هل يستطيع رجال الدين تحمل ضريبة تحويل الدين إلى علم؟

خالد منتصر في الخميس ٢٠ - سبتمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

يكرر رجل الدين دائماً أنا عالم مثلى مثل علماء الفيزياء والكيمياء والبيولوجى، وأثناء أى نقاش أو مناظرة بين رجل دين ومفكر علمانى يتخيل رجل الدين أنه قد أفحم العلمانى بجملته المقدسة الخالدة «هل أنت عالم متخصص فى الدين؟»، نحن من الممكن أن نوافق على تلك الجملة ونمررها فى حالة واحدة إذا تحمل رجل الدين ضريبة العلم ودفع ثمن مناقشاته واختلافاته بصدر رحب وبشروط العلم الحقيقى، على سبيل المثال هل يستطيع رجل الدين أن يتحمل صدمة العلماء القدامى فى الطب ويتعامل مثلما تعاملوا حين سقطت نظرية أن السبب فى قرحة المعدة هو عدم التعادل بين الحامضى والقلوى وإرجاع السبب فى تآكل جدار المعدة إلى الحامض الزائد، وظهور نظرية أن البكتيريا هى السبب، وبدلاً من جراحة كبيرة تشق جدار بطن المريض إلى نصفين صار العلاج مجرد كورس مضاد حيوى! هل يرضى رجل الدين أن تتعرض مقدساته أو ما يعتبره مقدسات إلى هذا الاختبار القاسى؟ والمهم هل رد فعله سيكون هو نفس رد فعل أولئك الأطباء القدامى الذين استقبلوا هذا الخبر أو هذا الاكتشاف بكل فرحة وبهجة واحتضنوا هذا العالم الذى اكتشف تلك البكتيريا بل منحوه جائزة نوبل! لم ينفعلوا أو يغضبوا أو يتهموه بالردة أو بإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، لم يطالب هؤلاء الأطباء عندما انهارت قلاعهم العلمية التى احتموا فيها قروناً بأن يصلب ذلك المكتشف وتقطع أيديه وأرجله من خلاف عقاباً له على تطاوله على ذلك المستقر، لماذا لم يفعلوا ذلك؟ لأنه ببساطة ليس فى العلم ذلك المستقر، أو ذلك البديهى المقدس الدينى، سأوافق على ما يقوله رجل الدين وأسميه عالماً فى حالة واحدة إذا حول خطبة الجمعة أو درسه الدينى إلى مؤتمر علمى كتلك المؤتمرات التى نحضرها فى الطب أو الفيزياء أو الكيمياء، إذا استلهم نفس الروح، وقبل نفس حدة المناقشات وتكسير التابوهات، وإذا صفق لمن صحح له خطأه ونشر هذا التصحيح فى مجلة علمية بمقدمة يرحب فيها بمن انتقده ويضع نظرية هذا المصحح الجديدة بدلاً من نظريته القديمة، هنا سأقول إن رجل الدين قد قبل دفع ضريبة العلم، فالعالم الحقيقى لا يكابر فى الحقيقة العلمية، ويحترم كل الآراء، ولا يحتكر الحقيقة لنفسه، ليس فى العلم أقدمية، ومن الممكن جداً أن يصحح أصغر شاب فى قاعة المؤتمر العلمى نظرية أستاذه، وفى نفس الوقت لا يفقد بوصلة الاحترام لهذا الأستاذ الذى يتلقى هذا النقد بكل رحابة صدر ولا يستهجن ويصرخ قائلاً فى تلميذه «انت إزاى تكدبنى وتطلعنى صغير فى المؤتمر، انت قصدك تهزأنى قدام الناس!!!»، لم ولن يقول العالم الحقيقى هذا الكلام، لأن روح العلم المتمردة تسللت إلى نسيج شخصيته، وهو يستطيع التفريق جيداً بين الحوار والإهانة! الحوار العلمى فى المؤتمرات العلمية الحقيقية لا يشخصن الأمور، بمعنى أننى لا أجد أستاذاً يتفه من رأى زميله أو ينتقده لأن هذا الزميل فيه عيوب شخصية، فلا يقول له أنت مزواج مثلاً، أو رأيتك مرة ترقص وتشرب الخمر فكيف ستمنحنا العلم؟! أو كيف وأنت ترتدين فستاناً قصيراً ولا تغطين شعرك بالحجاب ستعطينا محاضرة عن الكوانتم أو تشرحين لنا علاج الأيدز! الحوار العلمى ديمقراطى بجد وليس شعارات، لأنه يخضع الرأى، أو بالأصح البحث، المنشور إلى اختبارات قاسية لا واسطة فيها ولا مجاملة، هناك معايير علمية يخضع لها الجميع من أشهر الأساتذة إلى المغمورين منهم، من يكذب ويزيف ويدلس ويقول أنا اخترعت دواء ساحراً يشفى كذا.. يتم سؤاله أو بالأصح محاكمته العلمية بكل قسوة وبدون طبطبة: كيف صنعت هذا الدواء؟ وما مادته العلمية؟ هل جربته على الحيوانات؟ وما تلك النسبة إذا كان قد نجح؟ وهل هذه النسبة تتفوق على نسبة نجاح الأدوية القديمة؟ ما أعراضه الجانبية ومدى سميته...إلخ، يتم عصر وسلق وسلخ الأستاذ الذى لا تشفع له شهرته أو مركزه أو الأجيال التى تخرجت على يديه! درع العالم الذى يحميه هو حجته العلمية ومدى قدرتها على الإقناع.

إذا استطاع رجل الدين تحمل الصدمات وبالطبع قبل تحمل الصدمات إحداثها، هنا تحول إلى رجل علم فعلاً وتجاوز الحد الفاصل بين الدين والعلم وسبح فى المياه الإقليمية للمنهج العلمى فى التفكير، إذا استطاع أن يحدث صدمة فى تفسير القرآن مثلما فعل كيبلر حين قال إن الكواكب تدور فى نظام غير دائرى حول الشمس، برغم أن الدائرة كاملة ومقدسة عند القدماء، إذا استطاع أن يتجاسر ويناقش المرويات والأحاديث بنفس منهج جاليليو ويصدم المستقر والمألوف، هنا فقط سنقبل رجل الدين فى أكاديمية العلم فقد خلع ثوب حرفية النص وعبادة سحر الماضى، هل يستطيع أن يصدمنا فى منهج العنعنة كما صدم جاليليو كهنة عصره عندما قال عن تساوى سقوط الأجسام مختلفة الوزن بتجربة برج بيزا، وعندما صدمهم فى آلة تطهير الترع التى لا تطهر الترع، وعندما وجه منظاره لرؤية عطارد بالرغم من عدم ذكر أرسطو لهذا الكوكب، وبالطبع وقتها ما لم يذكره أرسطو فهو غير موجود قولاً واحداً مثل النصوص المقدسة لدى رجال الدين! وبالطبع جاء دوران الأرض حول الشمس بزلزال لكراسى الكهنة، فهل يرضى رجل الدين المعاصر المسلم الآن أن يتحمل تلك الأنواع والدرجات من الزلازل أم أن الثمن والضريبة ستكون رؤوسنا نحن الذين أرقنا منامه الهادئ واستقراره المزمن؟!.

اجمالي القراءات 4041