ضرورة تنظيم المناظرة الوطنية حول المسالة الامازيغية بالمغرب لماذا ؟

مهدي مالك في الثلاثاء ٢٥ - سبتمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

 

ضرورة تنظيم المناظرة الوطنية حول المسالة الامازيغية بالمغرب لماذا ؟

مقدمة متواضعة                                          

منذ سنة 1956 الى حدود الان حسب علمي المتواضع لم يطالب أي احد سواء في المخزن او في الحركة الامازيغية ببعدها الثقافي او السياسي بتنظيم المناظرة الوطنية حول المسالة الامازيغية بالمغرب حيث ان اليوم عرفت هذه الاخيرة العديد من التراجعات المؤلمة على كافة الاصعدة و المستويات منذ ترسيم الامازيغية في دستورنا الحالي سنة 2011 حيث مازلت اتذكر وقتها كان النقاش العمومي في وسائل الاعلام يتميز بالقوة و الجراة حول الملف الامازيغي بشموليته .

فمنذ ذلك الوقت أي سنة 2011 اخذ النقاش العمومي حول المسالة الامازيغية يتراجع شيئا فشيئا حتى وصلنا الى هذه الوضعية الخطيرة للغاية في ظل عدم وجود اية ارادة سياسية صريحة بتفعيل الطابع الرسمي للامازيغية بحكم ان المخزن التقليدي لا يريد اصلا تفعيل ترسيم الامازيغية على مختلف المستويات و الاصعدة  لان تفعيل الطابع الرسمي للامازيغية سيعني سياسيا ان الامازيغية كلغة و كثقافة و كقيم اصيلة ستكون ثابتا ضمن ثوابتنا الدينية و الوطنية و ستكون ثابتا جوهريا في سياسة المغرب الخارجية.

و باعتبار ان المغرب هو بلد اسلامي وفق دستورنا الحالي حيث يتبوأ الدين الاسلامي مكانة الصدارة داخل الوثيقة الدستورية الحالية بعيدا عن تاويلات ما يسمى بتيارات الاسلام السياسي و الحالمة باقامة خلافة الاسلام على منهج النبوءة كما هو موجود في كتب السلف البشرية أي انها ليست مقدسة بالنسبة لي على اقل ...

و بالتالي فستكون الامازيغية هوية رسمية للدولة المغربية على مختلف المستويات و الاصعدة دون انتظار أي قانون صادر من حزب العدالة و التنمية المتوفر على مرجعيته المشرقية تتعارض مع مطالبنا كحركة امازيغية بشكل جدري كما يعلم الجميع .

لقد قلت في مقال سابق بمناسبة الذكرى 27 لميثاق اكادير ان الفاعل الامازيغي بمختلف انواعه يتساءل الف سؤال عن وضعية القضية الامازيغية اليوم باعتباره يشاهد تعدد قضايا الشان الامازيغي بين السياسي و الديني و الحقوقي و الفكري الخ من هذه القضايا الكبرى التي لم تحسم بعد على الاطلاق بحكم ان المخزن التقليدي الان لا يريد التعاطي مع جوهر القضية الامازيغية الا و هي قيمها الداعية الى العلمانية و الى الديمقراطية و الى الفدرالية او الحكم الذاتي للجهات كما كان الحال في الماضي بمعنى ان المخزن التقليدي اليوم قد تراجع في خطابه السياسي بشكل صريح و واضح للاعمى قبل البصير..

ان الحركة الامازيغية بمختلف اتجاهاتها الان هي غير راضية لواقع المسالة الامازيغية بشموليتها بعد مرور 17 سنة على خطاب اجدير التاريخي و تاسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية و بعد مرور 7 سنوات على ترسيم الامازيغية في دستورنا الراهن....

الى صلب الموضوع                  

  ينبغي اولا تحديد ماذا نقصد بالمسالة الامازيغية الان لان البعض مازال يختزل المسالة الامازيغية في كل ما هو ثقافي او لغوي حسب مطالب ميثاق اكادير لسنة 1991 و مطالب بيان الاستاذ محمد شفيق لسنة 2000 و لو بشكل جزئي اذا اخذنا بعين الاعتبار مطلب ترسيم الامازيغية و مطلب اعادة كتابة المغرب و مطلب تنمية المناطق المحافظة على امازيغيتها كما اسميها بمعنى ان مسالة تحديد طبيعة القضية الامازيغية الان هي جوهرية للغاية حيث اعتقد ان القضية الامازيغية كانت و مازالت قضية سياسية بدون أي شك او جدال عقيم لان دولة الاستقلال و الحرية كما يقال قد حطمت الامازيغية بكل ابعادها تحطيما شديدا من اجل بناء دولة لها وجهان متعارضان بشكل تام أي الشرق العربي و الغرب المسيحي بمعنى تعتبر هذه ازدواجية في كل شيء تقريبا..........

