تصدير العمالة المصرية إلى الخارج

آية محمد في الأربعاء ٣٠ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

كنا نسمع فى الماضي الجميل عبارات وشعارات رنانة مثل "المصريين أهمة"! وكل ما نعرفه أن المصريون هم بناة الحضارة العربية وبدونهم لا يستطيع الإخوة العرب أن يخطوا خطوة واحدة إلى الأمام. طبعا كانت هذه الكلمات التي كنت أسمعها من أمي وأسمعها فى كل المجالس التي تتحدث عن القومية العربية، كانت كلمات تبعث الفخر والعزة فى نفسي وفى نفس كل من يسمعها. وما أن خرجت إلى العالم الأكبر الحقيقي حتي صدمت من الواقع الأليم والوهم الكبير الذي كنت أعيش فيه. نعم كانت مصر القائد الأعلي للدول العربية، نعم كانت مصر هي الرائدة فى العلم والفن والإجتماعيات والسياسة والجند والعقل، كانت تعطي الأموال وتتصدق بالمعلميين والمهندسين ليعلموا بدو الجزيرة العربية الذين حتي أوائل القرن العشرين كانوا يعتقدون أن جهاز التليفون رجس من عمل الشيطان. صحيح أن مصر كانت الزعيمة فى كل شىء، ولكن "كانت" فعل ماضي لم يعد له وجود ولم يبقي منه إلا الذكريات الجميلة التي وللأسف لا زال البعض يظن إنها واقع. لا زال البعض يعيش وهم أن "المصريين أهمه" وأننا الزعماء، وأن البلاد العربية تفتح أذرعتها لتحتضنا، وأن وأن وأن. وهم، ونحن خير من يضيع فى الأوهام عمره!

شاءت الأقدار أن أزور جميع الدول الخليجية، عدا المملكة السعودية، وأن أعيش ببعضهم. وأحمد الله إني لم أذهب إلى منطقة الخليج مضطرة مثل الكثير من إخواني المصريين، ولم نعاني مع نظام الكفيل "الخراج المودرن" الظالم الذى يستعبد المستضعفين من المصريين والفلسطينين والبنغاليين، ولكني عشت شعورالمستعبدون بالسماع إلى الكثير من الشكاوي ومعايشة الكثير من المواقف. لن أنكر أن بعض الإخوة العرب لا زالوا يكنون قليل من الحب والمعزة لإخوانهم المصريين وخاصة الإخوة العمانيين، ولكن لن أنكر أيضا إنهم قلة جدا من شعرت منهم بالإحترام تجاه الكيان والشخصية المصرية. والإنطباع العام عن المصريين سىء للغاية، ولن ألوم الإخوة العرب بما فيهم الشوام والمغاربة عن تلك النظرة السيئة لأن المثل يقول "على نفسها جنت براقش"؛ والمصريون هم من جنوا على أنفسهم بتخاذلهم وقبولهم الخنوع والخضوع حتي أصبحوا مذلة فى الداخل و مذلة فى الخارج. ومن لا يحترم نفسه لا يتوقع أن يحترمه الآخرون! وبناء على هذه النظرة المتدنية أصبح سعر المصري كمنتج بشري وكأيدي عاملة بشكل عام من أرخص العمالة وأصبح يتساوي مع الهندي والبنغالي. ولكن، حتي فى هذا، الخليجيون يفضلون الهنود على المصريين لأنهم – كما قال الكثيرون لي – مطيعين ولا يتكبرون (المصريين عنطزة فارغة يعني!)

العمالة عامة تنظم وتوظف عن طريق ما يعرف بشركات التوظيف. وبدول الخليج، وخاصة بدولة الإمارات ودولة قطر، توجد كبري شركات التوظيف المحلية والعالمية ويعملون بنظام عالمي متعارف ومتفق عليه دوليا. شركة التوظيف تقوم علي أساس تقديم الخدمات، والمنتج الذي تقدمه هو الموارد البشرية. ولا يتوقف أبدا إحتياج الشركات لهذا المنتج الهام، وتسعي الشركات الخاصة الطالبة فى البحث عن شركات التوظيف العارضة، وتقبل الشركة الخاصة بشروط شركة التوظيف لتحظي فى المقابل بالعمالة الجيدة من مديرين وأطباء ومهندسين ومحاسبين وتسويقيين. والعقد المتعارف عليه دوليا بين الشركة العارضة والشركة الطالبة يحتوي على بند "الأتعاب" أي سعر هذا المنتج الإنساني. وتدفع الشركة الخاصة الأتعاب أو ثمن الخدمة لشركة التوظيف بعد شهر من إستلام الموظف لعمله للتأكد من كفاءته الأولية، ويكون مقدار المدفوع 12% من الراتب السنوي لهذا الموظف الجديد تدفعه الشركة لشركة التوظيف. هذا هو نظام تعامل الشركات عامة مع شركات توظيف العمالة فى العالم كله، ولكن الأمر يختلف فى مصرنا الحبيبة... يختلف تماما. نحن لدينا شركات توظيف (توظيف خارجي) أيضا ولكن تعمل – كعادتنا – عكس المتعارف عليه فى العالم.

