينصرونا

1 / 6 : كان لا بد لعبيد الله بن زياد أن يثأر . فأرسل لهم جيشا آخر بثلاثة ألاف ، وإشتد القتال ، تقول الرواية عن أبى بلال : ( ..وحمل عليهم أبو بلالفيمن معه فثبتوا ، واشتد القتال حتى دخل وقت العصر ، فقال أبو بلال : " هذا يوم جمعة ، وهويوم عظيم وهذا وقت العصر فدعونا حتى نصلي‏.‏) وإستجاب له القائد الأموى ابن الأخضر . تقول الرواية ( ..فأجابهم ابن الأخضر وتحاجزوا ، فعجل ابن الأخضر الصلاة ، وقيل قطعها،  والخوارج يصلون ، فشد عليهم هو وأصحابه وهم ما بين قائم وراكع وساجد لم يتغير منهمأحد من حاله فقتلوا من آخرهم وأخذ رأس أبي بلال‏.‏). لم يتركوا الصلاة ، كان الجيش الأموى  يقتلهم  وهم فى الصلاة يقولون ( وعجلت اليك ربى لترضى ). ! هنا الوجه المتطرف فى الصلاة لدى الخوارج .

2 ـ عيّن الخليفة الأموى هشام بن عبد الملك ( خالد القسرى ) والى الصلاة على العراق وشرقها.  أرسل خالد جيشا قاتل الخوارج فى الموصل ، إنهزم الخوارج وقُتل معظمهم .  قال شاعر يرثى قتلى الخوارج :

( فتية تعرف التخشع فيهم ** كلهم أحكم القرآن إماما

 قد برى لحمه التهجد حتى ** عاد جلداً مصفراً وعظاماً )

هذا هو المظهر الخارجى للخوارج بسبب الإفراط فى الصلاة والتهجد وقراءة القرآن .

 ثانيا : الملمح الثانى : التطرف فى القتل للجميع حتى النساء والأطفال

1 ـ حين خرجوا على ( على بن أبى طالب ) وأقاموا فى حروراء عينوا أميرا على الصلاة ، تقول الرواية :(   وأتوا حروراء، فنزل بها منهم اثنا عشر ألفاً، ونادى مناديهم: إن أمير القتال شبث بن ربعي التميمي، وأمير الصلاة عبد الله بن الكوا اليشكري ..) .

2 ـ وأول جريمة لهم كانت قتل رجل مسالم وبقر بطن زوجته ، تقول الرواية : ( لما أقبلت الخارجة من البصرة حتى دنت من النهروان رأى عصابةٌ منهم رجلاً يسوق بامرأة على حمار، فدعوه فانتهروه فأفزعوه وقالوا له: من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: أفزعناك؟ قال: نعم. قالوا: لا روع عليك.. ) وناقشوه فى التحكيم وفى (على )  ولمّا لم يعجبهم رأيه قتلوه وقتلوا زوجته  : (  فقالوا: إنك تتبع الهوى وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها، والله لنقتلنك قتلةً ما قتلناها أحداً.فأخذوه وكتفوه ثم أقبلوا به وبامرأته، وهي حبلى متم ... فأضجعوه فذبحوه، فسال دمه في الماء، وأقبلوا إلى المرأة فقالت: أنا امرأة ألا تتقون الله! فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوة من طيء، وقتلوا أم سنان الصيداوية ). الخوارج يستبيحون قتل الأجنة فى البطون. !

3 ـ كان شبيب بن بجرة مع ابن ملجم حين قتل علياً، تقول الرواية : ( فلما دخل معاوية الكوفة أتاه شبيب كالمتقرب إليه فقال: " أنا وابن ملجم قتلنا علياً،" ، فوثب معاوية من مجلسه مذعوراً حتى دخل منزله . وبعث إلى أشجع وقال: " لئن رأيت شبيباً أو بلغني أنه ببابي لأهلكنكم، أخرجوه عن بلدكم.!" . وكان شبيب إذا جن عليه الليل خرج فلم يلق أحداً إلا قتله. ). يقتل الناس ليلا قتلا عشوائيا .