ثانيا ينبغي تحديد اهداف من وراء تنظيم هذه المناظرة الوطنية حول المسالة الامازيغية بضبط حيث من المفروض ان تنظم هذه المناظرة بعد ترسيم الامازيغية في دستورنا الراهن مباشرة أي في شتنبر 2011 او في مارس 2012 لوضع تصور وطني حقيقي و واقعي حول تفعيل الطابع الرسمي للامازيغية لكن هذا لم يحدث بسبب التحالف بين المخزن التقليدي و الاسلاميين بهدف افراغ هذا الترسيم من مضمونه الحقيقي أي القيم الامازيغية الاصيلة بمعنى العلمانية و الديمقراطية و بطبيعة الحال الاسلام الامازيغي المغربي لان جل تيارات  الاسلام السياسي و حقلنا الديني الرسمي يدوران حول ايديولوجية الظهير البربري كما اسميها شخصيا ........

و سبق لي ان كتبت مقالا مطولا حول هذا الموضوع حيث لم يسبق لاي أي احد ان تناول هذا الموضوع أي تعامل نخبتنا الدينية مع الامازيغية حيث قلت في ذلك المقال وقتها أي صيف 2017 ..............                           

في سنة 2004 اي بعد سنة من تلك الاحداث الارهابية قرر الملك محمد السادس اعادة تاهيل حقلنا الديني لكي يصد كل التيارات الارهابية الدخيلة حيث من حسنات هذا التاهيل هو اشراك المراة كموعظة و كمحاضرة في الدروس الحسنية الرمضانية امام الملك و امام الوزراء و العلماء الخ بمعنى ان اشراك المراة في تدبير حقلنا الديني هو مفيد لان فكر السلف الصالح كما يسمى ظل يختزل دور المراة في مصطلح حريم السلطان بينما في تاريخنا الاجتماعي قبل الاسلام او بعده كانت للمراة الامازيغية مكانة كبيرة باعتبارها ملكة و عالمة و شاعرة الخ بشهادة مصادر تاريخنا الاجتماعي..

كما ان اعادة تاهيل حقلنا الديني قد احدث قنوات للاعلام الديني عبر اذاعة محمد السادس للقران الكريم و قناة السادسة بهدف اظهار خصوصيتنا الاسلامية المغربية كما يدعي اصحاب هذا القول الخاطئ للغاية كما سنرى بعد حين ...

ان هذا المشروع لاعادة تاهيل الحقل الديني لسنة 2004 قد احتفظ بما اسميه بايديولوجية الظهير البربري كاساس جوهري للتعامل مع الامازيغية بالرغم من خطاب اجدير لسنة 2001 و تاسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية الخ من ثمار السياسة الامازيغية الجديدة التي اعتمدت على ان الامازيغية هي شان بعيد عن الشان الديني و عن الشان  السياسي على الاطلاق....

و في هذا السياق اتذكر في صيف سنة 2006 كنت انشر مقالاتي المتواضعة للغاية في موقع الحوار المتمدن  حيث لاحظت ان قناة السادسة الدينية وقتها لا تعترف بوجود البعد الديني لدى الامازيغيين على الاطلاق عبر خريطة برامجها المتنوعة من قبيل الارشاد الديني و الامداح النبوية فكتبت عن هذا الموضوع باسهاب حتى ظهرت عدة برامج باللغة الامازيغية انطلاقا من دجنبر 2006 لكنني لم اكن ادرك انذاك ان خطابنا الديني الرسمي هو اصلا ذو نزعة عروبية سلفية اي معادي للهوية الامازيغية بشموليتها حيث كنت اتساءل في نفسي لماذا يتجاهل الاستاذ عصيد تقييم البرامج الدينية بالامازيغية في ذلك السياق...

غير انني اصبحت ادرك اليوم الجواب على سؤالي اعلاه حيث ان الاعلام الديني عبر اذاعة محمد السادس للقران الكريم و قناة السادسة الخ من هذه البرامج  الدينية في قنواتنا العمومية لن تخرج عن اسس تدبير حقلنا الديني التي وضعت ابان فجر الاستقلال الشكلي مثل ايديولوجية الظهير البربري  و اساس العروبة و الاسلام ...

