خاتمة كتاب ( لكل نفس بشرية جسدان )

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٦ - سبتمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

خاتمة كتاب ( لكل نفس بشرية جسدان )

أولا :

1 ـ قبل آدم خلق الله جل وعلا الأنفس البشرية كلها ذكرا وأنثى . ثم تدخل كل نفس جنينها فى الموعد المحدد لها . الله جل وعلا يجعل الحيوان المنوى الذى يتحدد به نوع الجنين ذكرا كان أو أنثى بما يتفق مع نفسه. إن كانت النفس ذكرا فالحيوان المنوى الذى يسبق ملايين الحيوانات المنوبة الأخرى يكون ذكرا ، وإن كانت النفس أنثى فالحيوان المنوى الذى يقتحم البويضة يكون أنثى . ثم يتشكل الجنين بملامح نفسه ذكرا كان أو أنثى.

2 ـ يولد الانسان طفلا يصرخ ويحرك ذراعيه وساقيه ويتبول ويتبرز ويرضع بالغريزة ، ثم تتشكل فى نفسه (الفؤاد ) أى أجهزة السمع والبصر ، فيبدأ بتوجيه سمعه وبصره متفاعلا مع ما حوله ومن حوله ، ويستطيع التعرف على أمه وأبيه ويبدا بالنطق مستجيبا ويتعلم . ثم إذا كانت نفسه أنثى بدأت فى وعيه أحاسيس الأنثى ومنها غريزة الأمومة ، فتحرص الطفلة على اللُّعب الخاصة بالأنثى مثل ( العروسة ) والخاصة بالأمومة مثل  لعبة تمثل طفلا يحتاج الى الرضاعة والعناية. ثم تنظر الى الطفل الذكر نظرة الأنثى الى الذكر. ونفس الحال مع الطفل الذكر فيما يخص اللّعب الخاصة بالذكور والنظرة للأنثى. ويسير فى حياته ذكرا أو أنثى على هذا الأساس .

3 ـ للنفس جهاز سمع وجهاز بصر وبقية الأحاسيس مثل لجسدها المادى . وهى بأجهزتها السمعة والبصرية تسيطر على أجهزة الجسد الحسية . تفعل مثل أجهزة الرقابية فى دولة المستبد الشرقى، ترى وتسمع ولكن تحجب مالا تريده مما تسمع ومما تبصر. ولهذا يسمع المحمديون آيات القرآن الكريم التى تنفى شفاعة البشر بآذانهم المادية ولكن الوعى بها ممنوع لأن نفسه الكافرة تؤمن بأحاديث الشفاعة فتحجب وصول الوعظ والهدى القرآنى الى الوعى . وما أروع قوله جل وعلا : (وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَسْمَعُوا  وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴿١٩٨﴾ الاعراف ) . ينظر اليك بعينيه ولكن نفسه لا تبصرك .( التعقل ) و ( التفقه ) و ( التبصر ) يتم حجبه ، فيرى الانسان الضال بعينيه ويسمع بأذنيه ولكن بينه وبين الحق حجابا مستورا. والمثل الفاضح لهذا أن العقل المجرد ينفى أن يكون الإله شخصا مولودا من أنثى ، ثم تنتهى حياته مصلوبا لم يستطع حماية نفسه من التعذيب والقتل والصلب . كما يزعم المسيحيون فى إلاههم الذى أسموه (المسيح ). ومع هذا يتم حجب التعقل لتتسيد الخرافة وتصبح دينا. ونفس الحال مع المحمديين الذى يقدسون قبورهم المقدسة ، يصنعونها ثم يتوسلون بها ، ويزعموم أن التراب المدفون يسمع ويبصر ويتحكم فى مصائر الناس ، ولو خرج لهم (شبح ) من تحت التراب لهربوا منه رُعبا. وهم يقدسون كتاب ( البخارى ) دون العلم به ، وحين فضحنا ما جاء فى البخارى أتحفونا سبّا وشتما وتكفيرا ، تحيزا لكتابهم المقدس دون أن يتفكروا فيما إفتراه البخارى. ثم هناك من يعبد البقر ومن يعبد الفئران والنسانيس . وإذهب الى الهند فترى العجب .!!

4 ـ هذا يدخل بنا على مستويات النفس. هى نفس واحدة داخل جسدها ولكن لها مستويات .