4 ـ أثناء خلافته عيّن عبد الله بن الزبير أخاه مصعب واليا للصلاة على العراق وما يتبعه شرقا ، وتعين على مصعب مواجهة الخوارج. فى حوادث عام 68 وتحت عنوان : ( حروب الخوارج بفارس والعراق) يذكر ابن الأثير تفصيلات هذه الحروب نقلا عن الطبرى . ومنها نقتطف أهم ملمح من ذهنية الخوارج ودينهم ، وهو الإسراف فى القتل . تقول الرواية عنهم : ( فشنوا الغارة على أهل المدائن ..ووضعوا السيف فى الناس يقتلون الرجال والنساء والولدان ويشقون أجواف الحبالى .). أى يقتلون الأجنّة فى الاحام.!  وهم فى طريقهم عثروا على رجل اسمه سماك بن يزيد ، معه بنت له ، فأخذوها ليقتلوها وأبيها ، فقالت تستعطفهم : (" يا أهل الاسلام .! إن أبى مصاب فلا تقتلوه ، وأما أنا فجارية ، والله ما أتيت فاحشة قط ، ولا آذيت جارة لى ، ولا تطلعت ولا تشرفت قط " ) (أى لم تتجسس على جيرانها ) . تستمر الرواية : ( فلما أرادوا قتلها سقطت ميتة ) أى ماتت من الرعب ، ولم يرحموا جثتها. تقول الرواية : ( فقطعوها بسيوفهم ).! . اما أبوها المريض فإصطحبوه معهم ثم قتلوه وصلبوه. لو قرأ هتلر هذا لإبيضّت عيناه من الحُزن.!!

5 ـ فى عام 69  ، تقول الرواية : ( وفيها حكم رجل من الخوارج بمنى وسل سيفه، وكانوا جماعة، فأمسك الله أيديهمفقتل ذلك الرجل عند الجمرة.) : (حكّم ) أى صاح ( لا حكم إلا لله ) وهى الصيحة التى يستبيحون بها القتل حتى للأبرياء . وهذا الرجل يقتل الناس حتى فى الحرم.

6 ـ إستمر هذا حتى العصر العباسى ، ورصده الملطى المتوفى عام 377 . فى كتابه ( التنبيه والرد ) يقول الملطى عن الخوارج : ( فأما الفرقة الأولى من الخوارج فهم المحكمة الأولى ( اصحاب شعار : لا حكم إلا لله ) ، الذين كانوا يخرجون بسيوفهم فى الأسواق حين يجتمع الناس ، فينادون : لا حكم إلا لله ، ويضعون سيوفهم فيمن يلحقون من الناس ، فلا يزالون يقتلون حتى يقتلوا. وكان الواحد منهم إذا خرج للتحكيم لا يرجع حتى يُقتل .ولم يبق منهم أحد على وجه الأرض بحمد الله .) . ويقول عن بعض طوائفهم : ( الإباضية  : .. خرجوا من سواد الكوفة فقتلوا الناس وسبوا الذرية وقتلوا الأطفال وكفّروا الأمة وأفسدوا فى العباد والبلاد ، فمنهم اليوم بقايا بسواد الكوفة ) . ( السواد يعنى الأرض الزراعية التى تجاور الصحراء فى العراق. ) ـ ويقول عن الحرورية : ( يقولون بتكفير الأمة .. ويسبون ويستحلون الأموال والفروج ..وهم بناحية سجستان وهراة وخراسان ، وهم عالم كثير ..وهم اصحاب خيل وشجاعة .. ) ( الصليدية ..يقتلون ويستحلون الموال على الأحوال كلها ، وهم أشر الخوارج وأقذرهم وأكثرهم فسادا ، ولهم عدد بناحية سجستان ونواحيها .. ).  

الملمح الثالث : الجمع بين التطرف فى العبادة والتطرف فى القتل

1 ـ حين كان خالد القسرى والى العراق للخليفة هشام بن عبد الملك ثار الخارجى  ( وزير السختياني ) بالحيرة في نفر قليل : (  فجعل لا يمر بقرية إلا أحرقها، ولا يلقى أحداً إلا قتله، وغلب على ما هنالك وعلى بيت المال، فوجه إليه خالد جنداً فقاتلوا عامة أصحابه وأثخن بالجراح، وأتي به خالد، ) أخذ هذا الخارجى يحرق القرى ويقتل من يراه وهو مع ذلك عابد مجتهد فى العبادة.! هو يعظ خالد القسرى المشهور بغلظته وقسوته فيجعل قلب خالد يلين.! أثار إعجاب خالد فإكتفى بحبسه ولم يقتله ، وإتخذه نديما يسمر معه ، وأرسل خصوم خالد الى الخليفة أنه آوى اليه ( حروريا ) أى خارجيا يسامره ، تقول الرواية : (  وأقبل على خالد فوعظه، فأعجب خالداً ما سمع منه فلم يقتله وحبسه عنده، وكان يؤتى به في الليل فيحادثه. فسعي بخالد إلى هشام وقيل: أخذ حرورياً قد قتل وحرق وأباح لأموال فجعله سميراً، فغضب هشام وكتب إليه يأمره بقتله، وكان خالد يقول: إني أنفس به عن الموت، فأخر قتله، فكتب إليه هشام ثانياً يذمه ويأمره بقتله ، فقتله خالد حرقا ونفرا معه . وهو فى الحرق كان يتلو قوله جل وعلا : (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴿٨١﴾ التوبة ).

اجمالي القراءات 5380