عندما يذهب مواطن لشراء معجون أسنان يقوم بعملية الدفع للشراء لا العكس، أي لا تقوم شركة معجون الأسنان بالدفع للمواطن ليشتري معجونها أو منتجها، نفس الشىء يحدث مع العمالة فى العالم المتحضر كله، ولكن العكس يحدث مع العمالة المصرية المصدرة من مصر. أي تخيل أن شركة المعجون تدفع للمواطن ليشتري منتجها، هذا تماما ما يحدث مع المنتج البشري المصري. كيف حدث هذا، ومن المسئول عنه!!!! ينزل صاحب الشركة العربي "الكفيل – مسئول الخراج" مصر ومعه عدد من التأشيرات الجاهزة للبيع لأعلي سعر. تتلقفه شركات التوظيف المصرية لأن لديها طابور من طلبات العاطلين على إستعداد لشراء الوهم لمجرد أن يجدوا قوت يومهم بكرامة. يطلب الكفيل 10000 جنيه فى التأشيرة، يقبل صاحب شركة التوظيف المصري أيدي وأرجل الكفيل العربي ليخفض المبلغ حتي يستطيع أن يحصل من العامل علي مكسب شركته. يوافق الكفيل بعد المباحثات وتزويده بالعاهرات وتزبيط المزاجات على تخفيض المبلغ إلى 8000 جنيه حتي يتسني لشركة التوظيف كسب 2000 جنيه على كل تأشيرة. يعرض المبلغ على العامل المسكين فلا يصدق أنه سيحصل على تأشيرة فيوافق بكل تأكيد، يركض إلى بيته يبيع ذهب أمه أو زوجته أو يبيع أرضه وملابسه ويأخذ من هذا وذاك ويجمع المبلغ ويركب الطائرة إلى أرض الأحلام والأموال معتقدا أن رغد العيش منتظره. يذهب هذا المسكين فيري الثراء والرفاهية من حوله لا ينال منهم شيئا. يري نساء فاتنات يرتدين أحلي الثياب متبرجات منفتحات، يري الشباب يركب أفخم السيارات، يلعبون بها ليل نهار فى الطرقات، يزداد الحقد والغل فى قلبه، فتحدث له أزمة نفسية، وعند أول إستعباد يوجه له من كفيله ينفجر من الكبت، فيشحنه الكفيل على أول طائرة عائدا إلى مصر خاسرا كل شىء إلا جوازه الأخضر (كتاب حياته) وملابسه. ينزل هذا المسكين لا يفكر إلا فى 10000 جنيه وكيف يعيدهم، يهرول إلى شركة التوظيف كالمجنون "هاتوا فلوسي يا حرامية، يا ولاد ال...". يضطر صاحب الشركة لدفع 10000 جنيه من جيبه مع إنه لم يكسب إلا 2000 فقط ولهذا حكمة! فوزارة القوي العاملة ولتفادي شكاوي العمال، إذا وصلتهم أي شكوي من عامل تجاه شركة توظيف قاموا بتشميعها فورا بلا سين ولا جيم، وبهذا يقوا أنفسهم شر صداع العمال، وتخاف الشركات من التشميع فترضي العامل باية طريقة لتكفي على الخبر. ويزيد عدد المظلومين إثنين العامل زائد صاحب الشركة!

ما يعنيني هنا، لماذا يهان المورد البشري المصري هكذا؟ لماذا تدفع الشركات الخليجية للشركات الأجنبية لجلب المورد البشري الجيد ويدفع المصريون الغلابة للشركات الخليجية تمنيا بالعمل لديهم؟ لماذا لا تعامل شركات التوظيف المصرية من قبل الخليجيين كما يعاملون شركات التوظيف العالمية؟ لماذا يدفعون لشركات التوظيف العالمية مقابل الخدمة ويقبضون من شركات التوظيف المصرية مقابل نفس الخدمة؟ هل هانت علينا أنفسنا لهذه الدرجة؟ أين وزارة القوى العاملة من هذا الظلم الواقع على شركات التوظيف المصرية وعلى الموارد البشرية المصرية؟ من يعيد الإعتبار للمصري عربيا وعالميا؟
السؤال الأخير... إلى متي سنظل هكذا؟


ملحوظة: لقد أعلنت الكويت منع منح تأشيرات عمل أو زيارة أو تحويل إقامات لثمان جنسيات منها المصرية والإيرانية والعراقية والبنغالية والباكستانية والسورية والهندية!!!!

اجمالي القراءات 24907