4 / 1 : هناك المستوى الغريزى الذى يتشارك فيه الإنسان مع الحيوان . أذكر أننى عام 1974 كنت أسكن فى الحى الشعبى ( بولاق الدكرور ) ، وكنت مدرسا مساعدا ، فى بداية الاعداد لرسالة الدكتوراة عن ( أثر التصوف فى مصر العصر المملوكى) ، كنت أجمع المادة العلمية للبحث من مكتبة جامعة القاهرة ، وهى تبعد حوالى اربعة كيلومترات عن شقتى . كنت أعمل من الصباح حتى قبيل العصر ، ثم أسير على قدمى مشغولا بما جمعت، أذهب للغذاء ثم أعود بعد ساعتين ، وفى الليل أسهر على ما جمعت من مادة علمية أوزعها وأعلق عليها. فى ذهابى سيرا من شقتى الى مكتبة جامعة القاهرة وعودتى منها مرتين يوميا كنت أسير متكلما مع نفسى مركّزا التفكير على المادة العلمية التى أجمعها وأرتبها وأعلق عليها، أسير بقدمى الطريق ( شارع همفرس )  المزدحم بالناس والسيارت ثم أعبر السكة الحديد التى تفصل بولاق الدكرور عن حى الدقى ، وأتفادى الأشخاص القطارات والسيارات ، كل هذا وأنا لا أحسُّ بما يجرى حولى لأن التركيز على التفكير فى البحث. وحدث أن إصطدم بى صديق وحيّانى فلم أره ولم أشعر به ، وعاتبنى ، فشرحت له حالى. تحليل ذلك أن هناك مستوى أدنى من النفس يقوم بتسيير الجسد ، بمثل المستوى الذى للحمار مثلا ، فالحمار يعرف الطريق من البيت الى الحقل وبالعكس ويسير يتفادى العقبات دون وعى . ثم هناك مستوى الإدراك وهو الأعلى ، وبه يتميز الانسان عن الحيوان. وبهذا المستوى الأعلى من الإدراك كنت أجمع المادة العلمية منشغلا بها أقوم بتحليلها حتى وأنا اسير غير شاعر بما يحيط بى .

4 / 2 : المستوى الأعلى من الإدراك والذى تتميز به نفس الإنسان ، هو الخاص بمشيئة الانسان . ليست للحيوان مشيئة ، هو يتصرف بغريزته فى البحث عن الطعام وفى التكاثر. وليس عليه تكليف وليس مساءلا يوم القيامة. مشيئة النفس هى فى مستوى إدراكها . فالله جل وعلا خلق النفس البشرية وألهمها الفجور والتقوى ، ثم تشاء النفس أن تختار الفجور أو أن تختار التقوى ، حين تختار الفجور تكون ( النفس الأمّارة بالسوء ) وحين تشاء التقوى تكون ( النفس اللّوّامة ) . قال جل وعلا : ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿٧﴾  فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿٨﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴿٩﴾ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴿١٠﴾ الشمس ). النفس التى تشاء أن تتزكى تفلح يوم القيامة، والنفس التى تشاء أن تكبت الفطرة تخيب يوم القيامة.

5 : وحيث أن النفس هى التى تقوم بتسيير الجسد الذى ترتديه فالجسد هنا محايد مطيع لما تأمره به النفس. ونعطى أمثلة :

5 / 1 : الطفل قبل أن تتحرك فيه نفسه المُدركة ( الفؤاد ) لا يشعر بما حوله ولا بمن حوله ، وكذلك المجنون والنائم ، وكلاهما (غائب عن الوعى ). الجسد هنا يتحرك بالغريزة فى غياب النفس أوالوعى. الوعى هو النفس المدركة أو ( الفؤاد ) الذى يسمع ويبصر .

5 / 2 : يصل الطفل الى مرحلة البلوغ ويكون ( مكلّفا ) أى مسئولا عن أفعاله شرعا طالما لم يكن مجنونا . وهنا نلاحظ :

5 / 2 / 1 : حين يقع إكراه على النفس فلا مؤاخذة عليها ، حتى لو قالت كفرا ( النحل 106 ) أو أرتكبت الزنا إغتصابا بدون إرادة ( النور 33 ) المؤاخذة تكون عند التعمد فقط ( الأحزاب 5) . وعليه فقد ترى فعلا تعتبره حراما ولكن ليس من يفعله مؤاخذا عليه ، كمن يأكل لحم خنرير فى مطعم وهو لا يعلم ، وكمن يفطر فى نهار رمضان يستخدم رُخصة المرض أو السفر . مرجعية هذا للنفس المدركة ، ولا يعلم ما فى القلوب إلا الرحمن جل وعلا.

5 / 2 / 2 : نظرة العين : العين المادية ترى وتنظر ، والنفس المّدركة بعينها هى التى توجّه هذه النظرة . مثلا : قال جل وعلا : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗإِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴿٣٠﴾ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ) 31 ) النور  ) النفس المؤمنة يقع نظرها المادى على ما تشتهيه من الجنس الآخر ، فتغض عينها المادية . النفس الفاجرة يقع نظرها المادى على ما تشتهيه فتركّز عليه ، بل هى تبحث عمدا عن رؤية المحرمات. وما ينطبق على المنظور ينطبق على المسموع .