اعتقد شخصيا ان تاهيل حقلنا الديني الذي حصل في سنة 2004 لم ياتي على الاطلاق بالمسائل الجوهرية الهادفة الى اظهار الخصوصية الاسلامية المغربية في حقيقتها حيث ان الاسلام المغربي قد بناه اجدادنا الامازيغيين منذ ما قبل الغزو الاموي  من خلال المعمار الامازيغي الاسلامي المنتشر في شمال افريقيا و جنوب الصحراء الافريقية و حتى اسبانيا الحالية و من خلال ثقافتهم الامازيغية الاسلامية و من خلال قوانينهم العلمانية الامازيغية التي اعتبرها السلفيين المغاربة و الاجانب بمثابة قوانين جاهلية ما انزل الله بها من سلطان و تحقيقا لاهداف الاستعمار الفرنسي في التقسيم و التفرقة....

و حين نسمع جل فقهاءنا المتخلفين اليوم و هم يتهمون الامازيغية و قيمها المثلى بالكفر و بالفتنة كما حدث في احد مساجد مدينة الحسيمة في الجمعة الاخيرة من شهر شعبان الماضي نشعر بالاهانة و الاسف الشديد على مستوى تخلف خطابنا الديني تجاه مجموعة من القضايا الاجتماعية و السياسية .

ان خطباء منابر الجمعة ظلوا يقولون ما يريده المخزن او بعض اطرافه المحافظة ابلاغه الى جموع المصلين حيث صحيح انني معاق لا استطيع الذهاب الى المسجد لاحضر صلاة الجمعة لكنني استمع الى خطب الجمعة عبر وسائل الاعلام العمومية احيانا كثيرة حيث كم من مرة نسمع عبر الانترنت عن خطباء يهاجمون الامازيغية بشموليتها و حركتها المدنية كأن حضارة العرب الصحراوية بعد انتقال الرسول الاكرم الى جوار ربه كانت احسن نموذج لتطبيق قيم الاسلام السامية حيث ان الكل يعرف ان الاعراب كمصطلح قراني وقعوا في الفتنة الكبرى التي أدت الى صعود بني امية لحكم المسلمين بالحديد و النار و بجاهليتهم المستمرة الى الان بفضل السلف الصالح كما يسمى و كتبهم الوضعية التي تتناسب مع زمانهم.....

اذن ان الذي اريد الوصول اليه هنا هو ان حقلنا الديني الرسمي بصورته الحالية لا يجسد الا المزيد من التخلف و الجمع بين العروبة و الاسلام ببعده المخزني و التجاهل التام لامازيغية المغرب بشموليتها..

 كان من المفروض  منذ ترسيم الامازيغية في دستور 2011 ان نسمع خطب الجمعة التي تشيد بفضائل الثقافة الامازيغية العظمى على حضارتنا الاسلامية المغربية..

كان من المفروض كذلك ان نلاحظ تغيير ملموس اتجاه خطابنا الديني الرسمي من التكفير و التحريم لكل ما هو امازيغي الى تقدير هذه الثقافة الاسلامية و احلالها المكانة المستحقة باعتبارها لغة رسمية للدولة المغربية عبر  الدعوة الى تدريسها داخل مدارس الدينية العتيقة و الاهتمام بتراثها الديني الضخم و التعريف به في اعلامنا الديني الرافض اصلا لفتح اي نقاش عمومي حول الامازيغية و الاسلام ببلادنا  ......

لكن هذا كله لم يحدث قط طيلة هذه السنوات من ترسيم الامازيغية  حيث شخصيا احمل المسؤولية لاحتقار الامازيغية داخل حقلنا الديني الرسمي الى الدولة المغربية عبر وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية التي لم تقوم باية  مبادرة معتبرة لصالح الاهتمام بالامازيغية كلغة و كثقافة و كقيم منذ خطاب اجدير التاريخي الى يومنا هذا لان هذه الوزارة تمثل خطاب المخزن الديني المعتمد على ايديولوجية الظهير البربري و اساس العروبة و الاسلام بمعنى ان الاسبقية دائما للعروبة كهوية دخيلة على حساب هوية هذه الارض الامازيغية الاصلية ............   