5 / 2 / 3 : القتل لنفس واحدة أو لآلاف النفس ، قد يكون فرضا فى تشريعات القتال الدفاعى فى الاسلام حين يهاجم المعتدون دولة اسلامية مسالمة ، وقد يدافع شخص مسالم عن نفسه ضد عدو يهاجمه ليقتله ، وتنتهى المعركة بقتل المهاجم المعتدى. فى الحالتين يكون قتل المعتدى أو المعتدين حلالا . هو نفس الفعل ولكن يختلف الحكم. محل الاختلاف يقع فى دائرة النفس التى توجّه جسدها للقتل . إن كانت نفسا مؤمنة مسالمة فالقتل دفاعا مباح ، وإن كانت نفسا معتدية فاجرة فما تفعله من قتل هو حرام. والأشد تحريما هو أن تستحل النفس الفاجرة قتل الأبرياء ، اوالأفظع أن تعبره فريضة ودينا وجهادا فى سبيل الله ، كما فعل الخلفاء الفاسقون ومن يسير على نهجهم اليوم.

6 ـ النفس البشرية فى هذه الدنيا :

6 / 1 : بمشيئة الحرة تنسج بعملها جسدها الآخر الذى ستاتى يوم القيامة تحمله ، وبه يكون خلودها فى الجنة أو خلودها فى الجحيم.

6 / 2 : النفس البشرية لا تختار ملامحها ولا لونها ولا موعد مولدها ولا موعد ومكان موتها ولا نصيبها من الرزق أو ما يحدث من مصائب وإبتلاءات بالشّر أو الخير. لا تختار تلك الحتميات المقدرة لها سلفا . ولكن هذا فقط فيما يخصُّ عمرها القصير فى هذه الدنيا.

6 / 3 : هى تملك بمشيئتها الحرة ما هو أعظم وأفدح ، تملك بمشيئتها الحرة أن تهتدى وتتقى فتدخل الجنة خالدة مخلدة ، أو أن تضل وتطغى فتدخل النار خالدة مخلدة.  الله جل وعلا خلق النفس حُرّة ، ووعد المتقين بالجنة ووعد الظالمين الكفار بالجحيم. والله جل وعلا لا يخلف وعده.

7 ـ ومن عجب أن يقع الانسان فى عبادة جسده المؤقت ويهمل تزكية نفسه الخالدة بالتقوى . هذا مع أن :

7 / 1 ـ هذا الجسد المادى مجرد رداء سيفنى وسيموت ، وليس مثل النفس خالدا .

7 / 2 : هذا الجسد متغير ، يبدا ضعيفا هشّا ثم يقوى ثم يعود ضعيفا هشا ، قال جل وعلا : ( اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚيَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴿٥٤﴾ الروم ). هى حتميات يمُرُّ بها الجسد البشرى إذا إستمر يحيا من طفولته الى شيخوخته . وكل ما يبذله العلم الحديث من تأخير الشيخوخة وإطالة الشباب لا تجدى ولا تنفع ، فهى حتميات شأن الموت .

7 / 3 : كل ما يبذله العلم وتكنولوجيا التجميل لا تجدى فى إخفاء ملامح الشيخوخة فى الوجه ، وهو مرآة الانسان وبطاقته الشخصية . عمليات التجميل تزيد وجه المرأة الشمطاء قُبحا . قال جل وعلا : (وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ۖ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ﴿٦٨﴾ يس ). العاقلات من فاتنات السينما حين يتقدمن فى السن وتعجز عمليات التجميل عن إصلاح الوضع يبتعدن عن الأضواء حفاظا على صورتهن فى أعين الجماهير . يشعر المعجبون بالحزن حين يرون صورة النجمات الفاتنات ( سابقا ) وهن فى الشيخوخة والفارق البشع بين شبابهن وشيخوختهن .

أخيرا

1 : هذا الجسد هو مجرد ثوب ، وهو يتعرض للقدم والتمزق ثم يُلقى به فى الزبالة ( القبر ) شأن أى ثوب . ومن الحمق أن يركز الانسان على ( إصلاح ) ثوب وقتى ويهمل إصلاح نفسه الباقية الخالدة بأن يسجل هذا عملا صالحا فى كتاب أعماله أو فى جسده الآخر الذى سيأتى به يوم القيامة .

2 ـ أليس كذلك ؟ 

اجمالي القراءات 4598