انني احيي بصوت عالي جهود الملك محمد السادس الناجحة لرجوع المغرب الى حضن اسرته الافريقية حيث اعتبر هذه الجهود بمثابة مؤشر مفيد على ان قيادتنا الرشيدة تريد التجدر في اعماقنا الافريقية كما فعل اجدادنا المرابطين و الموحديين و المرينيين و السعديين لكن حقلنا الديني الرسمي بصورته الحالية مازال يصر على ان  يحتقر الامازيغية كبعد تاريخي عبر جنوب الصحراء الافريقية كذلك حيث ساعطي مثال على هذا الاحتقار حيث سمعت مؤخرا برنامج على الاذاعة الوطنية من تقديم وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية حول فضل اللغة العربية  مع احد العلماء باحدى هذه الدول الافريقية الشقيقة كأن اللغة العربية هي الوحيدة التي لها الفضل و التكريم في هذه الوقعة الجغرافية و كأن اللغة الامازيغية ليس لها اي وجود تاريخي داخل هذه الوقعة الجغرافية بصفة نهائية اي ان وزارة الاستاذ احمد التوفيق مازالت تعيش في ظل دستور سنة 1996 و مازالت لا تعترف برسمية اللغة الامازيغية ....

 ان الخطير في الامر كله ان عميد المعهد الملكي للثقافة الامازيغية قد صرح في ابريل 2015 لموقع هسبريس ما معناه ان حقلنا الديني الرسمي بخير  بكل البساطة دون اي احترام او اية مراعاة لافكارنا الهادفة الى احلال الامازيغية بكل ابعادها المكانة المستحقة داخل حقلنا الديني ...

 لو افترضنا جدلا ان هذا الكلام هو صحيح فلماذا لم ينظم هذا المعهد الموقر طيلة عمره البالغ 15 سنة لقاء واحد او مناظرة واحدة حول موضوع الامازيغية و الاسلام  مع الوزارة الوصية على الشؤون الاسلامية؟

ان الجواب على سؤالي اعلاه هو ان هذه المؤسسة الموقرة لا تريد الاعتراف بوجود ايديولوجية الظهير البربري نهائيا لان هذه المؤسسة هي اصلا من ثمار السياسة الامازيغية الجديدة كما سماها الاستاذ محمد بوذهان المناضل الامازيغي الشجاع الذي خرج من هذه المؤسسة في سنة 2004 لايمانه العميق ان الامازيغية ليست شعار فلكلوري للضحك علينا من خلال دعم الجمعيات و المهرجانات ذات  هدف واحد الا و هو جعل الامازيغية شانا ثقافيا حقيرا لا علاقة له نهائيا بتدبير الحقل الديني الرسمي على الاطلاق  ..

ان العطاء الاكاديمي الايجابي لهذا المعهد من الدراسات و الابحاث في التاريخ و في الحضارة و في الفنون الخ ليس له اي تأثير ملموس على نخبتنا الدينية الرسمية منذ سنة 2001 الى الان اطلاقا كأن المعهد الملكي للثقافة الامازيغية يتواجد في كوكب اخر و وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية تتواجد في كوكب اخر لدرجة ان عندما تسال احد الفقهاء عن هذا المعهد فسيرد عليك بالقول انني سمعت عن هذه المؤسسة في وسائل الاعلام منذ سنوات حيث ان هذه المؤسسة حسب اعتقادي كفقيه سلفي هي من ثمار السياسة البربرية القديمة لفرنسا للتفرقة بين افراد الشعب الواحد في العروبة و الاسلام و فرنسة إخواننا البرابرة و تنصيرهم....

اي  بمعنى ان هذا الراي موجود بالقوة في صفوف فقهاءنا الذين يعملون تحت اشراف الوزارة الوصية على الشؤون الاسلامية ببلادنا حيث هذا ليس من المعقول على الاطلاق حيث اذا افترضنا جدلا ان المعهد الملكي للثقافة الامازيغية هو مؤسسة اكاديمية و استشارية فعليها ان تتفاعل مع وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية بهدف نشر الوعي باهمية الامازيغية كلغة و كثقافة و كقيم منذ سنة 2001 الى الان بكل البساطة لكن هذا لم يحدث قط خصوصا بعد ترسيم الامازيغية...

اذن ان الذي اريد وصول اليه الان أي في شتنبر 2018 هو ضرورة تنظيم المناظرة الوطنية حول المسالة الامازيغية بمشاركة الحكومة برمتها  و المعهد الملكي للثقافة الامازيغية و الحركة الامازيغية بكل مكوناتها في افق سنة 2019 للحوار الوطني حول واقع و افاق المسالة الامازيغية ببلادنا و اعداد الاستراتيجيات الكفيلة لانجاح ورش ترسيم الامازيغية على كل المستويات و الاصعدة بدون  استثناءات ...........

المهدي مالك                                                           

اجمالي القراءات 3417